الغلوكوما... «اللص الصامت»

التشخيص والعلاج مبكراً يقيان من تلف العصب وفقدان البصر

د. محسن سمعان
د. محسن سمعان
TT

الغلوكوما... «اللص الصامت»

د. محسن سمعان
د. محسن سمعان

الغلوكوما Glaucoma (الماء الأزرق)، مرض يسرق البصر دون أي أعراض ظاهرة، لذا وصف بـ«اللص الصامت»، يصيب العين ويتلف عصبها البصري، الذي ينقل الرؤية من العين إلى الدماغ، بسبب ضغط السائل داخل العين. ومع مرور الوقت يحدث فقدان لألياف العصب وبالتالي فقدان للمجال البصري والرؤية. قد يحدث المرض بسبب ارتفاع ضغط العين عن المعدل الطبيعي، أو بسبب ضعف العصب البصري.
تشريحيا، تمتلئ الغرفة الأمامية للعين (الجزء الداخلي من مقدمة العين) بسائل مائي يسمى الخلط المائي (aqueous humour). ويخلق هذا السائل ضغطاً طبيعياً في العين، ما يحافظ على صحتها وشكلها الصحيح. يعرف هذا الضغط باسم ضغط العين (Intra Ocular Pressure (IOP)) ولا يرتبط بضغط الدم بأي شكل من الأشكال. يختلف السائل المائي الموجود داخل العين عن الدموع.
عادةً ما يتم تصريف السائل المائي بنفس معدل إنتاجه لإبقاء العين عند الضغط الصحيح. يتراوح النطاق الطبيعي لضغط العين تقريباً من 10 إلى 21 ملم زئبق. وإذا لم يتم تصريف السائل بالسرعة التي يتم إنتاجه بها، فسوف يتراكم ويرتفع ضغط العين، وبالتالي يتسبب هذا الضغط في تلف العصب البصري عند النقطة التي يترك فيها الجزء الخلفي من العين. هذه الحالة تسمى «غلوكوما».
يعد العصب البصري مهماً للبصر لأنه مسار الإشارات من شبكية العين، الخلايا الحساسة للضوء في الجزء الخلفي من العين، إلى الدماغ متيحا رؤية العالم من حولنا.

- عوامل الإصابة
من هم المعرضون لخطر الإصابة بالغلوكوما؟
يجيب الدكتور محسن سمعان استشاري طب وجراحة العيون والمدير الطبي لمشفى باراكير في دبي بأن لهذا المرض العديد من عوامل الخطر، أشهرها ارتفاع ضغط العين، وهو العامل الوحيد الذي يمكننا معالجته، ولكن هناك عوامل خطر أخرى مثل انخفاض ضغط الدم أو توقف التنفس أثناء النوم، وفي كلا المرضين هناك تغيير في تدفق الدم إلى العصب البصري وبالتالي سوف تعاني العين أكثر من مضاعفات زيادة ضغط العين. ويضيف أن أحد أهم عوامل الخطر أيضاً هو العامل الوراثي حيث إن أحفاد مرضى الغلوكوما عندهم احتمال أكبر ليورثوا الغلوكوما.
ووفقاً للمعهد الوطني الملكي للمكفوفين (Royal National Institute of Blind People، (RNIB)) في المملكة المتحدة لفقدان البصر، يمكن لأي شخص أن يصاب بمرض الغلوكوما، بالنظر إلى العوامل التالية:
- العمر: يعتبر الغلوكوما أكثر شيوعاً مع التقدم في العمر، يصيب 2 في المائة من الأشخاص فوق سن 40. وتزيد النسبة إلى ما يقرب من 10 في المائة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 75 عاماً.
- التاريخ العائلي: إذا تم تشخيص إصابة أحد أفراد العائلة بمرض الغلوكوما وجب على باقي أفرادها مراجعة طبيب العيون، ومن كان عمره يزيد عن 40 عاماً يفحص كل عام.
- العرق: الأصل الأفريقي الكاريبي أكثر عرضة للإصابة بالغلوكوما مفتوح الزاوية ويتطور لديهم في وقت مبكر من الحياة - قبل سن الأربعين، والأصل الشرق آسيوي أكثر عرضة للغلوكوما مغلق الزاوية.
- قصر النظر، يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالغلوكوما مفتوح الزاوية. وطول النظر، بالغلوكوما مغلق الزاوية.
- مرض السكري، يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالغلوكوما.
- استخدام الستيرويدات (steroids)، لفترة طويلة من الزمن، يزيد من خطر الإصابة.

