رواية جديدة لسلمان رشدي عن «انتصار الكلمات في النهاية»

بعد سبعة أشهر من استهدافه وفقدانه إحدى عينيه

سلمان رشدي بعدما فقد إحدى عينيه
سلمان رشدي بعدما فقد إحدى عينيه
TT

رواية جديدة لسلمان رشدي عن «انتصار الكلمات في النهاية»

سلمان رشدي بعدما فقد إحدى عينيه
سلمان رشدي بعدما فقد إحدى عينيه

بينما ما زال الكاتبُ البريطاني ذو الأصل الهندي سلمان رشدي، يتعافى من جروح الهجوم الذي تعرض له العام الماضي، فإن أحدث رواياته «مدينة النصر» التي صدرت هذا الشهر تبدو وكأنها رد على أعدائه الكثر وعودة متحدية إلى المشهد الأدبي العالمي، حيث ثيمتها أن «الكلمات هي المنتصر الأخير»، وهي كل ما يتبقى بعد كل شيء.
رشدي، وفق «نيويورك تايمز»، كان سلم روايته لناشره (راندوم هاوس) في ديسمبر (كانون الأول) 2021، وتم الإعلان عن الاتفاق لإصدارها صيف العام الماضي قبل وقت وجيز من إصابته البليغة بجروح على يد متطرف هاجمه بالسلاح الأبيض بينما كان يهم بإلقاء محاضرة عامة في معهد «تشاتاوكوا» بالقرب من نيويورك، بالولايات المتحدة. وقال المهاجم الذي قبض عليه الحضور وسلموه للسلطات بأنه ينفذ فتوى قديمة للإمام الخميني من 1989 أهدرت دم الكاتب المثير للجدل بعدما نشر روايته «آيات شيطانية - 1988» متسبباً بعاصفة من الاحتجاجات عبر العالم الإسلامي وعدة مدن وعواصم غربية، كما هو معروف... وقد فقد رشدي في الهجوم الأخير إحدى عينيه، وما زال يتعافى من جروح أخرى أصيب بها، لكن ناشره يقول إنه يتحسن بشكل مضطرد، ويخطط لمشاريع روايات جديدة.
الاحتجاجات، والفتوى، ومشاهد حرق الجاليات المسلمة في بريطانيا لكتب رشدي، والجدالات التي لا تنتهي بشأن «آياته الشيطانية» في صحف ومجلات الكوكب جميعها منحته شهرة عالمية لم يكن يحلم يوماً بنيلها من وراء كتاباته التي تنتمي إلى أدب ما بعد الحداثة وتستغلق على كثيرين. وتعد «مدينة النصر» الخامسة عشرة في أعماله الروائية التي تمزج أشياء من التاريخ والسياسة مع عناصر الواقعية السحرية في فضاءات متأثرة بالبيئة الهندية.

