رسائل عن البيئة والأسرة والسكّان الأصليين بمنظور غربي

«أفاتار» طريق الماء

الممثلان كيت وينسليت وكليف كورتيس في «طريق الماء» الجزء الثاني من سلسلة «أفاتار» (أ.ب)
الممثلان كيت وينسليت وكليف كورتيس في «طريق الماء» الجزء الثاني من سلسلة «أفاتار» (أ.ب)
TT
20

رسائل عن البيئة والأسرة والسكّان الأصليين بمنظور غربي

الممثلان كيت وينسليت وكليف كورتيس في «طريق الماء» الجزء الثاني من سلسلة «أفاتار» (أ.ب)
الممثلان كيت وينسليت وكليف كورتيس في «طريق الماء» الجزء الثاني من سلسلة «أفاتار» (أ.ب)

تمثّل سلسلة أفلام «أفاتار» (Avatar)، التي كان إصدارها الأول في عام 2009، قراءة حديثة لثقافة السكّان الأصليين وعلاقتهم بالأرض وانسجامهم مع الطبيعة، في مقابل ثقافة الغزاة المستعمرين الأقل وعياً بالبيئة. ويدعم إصدارها الثاني، الذي ينتقل من عالم الغابات إلى عالم البحار، مفهوم التضامن بين أفراد المجتمع وأهميته في الحفاظ على الوطن وموارده.
- الذئاب في مواجهة الغُزاة
تدور أحداث أفاتار بعد نحو 200 عام من زمننا الحالي على قمر افتراضي، يُدعى «باندورا»، يُشبه كوكب الأرض ويقع ضمن نظام «ألفا سانتوري» النجمي. وتتوقع السلسلة أن تتلاشى موارد كوكب الأرض نتيجة استنزافها من قِبل البشر، مما يجعلهم يندفعون إلى غزو الكواكب والأقمار البعيدة، مثل «باندورا».
يخوض سكان باندورا (شعب نافي) حرباً ضد الغزاة الأرضيين دفاعاً عن موطنهم وموارده الطبيعية، ولحماية شجرة «إيوا»، التي تُعد بمثابة ذاكرة بيولوجية ضخمة ترتبط بها جميع أشكال الحياة على باندورا، وتحافظ على نظامه البيئي في حالة توازن مثالي.
جايك ساللي، الشخصية المحورية في الفيلم، شاب مصاب بشلل نصفي تسمح له التكنولوجيا المتقدمة بالسكن في جسد واحد من شعب «نافي» تم استنساخه عن بُعد. وكما في حبكة فيلم «رقص مع الذئاب»، يشهد ساللي جشع ووحشية أبناء جلدته من الغزاة، فينضم إلى شعب نافي ويقودهم للدفاع عن أرضهم، ثم يندمج في جسده الجديد، ويكوّن أسرة مع نيتيري أميرة شعب نافي.

الممثل جايك ساللي الذي يلعب دور البطل المنقذ في «طريق الماء» من سلسلة «أفاتار» (أ.ب)

