ضخ استثمارات بقيمة 9 مليارات دولار في السعودية مع انطلاق «ليب 2023»

تأكيد دعم النمو النوعي لمشروعات التقنية ونماذج الابتكار الريادية والتحول للاقتصاد الرقمي

وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في المؤتمر أمس (الشرق الأوسط)
وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في المؤتمر أمس (الشرق الأوسط)
TT

ضخ استثمارات بقيمة 9 مليارات دولار في السعودية مع انطلاق «ليب 2023»

وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في المؤتمر أمس (الشرق الأوسط)
وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في المؤتمر أمس (الشرق الأوسط)

مع بدء أعمال مؤتمر «ليب 2023» - أكبر تجمع عالمي لاستعراض مستجدات التقنية والرقمنة - أمس في الرياض، تم الإعلان أمس عن استثمارات تتجاوز 9 مليارات دولار لدعم قطاع التقنية والتقنيات المستقبلية والشركات الناشئة في السعودية، بحضور أكثر من 700 خبير وعالم وشركة مختصة من أنحاء العالم، حيث تم الكشف عن آخر تطورات الواقع الافتراضي، وسرد حيثيات واستمرارية سلسلة الذكاء الاصطناعي في إطار رسم مستقبل تقني جديد للبشرية.
وقال المهندس عبد الله السواحة وزير الاتصالات وتقنية المعلومات لدى افتتاحه مؤتمر ليب أمس بالرياض: «بدعم وتمكين من ولي العهد، أصبح حلمه بأن تكون الرياض العاصمة التقنية للمنطقة حقيقة، وأصبحت محطة التقنية والفضاء والابتكار»، مشدداً على تعظيم أعمال الشركاء حول العالم لتعزيز الاقتصاد الرقمي في بلاده.

وتابع: «لدينا فرصة أن تكون منطقة الخليج العربي من أكبر اقتصادات العالم... اليوم نرى الاقتصاد الرقمي في منطقتنا وهو يشهد نمواً نوعياً في الاستثمارات التقنية ونماذج العمل الابتكارية للرياديين»، معلناً عن توجيه 9 مليارات دولار لدعم التقنيات المستقبلية وريادة الأعمال الرقمية والشركات الناشئة التقنية؛ تعزيزاً لمكانة المملكة، بصفتها أكبر اقتصاد رقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وشدد على أن تنظيم المملكة مؤتمر «ليب 2023» يؤكد الدعم الكبير الذي تحظى به رحلة التحول الرقمي والتقني من ولي العهد، وحرصه على مواكبة التطورات والمتغيرات المتسارعة في العالم، تحقيقاً لمستهدفات «رؤية المملكة 2030» في القطاعات الواعدة وتقنيات المستقبل.
وأوضح السواحة، أن الاستثمارات والإطلاقات شملت استثمار شركة «ميكروسوفت» بقيمة 2.1 مليار دولار في سحابة عالمية فائقة النطاق في المملكة، واستثمار شركة «أوراكل» بقيمة 1.5 مليار دولار لتوسيع أعمالها من خلال إنشاء عدد من المناطق السحابية الجديدة في السعودية.
وتطرق إلى استثمار شركة «هواوي» في عروض السحابة في المملكة بقيمة 400 مليون دولار، وإنشاء منطقة سحابية لخدمات شركة «زوم» في المملكة بالشراكة مع «أرامكو» باستثمارات تبلغ 434 مليون دولار، إلى جانب استثمارات عالمية ومحلية بـ4.5 مليار دولار في مجالات مختلفة.
ولفت إلى أن هذه الحزم من الاستثمارات الضخمة جاءت بدعم من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وتمكينه لقطاع التقنية؛ إيماناً بأهمية الاستفادة من الآفاق المفتوحة والمجالات النوعية على مختلف أشكالها الاقتصادية الرقمية، وإنترنت الأشياء، والتقنيات البيولوجية والصحية، والعلوم الكمية، والفضاء والأقمار الصناعية، والتقنيات المالية، والمصادر المفتوحة.

