الكونغرس الأميركي يشهد تبادل الاتهامات بين «سذاجة» البيت الأبيض و«تشدد» المعارضين

استياء المنتقدين من «تساهل» إدارة أوباما مع طهران وعواقب رفع تجميد مليارات الدولارات

الكونغرس الأميركي يشهد تبادل الاتهامات بين «سذاجة» البيت الأبيض و«تشدد» المعارضين
TT

الكونغرس الأميركي يشهد تبادل الاتهامات بين «سذاجة» البيت الأبيض و«تشدد» المعارضين

الكونغرس الأميركي يشهد تبادل الاتهامات بين «سذاجة» البيت الأبيض و«تشدد» المعارضين

اتخذ معارضو الاتفاق النووي مع إيران في إدارة أوباما ومجلس الشيوخ موقفا متشددا خلال الجلسة الافتتاحية التي كانت مشحونة بمشاعر الغضب مساء يوم الخميس مما لم يتح المجال للتوصل إلى توافق أو حل وسط. وألقى الجمهوريون خطابات طويلة ولاذعة في أغلب الأحيان تدين ما وصفوه بالاتفاق «المعيب إلى حد خطير»، متهمين الإدارة بـ«السذاجة الخطيرة». كما لم يبدوا اهتمام كبيرًا برد جون كيري وزير الخارجية الأميركي الذي مثل أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أول من أمس، إلى جانب برد إرنست مونيز وزير الطاقة، وجاك ليو وزير الخزانة.
في المقابل، لم يكن كيري قادرا على احتواء نفاد صبره مع أعضاء اللجنة، وقال إن المنتقدين لا يفهمون الاتفاق أو العواقب المحتملة المترتبة عن رفضه.
وقال بوب كروكر، النائب الجمهوري عن ولاية تينيسي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية، لكيري: «أعتقد أنه قد تم خداعكم». وأشار إلى أن إيران تحولت من «دولة مارقة لديها وصمة على رقبتها» ومفروض عليها عقوبات معرقلة لها، إلى دولة ستجني الكثير من المكاسب بفضل تخفيف العقوبات، وسيتم السماح لها بتنفيذ برنامج نووي «صناعي». ووصف آخرون بعض النقاط في الاتفاق بأنها «سخيفة» باعتبار أن المفاوضين الأميركيين، بقيادة كيري «قد وقعوا في فخ الخديعة». وقال ماركو روبيو، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية فلوريدا، في هذا السياق، إن «مقومات استمرار هذا الاتفاق ليست مضمونة» بعد انتهاء المدة الرئاسية للرئيس أوباما، كما أعرب عن أمله في أن يتم إلغاء الاتفاق من طرف الرئيس المقبل.
وسخر كيري من الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق أفضل، واصفا إياه «بالوهمي، والبسيط، والساذج»، وأشار إلى أن التوصل إلى اتفاق يضمن هزيمة إيران تماما لهو أشبه بـ«الأسطورة». كما شدد أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق متعدد الأطراف التي تفاوضت عليه مع خمسة شركاء دوليين، سيؤدي إلى عزلها. وأضاف قائلا: «لن ينسحب شركاؤنا معنا. وسنكون بذلك قد ضيعنا أفضل فرصة متاحة لحل هذه المشكلة بوسيلة سلمية». وتابع: «ما نتحدث عنه هو اتفاق مهم تم إبرامه بين إيران والقوى الكبرى في العالم خلال الأسبوع الماضي، ويلزم طهران بالتخلص من الجزء الأكبر من مخزونها من اليورانيوم المخصب، وتفكيك الكثير من بنيتها التحتية النووية، والإذعان إلى التفتيش الدوري للمواقع النووية، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية».
ويحتاج معارضو الاتفاق من الجمهوريين، الذين يسعون إلى عرقلته، إلى تصويت بأغلبية الثلثين في كلتا الغرفتين من أجل التغلب على حق الرفض (أو الفيتو) الذي يتمتع به أوباما. ومن غير الواضح ما إذا كان سيتمكن المنتقدون من الحزب الجمهوري من تجاوز هذه العقبة، لكن في حال نجاحهم، ستظل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران كما هي، مما سيؤدي إلى فشل اتفاق يراه أوباما إنجازا مميزا على صعيد السياسة الخارجية.
ومن الإيراني، تعرض الاتفاق لهجوم مماثل، حيث واجه الرئيس حسن روحاني يوم الخميس المتشددين بوصفه للاتفاق بالخطوة «القيمة» بالنسبة إلى البلاد، حيث ستضع نهاية للعقوبات، وتسمح للاقتصاد الإيراني المتعثر بالعودة إلى الانفتاح. وقال روحاني في خطاب أذيع في كل أنحاء البلاد: «إنها صفحة جديدة في تاريخنا».
وتشمل أهم الانتقادات الموجهة للبيت الأبيض بخصوص الاتفاق إمكانية فشله في تقويض قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وإتاحة إلغاء العقوبات خلال فترة تتراوح بين 10 و15 عاما، واضعا عبء اكتشاف أي محاولات خداع على كاهل المفتشين متيحا إياهم 24 يوما لمحاولة إثبات مزاعمهم وفضّ النزاع، وهي مدة كافية لإخفاء إيران للأدلة.
وعقد كيري ومونيز وليو، اجتماعات مغلقة للمشرعين خلال الأسبوع الحالي ومن المقرر أن يدلوا بشهادتهم أمام مجلس النواب الأسبوع المقبل. وتحشد جماعات مؤيدة لإسرائيل، وإسرائيل نفسها ضد هذا الاتفاق، في حين تدفع جماعات ليبرالية أميركية يهودية باتجاه إقرار الاتفاق.
