رحلة أفريقيا تعود بأوباما إلى جذوره.. وتساؤلاته حول مستقبل القارة

فترة شباب الرئيس الأميركي عبارة عن صراع لتكامل الأجزاء المختلفة من تاريخه

عمال كينيون يركبون لوحة كبيرة تظهر الرئيس الكيني اوهورو كينياتا والرئيس الأميركي باراك أوباما في نيروبي (أ.ب)
عمال كينيون يركبون لوحة كبيرة تظهر الرئيس الكيني اوهورو كينياتا والرئيس الأميركي باراك أوباما في نيروبي (أ.ب)
TT

رحلة أفريقيا تعود بأوباما إلى جذوره.. وتساؤلاته حول مستقبل القارة

عمال كينيون يركبون لوحة كبيرة تظهر الرئيس الكيني اوهورو كينياتا والرئيس الأميركي باراك أوباما في نيروبي (أ.ب)
عمال كينيون يركبون لوحة كبيرة تظهر الرئيس الكيني اوهورو كينياتا والرئيس الأميركي باراك أوباما في نيروبي (أ.ب)

في المرة الأولى التي زار الرئيس الأميركي باراك أوباما فيها كينيا، موطن والده، كان يأمل في أن يشغل «حيزا كبيرا من الفراغ» يشعر به في داخله، وليتصور من يكون، وأين محله الحقيقي من هذا العالم.
والتقى في المطار بأخته غير الشقيقة وعمته التي بادرته بقولها «مرحبا بك في بيتك». ثم انضوى ثلاثتهم داخل سيارة فولكس فاغن من طراز «بيتلز» الصغيرة، والتي سقط كاتم صوت العادم بها أثناء الرحلة من المطار إلى نيروبي. وفي الوقت الذي تجهزت فيه العمة للذهاب إلى عملها، كانت قد نبهت على أوباما ألا «يفقد طريقه مرة أخرى».
وبعد مرور 28 عاما، يغادر أوباما مجددا عائدا إلى كينيا بمنصب رئيس الولايات المتحدة حيث يرافقه موكب من المئات من الموظفين وسيارة مصفحة بكاتم لصوت العادم يعمل بكفاءة. وأي سؤال يدور حول أين يتواجد أوباما بالنسبة للعالم كان قد أجيب عليه منذ فترة طويلة. غير أن السؤال المستديم بلا إجابة يدور حول المكان الذي تحتله كينيا من هوية أوباما الشخصية أو الرئاسية.
وتحولت كينيا إلى جزء معقد من شخصية أوباما السياسية بعد ست سنوات قضاها في المنصب الرفيع. وأوباما المعروف عنه ذكرياته الشابة واستكشاف جذوره الكينية القديمة، قد احتفي به أيما احتفاء كابن أفريقيا الأصيل الذي بلغ أرقى مراتب السلطة على مستوى العالم.
وغير أنه يجد نفسه محاصرا كذلك بنظرية المؤامرة من أن مسقط رأسه يرجع بالفعل إلى كينيا وبالتالي فهو غير مؤهل لأن يكون رئيسا للولايات المتحدة، وهي النظرية التي شعر بأنه مضطر لدحضها من خلال مسيره إلى غرفة المؤتمرات بالبيت الأبيض عام 2011 حاملا في يده شهادة ميلاده من ولاية هاواي الأميركية.
وينظر أوباما إلى «حركة المواليد»، وهي الحركة المحظورة الآن إلى حد كبير، بأنها حركة تشتيت للانتباه ولعبة خادعة من قبل معارضيه من أمثال دونالد ترامب، ولكنه ظل بعيدا عن كينيا حتى الآن، وغير مستعد لإثارة السيرك السياسي الصارخ الذي ينجم عن ذلك. وخلال فترة رئاسته الأولى، قضى أوباما نحو 24 ساعة في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، وعلى الجانب الآخر من القارة من منزل والده القديم. يقول بعض النقاد بأن الرئيس الأميركي الأول من أصول أفريقية لم يفعل للقارة السمراء أكثر مما فعله الرئيس الأبيض الذي خلفه في البيت الأبيض. ومع إعادة الانتخابات التي كانت تلوح في الأفق، أعرب أوباما عن اهتمامه مجددا بأفريقيا. ولقد استضاف اجتماع قمة في واشنطن للزعماء الأفارقة العام الماضي وجدد العمل ببرنامج الأفضليات التجارية الأفريقية من خلال الكونغرس.