توقيع اتفاقية بين وزارتي {الطا قة» و«الاتصالات وتقنية المعلومات» وشركة {ضوئيات} أمس (واس)

وتوقع وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي، أن يبلغ عدد الحضور فيه أكثر من 250 ألف مهتم وتقني من جميع أنحاء العالم، مبيناً أثر النسخة الأولى من ليب، العام الماضي، في الحراك التقني العالمي، مشدداً على أن عام 2023، سيتواصل فيه الحراك لتواصل المملكة ريادتها بوصفها أكبر سوق تقنية بالمنطقة بأكثر من 42 مليار دولار كمنصة مثالية للوصول للسوق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وشدد على مواصلة الريادة في القوة التقنية البشرية بأكثر من 340 ألفاً من القوى العاملة، كما نشهد تقدماً استثنائياً في مشاركة الإناث بقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، التي وصلت نسبتها الآن إلى 32.5 في المائة، مبيناً أنه أعلى معدل من متوسط الاتحاد الأوروبي ووادي السيليكون، الذي يعد أكبر قصة نجاح في تمكين المرأة.
وتطلع السواحة إلى أن تعزز مخرجات المؤتمر تنويع الاقتصاد، وتوطين التقنية والصناعات المتقدمة، مبيناً أن المؤتمر أصبح يشكل إحدى أهم الفعاليات التقنية العالمية السنوية التي ينتظرها المبتكرون والمهتمون التقنيون للالتقاء بصناع ومتخذي القرار برواد الأعمال وصناديق الاستثمار الجريء لفتح آفاق جديدة في مجالات استثمارية جديدة، وإطلاق شراكات نوعية متوقعة خلال المؤتمر.
وشملت إعلانات المؤتمر، في يومه الأول، إعلان شركة «ميتا» وافتتاح أول أكاديمية للميتافيرس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومقرها السعودية، بالإضافة إلى إطلاق شركتي «كاميل لاب ودبليو تكنولوجي» «تطبيق هكتار» لمنصة التواصل الاجتماعي متعددة المحتوى، وإطلاق شركتي «مينا كومينيكيشن» و«إس تي سي»، تطبيق «بيم» وهو تطبيق التراسل الفوري والمكالمات الصوتية والمرئية عالية الجودة، وخصائص الأعمال.

