المنطاد الصيني كان يحمل أدوات لـ«جمع الاتصالات الإلكترونية»

حسب الوصف الأكثر شمولاً من إدارة بايدن لأداة «تجسس» بكين

المنطاد الصيني قبيل إسقاطه فوق البحر في كارولاينا الجنوبية في 4 فبراير الحالي (د.ب.أ)
المنطاد الصيني قبيل إسقاطه فوق البحر في كارولاينا الجنوبية في 4 فبراير الحالي (د.ب.أ)
TT

المنطاد الصيني كان يحمل أدوات لـ«جمع الاتصالات الإلكترونية»

المنطاد الصيني قبيل إسقاطه فوق البحر في كارولاينا الجنوبية في 4 فبراير الحالي (د.ب.أ)
المنطاد الصيني قبيل إسقاطه فوق البحر في كارولاينا الجنوبية في 4 فبراير الحالي (د.ب.أ)

قدمت إدارة بايدن وصفها الأكثر شمولاً لمنطاد التجسس الصيني الذي اجتاز الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، قائلة يوم الخميس، إنه كان جزءاً من أسطول مراقبة عالمي بقيادة الجيش الصيني، وإنه كان قادراً على جمع الاتصالات الإلكترونية.
وجاء في وثيقة لوزارة الخارجية الأميركية أن الجيش الأميركي أرسل طائرات تجسس من طراز «يو-2» تعود إلى فترة الحرب الباردة لتتبع المنطاد ودراسته قبل إسقاطه بواسطة طائرة مقاتلة فوق المحيط الأطلسي، يوم السبت. وقالت إدارة بايدن إن مناطيد التجسس الصينية حلّقت فوق أكثر من 40 دولة عبر القارات الخمس، ويبدو أنه من إنتاج شركة أو أكثر من تلك التي تبيع منتجاتها إلى الجيش الصيني بصفة رسمية.
وتؤكد هذه النتيجة تساؤلات المسؤولين الأميركيين بشأن العلاقات بين بعض المؤسسات التي يديرها مدنيون في الصين والجيش في البلاد، فيما يسميه المسؤولون الأميركيون «الاندماج العسكري المدني».
التقطت طائرات الاستطلاع الأميركية صوراً للمنطاد بينما كان لا يزال في الهواء. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن معداته المرئية، التي شملت هوائيات، «كانت مُخصصة بوضوح للمراقبة الاستخباراتية وغير متسقة مع المعدات الموجودة على متن مناطيد الطقس»، في دحض لتأكيدات الحكومة الصينية أن المنطاد كان آلة مدنية للأرصاد الجوية انحرفت عن مسارها.
أسفرت حادثة المنطاد عن زيادة حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، في وقت وصلت فيه العلاقات بالفعل إلى أحد أدنى مستوياتها منذ عقود. ورغم أن كبار المسؤولين الأميركيين يقولون إنهم يعتزمون الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة مع الصين، فإن الروايات المتضاربة بشأن المنطاد تؤجج المزيد من التوتر.
كما بدأت إدارة بايدن حملة لإبلاغ دول العالم عن حجم برنامج منطاد التجسس الصيني وانتهاكاته للسيادة، على أمل أن تتصدى دول أخرى لأنشطة التجسس الصينية.
ويعكف حالياً محققون من «البنتاغون» ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالات أخرى، على فحص الحطام الذي سحبته البحرية الأميركية من المياه الضحلة قُبالة ساحل ساوث كارولاينا.
وقال مسؤولو مكتب التحقيقات الفيدرالي، يوم الخميس، إنهم كانوا يحللون المواد المستردة من جسم المنطاد، والأسلاك، وكميات صغيرة من الأجهزة الإلكترونية التي وجدت طافية على سطح المياه، والتي جاءت كلها من الحطام الذي تسلموه بدءاً من يوم الاثنين. ويعتقد المحققون أن أغلب الإلكترونيات متناثرة في قاع المحيط، حسبما ذكر مسؤولو مكتب التحقيقات الفيدرالي. وأعلن مسؤولون أميركيون في وقت سابق أن طول المنطاد يبلغ 200 قدم، ويحتوي على حمولة بحجم طائرة إقليمية نفاثة. وقال بعض المسؤولين إن معرفة أنواع المعلومات الخاصة بالاتصالات التي يمكن للمنطاد أن يجمعها على وجه الدقة تُعد من أهم الأولويات. وذكر مسؤولون أنهم لم يعثروا على أي دليل يشير إلى أن المنطاد قد يحمل أسلحة.