اعتباراً من اللقطة الأولى في الفيلم، يروّج صانعوه لرسالته البيئية المباشرة، التي لم تحُل دون طلب الشركة المنتجة من المخرج جايمس كامرون التخفيف من مشاهد عناق شجرة إيوا. ولدعم رسالة الفيلم على أرض الواقع، قامت الشركة المنتجة لاحقاً بإطلاق مبادرة «الشجرة الوطن»، التي تشمل زراعة مليون شجرة حول العالم بالتعاون مع شبكة «يوم الأرض».
وتنطوي سلسلة «أفاتار» على رسائل أعمق بكثير من مجرد زراعة الأشجار، إذ تتبنى فلسفة الإيكولوجيا العميقة التي ترى أن الجنس البشري هو جزء لا يتجزأ من محيطه، وتجادل في حاجته للسيطرة على الطبيعة. ويقوم المبدأ الأساسي للإيكولوجيا العميقة على الاعتقاد بضرورة احترام البيئة الحيّة كلها، واعتبارها تتمتع بحقوق قانونية في البقاء والازدهار غير قابلة للتصرف، بغضّ النظر عن فوائدها وحاجة البشر لها.
وتتجاوز السلسلة مسألة الوعي بالقضايا البيئية إلى مفهوم «الإيكوتوبيا»، أو الطوباوية البيئية، التي تؤكد على إيجاد طريق جديدة جذرياً للعيش مع العالم الطبيعي، وليس على حسابه. وتجعل الطوباوية البيئية من الطبيعة المحور بدلاً من الإنسان، وتستبدل بمنطق «المزيد» منطق «الكفاية»، وتقترح أن رفاهية الإنسان ليست في التقدم المادي، وإنما في التطوّر الروحي والثقافي والفكري، من خلال التواصل مع الآخرين في المجتمع وعبر العلاقة الحيوية مع الطبيعة.
وتعرض السلسلة كوكب باندورا على أنه بيئة محورية بطبيعتها، لأن شعب نافي لا يعتبر نفسه مركزاً للمعرفة أو القوة، وإنما جزءاً من شبكة الطاقة المتدفقة التي تتساوى فيها جميع الكائنات، بما في ذلك الحيوانات والأشجار. ومن الواضح أنه لا يوجد لدى البشر الغزاة ما يمكنهم تقديمه لشعب نافي، لأنهم يعيشون في انسجام تام مع الطبيعة التي توفّر لهم جميع احتياجاتهم، ولا يعدون الخبرات البشرية ذات قيمة حقيقية بالنسبة لهم، لأن حياتهم تقوم على طقوس وممارسات روحانية تناقض مفاهيم الاستهلاك والتوسع لدى الغزاة.
هذه الفلسفة التي تناولتها سلسلة «أفاتار» تشوبها إشكالية التنميط، كما في مجمل أفلام الغرب الأميركي التي تستدعي تكريس تفوّق الرجل الأبيض. وفيما يكون دور السكان الأصليين (نموذج الهنود الحمر وشعب الماوري في سلسلة أفاتار) سلبياً، أو هامشياً في أفضل الأحوال، نجد البطل المنقذ (جايك ساللي) شخصاً أبيض قادماً من وسط المستعمرين أنفسهم.
ولا يُخفي جايمس كامرون نظرته الاستعلائية في هذا الشأن، إذ يشير إلى أن فيلم «أفاتار» الأول كان مستلهماً من الأحداث التي مرّت بها قبيلة لاكوتا (إحدى قبائل السكّان الأصليين لأميركا المعروفين بهنود السهول) لا سيما حرب «سيوكس» في عام 1877. التي فرضت هيمنة الجيش الأميركي. ويقول كامرون في لقاء مع صحيفة الغارديان: «لا يسعني إلا الاعتقاد أنه في حال امتلك زعماء لاكوتا نافذة زمنية، تُريهم مستقبل أبنائهم الذين ينتحرون حالياً بأعلى المعدلات في البلاد بسبب اليأس وانسداد الأفق، فإنهم كانوا سيقاتلون أكثر بكثير».
حيتان وتماسيح طائرة في طريق الماء
وبعيداً عن حالة الإبهار البصري للجزء الثاني من «أفاتار»، الذي يُعرض في دور السينما حالياً تحت عنوان «طريق الماء»، تقوم حبكة الفيلم الجديد على استدعاء العديد من المشاهد الدرامية التي رسخت في ذاكرة المشاهدين، ابتداءً بهجمات الهنود الحمر على القطارات التي تزخر بها أفلام الغرب الأميركي، مروراً بفتى الأدغال (طرزان) الذي يكبر بين الوحوش ومغامرات القبطان إهاب مع الحوت موبي ديك، وانتهاءً بمأساة غرق السفينة تايتانيك.