الجهات الحكومية تفصح عن منتجات ومشروعات وبرامج للتحول الرقمي
> في أول أيام أعماله، شهد مؤتمر «ليب» بالرياض أمس، عدداً من الاتفاقيات وإطلاق حزمة من المنصات والمنتجات الرقمية، لتعظيم الأعمال، حيث دشن الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي أمس، منصة رقمية مختصة بتقديم عدد من الخدمات للأفراد والمؤسسات والقطاعات الحكومية، بحضور وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبد الله السواحة.
وتهدف المنصة إلى تسهيل ممارسة الأعمال ودعم قنوات التواصل الرقمية مع مجتمع الأعمال، من خلال تحسين كفاءة القطاع الحكومي، وزيادة جودة الخدمات الرقمية المقدمة للمستفيدين، وتحسين تجربة المستخدم بإتمام المعاملات إلكترونياً، وحوكمة قطاع الطاقة بالرقابة بالاستفادة من التقنيات الناشئة والتحول الرقمي، بما يحقق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وتمكن المنصة، بعد الانتهاء من الربط التقني مع 26 جهة حكومية لتكامل الخدمات وتبادل المعلومات، من الحصول على خدمات إصدار التراخيص والتصاريح لاستيراد وتصدير المنتجات البترولية، والاستعلام عن الأراضي، وتقديم طلبات تخصيص الطاقة وتراخيص الشبكات وأنابيب الغاز، وطلبات تأهيل محطات الوقود، وتقديم البلاغات والشكاوى للوزارة.
وتم على هامش مؤتمر «ليب» أمس، توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وشركة ضوئيات المتكاملة للاتصالات وتقنية المعلومات، حيث تعتزم الاستثمار في منظومة الألياف الضوئية ومحطات الإنزال وسعات الكابلات الدولية ومراكز البيانات، لتوفير بنية تحتية رقمية متكاملة وتحسين جودة وسرعة الإنترنت في المملكة، وتمكين الاقتصاد الرقمي.
إلى ذلك، وقعت شركة داون تاون السعودية، إحدى الشركات المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، مذكرة تفاهم مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، خلال فعاليات المؤتمر التقني «ليب» المُقام في مدينة الرياض، وذلك لبحث سبل التعاون في مجال التطوير والاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتقنيات الاتصالات بمشاريع الشركة التي سيتم تطويرها في 12 مدينة في المملكة.
ودشّن المهندس أحمد الراجحي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أمس، منصة التأهيل والتوجيه الاجتماعي بتوقيع 4 اتفاقيات مع عدد من الشركات المختصة، حيث تضمنت اتفاقية تحسين تجربة المستفيد باستخدام التقنيات الأصيلة للأجهزة الذكية، واتفاقية الابتكار الرقمي وتعزيز التجربة الرقمية، واتفاقية تطوير أطر عمل ومنهجيات لتحقيق التميز في التحول الرقمي، واتفاقية تحسين أداء منصات التواصل الاجتماعي ومعايير العناية بالمستفيدين.
وضمن 9 خدمات إلكترونية يأتي في طليعتها خدمة التسجيل الإلكتروني، ومنصة مدرستي، وروضتي، ومنصة اختبار، والمدرسة الافتراضية، ونظام نور، أطلق يوسف البنيان وزير التعليم أمس خدمة «التسجيل الإلكتروني» الخاصة بالطلبة المستجدين في المرحلة الابتدائية، التي تطلقها وزارة التعليم للمرة الأولى خلال زيارته ركن تقنيات التعليم.
وشدد وزير التعليم على أن الوزارة حريصة على مواكبة التقنيات وتعزيز الحوكمة في جميع المراحل الدراسية من بداية المرحلة إلى نهايتها، إضافة إلى تعزيز الشراكة بين الوزارة ومؤسساتها التعليمية وأولياء أمور الطلبة من خلال هذه الخدمة في مناطق المملكة المختلفة، إلى جانب التعامل مع القطاعات أصحاب العلاقة الأخرى فيما يخص المدارس، سواء كان في التخصيص أو هيئة الحكومة الرقمية وغيرها من القطاعات.
من جانب آخر، كشف أمين الناصر الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، عن توسيع صندوقها الاستثماري للاستثمار في الشركات التقنية، وتوطين التقنيات العالمية، وضخ 300 مليون دولار لشركة (واعد فنتشرز) وتكثيف الاستثمار في القطاعات الواعدة والشركات في مراحلها المتقدمة.
وقال الناصر في كلمته خلال اليوم الأول من مؤتمر ليب التقني الدولي في الرياض، إن التوسع في تمويل واعد بملايين الدولارات وارتفاع حجم الصندوق إلى 500 مليون دولار، يأتيان لسد فجوات السوق ومساعدة المؤسسين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، في قطاع التكنولوجيا المتقدمة.
وقال الناصر إن أرامكو تسعى إلى توفير مركز إقليمي للحد من تهديدات الأمن السيبراني وإنشاء مركز ابتكارات لتنمية المواهب والقيادات الرقمية ومتخصصي الأمان الطاقي وحماية البيئة.


مقالات ذات صلة

معرض البناء السعودي يشدد على تبني تقنيات الطاقة الخضراء

الاقتصاد إحدى جلسات معرض البناء السعودي في الرياض (الشرق الأوسط)

معرض البناء السعودي يشدد على تبني تقنيات الطاقة الخضراء

ناقش المتحدثون على هامش ختام معرض البناء السعودي 2024 ملف الإسكان الذكي وفرص الأعمال في هذا المجال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المجلس اطلع على التقدم الذي أحرزته السعودية في المؤشرات الدولية (الهيئة الملكية لمدينة الرياض)

المجلس الاقتصادي السعودي يستعرض التطورات المحلية والعالمية

استعرض مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي تحديثاً للتطورات الاقتصادية المحلية والعالمية لشهر أكتوبر 2024، وما تضمّنه من تحليلٍ للمستجدّات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من النسخة الثانية لمعرض «سيتي سكيب العالمي» في الرياض (واس)

«سيتي سكيب العالمي» بالسعودية سيضخ أكثر من 100 ألف وحدة سكنية 

من المقرر أن يضخ معرض «سيتي سكيب العالمي»، الذي يفتتح أبوابه للزوار يوم الاثنين المقبل في العاصمة السعودية الرياض، أكثر من 100 ألف وحدة سكنية.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد أحد قطارات خطوط السكك الحديدية السعودية (واس)