- تصنيف الغلوكوما
يقول الدكتور محسن سمعان يمكننا تصنيف الغلوكوما إلى فئتين رئيسيتين هما:
- الأولى، الغلوكوما الأساسي مفتوح الزاوية وهو الأكثر شيوعاً (80%)، حيث يحدث تلف العصب البصري ببطء على مدى فترة طويلة من الزمن بسبب زيادة ضغط العين إلى أكثر من 21 ملم زئبق.
- الثانية، الغلوكوما ضيق أو مغلق الزاوية (20%)، حيث يحدث تلف العصب البصري بسرعة كبيرة بسبب الارتفاع المفاجئ في ضغط العين.
- أخرى، كما يمكن أن يحدث مرض الغلوكوما نتيجة مرض آخر بالعين أو إصابة في العين أو بسبب الأدوية فيسمى «غلوكوما ثانوي»، أو أن يولد الطفل مصابا بالمرض فيسمى «غلوكوما خِلْقي». هناك أيضاً الغلوكوما الذي يصيب الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و30 عاماً.

- الأعراض
يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار أن الغلوكوما ذا الزاوية المفتوحة مرض صامت بدون أعراض تماماً حيث إن ضغط العين لا يسبب أي ألم، وقد لا يلاحظ المريض أي اختلاف في الرؤية لأن الغلوكوما يؤثر على الرؤية المحيطية (المعروفة أيضاً بالرؤية الجانبية) أولاً، وهي ليست حساسة مثل الرؤية المركزية، فمن الصعب ملاحظة أي تغييرات مبكرة في الرؤية - لكن البصر يتضرر مع مرور الوقت. من المهم إجراء اختبارات العين دوريا وبانتظام لأنها هي الطريقة الوحيدة لمعرفة وتشخيص الإصابة أو نفيها. كلما تم التقاط الغلوكوما وعلاجه في وقت مبكر، أمكن حماية المزيد من النظر. كيف يمكن أن يؤثر الغلوكوما الأساسي مفتوح الزاوية على البصر؟
يصيب مرض الغلوكوما الأساسي مفتوح الزاوية، عادة، كلتا العينين، ولكن قد تتأثر إحدى العينين أكثر من الأخرى. ومع حدوث التلف في العصب البصري، تبدأ البقع العمياء (blind spots) في التكون في الحواف الخارجية للرؤية فتحجب الرؤية المحيطية. إذا لم يتم التشخيص ولم يبدأ العلاج، فإن فقدان البصر يتقدم ببطء بحيث يصبح مجال الرؤية ضيقاً جداً ويمكن أن يبدو المريض كما لو كان ينظر عبر نفق. ومع مرور الوقت وعدم البدء في العلاج، فإن الرؤية المركزية قد تتأثر أيضاً، مما يتسبب في ظهور نقاط عمياء عند النظر إلى الأمام مباشرة.
لسوء الحظ، بمجرد حدوث فقدان البصر، لا يمكن عكسه حيث لا توجد حالياً علاجات يمكنها استعادة العصب التالف. هذا يعني أن من المهم حقاً أن يتم التقاط الغلوكوما وعلاجه مبكراً لمنع تلف العصب البصري في المقام الأول ومن ثم تجنب فقدان البصر.

- التشخيص
أوضح الدكتور محسن سمعان أن هناك ثلاثة قياسات رئيسية للتحقق من الغلوكوما مفتوح الزاوية: قياس ضغط العين، قياس سماكة القرنية، وإجراء تصوير مقطعي للعين (OCT) الذي يتكون من مسح طبقات أو ألياف العصب البصري وتقعره، إضافةً إلى فحوصات أخرى يتم إجراؤها حسب الحاجة:
- قياس ضغط العين (tonometry)، ويتم باستخدام اختبار «نفث الهواء puff of air»، أو باستخدام قطرات مخدرة للعين والقطرة الصفراء والضوء الأزرق وأداة صغيرة تلامس العين بلطف وهي طريقة أكثر دقة.
- قياس سمك القرنية، الذي يمكن أن يساعد في دقة قراءات ضغط العين.
- التصوير المقطعي للعين (OCT)، لعمل مسح مفصل للعصب البصري الذي يمكنه أن يظهر أي تلف في خلايا العصب البصري، وأيضاً لفحص زاوية التصريف بالعين.
- فحص صحة العصب البصري، في الجزء الخلفي من العين باستخدام ضوء ساطع للتحقق من أي تغيرات، كما يمكن التقاط صورة فوتوغرافية للعصب البصري في الجزء الخلفي من العين.
- قياس مجال الرؤية، للتحقق من أي مناطق مفقودة في الرؤية أو وجود نقاط عمياء. أثناء هذا الاختبار، يتم التركيز على منتصف الشاشة والضغط على الزر في كل مرة يرى فيها المريض وميضاً صغيراً من الضوء في مجال الرؤية الجانبية.
يتم عادة النظر إلى نتائج كل هذه الاختبارات معاً لأن مرض الغلوكوما يمكن أن يتواجد حتى لو كان ضغط العين طبيعياً.

- العلاج
أشار الدكتور محسن سمعان إلى أن الهدف من العلاج هو الحفاظ على الرؤية وتوفير حياة طبيعية للمريض، وذلك من خلال الحفاظ على العصب البصري في أفضل الظروف للحصول على مجال بصري جيد. بمجرد أن يتم تشخيص الغلوكوما، يجب أن يبدأ العلاج على الفور بخفض ضغط العين لمنع الضرر عن العصب البصري، وهو عامل الخطر الوحيد الذي يمكننا التحكم فيه، وننجح في معظم الحالات، وذلك من خلال الآتي:
- العلاج بقطرات العين: وهي على أنواع، وظيفتها خفض ضغط العين إما عن طريق تقليل كمية السائل المائي الذي تنتجه العين أو عن طريق زيادة سرعة تصريفه. وتستخدم باستمرار وقد تكون مدى الحياة، مع التزام دقيق من المريض ومراقبة منتظمة لضغط العين للتأكد من مدى فعالية القطرات.
استخدام القطرات لن يغير في قوة البصر، فهي تمنع أي ضرر مستقبلي للبصر، لذا من المهم جداً الاستمرار في استخدامها وعدم التهاون حتى لا يرتفع ضغط العين الذي يتلف العصب البصري، ويؤدي إلى فقدان البصر.
- العلاج بالليزر: أكثره شيوعا هو رأب التربيق (laser trabeculoplasty) وهو أكثر فعالية في الغلوكوما مغلق الزاوية، حيث يتم عمل ثقب صغير في القزحية، يساعد على تصريف السوائل بشكل أفضل مما يقلل من ضغط العين. لكن في حالة الزاوية المفتوحة، هناك أنواع أخرى من الليزر يمكن أن تسهل خروج السائل الموجود داخل العين إلى الدورة الدموية وبالتالي ينخفض الضغط. تجرى علاجات الليزر عادةً في العيادة الخارجية تحت التخدير الموضعي، وتنجح في خفض ضغط العين لدى بعض المرضى، ولكن يظل المريض بحاجة عادةً إلى الاستمرار في استخدام قطرات العين بعد العلاج للحفاظ على استقرار ضغط العين.
- العلاج بالجراحة: وهو الخيار الأخير، وهدفه خفض ضغط العين، أكثر العمليات انتشاراً هي جراحة استئصال الترابيك (trabeculectomy)، لخلق قناة تصريف دائمة جديدة في العين لتصريف السائل المائي إلى منطقة تحت الملتحمة وبالتالي يتم امتصاصه عن طريق الأوعية الدموية، مما يقلل من ضغط العين. قد ينخفض الضغط لدى بعض المرضى بدرجة كافية بحيث لا تكون هناك حاجة للقطرات على العين التي خضعت للعملية.
هناك أنواع أخرى من الجراحة للغلوكوما، يحددها طبيب العيون بالمناقشة مع المريض، مثل تحويلات السائل (aqueous shunts) أو زرع الأنبوب (tube implant).
أخيراً، يؤكد استشاري طب وجراحة العيون الدكتور محسن سمعان أن مرض «الغلوكوما» هو من أهم أسباب العمى، ولحسن الحظ، أنه يمكن تجنبه والوقاية منه بالتوجيه ونشر خصائصه بأنه مرض «صامت» وينصح بعمل الفحص الدوري للتشخيص الباكر والعلاج في الوقت المناسب علما بأن هناك 3.5 في المائة من الأشخاص فوق سن الأربعين مصابين بمرض الغلوكوما وهم لا يعلمون. ويجب أن يتفهم المريض طبيعة هذا المرض وأنه سيستمر مدى الحياة، وعليه أن يتعاون ويلتزم بالعلاج دون إهمال أو نسيان.

- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف النساء في أفريقيا سيعانين من السمنة بحلول عام 2030

صحتك السمنة تزيد مخاطر السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب (جامعة ولاية واشنطن)

دراسة: نصف النساء في أفريقيا سيعانين من السمنة بحلول عام 2030

قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية إن دراسة حديثة أجراها الاتحاد العالمي للسمنة خلصت إلى أن ما يقرب من نصف النساء في أفريقيا سيعانين من السمنة أو زيادة الوزن.

صحتك 7 حقائق عن غازات البطن

7 حقائق عن غازات البطن

قد يستغرب البعض، لكنها حقيقة تُؤكدها المصادر الطبية، وهي أن عدد مرات إخراج الغازات يتراوح ما بين 12 إلى 25 مرة في اليوم لدى الإنسان «الطبيعي»

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك هل يصبح ارتفاع ضغط الدم ظاهرة منتشرة لدى الأطفال؟

هل يصبح ارتفاع ضغط الدم ظاهرة منتشرة لدى الأطفال؟

على الرغم من أن ارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال pediatric hypertension لا يُعد من الأمراض الشائعة في مرحلة الطفولة، فإنه في ازدياد مستمر.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك أغذية خالية من الغلوتين وغنية بالألياف

أغذية خالية من الغلوتين وغنية بالألياف

ترتبط الأنظمة الغذائية الغنية بالألياف بانخفاض خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساتشوستس الأميركية)
صحتك «الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

يُعد الحزَّاز المسطح (Lichen Planus) من الأمراض الجلدية الالتهابية المزمنة ذات الطبيعة المناعية الذاتية، التي تؤثر في الجلد والأغشية المخاطية

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة
TT

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

«الحزَّاز المسطَّح»... علاجات موجهة واعدة

يُعد الحزَّاز المسطح (Lichen Planus) من الأمراض الجلدية الالتهابية المزمنة ذات الطبيعة المناعية الذاتية، التي تؤثر في الجلد والأغشية المخاطية، وأحياناً تمتد إلى الأظافر وفروة الرأس. ويظهر المرض عادةً على شكل طفح جلدي يتميز بوجود نتوءات بنفسجية مسطحة ومسببة للحكة، وقد يسبب في بعض الحالات مضاعفات تؤثر في نوعية حياة المريض بشكل كبير. وعلى الرغم من مرور أكثر من قرن على اكتشاف الحزَّاز المسطح، فإن أسبابه الحقيقية لا تزال غير مفهومة بالكامل، لكن الأدلة العلمية الحديثة ترجّح أن الجهاز المناعي يلعب دوراً رئيسياً في تطور المرض من خلال استجابة التهابية غير طبيعية.

في السنوات الأخيرة، أحرزت الأبحاث تقدماً كبيراً في فهم آليات المرض، مما أدى إلى تطوير استراتيجيات علاجية جديدة تستهدف المسارات المناعية المسؤولة عن التفاعل الالتهابي. ومع ذلك، لا يزال الحزَّاز المسطح من الأمراض التي يصعب علاجها، إذ إن الكثير من العلاجات التقليدية تقدم استجابة غير كافية لبعض المرضى، مما يدفع العلماء إلى البحث عن علاجات بيولوجية أكثر دقة وفاعلية.

ونستعرض هنا أحدث التطورات في تشخيص وعلاج الحزَّاز المسطح، مع التركيز على العلاجات المستجدة، بما في ذلك العلاجات البيولوجية المستهدفة، والتي أظهرت نتائج واعدة في الحد من الالتهاب وتحسين الأعراض لدى المرضى الذين لم يستجيبوا للعلاجات التقليدية.

الحزَّاز المسطح

يصيب التهاب الحزَّاز المسطح 1 - 2 في المائة من عامة السكان، وهو مرض جلدي مناعي ذاتي يتميز بظهور طفح جلدي على شكل نتوءات مسطحة أو بثور صلبة (Papules) متعددة الأضلاع ذات لون بنفسجي، تتطور على مدى عدة أسابيع، وقد يكون الطفح مصحوباً بحكة شديدة.

يصيب المرض الجلد والشعر والأظافر ويؤثر أيضاً على الأغشية المخاطية في الفم والأعضاء التناسلية، مما يسبب تقرحات مؤلمة قد تؤدي إلى مضاعفات طويلة الأمد، مثل تليف الأنسجة وزيادة خطر التحول الخبيث في بعض الحالات. يؤثر المرض بشكل كبير على جودة حياة المرضى بسبب الحكة الشديدة أو الألم.

وعن آلية المرض، تشير الدراسات إلى أن الحزَّاز المسطح ناتج عن استجابة مناعية غير طبيعية تُهاجم فيها الخلايا التائية الطبقةَ القاعدية للبشرة التي تسمى الكيراتينوسيتات (Keratinocytes)، مما يؤدي إلى تلفها وتحفيز الالتهاب المزمن. وتلعب عوامل النمو الالتهابية ومنها الإنترلوكين-17 (IL-17) دوراً رئيسياً في تطور المرض. وقد أظهرت الدراسات الحديثة ارتباط المرض ببعض الفيروسات، مثل فيروس التهاب الكبد الوبائي سي (HCV)، مما يفتح المجال أمام استراتيجيات علاجية جديدة.

عوامل الخطر

رغم أن السبب المباشر للحزَّاز المسطح غير معروف بشكل دقيق، فإن هناك عدة عوامل قد تزيد من خطر الإصابة به، وتشمل:

• الاضطرابات المناعية: يُعتقد أن اضطرابات المناعة الذاتية تلعب دوراً رئيسياً في تطور المرض، حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا الجلد والأغشية المخاطية بشكل غير طبيعي.

• الالتهابات الفيروسية: وُجد ارتباط بين الحزَّاز المسطح والإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي سي (HCV)، إذ أظهر بعض الدراسات زيادة معدلات الإصابة بالحزَّاز المسطح بين مرضى التهاب الكبد.

• العوامل الوراثية: قد يكون للأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للإصابة بالحزَّاز المسطح قابلية أكبر للإصابة، مما يشير إلى احتمال وجود عوامل جينية مرتبطة بالمرض.

• التوتر والضغوط النفسية: يُعد الإجهاد النفسي والعاطفي من المحفزات التي قد تؤدي إلى تفاقم الأعراض أو ظهور المرض لدى بعض الأشخاص.

• استخدام بعض الأدوية: بعض الأدوية مثل أدوية ارتفاع ضغط الدم مثل مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE inhibitors) وبعض مضادات الملاريا قد تتسبب في ظهور طفح شبيه بالحزَّاز المسطح.

• التعرض لمواد كيميائية معينة: يؤدي بعض المواد الكيميائية، مثل تلك المستخدمة في حشوات الأسنان المعدنية، إلى رد فعل تحسسي شبيه بالحزَّاز المسطح في الفم.

التشخيص

كيف يشخَّص الحزَّاز المسطح؟ يعتمد التشخيص على الفحص السريري المدعوم بالخزعة الجلدية التي تُظهر واجهة التهاب اللُّحمة الليمفاوية (lichenoid interface dermatitis). وتشمل الوسائل التشخيصية الحديثة ما يلي:

• التنظير الجلدي (Dermatoscopy): يُساعد في تمييز المرض عن حالات جلدية أخرى مثل الصدفية والذئبة الحمامية.

• الفحوص الجينية والمناعية: تشير الأبحاث إلى أن بعض الجينات المرتبطة بالمناعة الذاتية قد تلعب دوراً في القابلية للإصابة بالمرض.

• الاختبارات المَصلية لالتهاب الكبد الفيروسي «سي» في الحالات المشتبه بها.

العلاج

علاج الحزَّاز المسطح صعب وخياراته ما زالت قليلة. وحتى الآن، لم تتوفر أدوية خاصة بمرض الحزَّاز المسطح. ورغم غياب العلاج الشافي فإن هناك علاجات متنوعة بإمكانها المساعدة في إدارة الأعراض. إلا أن هذه العلاجات قد تترافق مع آثار جانبية، مثل ترقق الجلد، وضعف الجهاز المناعي، وزيادة خطر التعرض للعدوى.

وهناك حاجة لمزيد من الخيارات لأولئك المرضى الذين لا يستجيبون للعلاج، ومنهم المصابون ببعض الأنواع الفرعية من المرض، مثل الحزَّاز المسطح الضخامي والحزَّاز المسطح المخاطي، وهي حالات مزمنة لا تستجيب للعلاج.

• أولاً- العلاجات التقليدية، وتشمل:

- الكورتيكوستيرويدات الموضعية (Topical Corticosteroids): لا تزال خط العلاج الأول، حيث تساعد على تقليل الالتهاب والحكة.

- مثبطات الكالسينيورين (Tacrolimus , Pimecrolimus): تُستخدم في الحالات المخاطية خاصةً التي لا تستجيب للستيرويدات.

- الكورتيكوستيرويدات الجهازية: مثل بريدنيزولون، تُستخدم في الحالات الشديدة أو المنتشرة.

• ثانياً- العلاجات المستجدة: مع التقدم في فهم آليات المرض، ظهرت علاجات جديدة تهدف إلى تثبيط الالتهاب المناعي وتحسين جودة حياة المرضى.

وتشمل أحدث الخيارات العلاجية:

1. العلاجات البيولوجية والجزيئية المستهدفة، وتتضمن:

- مثبطات إنزيم جانوس كيناز Janus kinase (JAK)؛ مثل Tofacitinib وRuxolitinib، التي أظهرت فاعليتها في تثبيط الالتهاب المناعي لدى بعض المرضى.

- مثبطات إنترلوكين 17، 23 (IL-17 , IL-23) تُستخدم عادةً لعلاج الصدفية، وهناك دراسات تُقيّم فاعليتها في الحزَّاز المسطح المقاوم للعلاج التقليدي.

- العلاج الضوئي (PUVA). يُعد خياراً مفيداً للحالات الجلدية المنتشرة.

2. العلاجات التجريبية والمستقبلية، وتشمل:

- العلاج بالخلايا الجذعية: يتم حالياً دراسة إمكانية استخدام الخلايا الجذعية في تقليل الالتهاب وإصلاح الأنسجة المتضررة.

- العلاجات المناعية الموجهة: يتم تطوير أدوية تستهدف مسارات مناعية محددة قد تكون أكثر فاعلية وأقل آثاراً جانبية.

• ثالثاً- العلاج الموجَّه.

دراسة حديثة

أجرى باحثون دراسة برئاسة الدكتور مانغولد (Aaron R. Mangold, M.D)، دكتوراه في الأمراض الجلدية، واستشاري وباحث في مركز «مايو كلينيك الشامل للسرطان» في فينيكس، والمهتم بدراسة الحالات الالتهابية النادرة والعلاجات الجديدة.

ونُشرت الدراسة في مجلة الفحوص السريرية (Journal of Clinical Investigation)، ووصفت المرحلة الثانية في التجربة السريرية الأولى التي أجروها على الإنسان. حددت هذه الدراسة علاجاً موجّهاً أظهر قدرة واعدة على تحسين الأعراض لدى مرضى الحزَّاز المسطح.

وحدد الباحثون تغييرات جزيئية وخلوية فريدة في الجلد المصاب بالحزَّاز المسطح، وعلى وجه التحديد استجابة مناعية مفرطة تشمل أنواعاً محددة من الخلايا التائية (T cells)، وهي مكون شديد الأهمية في الجهاز المناعي.

ودرسوا السيتوكينات (Cytokines) وهي بروتينات صغيرة ضرورية للتحكم في نمو ونشاط خلايا الجهاز المناعي وخلايا الدم الأخرى. وتشمل إنترفيرون غاما (interferon-gamma)، وهي إشارة حرجة للاستجابات الطبيعية المضادة للفيروسات، والتي تصبح شاذة حال الإصابة بالحزَّاز المسطح وتسبب مهاجمة الخلايا المناعية للخلايا الطبيعية.

وكذلك إنزيمات جانوس كيناز (Janus kinase (JAK)) التي تؤدي دوراً في غاية الأهمية في استجابة الجسم للالتهابات.

استخدم الباحثون، لعلاج المرضى المسجلين في الدراسة، عقار باريسيتينيب (baricitinib) الذي يعوق بشكل انتقائي المسارات الالتهابية المحدَّدة للحزاز المسطح. والباريسيتينيب هو أحد مثبطات إنزيمي جانوس كيناز 1 و2 اللذين يقطعان مسار إرسال إشارات إنترفيرون غاما عن طريق تعطيل هذه الإنزيمات، وهذا يساعد على تقليل الالتهاب وكبت الاستجابة المناعية المفرطة التي تسهم في مثل تلك الحالات.

نتائج وتوصيات

أظهر المرضى المصابون بالحزَّاز المسطح المقاوم للعلاج استجابةً سريريةً مبكرةً ومستمرةً، إذ تحسّنت الأعراض بنسبة 83 في المائة خلال 16 أسبوعاً من العلاج، وهو تحسّن ملحوظ مقارنةً بالقيمة القاعدية. وخفّضت المعالَجة سريعاً نشاط الإنترفيرون، وهو جزيء إشاري في هذا المرض، كما خفضت الخلايا التائية المحدَّدة المسببة للأمراض.

وصف الدكتور مانغولد هذا البحث بأنه يُعد خطوة مهمة في رسم الصورة الكاملة لفهم أمراض المناعة الذاتية والالتهابات، وعلاجها، وأنه يقدم رؤى قيمة بخصوص الفسيولوجيا المرضية للحزَّاز المسطح، ويُظهر إمكانات الباريسيتينيب بوصفه علاجاً موجهاً واعداً، وأن نتائج الدراسة توفر خياراً علاجياً محتملاً وفعالاً ومخصصاً لمرض الحزَّاز المسطح وعلاجاً مستهدفاً لأمراض التهابية أخرى.

يُعد الحزَّاز المسطح مرضاً مزمناً يُؤثر بشكل كبير في جودة الحياة، لذا فإن الباحثين في الدراسة يوصون بالآتي:

- لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات السريرية لتحديد أفضل الاستراتيجيات العلاجية، خصوصاً في الحالات المقاومة.

- يُنصح الأطباء بالاعتماد على نهج علاجي متكامل يجمع بين العلاج التقليدي والخيارات البيولوجية الحديثة وفقاً لكل حالة.

- تمهد هذه العلاجات الحديثة الطريق نحو تحسين السيطرة على المرض وتقليل فرص الانتكاس.

* استشاري طب المجتمع