«المنطاد الصيني» يعيد التوتر مع الولايات المتحدة إلى المربّع الأول

«البنتاغون» يتمسك بأنه «أداة تجسس»... وبكين تصرّ على أنه «مخصص للبحث العلمي»

علم أميركي أمام مقر حكومي صيني ببكين خلال مناسبة احتفالية في 9 نوفمبر 2017 (أ.ب)
علم أميركي أمام مقر حكومي صيني ببكين خلال مناسبة احتفالية في 9 نوفمبر 2017 (أ.ب)
TT

«المنطاد الصيني» يعيد التوتر مع الولايات المتحدة إلى المربّع الأول

علم أميركي أمام مقر حكومي صيني ببكين خلال مناسبة احتفالية في 9 نوفمبر 2017 (أ.ب)
علم أميركي أمام مقر حكومي صيني ببكين خلال مناسبة احتفالية في 9 نوفمبر 2017 (أ.ب)

على الرغم من الجهود التي يبذلها مسؤولو البلدين، لإصلاح العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، لم يحتج الأمر سوى «منطاد تجسس»، ليظهر هشاشة الثقة القائمة بينهما، في ظل التوتر المتصاعد، وتنافسهما الاستراتيجي للهيمنة العسكرية والجيوسياسية والتكنولوجية، على الساحة الدولية. وفيما بدت العلاقات بين واشنطن وبكين مهيأة لتحقيق تقدم متواضع، على طريق خفض تلك التوترات، خصوصاً بعد قمة بايدن شي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والاتصالات والوفود التي تبادلها البلدان، كان من المفترض أن تؤدي زيارة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى وضع «أرضية مشتركة»، تثبت ما تم تحقيقه بين البلدين. فتصاعد التوتر بينهما، من شأنه أن يؤثر، ليس فقط على دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بل والعالم كله، الذي يواصل تلقي نتائج الحرب الروسية في أوكرانيا. لكن اكتشاف «منطاد التجسس» بحسب البنتاغون، وقرار بلينكن إلغاء الزيارة، أعادا الأمور إلى المربّع الأول. وعلى الرغم من ذلك، حرص بلينكن على القول خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع نظيره الكوري الجنوبي في واشنطن، الجمعة، إنه اتصل بنظيره الصيني وانغ يي، وأبلغه بأن الولايات المتحدة «لا تزال ملتزمة» بالمشاركة الدبلوماسية مع الصين، وأنه «يخطط لزيارة بكين عندما تسمح الظروف بذلك». وأكد بلينكن أنه أوضح للوزير الصيني أن وجود منطاد المراقبة هذا في المجال الجوي الأميركي هو «انتهاك واضح» لسيادة الولايات المتحدة والقانون الدولي، وأنه عمل غير مسؤول، وأن «قرار جمهورية الصين الشعبية اتخاذ هذا الإجراء عشية زيارتي المخطط لها تضر بالمناقشات الموضوعية التي كنا مستعدين لها».
وردت الصين بحملة على السياسيين الأميركيين ووسائل الإعلام الأميركية. وقالت وزارة الخارجية الصينية، في بيان صدر بعد إرجاء بلينكن زيارته، إن «بعض السياسيين ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة استخدموا الحادثة ذريعة لمهاجمة الصين وتشويه صورتها». وأمس، أصدرت الخارجية الصينية بياناً آخر قالت فيه إن «الصين... لم تنتهك أبداً أراضي ومجال أي دولة ذات سيادة». وأشارت الوزارة إلى أن الحفاظ على قنوات الاتصال على كل المستويات أمر مهم «خصوصاً في التعامل بطريقة هادئة وموثوقة مع بعض المواقف غير المتوقعة».
