فيما ينخفض مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (فاو) للأسعار العالمية، بالتزامن مع انخفاض القدرة الشرائية وما يسببه من ركود اقتصادي، تتسبب الجبايات والإتاوات الحوثية في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، لتزيد من الأعباء على اليمنيين، وسط تحذيرات اقتصادية من تداعيات استمرار توقف صادرات النفط على الحياة العامة في البلاد، بسبب الهجمات الحوثية على الموانئ.
وبحسب مصادر تجارية يمنية، تجاوز سعر كيس الدقيق زنة 50 كيلوغراماً، 20 ألف ريال، وكيس الأرز 28 ألف ريال، في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين، حيث يبلغ سعر صرف الدولار نحو 560 ريالاً، مقابل بيع نفس الدقيق بأقل من 40 ألف ريال، وتعدي سعر الأرز 50 ألف ريال في المناطق المحررة حيث يتجاوز سعر الدولار 1220 ريالاً.
ورفعت منظمة الفاو توقعاتها لإنتاج الحبوب العالمي في العام الحالي إلى 2.765 مليار طن، بعد تقدير سابق بإنتاج 2.756 مليار طن. ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تسارع انهيار العملة اليمنية؛ حيث ارتفع سعر الدولار مقابل الريال في المناطق المحررة من 1130 إلى 1150، ثم إلى 1165، وبعد ذلك إلى 1186، ليصل مؤخراً إلى 1220، بينما تشتكي البنوك ومحال الصرافة في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين من تثبيت سعر العملات الأجنبية بقرار حوثي لا علاقة له بالقواعد المصرفية.
ابتزاز التجار
وتلقي سلطات الانقلابيين الحوثيين باللائمة على المجموعات التجارية في رفع الأسعار، مهددة إياها بالإغلاق، وفي المقابل يرد التجار على هذه الاتهامات بالنفي، ويبررون ارتفاع الأسعار بما فرضته عليهم الميليشيات الحوثية من جبايات، تبدأ في منافذ دخول بضائعهم التي نصبت فيها الميليشيات نقاطاً جمركية، وإجبارهم على التبرع للميليشيات في مناسباتها واحتفالاتها ودعم مقاتليها في الجبهات.
وتقول المصادر التجارية في العاصمة صنعاء إن الميليشيات الحوثية تدفع تجار الجملة إلى التخلي عن التعامل مع البيوت والمجموعات التجارية الكبرى التي تتعرض بدورها للابتزاز والمضايقات لإجبارها على الانسحاب من السوق المحلية لإفساح المجال للتجار الموالين للميليشيات وقادتها الذين امتهنوا التجارة بالفساد والنهب والجبايات، وهو الأمر الذي بدأ بالحدوث فعلاً.
فمن غير المعقول، بحسب أحد تجار الجملة؛ «أن تُفرض الإتاوات الباهظة علينا وعلى البيوت التجارية بشكل عشوائي ودائم، ثم يُطلب منا البيع بتسعيرة واحدة على الدوام، ما يحدث هو استنزاف لقدراتنا على الاستمرار في أنشطتنا، واستنزاف لجيوب المواطنين الذين انعدمت مصادر دخلهم أصلاً».
وأغلقت الميليشيات الحوثية خلال الأسابيع الماضية عدداً من المقرات التابعة لمجموعات تجارية، على رأسها مجموعة هائل سعيد أنعم التجارية، بعد أن اتهمتها بإجبار عملائها من تجار الجملة والتجزئة على رفع الأسعار، والبيع بالمخالفة للتسعيرة التي فرضتها الميليشيات.
إرهاب اقتصادي
حذر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي من تداعيات استمرار توقف صادرات النفط على الحياة العامة للمواطنين والمشهد الاقتصادي في البلاد، مستعرضاً الوضع المعقّد الذي نتج عن استهداف الميليشيات الحوثية موانئ تصدير النفط في محافظتي حضرموت وشبوة، والتهديد بما هو أبعد من ذلك، وما تبعه من تصنيف مجلس الدفاع الوطني الميليشيات حركة إرهابية.