تحسن كبير في حركتي النقل البري والسكك الحديدية بالسعودية خلال 2023

شهدت السعودية تحسناً ملحوظاً في حركة النقل خلال العام السابق، مقارنة بعام 2022، حيث زاد عدد الركاب في السكك الحديدية بنسبة 33 في المائة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المدير التنفيذي لبرنامج الربط الجوي ماجد خان خلال إحدى الجلسات الحوارية (الشرق الأوسط)

«الربط الجوي» السعودي يستعرض تطورات الطيران في هونغ كونغ

شارك برنامج الربط الجوي، اليوم الأربعاء، في أعمال مؤتمر كابا آسيا «CAPA» بمدينة هونغ كونغ الصينية؛ أحد أهم المؤتمرات لالتقاء قادة مجال الطيران.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ)

هل يكرر ترمب سياسات الإنفاق المفرط ويزيد ديون أميركا؟

دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)
دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

هل يكرر ترمب سياسات الإنفاق المفرط ويزيد ديون أميركا؟

دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)
دونالد ترمب يتحدث خلال حملته الانتخابية في أتلانتا 15 أكتوبر 2024 (رويترز)

على مدى العقود الماضية، شهد الاقتصاد الأميركي تسارعاً ملحوظاً في وتيرة تراكم الدَّين العام ليصبح سمة «تاريخية» وجزءاً لا يتجزأ من الهوية الاقتصادية الأميركية، بدءاً من الرئيس فرنكلين روزفلت الذي أسهم بأكبر نسبة زيادة في الدين الوطني حتى الآن، مروراً بالرئيس باراك أوباما، وصولاً إلى الرئيس جو بايدن.

وقد استمر هذا الاتجاه، خلال الفترة الأولى من رئاسة دونالد ترمب (2017-2021)، حيث تميزت بزيادة قياسية في الدين العام، إذ أضافت إدارته أكثر من 7 تريليونات دولار إلى خزينة الدولة، ليصل حجم الدين إلى نحو 28 تريليون دولار مع نهاية ولايته.

وجاء هذا التوسع مدفوعاً بحزمة مساعدات ضخمة لمواجهة تداعيات جائحة «كورونا»، بلغت قيمتها 900 مليار دولار. وبذلك يواصل الدين الوطني الأميركي ارتفاعه ليبلغ في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي 35.8 تريليون دولار، ما يمثل نحو 99 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويقارب المستوى الذي سُجل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

وبعودة ترمب إلى الرئاسة في 2024، يثار عدد من التساؤلات حول احتمالات تكرار هذا السيناريو. وتشير توقعات لجنة الموازنة الفيدرالية إلى أن خططه قد تضيف نحو 7.75 تريليون دولار جديدة إلى الدين العام، إذ يتعهد ترمب بتخفيضات ضريبية جديدة، وزيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية، ما قد يُنذر بزيادة الدين مرة أخرى.

ورغم أن ترمب يرى في هذه السياسات دافعاً لنمو الاقتصاد وتعزيز التنافسية، فإن هذا الإنفاق المعتمد على العجز قد يؤدي إلى تدهور الوضع المالي العام، ولا سيما مع التوقعات بارتفاع أسعار الفائدة. وبذلك، سيواجه ترمب تحديات مالية جسيمة قد تهدد مكانة الولايات المتحدة في أسواق الديون العالمية، مما يؤثر على إقبال المستثمرين على شراء سندات الدين الأميركية، ويرفع تكاليف الاقتراض الحكومي.

تحذيرات من مخاطر تراكم الديون

يشير الواقع إلى أن الدين العام بات يشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل الاقتصاد الأميركي. ووفق بيانات مكتب الموازنة في الكونغرس، من المتوقع أن ترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة إلى 155 في المائة بحلول 2050. وفي الآونة الأخيرة، تزداد التحذيرات من ضرورة ضبط العجز، إذ إن استمرار الاعتماد على الدين قد يُعرّض الاقتصاد لمخاطر أعمق، خصوصاً في حال حدوث تباطؤ اقتصادي مفاجئ. ووفقاً لرئيسة مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية السابقة، شيلا باير، فإن أزمة الديون الفيدرالية تُعد من أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة حالياً. فالحكومة الأميركية اعتمدت مراراً على الإنفاق المموّل بالعجز وتخفيض الضرائب، لمواجهة أزمات كبرى، مثل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، والأزمة المالية العالمية 2007-2008، وجائحة «كورونا». إلا أن استمرار هذه السياسات بعد انحسار الأزمات أسهم في تراكم ديون هائلة.

