نتنياهو وَعَد... لكنه لم يَتعهد بالإيفاء بوعدِه

الحل الأمثل في أوكرانيا: وساطة فاشلة

نتنياهو في باريس أول من أمس (أ.ف.ب)
نتنياهو في باريس أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو وَعَد... لكنه لم يَتعهد بالإيفاء بوعدِه

نتنياهو في باريس أول من أمس (أ.ف.ب)
نتنياهو في باريس أول من أمس (أ.ف.ب)

هناك مقولة مشهورة عن رئيس الحكومة الإسرائيلية ليفي أشكول، عندما كان وزيراً للمالية في ستينات القرن العشرين، باتت «قاعدة» في العمل السياسي في الدولة العبرية. ففي حينه، حضر إليه ممثلون عن جمعيات تدافع عن الفقراء، يطلبون منه الإيفاء بوعده الانتخابي بأن يزيد الدعم المالي للسلع الاستهلاكية الأساسية. فأجابهم: «نعم لقد وعدت. ولكنني لم أتعهد بالإيفاء بوعدي».
ومنذ ذلك الحين، يردد الإسرائيليون هذه المقولة، في كل مرة يصطدمون فيها برئيس حكومة أو مسؤول ممن يتنكرون لوعودهم. وهم كثر. واليوم، بدأ السياسيون في أوكرانيا يتساءلون إن كانت هذه المقولة تنطبق على وعود بنيامين نتنياهو لهم. ففي الثاني والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، وقبل أسبوع من الانتخابات الإسرائيلية، أجرى نتنياهو مقابلة مع صحيفة «يو إس إيه توداي» الأميركية، ووعد بأنه إذا فاز في الانتخابات فسيغير السياسة الإسرائيلية تجاه أوكرانيا ويزودها بالأسلحة. وقد فاجأت تصريحاته أولاً رفاقه في اليمين، فهم يعرفون بأنه يميل مثلهم إلى الموقف الروسي. ويعتقدون أنه يقيم علاقات حميمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكانوا قد علقوا لافتات ضخمة في شوارع تل أبيب فقط في شهر مايو (أيار) 2022، في عز الحرب في أوكرانيا، تحمل صورة نتنياهو مع بوتين، وقد كتب عليها: «قل من صديقك؟».
عندما استفسروا لدى مساعديه والمقربين منه في حزب «الليكود»، قالوا لهم إن تصريحات نتنياهو موجهة إلى مئات ألوف المواطنين الإسرائيليين من أصل أوكراني أو روسي، الذين يؤيدون أوكرانيا، لأنه يريد أصواتهم. وهمس أحدهم بأنه يروّج لكتاب سيرته الذاتية الذي صدر في الولايات المتحدة في ذلك اليوم.
باختصار، قالوا إنه وعد، ولكن ليس بالضرورة أن يفي بوعده، فهو يعتبر أكثر رئيس حكومة في إسرائيل عقد لقاءات مع بوتين، بعد أن أحدث انعطافاً في العلاقات بين البلدين. وهو الذي أبرم اتفاق المصالح بين روسيا وإسرائيل في روسيا عام 2015، والذي بموجبه يتعهد الطرفان بألا يضر أي منهما بمصالح الآخر. وأقاما لجنة تنسيق عسكري بين البلدين، على مستوى نائبي رئيسي أركان الجيشين؛ لضمان ألا يمس طرف بالآخر خلال عملياتهما في سوريا. ويعني ذلك عملياً أن تستطيع إسرائيل شن غاراتها بحريّة، وتستطيع روسيا إدارة علاقاتها مع النظام بحريّة.
بناء على ذلك، لن يسارع نتنياهو إلى المس بالمصالح الروسية والدخول بصدام معها على أرض أوكرانيا. وفي المحادثة التي بادر إليها بوتين لتهنئة نتنياهو كبل يديه بتذكيره بالاتفاقيات بينهما.
لكن في المقابل، تعهد نتنياهو علناً بتزويد كييف بالسلاح أمام الملأ، وكذلك وعد عدة مسؤولين أميركيين بألا يتحيز ضد الغرب. والمسؤولون الثلاثة الكبار الذين التقوه في الأسبوعين الماضيين، مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومدير المخابرات وليم بيرنز، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، طلبوا منه بإصرار ألا يتخلف عن ركب السياسة الغربية في أوكرانيا. وأوضحوا له أن وقوف إيران إلى جانب روسيا يجب أن يغير المعادلة الإسرائيلية أيضاً، وأن الأسلحة الإيرانية التي يستخدمها الروس ضد كييف هي نفسها التي تعدها طهران لاستخدامها ضد إسرائيل، وهذا يحتم عليه التقدم عدة خطوات في دعم الموقف الغربي.
وطرح الموقف نفسه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً في لقائهما في باريس. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد حث نتنياهو على تغيير موقفه ودعم حكومته وجيشه، وقدم لائحة طلبات للحصول على دعم عسكري مباشر وأسلحة قتالية. وهناك من يقول إن زيلينسكي ذكّر نتنياهو بأنه يهودي؛ إذ راح يتحدث عن المتطوعين اليهود الإسرائيليين إلى جانبه في الحرب.
إلا أن نتنياهو، الذي أقام حكومة مليئة بالتناقضات، يسير بها على حبل دقيق، ويمشي في المطر بين النقاط، اتخذ هنا أيضاً موقفاً زئبقياً؛ لئلا يغضب بوتين فيصطدم به على أرض سوريا، ولا يغضب واشنطن والغرب، فيصطدم بهما على عدة جبهات أخرى. وهو لا يرضي الطرفين. فاختار أن يطرح نفسه وسيط خير بين الطرفين. في البداية، اهتم أحد مساعديه بجلب المستشار الرئاسي في كييف ميخايلو بودولياك، ليعلن أمام قناة «آي 24»، التي تبث من يافا (قرب تل أبيب)، بأن بلاده ترى في «نتنياهو شخصية ملائمة للعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا لأجل وقف الحرب». وقال بودولياك: «ليس لدينا شك في أن نتنياهو يمكن أن يكون وسيطاً فعالاً. فهو يفهم بدقة ما هي الحروب الحديثة، وما هو جوهر الوساطة في ظل هذه الظروف».
وعندما لم يتجاوب معه أحد، صرح نتنياهو بنفسه بأنه معني بلعب دور الوسيط. وقال: «كثيرون توجهوا لي أن أكون وسيطاً حتى عندما كنت في المعارضة، لكنني لم أرغب في عرقلة جهود رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بنيت». وكما هو معروف، فإن بنيت لم ينجح في حينه بهذه الوساطة، لكنه نجح في التهرب من إعطاء موقف حاسم من الحرب. وكسب رضى موسكو وواشنطن على السواء. واليوم يعود نتنياهو إلى نقطة الانطلاق نفسها: وساطة حتى لو كانت فاشلة؛ كي يمنع غضب موسكو وواشنطن.