وفيما يتعلق بزيارة بلينكن، قالت الخارجية الصينية: «في الواقع، لم تعلن الصين ولا الولايات المتحدة (رسمياً) عن أي زيارة». وأضافت أن «نشر المعلومات (المتعلقة بهذه الزيارة) قرار الولايات المتحدة، ونحن نحترم ذلك». وكانت الصين قد أصدرت في وقتٍ سابق بياناً نادراً عبرت فيه عن «الأسف»، وألقت باللوم على «الرياح» في دفع ما وصفته بأنه منطاد مدني إلى المجال الجوي الأميركي. وأكدت الخارجية الصينية على موقعها على الإنترنت، أن الوزير وانغ يي، أخبر بلينكن في المكالمة الهاتفية التي جرت في وقت متأخر من يوم الجمعة أن «الصين دولة مسؤولة وتلتزم دائما بشكل صارم بالقانون الدولي».
وأثار الكشف عن موقع المنطاد غضباً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، بما في ذلك دعوات لإسقاطه، وهو ما شكل ضغطاً على إدارة بايدن، على الرغم من إعراب الصين بشكل غير معهود عن أسفها. وأصر البلدان على ادعاءات متنافسة، ففي حين وصف قادة البنتاغون المنطاد بأنه أداة تجسس، «لجمع المعلومات الاستخباراتية»، أصرت الصين على وصفه بأنه منطاد مدني، مخصص للبحث العلمي، وأنه انحرف عن مساره.
وبعد بيانات ومواقف صدرت من رئيس مجلس النواب الجمهوري، كيفين ماكارثي، ومن نواب جمهوريين وديمقراطيين، أعلن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بوب مينيديز، الجمعة، دعمه قرار بلينكن تأجيل زيارته إلى بكين. وأعرب مينيديز في بيان عن «انزعاجه» لاكتشاف المنطاد، واتهم بكين بانتهاك سيادة الولايات المتحدة بهذا التصرف، داعيا الإدارة الأميركية لسرعة تلقي المعلومات الاستخباراتية لمناقشة آخر التطورات مع الصين.
وعلى الرغم من عدم وجود أي مؤشر على أن البالون يشكل تهديداً عسكرياً أو استخباراتياً خطيراً للولايات المتحدة، فإن تحليقه في هذا التوقيت فوق الأجواء الأميركية، أضاف عنصراً جديداً من التقلبات، في العلاقة التي يراقبها العالم.
ولعلّ أكبر التحديات، هي قضية الحفاظ على السلام في مضيق تايوان، وإعادة بناء اقتصادات ما بعد الوباء ومكافحة تغير المناخ. كما طرح فرضيات أخرى، عن احتمال وجود خلافات داخل الحكومة الصينية، حول استراتيجيتها تجاه الولايات المتحدة، منافسها الاستراتيجي الرئيسي.
وقال محللون إن الصين كانت تتطلع إلى تقليل التوترات في الخارج لتركيز جهودها على إصلاح اقتصادها المحاصر، والانتقال من العزلة التي سببها فيروس كوفيد، ومحاولة جذب الاستثمارات الأجنبية وإعلان انفتاحها على الأعمال التجارية مرة أخرى.
لكن تحليق المنطاد، في هذا التوقيت، يشير إلى أنه يتعارض مع الرسائل الصينية العامة، ما يثير تساؤلات عمّا إذا كان هناك خلافات في التنسيق داخل نظام الأمن الصيني نفسه، بحسب بعض المحللين. وبينما كان الزعيم الصيني، شي جينبينغ، يسعى إلى خفض التوتر في العلاقات الأميركية الصينية، التي تعد من بين مسؤولياته الرئيسية، التي تراقبها النخبة الصينية، بعدما شلت واشنطن شركات الاتصالات الصينية الكبرى، وفرضت حظراً شاملاً على تصدير تكنولوجيا أشباه الموصلات، تحدث البعض عن احتمال أن يكون إطلاق المنطاد «رسالة اعتراض» من النخبة الأمنية والعسكرية الصينية، ردا على الاندفاعة الأميركية النشطة، لترتيب علاقاتها التحالفية مع دول المنطقة. وتوجت أخيراً بالاتفاق الأمني مع الفلبين، لتمكين الجيش الأميركي من استخدام 9 قواعد استراتيجية في مواجهة الشواطئ الصينية، وبالقرب من تايوان. وكانت سبقتها أيضا اتفاقات مماثلة مع استراليا واليابان وأخيرا مع كوريا الجنوبية. وهو ما يثير التساؤل عن قدرة الزعيم الصيني على إدارة العلاقات الداخلية مع النخبة الصينية، التي تشكك في قيادته للتنافس مع الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