وتعد زيارته الحالية إلى كينيا، والمتبوعة بزيارة أخرى إلى إثيوبيا، هي الزيارة الرابعة إلى جنوب الصحراء الأفريقية كرئيس دولة، ومن أكثر الزيارات التي قام بها أسلافه مجتمعين.
وهو أول رئيس أميركي يزور كينيا أو إثيوبيا أثناء شغله لمنصبه، كما أنه يأمل في تعزيز الجهود الرامية لوصول الكهرباء وإحلال الأمن والديمقراطية في أفريقيا.
وتقول سوزان رايس مستشارة الأمن القومي في إدارة الرئيس أوباما يوم الأربعاء الماضي: «إن سجل الرئيس أوباما حيال أفريقيا لن يتسق فقط مع أسلافه من الرؤساء، بل إنني أتوقع وبمنتهى الثقة أنه سوف يتجاوز سجلاتهم جميعا»، في إشارة إلى برنامج الكهرباء والطاقة الأفريقي وجهود تعزيز المستقبل التي يقوم بها الرئيس لتوفير الغذاء للأفارقة.
وستخلف هذه الجولة الأفريقية آثارها على دولتين أفريقيتين لم تتمكنا لأن تكونا مثالا من مثل الدول الديمقراطية مؤخرا. ففي كينيا، سيلتقي أوباما بالرئيس اوهورو كينياتا، الذي كان قد اتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية إثر التحريض على العنف الطائفي حتى أسقطت القضية خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي إثيوبيا، سيلتقي كذلك برئيس الوزراء هيلامريام ديساليغنه بعد شهر واحد فقط من فوز الحزب الحاكم وحلفاؤه بنسبة 100 في المائة من عدد المقاعد في البرلمان.
ولقد واجهت مبادراته قدرا من المشاكل. حيث إن برنامج «باور أفريكا» الذي دشنه الرئيس أوباما خلال زيارته الأخيرة للقارة السمراء في عام 2013 لم يبدأ حتى الآن في توصيل ذلك القدر من الكهرباء الذي تعهد بتوصيله.
وقالت رايس عن ذلك بأن «البرنامج شهد بطأ في التنفيذ في بادئ الأمر ولكن تتزايد الآن قدراته واستيعابه»، وأضافت: «إن ذلك سيستغرق وقته».
ولكن بقدر التحديات التي تفرضها القضايا السياسية على الرئيس الزائر، هناك تحديات أخرى عاطفية ورمزية تواجهه هناك.
ويقول ديفيد اكسيلرود، كبير مستشاري البيت الأبيض سابقا في إدارة أوباما: «من الواضح أن كينيا تحتل مكانا خاصا بالنسبة إليه، ولقد كانت هي محور كتابه الأول، وأعتقد، أنها مكان مركزي من حيث حالة اكتشاف الذات لدى الرئيس. كما أعتقد أيضا أنه يعلم تماما ما الذي يمثله هو شخصيا بالنسبة إليهم هناك».
ويقول بيل بيرتون، وهو من مساعدي أوباما السابقين، بأن كينيا قد شكلت هوية أوباما كأميركي من أصول أفريقية: «من الواضح أنك إذا قرأت كتابه واستمعت لما قاله عن سيرته الذاتية، ستجد أن كينيا قد لعبت دورا كبيرا فعلا في تشكيل طريقة تفكيره حول العالم الكيفية التي ينظر من خلالها إلى علاقاته بالمواطنين الأميركيين الآخرين».
وفي كتابه الأول: «أحلام من أبي»، وصف أوباما تنشئته في ولاية هاواي كابن لطالب جامعي من أصول أفريقية وافد من كينيا، باراك أوباما الأب، وعالمة إنسانيات بيضاء تتحدر أصولها من ولاية كانساس وتدعى ستانلي آن دانهام.
ولم يكن أوباما يعرف والده على وجه الحقيقة، ولقد تقابل معه مرة واحدة فقط حينما كان يبلغ من العمر 10 سنوات، ولكنه شعر بصلة ما ذهبت به إلى كينيا في آخر الأمر عام 1987. وقضى عدة أسابيع ينام على أريكة غرفة المعيشة بمنزل أخته غير الشقيقة، أوما، والتي كانت تدرس في جامعة نيروبي، والتقى هناك بالكثير من الأقارب من مختلف أفرع العائلة.
