تسابق أوروبي ـ أميركي على الاستجابة لمتطلبات أوكرانيا من السلاح

TT

تسابق أوروبي ـ أميركي على الاستجابة لمتطلبات أوكرانيا من السلاح

يتأهب الطرفان الروسي والأوكراني لمعارك الربيع المقبل، بعد أن تكون أرض المعركة قد أصبحت ملائمة للمناورات الأرضية وتحرك الدبابات. ولأنه ليس في الأفق أي حراك سياسي ــ دبلوماسي من شأنه إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، فإن التركيز اليوم يقوم على مراكمة عناصر القوة بوجهيها البشري والمادي. ففي الجانب الأول، تواظب روسيا على إدماج المجندين حديثاً من خلال التدريب والتجهيز وزيادة الحضور على جبهات القتال وسد النقص الذي برز في أشهر القتال الـ12 المنقضية، فضلاً عن استمرار التعويل على ما توفره مجموعة «فاغنر» المنخرطة في القتال في منطقة الدونباس. وثمة معلومات تشير إلى نيتها استدعاء المزيد من الاحتياط في الأسابيع والأشهر المقبلة.
ومن جهة أوكرانيا، من الواضح أن كييف تحرص على إبقاء هذا الجانب بعيداً عن الأنظار. ومنذ أن انطلقت الحرب الروسية عليها في 24 فبراير (شباط) الماضي، ليست هناك معلومات متوافرة عن خسائرها البشرية، بينما تستفيض الدعاية الأوكرانية في تفصيل الخسائر الروسية ولا تتوانى عن الحديث عن اعتماد القيادة الروسية على سياسة «المد البشري» لانتزاع المواقع جيدة التحصين بغض النظر عن الخسائر المرتفعة التي تمنى بها كما هي الحال مثلاً في محيط مدينة «بخموت» الواقعة على الجبهة الشرقية.
أما على الجانب المادي، فإن الطرفين يسعيان إلى حيازة المزيد من الأسلحة. وفي الوقت الذي يضغط فيه الرئيس فلاديمير بوتين على شركات الصناعات الدفاعية في بلاده لزيادة وتيرة الإنتاج ويلوح باللجوء إلى أسلحة أكثر حداثة وفاعلية، يواظب نظيره الأوكراني على سياسة تأنيب وتقريع الغربيين لدفعهم إلى مزيد من الاستعجال في تزويد بلاده بحاجاتها من الأسلحة المتطورة. ووفق مصدر عسكري غربي، فإن فولوديمير زيلينسكي ينهج مبدأ «خذ وطالب» ودليله على ذلك أنه ما كاد ينتزع من ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية قبول تزويد قواته بدبات قتالية ثقيلة «ليوبارد 1 و2 من ألمانيا وأبرامز من الولايات المتحدة»، حتى أخذ بالمطالبة بطائرات قتالية وتحديداً بطائرات «إف 16» التي تملكها بكثرة، إضافة إلى الجيش الأميركي، القوات الجوية الأوروبية، فضلاً عن مطالبته بصواريخ بعيدة المدى تمكن القوات الأوكرانية من استهداف المواقع الخلفية للقوات الروسية «التجمعات، ومخازن الأسلحة، وخزانات المحروقات...». وبحسب المصدر المشار إليه، فإن زيلينسكي نجح في نهجه إلى حد بعيد إلى درجة أن المستشار الألماني أولاف شولتس الذي تتهمه كييف وعواصم أوروبية أخرى بـ«المراوغة» و«المماطلة»، لم يتردد عن الحديث عن «مزايدات» في الداخل والخارج، في موضوع الأسلحة لأوكرانيا.
قبل وصول الوفد الأوروبي رفيع المستوى إلى كييف من أجل أول قمة تعقد بين الطرفين، أعلنت بروكسل عن مساعدة عسكرية إضافية إلى القوات الأوكرانية من 500 مليون يورو، ما يرفع القيمة الإجمالية للدعم العسكري لـ12 مليار يورو، فيما المساعدة الشاملة المقدمة إلى كييف منذ انطلاق الحرب تبلغ 60 مليار يورو، وما معدله 5 مليارات يورو في الشهر. ويتعين إضافة المساعدات العسكرية البريطانية ومساعدات الدول الأوروبية الأخرى غير الأعضاء في الاتحاد لتوفير صورة شاملة لحجم الدعم الأوروبي.
وبعكس الادعاءات المتواترة عن تخلف أوروبا، فإن مصادر في العاصمة الفرنسية أكدت أن ما نجح الاتحاد الأوروبي في إنجازه في الأشهر الـ12 المنصرمة «لم يكن متوقعاً بسبب التمايزات، بل الانقسامات داخل صفوفه». وأكثر من ذلك، فإن الأكثرية الساحقة من أعضاء الاتحاد تؤكد استعدادها لمواصلة دعم أوكرانيا «طالما كانت بحاجة للدعم». وقد كررت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال فضلاً عن «وزير» الخارجية جوزيب بوريل، وقوف الاتحاد المطلق إلى جانب أوكرانيا حتى استعادة سيطرتها على كامل أراضيها. وإلى جانب الدعم متعدد الأشكال، لا بد من إضافة استقبال عدة ملايين من الأوكرانيين في البلدان الأوروبية وتوفير متطلباتهم كاملة من السكن والتعليم والاستشفاء... وآخر ما صدر عن أوروبا، إعلان باريس وروما، في بيان مشترك أمس، تقديم منظومة دفاع صاروخي أرض ــ جو متوسطة المدى من طراز «مامبا»، في الربيع المقبل، لمساعدة أوكرانيا وتمكينها من «الدفاع عن نفسها في وجه هجمات المسيّرات والصواريخ والطائرات الروسية». وأهمية منظومة «مامبا» أنها تضاهي في فاعليتها نظيرتها الأميركية «باتريوت». وبالتوازي، أعلنت باريس تقديم 12 منظومة مدفعية إضافية من طراز «قيصر»، خصوصاً الرادار من طراز «جي إم 200» القادر على كشف أي طائرة مقاتلة أو مسيرة أو صواريخ باليستية على بعد 250 كلم وإسقاطها عن بعد 100 كلم. وسبق لباريس وكانبيرا أن أعلنتا، بداية الأسبوع المنتهي، عزمهما معاً على توفير آلاف القذائف المدفعية من عيار 155 ملم.
واشنطن تبقى مزود أوكرانيا الأول بالسلاح والعتاد، وآخر شريحة من المساعدات التي أُعلن عنها بالأمس تبلغ 2.2 مليار دولار، ما يرفع إجمالي الدعم العسكري إلى 29.3 مليار دولار والدعم الإجمالي إلى ما فوق الستين مليار دولار. وآخر ما سيصل إلى كييف القذائف الذكية التي يمكن أن تضرب أهدافاً على بُعد 150 كلم. ومن الجانبين الأميركي والأوروبي، ثمة حرص على منع إعطاء أوكرانيا أسلحة تمكنها من استهداف الأراضي الروسية رغم أن عمليات من هذا النوع تكررت سابقاً. وهذا الحرص سبب امتناع الجانبين عن الموافقة، حتى اليوم، على مد كييف بطائرات قتالية خوفاً على الأرجح من ردة الفعل الروسية. لكن بريطانيا والنرويج عبرتا عن استعدادهما لاجتياز هذه الخطوة. وبحسب المصادر الأوروبية، فإن الرفض الحالي يمكن عدّه «مؤقتاً»، وإن الأمور يمكن أن تتغير لاحقاً كما حصل مع صواريخ «باتريوت» والدبابات القتالية الثقيلة. أما إقدام الغربيين فمرده إلى أن ردة الفعل الروسية بقيت «تحذيرية خطابية» وأن «الخطوط الحمراء» التسليحية التي وضعتها موسكو تبدو حتى اليوم «وهمية».