سيارة تمر أمام لافتة تعرض رقم الدين الوطني الأميركي بعد أن وصل إلى حد الاقتراض البالغ 31.4 تريليون دولار (رويترز)

ارتفاع العوائد على السندات الأميركية

ومع إعلان فوز ترمب في الانتخابات، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى 4.479 في المائة، مع ازدياد التوقعات بأن سياسات ترمب التجارية والضريبية قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم وتفاقم الوضع المالي للبلاد. وقال الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط «تولو كابيتال مانجمنت»، سبنسر حكيمي: «نتوقع أن تؤدي ولاية ترمب إلى تأثيرات سلبية على العوائد؛ نظراً لزيادة العجز ورفع الرسوم الجمركية».

وأظهر استطلاع لمعهد المحللين الماليين المعتمدين أن 77 في المائة من المحللين يرون أن المالية الأميركية تسير في اتجاه غير مستدام، بينما يرى 61 في المائة أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الإرادة السياسية لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. ويعتقد 63 في المائة أن الولايات المتحدة قد تفقد مكانتها بوصفها عملة احتياطية خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة. هذه التوقعات قد تعني أن المستثمرين في سندات الخزانة الأميركية قد يواجهون خسائر كبيرة، ما سيؤدي إلى تراجع قيمة الأصول المالية المملوكة للبنوك والصناديق والمديرين الماليين، وازدياد موجات التخارج في الأسواق المالية، مما يهدد بتفاقم الأزمة الاقتصادية.

تحديات إعادة تفعيل سقف الدين

من بين التحديات الكبرى التي ستواجه إدارة ترمب إعادة تفعيل سقف الدين الفيدرالي (حد الدين) في 2 يناير (كانون الثاني) 2025، بعد أن جرى تعليقه في 2023 على أثر مفاوضات مطوّلة مع الكونغرس. وتقوم واشنطن بتحديد حد أقصى للاقتراض الفيدرالي، ويجب أن توافق غالبية أعضاء الكونغرس على هذا الحد.

وبين عامي 1992 و2012، جرى تعديل سقف الدين 15 مرة. ومع بداية عام 2013، بدأ صنّاع السياسات تعليق السقف، بدلاً من رفعه بشكل مباشر، بحيث تجري إعادة ضبطه في نهاية كل فترة تعليق. ومنذ ذلك الحين، عُلّق السقف، وأُعيد فرضه سبع مرات إضافية، مما أدى إلى زيادة السقف من 16.7 تريليون دولار في 2013، إلى 31.4 تريليون دولار في 2023. وفي حال عدم التوصل إلى حل سريع، سوف تضطر وزارة الخزانة إلى استخدام احتياطياتها النقدية والإجراءات الاستثنائية، وهي مجموعة من المناورات المحاسبية، لتمويل الحكومة حتى تاريخ «X»؛ وهو التاريخ الذي لن تتمكن فيه الحكومة من دفع جميع فواتيرها. ويقدِّر بعض التحليلات أن هذا التاريخ قد يكون في النصف الثاني من العام المقبل.

وقد أدت النزاعات حول سقف الدين في الماضي إلى دفع البلاد إلى حافة التعثر، مما أثر على تصنيفها الائتماني. وقد يتكرر هذا السيناريو في حال وجود حكومة منقسمة، حيث فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلس الشيوخ، لكن لا يبدو أن أياً من الحزبين يملك الأفضلية في السيطرة على مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون حالياً بأغلبية ضئيلة. كما أن هذا الأمر يؤثر سلباً على سندات الخزانة الأميركية التي تُعد استثماراً آمناً ومستقراً.