وقال مسؤولون أميركيون إن المحققين يبحثون أيضاً فيما إذا كانت أي من أجهزة المنطاد تستخدم تكنولوجيا من شركات أميركية أو شركات غربية أخرى. وأي اكتشاف من هذا القبيل يمكن أن يحفز إدارة بايدن على اتخاذ إجراءات أكثر قسوة؛ لضمان عدم شروع الشركات في تصدير التكنولوجيا إلى الصين من التي يمكن استخدامها لدى الأجهزة العسكرية والأمنية في الصين.
وفرض الرئيس بايدن ومساعدوه بالفعل قيوداً واسعة النطاق على مبيعات «التقنيات الأساسية» إلى الصين. ومن أبرز هذه القيود، إعلان الحكومة الأميركية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، منع الشركات الأميركية من بيع رقائق أشباه الموصلات المتقدمة، وبعض تقنيات تصنيع الرقائق إلى الصين. وتهدف القواعد الجديدة أيضاً إلى منع الشركات الأجنبية من مباشرة نفس الأمر.
يكمن الهدف من ضوابط التصدير في عرقلة تطوير الصين للتقنيات المتقدمة، لا سيما الأدوات التي يستخدمها الجيش الصيني. وقد شدد بايدن على أهمية الحفاظ على سلاسل التوريد المستقلة في القطاعات الحيوية، تلك النقطة التي سلط الضوء عليها في خطاب «حالة الاتحاد»، يوم الثلاثاء.
وقال مسؤولون أميركيون إنهم يتوقعون أن أجزاء المنطاد المستردة سوف تعطيهم فكرة عن كيفية عمل المهندسين الصينيين في تجميع تكنولوجيا المراقبة.
وصرح وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الأربعاء، قائلاً: «إننا نحللها لمعرفة المزيد عن برنامج المراقبة. سوف نقرن بين ذلك وما نتعلمه من المنطاد - ما نتعلمه من المنطاد نفسه - وما نستخلصه بناءً على مراقبتنا الدقيقة للنظام عندما كان في مجالنا الجوي، كما وجه الرئيس فريقه للاضطلاع بذلك». وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في وثيقتها أن الحكومة الأميركية واثقة من أن الشركة التي صنعت المنطاد لديها علاقات تجارية مباشرة مع جيش التحرير الشعبي الصيني، حسبما ذكرت بوابة المشتريات الرسمية للجيش الصيني. ولم تُفصح الوزارة عن اسم الشركة.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية، في إشارة إلى جمهورية الصين الشعبية: «سوف تنظر الولايات المتحدة أيضاً في اتخاذ إجراءات ضد الكيانات العاملة في الصين ذات الصلة بالجيش الصيني، والتي دعمت توغل المنطاد في المجال الجوي للولايات المتحدة. كما سوف ننظر أيضاً في الجهود الأوسع نطاقاً لكشف والتعامل مع أنشطة المراقبة الأكبر مجالاً التي تباشرها الصين، والتي تُشكل تهديداً لأمننا القومي، ولحلفائنا وشركائنا».
وقالت الوزارة إن الشركة تُعلن عن منتجات المنطاد على موقعها على الإنترنت، ونشرت مقاطع فيديو من الرحلات السابقة التي مرت على ما يبدو في المجال الجوي الأميركي، وتلك الخاصة ببلدان أخرى. وتُظهر مقاطع الفيديو مناطيد لها أنماط طيران مشابهة لمناطيد المراقبة التي تدرسها الولايات المتحدة.
وذكرت وثيقة وزارة الخارجية الأميركية أن مجموعة الهوائيات في المنطاد «يرجح أنها قادرة على جمع الاتصالات، وتحديد مواقعها الجغرافية»، في حين أن الألواح الشمسية فيها كانت كبيرة بما يكفي لتوليد الطاقة اللازمة لتشغيل «أجهزة استشعار متعددة ونشطة لجمع المعلومات الاستخباراتية».
وقال مسؤولون أميركيون إن وكالات الاستخبارات توصلت إلى أن الهوائيات قادرة على تحديد مواقع أجهزة الاتصالات، بما فيها الهواتف المحمولة وأجهزة الراديو، وجمع البيانات منها. إلا أنهم لا يعرفون بالتحديد نوع الأجهزة التي استهدفت وفقاً لما ذكره مسؤولان.
ويمكن اكتشاف الترددات الراديوية بواسطة السواتل المدارية. ويصعب اكتشاف إشارات الهاتف المحمول من الفضاء، لكنها تبلغ ارتفاعاً يصل إلى مكان انحراف المنطاد، على ارتفاع 60 ألف قدم.