صورة متداولة لمعرض القاهرة للكتاب

ولد رشدي في مومباي بالهند في عام 1947، ونشر روايته الأولى «جريموس» في عام 1975، لكنه لم يشتهر إلا بعدما فازت روايته الثانية «أطفال منتصف الليل» التي صدرت عام 1981 بجائزة «بوكر» للرواية، وهي حكاية واقعية سحرية تدور أحداثها في الهند عشية التقسيم الذي فرضه الاستعمار البريطاني في 1948 وانتهى بانشطار البلاد إلى دولتين (لاحقاً استقلت بنغلاديش عن الدولة المخصصة للمسلمين في الباكستان، فيما بقيت كشمير منطقة متنازعاً عليها)، على أنه كان على موعد مع شهرة من نوع آخر بعد سبع سنوات من «بوكر» بسبب «آيات شيطانية»، بعدما صدرت فتوى الخميني بإباحة دمه، ودم كل مترجميه، وخصص مكافأة قدرها 2.5 مليون دولار مقابل رأسه. وقد ألغت الحكومة الإيرانية الفتوى في 1998، وقالت إنها لن تنفذها، الأمر الذي سمح لرشدي وبعد ما يقرب من عقد من الزمان بأن يستعيد حريته جزئياً، وانتقل في عام 2000 من بريطانيا إلى الولايات المتحدة، وأصبح من الوجوه المعروفة في الساحة الأدبية والثقافية بمدينة نيويورك.
ويروي رشدي المحنة التي عاشها مختبئاً تحت حماية أمنية على مدار الساعة في مذكرات نشرها بعنوان «جوزيف أنطون - 2013»، وهو الاسم الذي استخدمه رشدي خلال فترة تواريه عن الأنظار، واستعاره من أسماء كاتبيه المفضلين: جوزيف كونراد وأنطون تشيخوف.
وتشتغل الرواية الجديدة على العديد من الموضوعات التي شغلت رشدي منذ بداياته: الواقعية السحرية الغنية بالخيال، والتراث الهندي القديم، ودور الأساطير في تشكيل التاريخ، وذلك الصراع الدائم بين قوى التنوع الثقافي مقابل الأصولية والتعصب، وهي تمجد قوة الحكايا وديمومة اللغة وخلود الكلمات وتنتهي حيث الحكايا المنسوجة بالكلمات وحدها تبقى بعدما تنحسر الصراعات وتنتهي الحروب وتنهار الإمبراطوريات وتندثر الحضارات.
أُطرت «مدينة النصر»، كما لو أنها نص ملحمة سنسكريتية (لغة هندية قديمة) عثر عليها في العصور الوسطى وتسرد قصة الحكواتية والشاعرة بامبا كامبانا التي تُنشئ بمحض قوة خيالها حضارة جديدة في جنوب الهند تباركها الآلهة فتمتد لـ240 عاماً ثم تشهد على سقوطها، ليكون تراثها الوحيد المتبقي بعد زوال المعالم المادية قصيدة ملحمية دفنتها في وعاء كرسالة للأجيال القادمة، واختتمتها بالقول بأن كل ذلك المجد انتهى و«لم يبق بعد كل شيء سوى مدينة الكلمات هذي. الكلمات هي المنتصر الوحيد».
وقد استعان رشدي في تشييد معمار روايته بما اطلع عليه من نصوص في تاريخ ثقافة وسياسة وحضارة شبه القارة الهندية خلال فترة العصور الوسطى، لا سيما المرويات التاريخية حول الصعود والانهيار التاريخي لإمبراطورية فيجاياناغار، التي تأسست في القرن الرابع عشر الميلادي على يد شقيقين، كما تقول الأسطورة المتداولة، من قبيلة اشتهرت برعي البقر. ومدينة فيجاياناغار - أي مدينة النصر - هي وفق الرواية موضع معجزة الشاعرة العرافة التي تبارك بذوراً أعطتها للشقيقين رعاة البقر وأخبرتهما أنهما إذا زرعاها في مكان معين، فإن مدينة عظيمة سترتفع على الفور من قلب الأرض. وعندما تتحقق نبوءتها، تبث العرافة الحياة في المدينة من خلال همس الحكايا في آذان الناس، ما أدخل المدينة الجديدة في رحاب التاريخ. تدعو كامبانا لمجتمع قائم على مبادئ التسامح الديني والمساواة بين الجنسين، لكن حكام المدينة التي صارت عاصمة إمبراطورية عظيمة ضاقوا بها ذرعاً ودفعوا بها إلى المنفى، ومنه تشهد نهاية جبروت فيجاياناغار التي سحقها الغزاة.
وكما كانت شهرة رشدي نتاجاً جانبياً للجدل السياسي بشأن «آيات شيطانية»، فإن صدور «مدينة النصر» الآن يكتسب بعداً إضافياً، ويتردد صدى معانيها بأبعد من مطلق العمل الأدبي رداً واضحاً على من استهدفه، ولا شك أن المؤسسة الثقافية الأميركية ستجدها مناسبة مثالية لاستعادة رشدي إلى الواجهة بعد غياب، والترويج للرواية موقفاً سياسياً قبل قيمتها الأدبية. وبالفعل فإن جل المراجعات الأولية التي نشرت في صحف العالم الأنجلوساكسوني إلى الآن بدت إيجابية للغاية، وتطوع كتاب أميركيون وبريطانيون بارزون، ليس أقلهم مارغريت أتوود، وإيريكا فاغنر، ونيل غايمان، لتقديمها للجمهور في حفل خاص سيعقد في التاسع من فبراير (شباط) الحالي.
لكن لا بد من الاعتراف بأن أهم أعمال رشدي قد تكون تلك الأقل شهرة، التي لم تحظ بمناسبة سياسية المغزى تترافق مع صدورها، كما حدث لـ«آيات شيطانية»، وراهناً «مدينة النصر»، ومنها «آخر تنهدات المور(يسكي) الأخير - 1995» التي تسجل موجة الإحباط التي شهدتها الهند مع انهيار آمال بناء الديمقراطية بعد الاستقلال وبعد فرض أحكام الطوارئ في عهد رئيسة الوزراء أنديرا غاندي في عام 1975، و«الغضب - 2001» أولى رواياته بعد هجرته الثانية إلى العالم الجديد، التي تصف أيام صانع دمى وصل حديثاً إلى نيويورك بعد أن ترك زوجته وطفله في لندن، وفيها يحضر رشدي بكل قوته وتفرده، وأيضاً «هارون وبحر الحكايات - 2005» ذات النفس السحري عن ابن حكواتي المدينة الذي تجلب قصصه الضحك إلى قلوب أناس أسكنتهم الأقدار مدينة حزينة قبل أن يحدث أمر ما يتسبب بنفاد القصص منه لينطلق الابن (هارون) في مغامرة سحرية لاستعادة قدرة والده على السرد تأخذه لرحلة مثيرة على متن طائر أسطوري نحو بحر الحكايات.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.