ثم سافر إلى قرية والده، ويتذكر قائلا: «لقد كانت هناك عنزة على ركبتي»، ثم التقى مع آخر زوجات جده لوالده، والمعروفة باسم ماما سارة، والتي كان يناديها باسم جدتي رغم عدم وجود رابطة نسب. وفي كتابه، كتب أنه وللمرة الأولى، استمتع كثيرا بـ«الراحة، ورسوخ الهوية». ولكن لم يكن الأمر بمثل تلك البساطة، وفقا لما قاله ديفيد مارانيس، مؤلف كتاب «باراك أوباما: القصة»، وهي سيرة ذاتية للرئيس كشاب تنتهي به رحلة سفره إلى كينيا. علم أوباما بالانقسامات التي تعاني منها عائلته، بين قبائل لوه والكيكويو، وبين الأفارقة والآسيويين.
وكتب مارانيس يقول: «كانت فترة شبابه عبارة عن صراع لتكامل الأجزاء المختلفة من تاريخه بطريقة تجعله يشعر بالكمال. وبدلا من ذلك، لم يخرج من رحلته الأولى إلا بالمزيد من التناقضات التي كان يصعب كثيرا عليه التوفيق بينها».
وساعد تقدير أوباما الذاتي لرحلته المادية والعاطفية في تشكيل هويته بالنسبة للكثير من الأميركيين، ويقول السيناتور جيف فليك، الجمهوري من أريزونا ورئيس اللجنة الأفريقية الفرعية بالكونغرس، وهو من بين المشرعين المرافقين للرئيس في جولته الأفريقية «قرأت كتابه الأول ولقد أثر في كثيرا. وأعتقد أن كل من يقرأه لا بد أن يتأثر به. لا بد أنها تجربة كبيرة للغاية للعودة إلى الأصل».
وعاد أوباما مرتين مرة كشاب يافع والأخرى في عام 2006 عندما كان نائبا جديدا بالكونغرس. وتلك الرحلة كانت بمثابة معاينة لما سيواجهه خلال هذا الأسبوع، مع موكب من 12 سيارة وعشرات الناس الذين يرحبون به أينما ذهب. ولقد زار قرية ماما سارة وتوقف عند قبر والده، ولكنه كان محاطا بالكثير من وسائل الإعلام.
ويقول بوب هيركليس، الذي يرافق الرئيس وأنتج فيلما وثائقيا حول الرحلة بعنوان «السيناتور أوباما يزور أفريقيا»: «من المدهش أن تفكر في رئيس الولايات المتحدة في تلك القرية الصغيرة ذات الأبنية الأساسية الضئيلة. إنه أمر لا يُصدق». وحينما صار رئيسا، كانت هناك الكثير من الأسباب الدبلوماسية التي تحول دون زيارته لكينيا في بادئ الأمر، وليس أقلها لائحة الاتهامات بحق رئيس البلاد. ولكن كانت هناك أسباب أخرى بطبيعة الحال. ويقول اكسيلرود «إذا سألتني: هل هناك مناقشة سياسية حول ما إذا كان من غير الملائم أن يظهر الرئيس في كينيا في الوقت الذي يثرثر فيه دونالد ترامب حول جنسيته، فأنا لا أذكر مطلقا وجود مثل تلك المناقشات. ولكن ربما لم يكن هناك من يرغب في تلك المناقشة بالأساس». ومع تلاشي ذلك النوع من القلق، غادر أوباما العاصمة واشنطن مساء أمس، ولكنه أقر الأسبوع الماضي بأن هذه الزيارة لن تكون كمثل سابقتها التي قام بها عندما كان شابا يحمل الكثير من الأسئلة بداخله.
وباعتبار الأمور الأمنية واللوجستية، فلن يكون الرئيس أوباما قادرا على زيارة قرية والده هذه المرة. بدلا من ذلك، فإن أقاربه، ومن بينهم ماما سارة، سوف يأتون لمقابلته في العاصمة نيروبي.
ولقد صرح أوباما في مؤتمر صحافي: «من الواضح أنه أمر أتطلع إليه كثيرا. وسوف أكون أمينا معكم، إن زيارة كينيا كمواطن عادي لها أبلغ الأثر بالنسبة لي عن زيارتها بصفتي الرسمية كرئيس، بسبب إمكانية مغادرة غرفتي الفندقية أو من مركز المؤتمرات بسهولة. وكذلك لأن الأمور اللوجستية الخاصة بزيارة مكان ما كرئيس هي أمور عسيرة. ولكن من الواضح أن للزيارة أهميتها الرمزية».

* خدمة: «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.