الولايات المتحدة​ بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

في تحول كبير نحو تعزيز العلاقات الأميركية - الفلبينية، يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن، الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، في البيت الأبيض مساء الاثنين، في بداية أسبوع من اللقاءات رفيعة المستوى، تمثل تحولاً في العلاقة بين البلدين التي ظلت في حالة من الجمود لفترة طويلة. زيارة ماركوس لواشنطن التي تمتد 4 أيام، هي الأولى لرئيس فلبيني منذ أكثر من 10 سنوات.

هبة القدسي (واشنطن)
العالم الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

من التداعيات المباشرة والأساسية للحرب في أوكرانيا عودة أجواء الحرب الباردة وبروز العقلية «التناحرية» التي تسود حالياً العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومع كل ما يجري في العالم، نلمح الكثير من الشرارات المحتملة التي قد تؤدي إلى صدام بين القوتين الكبريين اللتين تتسابقان على احتلال المركز الأول وقيادة سفينة الكوكب في العقود المقبلة... كان لافتاً جداً ما قالته قبل أيام وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وشكّل انعطافة كبيرة في مقاربة علاقات واشنطن مع بكين، من حيّز المصالح الاقتصادية الأميركية إلى حيّز الأمن القومي.

أنطوان الحاج
الاقتصاد الشركات الأميركية في الصين  تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

الشركات الأميركية في الصين تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

تخشى الشركات الأميركية في الصين بشكل متزايد من مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها غرفة التجارة الأميركية في الصين. وأعرب 87 في المائة من المشاركين في الدراسة عن تشاؤمهم بشأن توقعات العلاقة بين أكبر الاقتصادات في العالم، مقارنة بنسبة 73 في المائة في استطلاع ثقة الأعمال الأخير. ويفكر ما يقرب من ربع هؤلاء الأشخاص، أو بدأوا بالفعل، في نقل سلاسل التوريد الخاصة بهم إلى دول أخرى.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

من المتوقع أن يبحث قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في قمتهم المقررة باليابان الشهر المقبل، الاتفاق على تحديد رد على التنمر الاقتصادي من جانب الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

انتقدت بكين الجمعة، عزم واشنطن فرض قيود جديدة على استثمارات الشركات الأميركية في نظيرتها الصينية، معتبرة أن خطوة كهذه هي أقرب ما يكون إلى «إكراه اقتصادي فاضح وتنمّر تكنولوجي». وتدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، برنامجاً لتقييد استثمارات خارجية أميركية، بما يشمل بعض التقنيات الحسّاسة التي قد تكون لها آثار على الأمن القومي. وتعاني طموحات الصين التكنولوجية أساساً من قيود تفرضها الولايات المتحدة ودول حليفة لها، ما دفع السلطات الصينية إلى إيلاء أهمية للجهود الرامية للاستغناء عن الاستيراد في قطاعات محورية مثل أشباه الموصلات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين، إن «الولايات المتحد

«الشرق الأوسط» (بكين)

بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
TT

بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فجر السبت، إلى لاوس حيث سيحضر اجتماعات رابطة دول «آسيان» ويجري محادثات مع نظيره الصيني، وذلك في مستهل جولة آسيوية تشمل دولاً عدة وتهدف إلى تعزيز علاقات واشنطن مع حلفائها الإقليميين في مواجهة بكين.

ومن المقرر أن يلتقي بلينكن وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش محادثات وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تعقد في فينتيان، عاصمة لاوس.

منافسة حادة

ويسعى بلينكن لتحقيق تطلّع بجعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ «منطقة حرة ومفتوحة ومزدهرة»، وهو شعار يحمل في طيّاته انتقاداً للصين وطموحاتها الاقتصادية والإقليمية والاستراتيجية في المنطقة.

وقالت وزارة الخارجية في بيان صدر قبل وقت قصير من وصول بلينكن إلى فينتيان، إنّ «محادثات الوزير ستواصل البناء والتوسع غير المسبوق للعلاقات بين الولايات المتحدة وآسيان»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وهذه هي الزيارة الـ18 التي يقوم بها بلينكن إلى آسيا منذ توليه منصبه قبل أكثر من ثلاث سنوات، ما يعكس المنافسة الحادة بين واشنطن وبكين في المنطقة.

ووصل بلينكن بعد يومين على اجتماع عقده وزيرا خارجية الصين وروسيا مع وزراء خارجية تكتل «آسيان» الذي يضم عشر دول، وقد عقدا أيضاً اجتماعاً ثنائياً على الهامش.

وناقش وانغ وسيرغي لافروف «هيكلية أمنية جديدة» في أوراسيا، وفق وزارة الخارجية الروسية.

وقالت الوزارة إن وانغ ولافروف اتفقا على «التصدي المشترك لأي محاولات من جانب قوى من خارج المنطقة للتدخل في شؤون جنوب شرق آسيا».

وتقيم الصين شراكة سياسية واقتصادية قوية مع روسيا. ويعتبر أعضاء حلف شمال الأطلسي بكين مسانداً رئيسياً لموسكو في حربها على أوكرانيا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، الجمعة، إن وانغ وبلينكن «سيتبادلان وجهات النظر حول مسائل ذات اهتمام مشترك».

ووفق وزارة الخارجية الأميركية سيناقش بلينكن «أهمية التقيّد بالقانون الدولي في بحر الصين الجنوبي» خلال محادثات «آسيان».

توترات متصاعدة

وتأتي المحادثات في خضم توترات متصاعدة بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي، حيث سجّلت مواجهات في الأشهر الأخيرة بين سفن فلبينية وصينية حول جزر مرجانية متنازع عليها.

وتتمسك بكين بالسيادة شبه الكاملة على الممر المائي الذي تعبره سنوياً بضائع بتريليونات الدولارات، على الرغم من حكم أصدرته محكمة دولية قضى بأن لا أساس قانونياً لموقفها هذا.

وفقد بحار فلبيني إبهامه في مواجهة وقعت في 17 يونيو (حزيران) حين أحبط أفراد من جهاز خفر السواحل الصيني محاولة للبحرية الفلبينية لإمداد قواتها في موقع ناء.

وانتقدت الصين في وقت سابق من العام الحالي تصريحات لبلينكن أبدى فيها استعداد واشنطن للدفاع عن الفلبين إذا تعرضت قواتها أو سفنها أو طائراتها لهجوم في بحر الصين الجنوبي.

وتصر بكين على أنه «لا يحق» للولايات المتحدة التدخل في بحر الصين الجنوبي.

والبلدان على طرفي نقيض في ملفات التجارة وحقوق الإنسان ووضع جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي.

وتشمل جولة بلينكن ستّ دول هي لاوس وفيتنام واليابان والفلبين وسنغافورة ومنغوليا.

ومن المقرر أن يصدر وزراء خارجية الدول المنضوية في «آسيان» بياناً مشتركاً في ختام الاجتماعات التي ستُعقد على مدى ثلاثة أيام.