ويقول المسؤولون إن وكالات الاستخبارات لا تعرف بعد ما إذا كان من المفترض للمنطاد التحليق فوق أجزاء من الولايات المتحدة - بما فيها فوق مواقع الأسلحة النووية - أو أنه انحرف عن مساره، أو عانى من عُطل ميكانيكي. ويقول المسؤولون إنهم واثقون من أنهم منعوا المنطاد من جمع أي بيانات حساسة من المواقع النووية الأميركية والقواعد العسكرية الأخرى. واتخذت الحكومة الأميركية أيضاً خطوات لحماية الاتصالات الرسمية، غير أن المسؤولين قالوا إنهم غير متأكدين مما جمعه المنطاد.
وقالت ويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأميركية، أمام لجنة بمجلس الشيوخ يوم الخميس، إن حادثة منطاد التجسس «طرحت بشكل كامل ما أدركناه منذ فترة طويلة؛ إذ أصبحت جمهورية الصين الشعبية أكثر قمعاً في الداخل وأكثر عدوانية في الخارج».
من جهتها، قالت وزارة الدفاع الأميركية إن منطاداً ثانياً انجرف فوق أميركا اللاتينية، الأسبوع الماضي، وكان يمارس عمليات المراقبة أيضاً، رغم أن الصين تؤكد أنه منطاد مدني يُستخدم للرحلات التجريبية.
أسفر وجود المنطاد في الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، عن أزمة دبلوماسية، ودفع الوزير بلينكن لإلغاء زيارته إلى بكين في نهاية الأسبوع، حيث كان من المتوقع أن يلتقي الرئيس الصيني شي جينبينغ. وقال بلينكن إن المنطاد قد انتهك سيادة الولايات المتحدة، وإنه «عمل غير مسؤول» من جانب الصين.
وبعد أن أسقطت طائرة مقاتلة أميركية المنطاد، السبت، قالت الحكومة الصينية إن الولايات المتحدة بالغت في رد فعلها، وانتهكت الاتفاقيات الدولية، وإن الصين تملك «الحق في الرد بأكثر من ذلك». وقالت الحكومة الصينية أيضاً إن ملكية المنطاد تعود للصين، ويجب على الولايات المتحدة عدم الاحتفاظ به.
وقالت الحكومة الأميركية إنها اكتشفت حالات لخمسة مناطيد تجسس صينية على الأقل في الأراضي الأميركية، ثلاثة منها خلال إدارة ترمب، واثنان خلال إدارة بايدن. وقد صُنفت مناطيد التجسس التي شوهدت خلال إدارة ترمب في بداية الأمر بأنها ظواهر جوية مجهولة، بحسب مسؤولين أميركيين. ولم يكن حتى بعد عام 2020 أن درس المسؤولون عن كثب حوادث المنطاد في إطار مراجعة أوسع نطاقاً للظواهر الجوية، وقرروا أنها كانت جزءاً من جهود مراقبة المنطاد العالمية التي تباشرها الصين.
وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، السبت، أن تقريراً استخباراتياً سرياً رُفع إلى الكونغرس الشهر الماضي، أبرز حالتين على الأقل لقوة أجنبية تستخدم تكنولوجيا متطورة للمراقبة الجوية فوق القواعد العسكرية الأميركية، إحداهما داخل الولايات المتحدة القارية، والأخرى في الخارج. وقال مسؤولون أميركيون إن البحث أشار إلى أن الصين كانت القوة الأجنبية المشار إليها، وناقش التقرير أيضاً مسألة مناطيد المراقبة. وقدّرت وكالات الاستخبارات الأميركية أن برنامج مناطيد التجسس في الصين هو جزء من جهود مراقبة عالمية تهدف إلى جمع معلومات عن القدرات العسكرية للبلدان في جميع أنحاء العالم. ويقول المسؤولون الأميركيون إن المسؤولين الصينيين يحاولون عبر هذه الرحلات شحذ قدراتهم على جمع بيانات بشأن القواعد العسكرية الأميركية التي تهتم بها الصين كثيراً، فضلاً عن قواعد بلدان أخرى في حال نشوب نزاع أو تصاعد التوتر. وأشاروا إلى أن البرنامج قد نُفذ في مواقع متعددة في الصين. وتملك الجامعة الوطنية الصينية لتكنولوجيا الدفاع فريقاً من الباحثين يدرسون التقدم في المناطيد. ومنذ عام 2020، نشرت صحيفة «جيش التحرير الشعبي» اليومية، الصحيفة الرئيسية للجيش الصيني، مقالاً يصف كيف أن الفضاء القريب «أصبح ساحة معركة جديدة في الحروب الحديثة».
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