فبعد فشل تمديد الهدنة، ووضع الميليشيات الحوثية مطالب متطرفة، بحسب تصريحات ومواقف دولية متطابقة، التي تمثلت في مطالبتهم بالحصول على ما زعمت أنه حصتها من عائدات تصدير النفط، واشتراط دفع تلك الحصة نقداً بالعملات الأجنبية، لجأت الميليشيات إلى استهداف ميناءي الضبة والنشيمة لتصدير النفط في حضرموت وشبوة لإجبارهما على إيقاف التصدير.
ووصف المركز استهداف الميناءين بتدشين مرحلة جديدة من الصراع لتأخذ مساراً شديد التعقيد، إذ تحاول الميليشيات الحوثية عرقلة إنتاج وتصدير النفط من أجل إجبار الحكومة على الموافقة على شروطها للدخول في مفاوضات تمديد الهدنة أو مناقشة حل شامل للأزمة الممتدة منذ 8 سنوات، وفي المقابل ردّت الحكومة بتصنيف الميليشيات حركة إرهابية.
يشير المركز إلى أن ارتفاع عائدات صادرات النفط ساهم في تحسن المؤشرات المالية الحكومية، حيث تشير بيانات الموازنة العام للدولة خلال النصف الأول من عام 2022 إلى وجود فائض نقدي بأكثر من 8 مليارات ريال، بنسبة 0.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مقابل عجز قيمته 2.368 مليار ريال، بنسبة 2.3 في المائة في نفس الفترة من العام السابق.
وزادت إيرادات النفط خلال النصف الأول من العام الماضي إلى 187.6 مليون دولار، بنسبة زيادة بلغت 34 في المائة، لتبلغ 739.3 مليون دولار، مقارنة بـ551.7 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام 2021. ويعود ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط خلال النصف الأول من العام الماضي.
مؤشرات الانهيار
طبقاً لتقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وهو منظمة يمنية تنشط من مدينة تعز (270 كيلومتراً جنوب العاصمة صنعاء)، فقد رافقت ارتفاع عائدات النفط الخام إجراءات مهمة، قام بها مجلس إدارة البنك المركزي اليمني في عدن، المعين أواخر العام قبل الماضي، للاستفادة من تلك العائدات.
وهذه المؤشرات مهددة بالتراجع، بحسب ما يفيد تقرير المركز، جراء الهجمات الحوثية على موانئ تصدير النفط، التي أدت إلى توقف الصادرات، وبات لها أثر عكسي على المناطق المحررة، وتأثيرات عدة ستشمل العملة المحلية، بسبب اعتماد البنك المركزي والحكومة على عائدات النفط للقيام بالمزايدات والاعتمادات البنكية من العملات الأجنبية.
وإلى جانب التأثيرات التي ستظهر لاحقاً، فقد أدت الهجمات الحوثية إلى تأثيرات سريعة على بعض القطاعات، كقطاع الكهرباء الذي لم يمنع ظهور تلك التأثيرات على أدائه في المناطق المحررة، ومدينة عدن خصوصاً، إلا المنحة الطارئة التي قدمتها المملكة العربية السعودية، في حين يتوقع توقف المزادات المعول عليها لتحجيم تضخم العملة وانهيارها.
ومن ضمن التأثيرات المنتظرة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وهو التأثير المباشر على الحالة المعيشية للمواطنين، وتأثر الموظفين من تأخر صرف الأجور التي يتم تغطيتها من العائدات ذاتها، وهو ما يجعل خيارات الحكومة شحيحة، ويضعها أمام استمرار اعتمادها على الدعم والمنح المالية الدولية التي لم تعد متوفرة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية.
ويتمثل الخيار الأخير في طباعة أوراق جديدة من العملة لتغطية العجز والقدرة على صرف أجور الموظفين، ما سيلقي بآثار كارثية على الاقتصاد الوطني، من حيث ارتفاع نسبة التضخم، وانهيار سعر العملة المحلية، وارتفاع أسعار المواد الأساسية إلى مستويات قياسية.