ولا يبدو الوقوف على أكتاف الروايات السابقة موفقاً في الجزء الحالي من «أفاتار»، إذ تبدو أفكارها مقحمة على نحو غير منطقي، وإن كان هذا النوع من الأفلام لا يخضع من حيث المبدأ للمحاكمة المنطقية. وفي المقابل، يمثّل التحوّل من الغابات في الجزء الأول إلى البحار في الجزء الثاني، مقاربة متميّزة تسلّط الضوء على عالم نجهل عنه الكثير رغم أنه يشغل 80 في المائة من مساحة كوكب الأرض.
وإلى جانب الحفاظ على الطبيعة وضمان حقوق السكّان الأصليين، يناقش الفيلم الجديد العديد من القضايا الاجتماعية المعاصرة، لعل أبرزها مسألة النزوح والاندماج في المجتمعات الجديدة التي تظهر في التجاء أسرة جايك ساللي إلى قبيلة البحر ميتكايينا المستوحاة من شعب الماوري (السكّان الأصليين لنيوزيلندا). ويواجه أفراد أسرة ساللي رفضاً من المجتمع الجديد الذي نزحوا إليه، ثم يتحوّل هذا الرفض إلى تقبُّل ظاهري، وفي النهاية يقود ساللي (البطل المنقِذ) قبيلة ميتكايينا في التصدي لهجوم الغزاة. وتسيطر الرؤية الغربية النمطية للسكّان الأصليين على الغرائبية في أحدث أفلام جايمس كامرون، بما فيها الضفائر الطويلة والشعر المجدول المتصل بأجسام غريبة، والأجساد التي تحمل وشوماً من نوع «تا موكو»، التي يُعرف بها رجال الماوري. وتمتد هذه الرؤية لتطبع جميع كائنات «أفاتار» بطابعها، فالحيتان مثلاً تحمل وشوم الماوري أيضاً!
وفي وسط العديد من الحبكات الفرعية وأسماء الشخصيات الغريبة وإصدارات باندورا من الحيتان الموشومة والتماسيح الطائرة، حرفياً ومجازياً، تظهر «الأسرة» باعتبارها الأطروحة الأهم للفيلم. ويمكن اعتبار «أفاتار» أحد الأفلام الغربية القليلة التي ترسّخ مفهوم التماسك الأسري، وإن كان الأبناء في الفيلم يمارسون حياتهم اليومية كأنهم جنود في جيش أبيهم. هذه المقاربة، وإن كانت غير خاطئة بالمطلق، تقدّم نظرة سلبية إضافية لما يُفترض بها أن تكون أسرة تمثّل ثقافة السكّان الأصليين.
وفي مقابل الخيال الجامح لسلسلة «أفاتار»، تعرض «ناشيونال جيوغرافيك» حالياً سلسلة وثائقية عن الطبيعة تحت عنوان «خارق وطبيعي» (Super-Natural). وتمثّل هذه السلسلة التلفزيونية مشروعاً كبيراً لجايمس كامرون بصفته منتجاً منفذاً، وهي تتفق مع سلسلة «أفاتار» في إلهام الناس وتشجيعهم على الاهتمام بالطبيعة من جديد.
وحول نقاط الالتقاء بين السلسلتين، يشير كامرون إلى أن أفلام «أفاتار» تصنع عالماً خيالياً تستطيع فيه الحيوانات الرؤية في الأشعة فوق البنفسجية، والطيران حول العالم، والكثير من الأشياء التي لا يمكن تجاهلها. ويضيف: «أما في السلسلة الوثائقية، فالسنجاب مثلاً لا يمكنه الطيران فحسب، بل يستطيع التعرّف على أقرانه في ضوء القمر من خلال الأشعة فوق البنفسجية التي تنعكس عن الأسطح السفلية لأجسامهم. فجأة، نكتشف كم هو مذهل عالمنا، ونتذكر مدى أهمية الطبيعة بالنسبة لنا».
فيلم «أفاتار» الجديد يحقق عوائد قياسية على شباك التذاكر، قد تتجاوز ما حققه الجزء الأول، الذي يُعدّ أكثر الأفلام ريعية في تاريخ السينما. ومن المدهش أن الفيلمين المبهرين يدوران حول الطبيعة وحماية البيئة كمسرح لأحداثهما.
ويثير إصدار الفيلم الجديد مخاوف من عودة ظهور «متلازمة اكتئاب ما بعد أفاتار»، حيث يعاني الناس من مزاج سوداوي ساخط بعد مشاهدة الفيلم، نتيجة التوق إلى عالم باندورا الجميل، الذي يتناقض بشكل صارخ مع الواقع على كوكب الأرض.