مقالات ذات صلة

مسؤول روسي: موسكو قد تعدّل عقيدتها النووية

أوروبا نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف (رويترز)

مسؤول روسي: موسكو قد تعدّل عقيدتها النووية

قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن روسيا ستجري تعديلات على عقيدتها النووية رداً على أفعال الغرب بشأن النزاع في أوكرانيا.

أوروبا قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي (رويترز)

قائد الجيش الأوكراني: الوضع «صعب» في مواجهة الهجوم الروسي الرئيسي

قال قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي، اليوم (الأحد)، إن الوضع «صعب» في مواجهة الهجوم الروسي الرئيسي، ولكن تم اتخاذ جميع القرارات اللازمة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يجلس داخل مقصورة طائرة «إف - 16» بالدنمارك في 20 أغسطس (آب) 2023 (أ.ب)

زيلينسكي يطلب ضوءاً أخضر أميركياً لشن ضربات أعمق في روسيا

كثف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الضغوط على الولايات المتحدة للسماح لكييف بالتوغل في عمق الأراضي الروسية، بعد أن التقى ممثلوه بمسؤولين أميركيين كبار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة نشرها حساب حاكم منطقة ساراتوف لمبنى تضرر إثر هجوم بمسيرات أوكرانية الاثنين الماضي (إ.ب.أ)

«الدفاع» الروسية تعلن إسقاط 158 مسيرة أوكرانية

أسقطت الدفاعات الجوية الروسية 158 طائرة مسيّرة أوكرانية فوق 15 منطقة روسية ليلاً بينها اثنتان فوق العاصمة موسكو.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء دينوف (لقطة من فيديو)

«أبتي علاء دينوف» أبرز المعلقين العسكريين على هجوم كورسك

بات القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء الدينوف وجهاً مألوفاً للروس على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يطل عليهم معتمراً خوذة أو قبعة عسكرية ليقدم أخباراً إيجابية.

