بدأ الحديث يتصاعد في الأوساط السياسية التركية عقب كارثة الزلزال التي ضربت 10 ولايات في جنوب وشرق وجنوب شرقي البلاد، عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أعلن الرئيس رجب طيب إردوغان، الشهر الماضي، تقديم موعدها من 18 يونيو (حزيران) إلى 14 مايو (أيار)، وما إذا كانت ستجرى في مايو، أم يتم العودة إلى الموعد القديم، أم يتم تأجيلها.
ووسط الانشغال بكارثة الزلزال وأعمال البحث والإنقاذ والجدل المتصاعد والاتهامات الموجهة للحكومة بالتقاعس وعدم اتخاذ التدابير اللازمة قبل الزلزال، رغم وجود تقارير رسمية لفتت إلى أن مشكلة عدم التنسيق أفشلت الجهود التي بذلت لمواجهة آثار زلازل وقعت في السابق، لكن لم تتم الاستفادة منها في الكارثة الأخيرة، طفا على السطح السؤال عن موعد الانتخابات.
أجابت رئيسة حزب «الجيد» المعارضميرال أكشينار عن سؤال للصحافي مراد يتكين، رئيس التحرير السابق لصحيفة «حرييت»، الذي يكتب حالياً عبر مدونته الخاصة، خلال زيارتها للمواقع المنكوبة في ولاية غازي عنتاب جنوب شرقي البلاد، يتعلق بموعد الانتخابات، وهل يتم اتخاذ قرار بتأجيلها في اللحظة الأخيرة، فاستبعدت أن تجرى في 14 مايو، قائلة: «لا أعتقد أنها ستجرى في 14 مايو، قد تجرى في موعدها الأصلي في 18 يونيو».
يتكين أوضح أن أكشينار بدت غير راضية عن السؤال، لأن الوقت لم يكن مناسباً للحديث عن هذه الأمور، لكنه أشار إلى أن هناك تساؤلات عديدة حول ما إذا كان الزلزال سيؤثر على موعد الانتخابات، وهل يقرر الرئيس رجب طيب إردوغان، تأجيل موعد الانتخابات بعد قراره فرض حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر في الولايات العشر التي تضررت من زلزالي فجر الاثنين الماضي، والتي تنتهي في 7 مايو، وأن أكشينار قالت إنها لا تعتقد أنه ستجرى الانتخابات في 14 مايو وقد تعود إلى موعدها السابق في 18 يونيو.
أما عن التأجيل، فقالت أكشينار إن المادة 78 من الدستور تنص على أنه إذا تعذر إجراء الانتخابات بسبب الحرب، يحق للبرلمان تأجيلها لمدة عام واحد، لكنها عبرت عن اعتقادها بألا يصدر هذا القرار عن البرلمان، مضيفة: «علينا نحن السياسيين أن نقوم بواجبنا لإجراء الانتخابات».
وخلال زيارتها لبلدتي بازارجيك وإلبيستان اللتين كانتا مركزين للزلزالين اللذين وقعا فجر الاثنين بقوة 7.7 و7.6، حملت أكشينار الرئيس رجب طيب إردوغان وحكومته المسؤولية عن التأخر في إغاثة المتضررين من الزلزالين في ظل ظروف جوية قاسية ودرجات حرارة منخفضة جداً.
وقالت أكشينار إننا «أمام عجز كبير من جانب الحكومة... لقد سبق أن سلموا الدولة إلى حركة فتح الله غولن، واعتقدت أننا تعلمنا الدرس بعد 15 يوليو (تموز) 2016 عندما هرعت جميع مؤسسات الدولة والشعب إلى الشارع لصد محاولة الانقلاب، لكننا أدركنا الآن أنهم لم يستوعبوا الدرس، هذا الزلزال كشف ذلك. هناك العديد من الدروس التي يجب تعلمها من هذا الزلزال». وأضافت: «بينما أرادوا الاستيلاء على جميع المؤسسات في الدولة، أفسدوا هذه المؤسسات... وبات إردوغان هو المسؤول الوحيد عن كل الأخطاء حتى الآن إنه يدمر اليوم ما حققه بالأمس».
وأشارت أكشينار إلى أنها عاشت زلزال كوجا إيلي في أغسطس (آب) 1999 مع عائلتها، وفقدت 14 من أقاربها، لكن الجيش قدم دعماً لوجيستياً في ساعة مبكرة جداً، وأنشئت مدينة حاويات في 40 يوماً، وفي غضون عام ذهب الناس إلى منازلهم... أما الآن فيتحدث السيد إردوغان عن عام كامل سينتظر فيه الناس حتى يجدوا مكاناً.
وذكرت أكشينار أنها أرسلت زملاءها في الحزب إلى مناطق الزلزال على الفور، وأخبروها بأن ملايين الناس يعانون بسبب انخفاض درجة الحرارة وانقطاع الكهرباء ووسائل الاتصال، ولا يجدون طعاماً أو غطاءً، مضيفة أنها طرقت كل الأبواب، ولم تدع باباً لإنقاذ إنسان لم تطرقه، ولهذا السبب طرقت باب إردوغان في النهاية وأجرت معه اتصالاً هاتفياً».