العالم زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

أدلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمزيد من التصريحات بشأن مكالمة هاتفية جرت أخيراً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في أول محادثة مباشرة بين الزعيمين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال زيلينسكي في كييف، الجمعة، بعد يومين من الاتصال الهاتفي، إنه خلال المكالمة، تحدث هو وشي عن سلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها «بما في ذلك شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا على البحر الأسود)» وميثاق الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

تبرأت الصين، اليوم (الجمعة)، من اتهامات وجهها خبراء من الأمم المتحدة بإجبارها مئات الآلاف من التيبتيين على الالتحاق ببرامج «للتدريب المهني» تهدد هويتهم، ويمكن أن تؤدي إلى العمل القسري. وقال خبراء في بيان (الخميس)، إن «مئات الآلاف من التيبتيين تم تحويلهم من حياتهم الريفية التقليدية إلى وظائف تتطلب مهارات منخفضة وذات أجر منخفض منذ عام 2015، في إطار برنامج وُصف بأنه طوعي، لكن مشاركتهم قسرية». واكدت بكين أن «التيبت تتمتع بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والوحدة العرقية وموحّدة دينياً ويعيش الناس (هناك) ويعملون في سلام». وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أن «المخاوف المز

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

أثار كتاب التاريخ لتلاميذ المدارس الصينيين الذي يذكر استجابة البلاد لوباء «كورونا» لأول مرة نقاشاً على الإنترنت، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). يتساءل البعض عما إذا كان الوصف ضمن الكتاب الذي يتناول محاربة البلاد للفيروس صحيحاً وموضوعياً. أعلن قادة الحزب الشيوعي الصيني «انتصاراً حاسماً» على الفيروس في وقت سابق من هذا العام. كما اتُهمت الدولة بعدم الشفافية في مشاركة بيانات فيروس «كورونا». بدأ مقطع فيديو قصير يُظهر فقرة من كتاب التاريخ المدرسي لطلاب الصف الثامن على «دويين»، النسخة المحلية الصينية من «تيك توك»، ينتشر منذ يوم الأربعاء. تم تحميله بواسطة مستخدم يبدو أنه مدرس تاريخ، ويوضح

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.