وفي حال اعتبار الديون الأميركية أكثر خطورة، قد يتجه المستثمرون إلى أسواق أخرى، مما يرفع معدلات الفائدة ويزيد أعباء الفائدة على الحكومة. وتشير تقديرات مؤسسة «بروكينغز» إلى أن التخلف عن السداد أو المساس بسلامة سوق الخزانة، قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الفائدة بنحو 750 مليار دولار خلال عشر سنوات. علاوة على ذلك، فإن تكاليف الفائدة على الديون الأميركية في طريقها إلى تجاوز مستوياتها القياسية السابقة، نسبة إلى حجم الاقتصاد في عام 2025، ويرجع هذا جزئياً إلى الزيادات المطردة بأسعار الفائدة في السنوات الأخيرة.

تمثال للسيناتور السابق ألبرت غالاتين يقف أمام وزارة الخزانة بواشنطن (رويترز)

مناورات تهدد بخفض التصنيف الائتماني

لم تقم الولايات المتحدة قط بالتخلف عن سداد ديونها، لكن المشرّعين غالباً ما ينتظرون حتى اللحظة الأخيرة لرفع أو تعليق سقف الدين. وهذه المناورات المالية لها عواقب سلبية، مثل احتمال خفض تصنيف الولايات المتحدة الائتماني من قِبل وكالات التصنيف، وهي مصدر للقلق بالنسبة للأسواق المالية.

وفي العام الماضي، خفّضت وكالة «فيتش» تصنيف الولايات المتحدة الائتماني بمقدار درجة واحدة من «إيه إيه إيه» إلى «إيه إيه +»، ونظرتها إلى «سلبية» من «مستقرة»؛ بسبب المناورات السياسية حول حد الدين. كما أبدت «موديز» و«ستاندرد آند بورز» مخاوف مشابهة.

الدولار واستدامة الديون

أتاحت المكانة المتميزة للدولار بوصفه عملة احتياطية للولايات المتحدة تجاهل العواقب المباشرة لازدياد الديون الفيدرالية، لكن هذا الوضع يشهد تراجعاً ملحوظاً؛ فقد انخفضت حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية من أكثر من 70 في المائة خلال عام 2000، إلى 58 في المائة حالياً، كما انخفضت ملكية الأجانب للسندات الأميركية من 34 في المائة خلال 2012، إلى 28 في المائة خلال 2024، ما يعكس تآكل الثقة بقدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها المالية.

وإذا استمر هذا التوجه، فقد تواجه الولايات المتحدة أزمة في تمويل ديونها، ما سيدفع الحكومة لدفع تكاليف فائدة مرتفعة. فقد بلغت تكلفة خدمة الدين الفيدرالي 892 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن ترتفع بشكل كبير إذا استمر الدين في الارتفاع، مما يضيف ضغوطاً مالية إضافية على الموازنة الفيدرالية، وقد يضطر الاقتصاد الأميركي إلى التعامل مع زيادات ضريبية أو تخفيضات في الإنفاق؛ في محاولة للتعامل مع هذه الضغوط.

بين السياسات التوسعية والعجز المالي

على الرغم من أن الولايات المتحدة تمكنت تدريجياً في الماضي من تقليص الدين العام إلى نحو 31 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول عام 1981، فقد أسهمت السياسة المالية الحالية، سواء من الجمهوريين أم الديمقراطيين، في تعميق العجز، عبر تسهيل تمويل المبادرات الشعبية بالاقتراض المتزايد. ويبدو أن كلا الحزبين اتفق ضمنياً على أن العجز يمثل الوسيلة الأسهل لتحقيق أهدافهما السياسية، ما أضعفَ الاهتمام بمعالجة المشكلات المالية.

وبالنسبة لترمب، سيكون التحدي الأكبر في ولايته الثانية هو موازنة سياساته التوسعية في تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق، مع الحاجة إلى السيطرة على الدين المتزايد. وإذا قرر مواجهة الدين، فقد يتعين عليه تقليص بعض أوجه الإنفاق، أو تعديل التخفيضات الضريبية، وهي خطوات غير شعبية، كما يمكنه الاستفادة من دعم الأغلبية الجمهورية لتحقيق «اكتساح أحمر» يساعده في تمرير إصلاحات هيكلية تعزز استدامة النمو المالي، دون التأثير على الاقتصاد.