كذلك يعقد دبلوماسيون من فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، شاركوا في المفاوضات مع الولايات المتحدة، جولات في «كابيتول هيل» من أجل دعم الاتفاق. فضلا عن ذلك، عقد آشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي مناقشات بشأن الاتفاق خلال رحلته الحالية إلى الشرق الأوسط، في حين أعربت إسرائيل عن رفضها القاطع للاتفاق، وأعرب الحلفاء العرب عن تشككهم فيه.
وتلقت الإدارة دعما يوم الخميس بعد تصريح عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، للصحافيين بأن الاتفاق يحتوي على البنود اللازمة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، بحسب ما أوردت وكالة «أسوشييتد بريس». وقال الجبير إن توضيحات الولايات المتحدة بشأن عمليات التفتيش، والقدرة على إعادة فرض العقوبات في حال خرق إيران للاتفاق كانت مطمئنة للمملكة العربية السعودية. وقال: «نحن حاليا نعقد محادثات مع الحكومة الأميركية بشأن تلك التفاصيل؛ لكن بوجه عام يبدو أن الاتفاق قد حقق تلك الأهداف».
في سياق متصل، أتيح أمام الكونغرس الأميركي 60 يوما لمراجعة الاتفاق وتحديد ما إذا كان سوف يحاول تقويضه أم لا. وسيكون المشرعون في إجازة برلمانية خلال فصل الصيف في ذلك الوقت، ومن المقرر أن يعودوا للعمل في نهاية سبتمبر (أيلول). ومن المقرر أن يبدأ تفعيل الاتفاق في منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، وبعد ستة أشهر تكون إيران قد انتهت من تنفيذ التزاماتها الأولية، ويتم رفع كل العقوبات عنها.
وفي الوقت الذي كان كيري يشعر فيه بالغضب والانزعاج أحيانا، خاصة خلال مقاطعات كروكر، بدا مونيز مركز التوازن الهادئ في الجلسة، حيث بدأ خطابه أمام اللجنة بما وصفه بـ«الحقائق»، وكان يشير برفق إلى أن الاتهامات التي يوجهها له الجمهوريون «غير صحيحة». ورغم أن الديمقراطيين قد طرحوا أسئلة توضيحية وتشكيكية أحيانا، كان أكثرهم من المؤيدين وبدوا منفتحين على تأكيدات المتحدثين الثلاثة بأن الاتفاق «جيد». وقالت باربرا بوكسر، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا: «إذا تم خداعكم، فقد تم خداع العالم أيضًا. إن لهذا سخيف وغير عادل وخاطئ. يمكنكم رفض أجزاء من هذا الاتفاق، لكن أعتقد أننا بحاجة إلى الابتعاد عن هذا النوع من الخطابات».
واشتكى الجمهوريون وبعض الديمقراطيين من إبرام اتفاق جانبي بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية يتعلق بحل مسائل بشأن الأسلحة النووية الإيرانية التي كانت لديها في مواقع عسكرية سرية. ورغم الإشارة إلى هذا الاتفاق في الاتفاق الأساسي، لم يتم وضع شروط محددة للاتفاق الجانبي ضمن الاتفاق الأساسي، كما أن وثيقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية غير متاحة للإدارة أو الكونغرس. وأرسل كروكر، وبنجامين كاردين، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية الميريلاند وعضو لجنة العلاقات الخارجية البارز، خطابا إلى أوباما خلال الأسبوع الحالي يخبرانه بأن عليه تخصيص وقت للكونغرس من أجل مراجعة الاتفاق. ووصف جون بينر، رئيس مجلس النواب، وعضو المجلس الجمهوري عن ولاية أوهايو، خلال مؤتمر صحافي يوم الخميس، الاتفاق بـ«الصفقة الفاشلة». وعند سؤاله عن ثقة الإدارة في قدرتها على جمع الأصوات اللازمة للحفاظ على حق النقض، الذي يتمتع به الرئيس، في حال صوت الكونغرس ضد الاتفاق، قال: «سوف نرى». وقال: «كلما عرفنا المزيد، زادت الأسئلة. هل ستكون أميركا في أمان أكبر في ظل وجود اتفاق يمنح أكبر دولة راعية للإرهاب على مستوى العالم أكثر من 100 مليار دولار في صورة أصول مجمدة ويمنح اقتصادها فرصة للتعافي؟».
أما ليو، فقدم تقييما جديدا بشأن مقدار المال الذي ستحصل عليه إيران في حال رفع العقوبات المفروضة على أموالها المجمدة في مختلف أنحاء العالم. وقال: «بحسب تقديرنا، سوف تتمكن إيران بعد تخفيف العقوبات من الحصول على نحو نصف الاحتياطي، أو ما يعادل 50 مليار دولار، وذلك لأن أكثر من 20 مليار دولار مخصصة لمشروعات مع الصين ولا يمكن صرفها، وعشرات المليارات من الأموال الإضافية قروض لا تسترد مخصصة لقطاع الطاقة والقطاع المصرفي في إيران». وعبر الكثير من المشرعين، خاصة من الجمهوريين، عن استيائهم من إشارة كيري الواضحة إلى أنهم المسؤولون عن أي فشل يلحق بالاتفاق. وقال كروكر: «بينما كنا نحن نتعرض للخداع، ما فعلتموه حقا هنا هو جعل الكونغرس كيانا مكروها بعدما جعلتم إيران دولة مكروهة».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ{الشرق الأوسط}



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.