«الشرق الأوسط» (وارسو)

جزر المحيط الهادئ تعزز أمنها بعد اجتماع القادة... وترفض قطع العلاقة بتايوان

زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
TT

جزر المحيط الهادئ تعزز أمنها بعد اجتماع القادة... وترفض قطع العلاقة بتايوان

زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

أقر منتدى جزر المحيط الهادئ خطة لتعزيز أعداد الشرطة بين أعضائه، مما يقلل الحاجة إلى الاعتماد على القوى الخارجية في الأزمات، حيث أيدت جزر سليمان حليفة الصين الأمنية المبادرة التي تمولها أستراليا، اليوم (الجمعة)، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال رئيس وزراء جزر كوك مارك براون، رئيس المنتدى، في اليوم الأخير من اجتماع سنوي لزعماء دول جزر المحيط الهادئ، إن الكتلة المكونة من 18 دولة لديها القدرة على الاضطلاع بدور قوي ونشط في الأمن الإقليمي.

وأضاف في مؤتمر صحافي في تونغا، إن جزر المحيط الهادئ «منطقة تعاون ودعم وعمل مشترك، وليس منطقة تنافس ومنطقة حيث تسعى الدول الأخرى إلى محاولة اكتساب ميزة علينا».

ورفض زعماء دول المحيط الهادئ دعوات تدعمها بكين إلى قطع العلاقات مع تايوان، قائلين إن التحالف الإقليمي سيبقي سياساته المستمرة منذ عقود. وفي البيان الختامي أعاد زعماء الكتلة تأكيد اتفاق وُقّع عام 1992 سمح بإجراء محادثات مع تايبيه.

وكانت جزر سليمان، الشريك الرئيسي للصين في جنوب المحيط الهادئ، مارست ضغوطا لتجريد تايوان من وضعها كشريك في منتدى جزر المحيط الهادئ، ما أثار غضب بعض حلفاء تايبيه.

وهذا المنتدى منقسم بين دول تقيم علاقات دبلوماسية مع بكين وأخرى، مثل جزر مارشال وبالاو وتوفالو، حليفة لتايوان التي أرسلت نائب وزير خارجيتها تيان تشونغ-كوانغ إلى تونغا سعيا لتعزيز العلاقات مع حلفائها في جزر المحيط الهادئ، الذين يتناقص عددهم.

وفي السنوات الخمس الماضية، قطعت جزر سليمان وكيريباتي وناورو علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان لصالح الصين.

ومن المقرر تنظيم الانتخابات في بالاو هذا العام، وستكون علاقاتها مع تايوان، وتحول محتمل لصالح الصين، من أبرز قضايا الحملة الانتخابية.

ويرى بعض المحللين أن الخطة لإنشاء وحدة شرطة إقليمية لجزر المحيط الهادئ، يتم نشرها للتعامل مع الحوادث الكبرى هي خطوة من جانب أستراليا لمنع الوجود الأمني المتزايد للصين في المنطقة، وسط تنافس استراتيجي بين بكين وواشنطن.

وقالت جزر سليمان خلال المنتدى الجمعة، وهي دولة تربطها علاقات أمنية بأستراليا، أكبر عضو في المنتدى، وكذلك الصين، التي ليست عضواً في المنتدى، إنها وافقت على مبادرة الشرطة في المحيط الهادئ.

وصرّح رئيس وزراء جزر سليمان جيريميا مانيلي: «نحن نؤيد أيضاً، كجزء من تطوير هذه المبادرة، أهمية التشاور الوطني... لذلك نحن نقدّر حقاً المبادرة».

وقال رئيس وزراء تونغا سياوسي سوفاليني، إن ذلك من شأنه أن يعزز بنية الأمن الإقليمي الحالية. وأضاف أن الزعماء وافقوا أيضاً على شروط مهمة تقصّي الحقائق إلى كاليدونيا الجديدة، التي مزقتها أشهر من أعمال الشغب، لإجراء محادثات مع الأطراف المعنية لمحاولة حل الأزمة.

وأظهر البيان الختامي أن المنتدى قَبِل الإقليمين الأميركيين غوام وساموا الأميركية كعضوين مشاركين.

وأكد سوفاليني رئيس وزراء تونغا، الحاجة إلى المزيد من الموارد لمنطقة المحيط الهادئ للتخفيف من آثار تغير المناخ، وحض الدول المانحة على المساهمة للوصول إلى هدف تمويل أعلى يبلغ 1.5 مليار دولار.