مقالات ذات صلة

«ناسا»: مستويات سطح البحار ارتفعت أكثر من المتوقع عام 2024

بيئة تضاعف معدل ارتفاع مستوى سطح البحر على مدى 30 عاماً حيث ارتفع مستواه عالمياً بمقدار 10 سنتيمترات منذ بدء تسجيل بيانات ارتفاع المحيطات عبر الأقمار الاصطناعية في عام 1993 (رويترز)

«ناسا»: مستويات سطح البحار ارتفعت أكثر من المتوقع عام 2024

ارتفعت مستويات سطح البحار على مستوى العالم في عام 2024 أكثر من المتوقع بسبب التمدد الحراري لمياه البحار وذوبان الصفائح والأنهار الجليدية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لي زيلدين مدير وكالة حماية البيئة الأميركية حالياً يظهر أمام لجنة البيئة والأشغال العامة في مجلس الشيوخ الأميركي في مبنى الكابيتول واشنطن 16 يناير 2025 (إ.ب.أ)

وكالة الحماية البيئة الأميركية تلغي منحاً بقيمة 20 مليار دولار

ألغت وكالة حماية البيئة الأميركية اتفاقيات مِنح تعود إلى فترة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قيمتها 20 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق تستهدف السعودية زراعة أكثر من 100 مليون شجرة مانجروف (واس)

المانجروف والسواحل السعودية... جهود متواصلة لزراعة 100 مليون شجرة

برزت عدة حملات لزراعة أكثر من 10 آلاف شتلة على سواحل 5 مناطق في السعودية، تزامناً مع اليوم العالمي للأراضي الرطبة، بمشاركة لافتة من قبل المتطوعين.

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق اهتمام كبير بالنمر العربي للحفاظ عليه من الانقراض (الشرق الأوسط)

فعاليات ومبادرات سعودية احتفاءً باليوم العالمي لـ«النمر العربي»

احتفت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا باليوم العالمي للنمر العربي، الذي يوافق 10 فبراير من كل عام، إذ نظمت العديد من الفعاليات والمبادرات المجتمعية.

«الشرق الأوسط» (العلا)
يوميات الشرق أحد الثعابين التي نقلتها شركة «نقل الزواحف» في سيدني من منزل (صفحة الشركة عبر فيسبوك)

رجل يعثر على 102 ثعبان أسود سام في حديقة منزله بسيدني

قال رجل من مدينة سيدني الأسترالية إنه كان «مندهشاً تماماً» عندما أمسك صائدو الثعابين بأكثر من 102 ثعبان سام من فناء منزله الخلفي.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

تحذيرات من دخول العالم «عصراً مناخياً جديداً» من الاحترار

رجل يشرب المياه تحت درجات الحرارة المرتفعة في البرازيل (أ.ف.ب)
رجل يشرب المياه تحت درجات الحرارة المرتفعة في البرازيل (أ.ف.ب)
TT
20

تحذيرات من دخول العالم «عصراً مناخياً جديداً» من الاحترار

رجل يشرب المياه تحت درجات الحرارة المرتفعة في البرازيل (أ.ف.ب)
رجل يشرب المياه تحت درجات الحرارة المرتفعة في البرازيل (أ.ف.ب)

في عام 2024، شهد العالم احتراراً تخطّى 1.5 درجة مئوية، وقد أكدت دراستان، نُشرتا الاثنين، أن تجاوز هذه العتبة التي حددها «اتفاق باريس للمناخ» وارد على المدى البعيد؛ لأنّ درجات الحرارة الأخيرة تأتي في إطار اتجاه طويل الأمد، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويشير باحثون، في مقالات نُشرت بصورة متزامنة بمجلة «نيتشر كلايمت تشينج»، إلى أننا ربما دخلنا فترة ستمتد لعقود تتجاوز فيها معدلات الاحترار عتبة 1.5 درجة مئوية مقارنة مع مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

وكان 2024 أول عام في التقويم العالمي يتجاوز هذا المستوى من الاحترار؛ إذ بلغ متوسط ارتفاع درجات الحرارة على سطح الكوكب 1.55 درجة مئوية، مقارنة بمعدلات المدة ما بين 1850 و1900، وفق تحليل أجرته «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية»، استناداً إلى 6 قواعد بيانات دولية رئيسية.

وقبل ذلك، رُصدت بالفعل سلسلة من 12 شهراً متتالية تخطى فيها معدل الاحترار هذه العتبة في يونيو (حزيران) 2024 بواسطة مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي.

وقالت الأمينة العامة لـ«المنظمة العالمية للأرصاد الجوية»، سيليست ساولو: «عام واحد تخطى خلاله الاحترار عتبة 1.5 درجة مئوية لا يعني أننا فشلنا في تحقيق الأهداف المناخية طويلة الأمد لـ(اتفاقية باريس)، التي تمتد على عقود من الزمن»، مرددةً رسالة التحذير المعتادة من وكالات المناخ الرئيسية.

«إنذار مبكر»

وتهدف «اتفاقية باريس» التاريخية، التي جرى التوصل إليها في عام 2015، إلى إبقاء معدلات ارتفاع درجة حرارة الأرض عند مستوى أقل بكثير من درجتين مئويتين، مع مواصلة الجهود لحصر الاحترار عند درجة مئوية واحدة ونصف درجة مقارنة بمعدلات ما قبل الثورة الصناعية.

لكن درجات الحرارة هذه تشير إلى متوسط مناخي (يقاس عادة على مدى 20 عاماً)، مما يتيح التخفيف من حدة التباين في درجات الحرارة من عام إلى آخر. ووفق هذا التعريف، فإن الاحترار الحالي يبلغ نحو 1.3 درجة مئوية.

وفي الدراستين، يتساءل الباحثون مع ذلك عما إذا كان تجاوُز عتبة 1.5 درجة مئوية في عام واحد يمثل «إنذاراً مبكراً» يشير إلى أن الحد طويل الأجل يجري تجاوزه بالفعل.

وقد درس فريق، يتخذ مقراً في ألمانيا والنمسا، هذه المسألة عبر الجمع بين البيانات الرصدية والنمذجة.

ولاحظ العلماء أنه منذ بدء الاحترار المناخي وبمجرد أن تتجاوز سنةٌ ما عتبات معينة من ارتفاع درجات الحرارة المتوسطة، فإن الوضع يظل عند هذا المستوى لعقدين.

ويشير هذا النموذج، إذا ما جرى استقراؤه على عتبة 1.5 درجة مئوية، إلى أن مدة العشرين عاماً فوق هذه الدرجة من الحرارة «بدأت بالفعل، وأن التأثيرات المتوقعة عند 1.5 درجة مئوية من الاحترار ستبدأ في الظهور»، وفق الباحثين، وذلك «ما لم تنفَّذ تخفيضات طموحة للانبعاثات».

العلماء يؤكدون على أهمية احتواء ظاهرة الاحترار قدر الإمكان إذ إن كل جزء إضافي من الدرجة يجلب مزيداً من المخاطر (أ.ف.ب)
العلماء يؤكدون على أهمية احتواء ظاهرة الاحترار قدر الإمكان إذ إن كل جزء إضافي من الدرجة يجلب مزيداً من المخاطر (أ.ف.ب)

«عصر جديد»

ولكن يتعين التحلي بالحذر، فالعالم لا يزال في بداية هذه المدة؛ وربما يتعين علينا الانتظار حتى منتصفها، أي بعد نحو 10 سنوات، لكي نثبت أن متوسط ارتفاع درجة الحرارة تجاوز 1.5 درجة مئوية على مدى عقدين.

ويتوافق هذا التقدير مع تقديرات علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهم خبراء مكلفون من الأمم المتحدة، ويتوقعون أن هناك احتمالاً بنحو 50 في المائة لرؤية ارتفاع درجة حرارة المناخ بمقدار 1.5 درجة مئوية في المعدل للمدة من 2030 إلى 2035.

وتستخدم الدراسة الثانية، التي نُشرت نتائجها الاثنين، منهجية مختلفة قليلاً وفترات مرجعية مختلفة، لكنها توصلت إلى نتيجة مماثلة.

وقال أليكس كانون، من وزارة البيئة وتغير المناخ الكندية: «إذا استمرت التباينات عند مستوى 1.5 درجة مئوية لأكثر من 18 شهراً متتالية، فمن شبه المؤكد أن تُتجاوز عتبة (اتفاق باريس)»، حتى في حال تسجيل سيناريو وسيط لانبعاثات الغازات المسببة للاحترار (ما يسميه خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ «سيناريو SSP 2-4.5»).

ويؤكد العلماء على أهمية احتواء ظاهرة الاحترار قدر الإمكان؛ إذ إن كل جزء إضافي من الدرجة يجلب مزيداً من المخاطر، مثل موجات الحر أو القضاء على الحياة البحرية.

وبالتالي، فإن احتواء الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، بدلاً من درجتين مئويتين، من شأنه أن يحدّ بشكل كبير من عواقبه الأكبر كارثية، وفق «اللجنة الدولية للتغيرات المناخية».

وقال ويليام ريبل، الأستاذ في جامعة أوريغون وهو غير مشارك في الدراستين: «إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، فلن يتذكر الناس عام 2024 بصفته حالة شاذة؛ بل بصفته بداية عصر مناخي جديد يتميز بالمخاطر المتصاعدة».