وتابعت: «لقد ظللت صامتة لمدة 72 ساعة، لم أذهب إلى المنطقة، ولم أتدخل، ولم أرغب في أن أتدخل، لكن الآن علينا أن نجعل صوت المواطن مسموعاً. وكما أنقذ الشعب الدولة في 15 يوليو 2016، سنسحب الشعب من تحت الأنقاض... رغم كل شيء أعتقد أنه لا يستطيع إلغاء الانتخابات. نحن السياسيين في وضع يتعين علينا فيه ضمان إجراء الانتخابات. أتفهم أنها قد لا تجرى في 14 مايو، لكن يجب أن تجرى في موعدها الأصلي في 18 يونيو».
* نقطة تحوّل
ويعتقد خبراء ومراقبون أن العام الحالي سيكون بمثابة نقطة تحول مهمة لتركيا التي تقترب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولأن نتيجة الانتخابات، سواء بقي إردوغان في السلطة أو لا، ستكون لها عواقب قاسية على سكان تركيا واقتصادها وعملتها، وفي الوقت ذاته، فإن استجابة إردوغان للكارثة، التي تعرض بسببها للانتقادات من جانب المعارضة والشارع التركي على السواء، والدعوات التي انطلقت من المعارضة وعلماء الزلازل والجيولوجيا للمساءلة عن سبب عدم تصميم العديد من المباني بشكل يمكنها من تحمل الهزات القوية، سيكون لها دور رئيس في تحديد مستقبل إردوغان السياسي بعد 20 عاماً في السلطة.
لقد عمل إردوغان في الأشهر الأخيرة التي سبقت كارثة الزلزال على تأمين بقائه في السلطة، عبر اتخاذ خطوات لإنقاذ الوضع الاقتصادي في البلاد، وإرضاء أكبر شريحة ممكنة من الناخبين عبر رفع الحد الأدنى للأجور مرات متتالية، واتخاذ خطوات لمحابة التضخم، والإعلان عن انخفاضه على نحو متسارع في الشهرين الماضيين ليهبط إلى نحو 57 في المائة في يناير (كانون الثاني)، من أعلى مستوى في 24 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تجاوز نسبة الـ85 في المائة.
أرجع الخبراء التراجع الاقتصادي في تركيا إلى مزيج من العوامل، منها ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، ووباء «كورونا»، والحرب في أوكرانيا، وبالطبع إلى السياسات الاقتصادية التي وجهها إردوغان، وأصر فيها على تطبيق نموذج مخالف للنظريات الراسخة، والضغط من أجل خفض أسعار الفائدة رغم ارتفاع التضخم، ما أدى إلى إرسال الليرة التركية إلى هوة سحيقة وانخفاض قياسي مقابل الدولار، منذ بدء تطبيق النموذج الاقتصادي لإردوغان في نهاية عام 2021، لتواصل الليرة نزفها في عام 2022 بنسبة 30 في المائة من قيمتها.
كما انخفضت احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية بشكل حاد في السنوات الأخيرة، وتضخم عجز الحساب الجاري، ودفع تآكل الليرة القوة الشرائية للأتراك إلى الحضيض وأضر بشعبية إردوغان.
وزاد الطين بلة، انسحاب أموال ضخمة وهروب المستثمرين بأعداد كبيرة من تركيا في السنوات الأربع الأخيرة، لكن لا يزال مارك موبيوس، أحد كبار خبراء الأسواق الناشئة في «موبيوس كابيتال بارتنرز إل إل بي»، متفائلاً رغم كارثة الزلزال والمشكلات الاقتصادية.
لكن موبيوس يرى أنه إذا أسيء التعامل مع جهود الإنقاذ من كارثة الزلزال، وأصيب الناس بالإحباط، سيكون هناك رد فعل عنيف، والمسألة الأخرى بالطبع هي المباني وأيها هدم، إلى الحد الذي تم بناؤها فيه بموجب القوانين الجديدة وعدم فرض السلطات لوائح على ضوء كارثة زلزال مرمرة في كوجا إيلي في 1999، يمكن أن تكون هناك بعض النكسات الخطيرة لإردوغان، الذي يجب عليه أن يملك زمام السيطرة على الوضع خلال الوضع الراهن.
وذهب موبيوس إلى أن القضية الصارخة المتمثلة في الاستعداد للزلزال في تركيا قد تطارد إردوغان في الانتخابات، مشيراً إلى أن واحدة من المشكلات الكبرى هي أن قوانين البناء ليست على قدم المساواة بين مناطق تركيا المختلفة.
قضية الانتخابات تطفو على السطح في تركيا رغم كارثة الزلزال
خبراء يتوقعون تحدي قضية معايير البناء لإردوغان والمعارضة تحمله مسؤولية القصور
قضية الانتخابات تطفو على السطح في تركيا رغم كارثة الزلزال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة