استراتيجيات حكومية ودولية لمواجهة انعدام الأمن الغذائي في اليمن

برامج لدعم سبل العيش وتحسين القدرة على الصمود في الأرياف

مساعدات أممية لنازحين يمنيين في محافظة حجة شمال غربي البلاد (أ.ف.ب)
مساعدات أممية لنازحين يمنيين في محافظة حجة شمال غربي البلاد (أ.ف.ب)
TT

استراتيجيات حكومية ودولية لمواجهة انعدام الأمن الغذائي في اليمن

مساعدات أممية لنازحين يمنيين في محافظة حجة شمال غربي البلاد (أ.ف.ب)
مساعدات أممية لنازحين يمنيين في محافظة حجة شمال غربي البلاد (أ.ف.ب)

تسعى الحكومة اليمنية، بالتعاون مع منظمات دولية، إلى بناء تحالفات واستراتيجيات لمواجهة الخطر المتزايد على الأمن الغذائي في اليمن، الذي بلغ مرحلة خطرة باستمرار ارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية، وتراجع مستوى الدخل، واتساع رقعة البطالة، وظروف النزوح بسبب انقلاب وحرب الحوثيين.
وفي هذا السياق، بدأت في العاصمة اليمنية المؤقتة (عدن) مناقشات برنامج «سبل العيش وتحسين القدرة على الصمود في المناطق الريفية»، الذي يتبناه كل من «البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة»، و«منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة» (فاو)، و«الاتحاد الأوروبي»، و«الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي»، ويستهدف ما يقارب مليون مواطن يمني من العاملين في القطاع الزراعي في سبع محافظات.
وطبقاً لتصريحات وزير التخطيط والتعاون الدولي واعد باذيب؛ يمثل البرنامج نموذجاً متميزاً للمشروعات ثلاثية الأبعاد التي تجمع بين الدعم الإنساني والعمل التنموي، حيث يسهم في تنمية سبل المعيشة وتوفير فرص عمل للمزارعين، ويرفع إنتاجية القطاع الزراعي، وتمكين الشباب والمرأة.
كما يدعم البرنامج إمكانية تحقيق التنمية المستدامة، وخصوصاً في القطاع الزراعي والأمن الغذائي وسلاسل القيمة، ويستجيب للحد من تداعيات الأزمات في القطاع الزراعي والتغيرات المناخية ومقاومة الصدمات الاقتصادية، بحسب باذيب.
وكان برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، ذكر أخيراً أن أزمة انعدام الأمن الغذائي في اليمن لا تزال قائمة رغم ارتفاع واردات الوقود والغذاء إلى موانئ الحديدة خلال العام الماضي، في تلميح إلى عدم وفاء الميليشيات الحوثية بالتزاماتها تجاه دفع أجور الموظفين العموميين وفقاً للهدنة الأممية.
وحذر التقرير من أن سكان البلاد يعانون من نقص في استهلاك الغذاء الكافي، وغير قادرين على تلبية احتياجاتهم، حيث ظل «استهلاك الغذاء الكافي» بعيداً «عن متناول 53 في المائة من الأسر في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، مقابل 47 في المائة في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي».
وتحاول الحكومة، بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، تعزيز الجهود الرامية إلى مواجهة تدهور الوضع الاقتصادي، وتزايد أزمة الغذاء بعد أن جرى تصنيف 19 مليون يمني متضررين من انعدام الأمن الغذائي، وتعمل الحكومة على تشكيل شبكات دعم، مهمتها معالجة الأزمات الغذائية، وضمان تحقيق مستوى معيش أفضل.
وأفاد مستشار وزارة الإدارة المحلية لشؤون الإغاثة ومنسق عام اللجنة العليا للإغاثة جمال بلفقيه، إلى أن الحكومة اليمنية تسعى لحشد الجهود مع الدول المانحة لزيادة الدعم لخطة الاستجابة في الفترات المقبلة، مشدداً على أن صمود المجتمع اليمني يعتمد على الدعم المتواصل من التحالف الداعم للشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية.
وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» دعا بلفقيه البيوت التجارية إلى التعاون مع الحكومة في دعم المجتمع للصمود أمام تردي الأمن الغذائي، وتمكين العمل الإنساني والتنموي، مشيراً إلى أن تحويلات المغتربين والتكافل المجتمعي من شأنهما مساعدة اليمنيين على الصمود رغم استمرارية الحرب.
وتابع بلفقيه أن «الحرب ووضع اليمن تحت البند السابع جعلاه يعتمد على المساعدات الإنسانية، وقد أدى طول فترة الحرب إلى جعل النزوح الداخلي في اليمن الأكبر من نوعه، متسبباً في تكدس النازحين بشكل كبير في مناطق عدة، ونتج عنه حدوث تغير ديموغرافي جعل من الصعوبة حصرهم، والضغط على الخدمات في المحافظات المستضيفة».
مصدر في وزارة التخطيط والتعاون الدولي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة واللجنة الخاصة بتحسين مستوى التغذية في حالة انعقاد دائم، وتبذلان جهوداً متواصلة لتقييم حالة الأمن الغذائي في اليمن، وحجم متطلبات مواجهة مشكلات نقص الإمداد الغذائي، وإيجاد الحلول والمعالجات المناسبة، وإيجاد شبكات لدعم الخطط والمشروعات التي يتم الاتفاق حولها مع الأمم المتحدة وهيئاتها.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه نظراً لعدم تخويله بالتصريح لوسائل الإعلام، أن الحكومة بدأت بالتوازي مع ذلك تنفيذ سياسة إعفاء المواد الأساسية من الرسوم الجمركية والضرائب، واتخاذ إجراءات رقابية على الأسواق لمنع التلاعب بالأسعار أو غش المواد الاستهلاكية، ومتابعة السلطات المحلية للتأكد من تنفيذ الإجراءات الرقابية على مستوى المناطق النائية والأرياف.
من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، محمد قحطان، أن هناك حاجة ملحة لإصلاح نظام الرواتب والأجور، أو اتخاذ جملة من السياسات المالية والنقدية الفاعلة لاستعادة الريال اليمني قيمته أمام الدولار بحيث يعود إلى ما كان عليه قبل الانقلاب في عام 2014، حين كان سعر صرف الدولار الأميركي 215 ريالاً فقط. وينوه قحطان، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأنه وعلى الرغم من أن الموظفين العموميين في المناطق المحررة يتقاضون رواتبهم بانتظام حسب ما كانت عليه في عام 2014، أي قبل الانقلاب والحرب، فإن هذه الرواتب قد تآكلت بصورة حادة، وفقدت من قيمتها ما يزيد على 80 في المائة؛ بسبب انهيار العملة المحلية أمام الدولار.
ويعلل تردي الأوضاع المعيشة بانقسام البنك المركزي اليمني والجهاز المصرفي بين صنعاء وعدن، وما تبع ذلك من فوارق في القيمة الشرائية للعملة المحلية بطبعتيها القديمة والجديدة، ما أدى إلى تعطيل الدورة الاقتصادية، وارتفاع هائل في معدلات البطالة والفقر في عموم اليمن، وانهيارات كبيرة في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية.


مقالات ذات صلة

آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

العالم العربي مسلحون حوثيون في صنعاء عشية ذكرى ثورة سبتمبر يستعدون لقمع الاحتفالات (فيسبوك)

آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

بدأت الجماعة الحوثية الإفراج عن بعض المختطفين بسبب احتفالهم بذكرى ثورة سبتمبر (أيلول)، في حين تقدر أعداد المختطفين بالآلاف في مختلف مناطق سيطرة الجماعة.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من سلسلة مبانٍ تتبع جامعة البيضاء الخاضعة لسيطرة للجماعة الحوثية (إكس)

الحوثيون يخضعون 1000 طالب وأكاديمي وموظف لتدريبات عسكرية

الجماعة الحوثية تجبر طلاباً وأكاديميين وموظفين في جامعة البيضاء على التعبئة القتالية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي النيران تشتعل في الناقلة «سونيون» بالبحر الأحمر بعد هجوم سابق من قبل الجماعة الحوثية (رويترز)

هجمات حوثية على إسرائيل واستهداف سفينتين في البحر الأحمر

الحوثيون يعلنون عن هجمات على إسرائيل واستهداف سفينتين في البحر الأحمر بالتزامن مع تولي قوات أسترالية قيادة قوات البحرية المشتركة لحماية الأمن البحري في المنطقة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي تعرُّض سفينتين لأضرار في هجمات قبالة ميناء الحديدة اليمني

تعرُّض سفينتين لأضرار في هجمات قبالة ميناء الحديدة اليمني

أفادت وكالة أمن بحري بريطانية، الثلاثاء، بأن طائرة مسيَّرة أصابت سفينة قبالة سواحل اليمن، حيث يشنّ المتمردون الحوثيون منذ أشهر هجمات على سفن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي احتمالات ضعيفة جداً أن تتولى الجماعة الحوثية سد الفراغ الناتج عن تحجيم قوة «حزب الله» (رويترز)

ماذا ينتظر الجماعة الحوثية بعد اغتيال نصر الله؟

يناقش خبراء وباحثون سياسيون تأثير اغتيال حسن نصر الله على الجماعة الحوثية، وردود فعلها بعد الضربات الكبيرة التي يتلقاها «حزب الله» خلال الأيام الأخيرة.

وضاح الجليل (عدن)

الجيش الأميركي يتبنى قصف 15 هدفاً حوثياً

غارات أميركية استهدفت معسكراً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
غارات أميركية استهدفت معسكراً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الجيش الأميركي يتبنى قصف 15 هدفاً حوثياً

غارات أميركية استهدفت معسكراً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
غارات أميركية استهدفت معسكراً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

غداة سلسلة من الغارات التي ضربت مواقع في صنعاء وثلاث محافظات يمنية خاضعة للجماعة الحوثية المدعومة من إيران، الجمعة، أعلن الجيش الأميركي تبني هذه الضربات، التي قال إنها طالت 15 هدفاً للجماعة، في سياق الحد من قدراتها الهجومية ضد السفن.

وتشن واشنطن ضربات على الأرض منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، ضد الجماعة الحوثية، وشاركتها بريطانيا في 4 مرات على الأقل، رداً على الهجمات التي تنفذها الجماعة ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي.

وأوضحت القيادة المركزية الأميركية في بيان على منصة «إكس»، أن قواتها نفذت ضربات على 15 هدفاً حوثياً في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

وشملت هذه الأهداف -بحسب البيان- قدرات عسكرية هجومية للحوثيين، إذ اتخذت هذه الإجراءات (الضربات) لحماية حرية الملاحة وجعل المياه الدولية أكثر أمناً وأماناً للسفن الأميركية وقوات التحالف والسفن التجارية.

وكانت الجماعة الحوثية أقرت، الجمعة، بسلسلة من الغارات وصفتها بـ«الأميركية - البريطانية»، وقالت إنها استهدفت «معسكر الصيانة» في صنعاء، وموقعاً في جنوبي ذمار، ومواقع في مديرية مكيراس التابعة لمحافظة البيضاء، فضلاً عن ضربات استهدفت مواقع عسكرية في مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، ومناطق المطار والجبانة والكثيب.

ولم يشر الحوثيون إلى حجم خسائرهم جراء هذه الضربات التي استهدفت مواقع سبق استهدافها خلال الأشهر الماضية، في حين رجح مراقبون أن الغارات استبقت هجمات كانت تعد لها الجماعة ضد السفن.

وتشن الجماعة هجماتها ضد السفن منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة، إذ تدعي محاولة منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل بغض النظر عن جنسيتها إلى جانب السفن الأميركية والبريطانية.

دخان يتصاعد في صنعاء بعد ضربات أميركية استهدفت مواقع حوثية (أ.ف.ب)

وأطلقت واشنطن، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما سمّته «تحالف حارس الازدهار»؛ لحماية الملاحة البحرية، قبل أن تبدأ ضرباتها الجوية على الأرض في 12 يناير الماضي، بمشاركة بريطانيا.

وتلقّت الجماعة الحوثية نحو 720 غارة غربية في مناطق يمنية عدة خاضعة لها، بما فيها صنعاء، لكن أكثر الضربات تركّزت على المناطق الساحلية في محافظة الحديدة الساحلية، وأدت، في مجملها، إلى مقتل أكثر من 60 عنصراً.

ضربات غير مجدية

تقول الحكومة اليمنية إن الضربات الغربية ضد الجماعة الحوثية غير مجدية، وإن الحل الأنجع هو دعم القوات الشرعية لاستعادة الحديدة وموانئها وصولاً إلى إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء.

ووجدت الجماعة المدعومة من إيران في الحرب الإسرائيلية على غزة فرصة للهروب من استحقاقات السلام مع الحكومة اليمنية، إذ كان الطرفان وافقا أواخر العام الماضي على خريطة سلام توسطت فيها السعودية وعمان، قبل أن تنخرط الجماعة في هجماتها ضد السفن وتعلن انحيازها إلى المحور الإيراني.

عناصر حوثيون في صنعاء متضامنون مع «حزب الله» اللبناني (أ.ف.ب)

وبخلاف ما تزعمه الجماعة الحوثية من مساندة للفلسطينيين، ترى الحكومة اليمنية أن الجماعة تزايد بالقضية الفلسطينية في مسعى لتبييض جرائمها بحق اليمنيين خلال العشر سنوات الماضية مستغلة العاطفة الشعبية.

وأقر عبد الملك الحوثي في خطاب حديث بأن جماعته نجحت خلال أشهر التصعيد البحري من تجنيد وتعبئة نحو 500 ألف شخص، وسط مخاوف في الشارع اليمني من استغلال هذه التعبئة الواسعة لمهاجمة المناطق المحررة الخاضعة للحكومة اليمنية.

وتبنت الجماعة الحوثية إطلاق المئات من الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل خلال الأشهر العشرة الماضية، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي باستثناء مسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها في شقة بتل أبيب في 19 يونيو (حزيران) الماضي.

واستدعت الهجمات الحوثية إسرائيل للرد في 20 يوليو (تموز) الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكررت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، على مستودعات الوقود في ميناءي الحديدة ورأس عيسى، كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

صورة وزعها الحوثيون لاستهداف ناقلة نفط بريطانية في البحر الأحمر بزورق مسيّر (إ.ب.أ)

ومِن بين نحو 188 سفينة تبنّت الجماعة مهاجمتها، أدى هجوم، في 18 فبراير (شباط) الماضي، إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استهدفتها الجماعة في 12 يونيو الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي حوثي، في 6 مارس (آذار) الماضي، إلى مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية في خليج عدن.

وإلى جانب الإصابات، التي لحقت عدداً من السفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر»، التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.