مقالات ذات صلة

السجن مدى الحياة لجنديين روسيين قتلا عائلة أوكرانية

أوروبا عناصر من قوات الشرطة الروسية بالقرب من مركز الاعتقال الذي شهد حادث احتجاز رهينتين في روستوف أون دون 16 يونيو (حزيران) 2024 (أ.ب)

السجن مدى الحياة لجنديين روسيين قتلا عائلة أوكرانية

قضت محكمة روسية بسجن جنديين مدى الحياة بعد إدانتهما بتهمة قتل عائلة مكونة من تسعة أشخاص في منزلها في إحدى المناطق المحتلة من أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جنود أوكرانيون يطلقون قذيفة مدفعية باتجاه القوات الروسية على الجبهة قرب دونيتسك (رويترز)

«البنتاغون» يجيز إرسال متعاقدين لأوكرانيا لإصلاح أسلحة أميركية

قررت إدارة الرئيس جو بايدن السماح لمتعاقدين دفاعيين أميركيين بالعمل في أوكرانيا لصيانة وإصلاح الأسلحة المقدمة لها من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يراجع إحدى الخطط القتالية خلال زيارته لأحد معسكرات الجيش (وكالة أنباء كوريا الشمالية)

«الناتو» يدين التدخل الكوري الشمالي في أوكرانيا

أدان حلف شمال الأطلسي (ناتو) وشركاؤه في آسيا (كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا) «بشدة» تدخُّل كوريا الشمالية إلى جانب روسيا في حربها.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب مستقبلاً زيلينسكي بنيويورك في 27 سبتمبر (رويترز)

«خطة ترمب» للسلام تُربك أوكرانيا

اقترح جيه دي فانس، نائب الرئيس الأميركي المنتخب، أن تُحافظ روسيا على مكاسبها الحالية في الحرب، ضامناً في الوقت نفسه سيادة «بقية أوكرانيا» واستقلالها.

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا الوسيطة الروسية تاتيانا موسكالكوفا خلال اجتماع مع ممثلي أوكرانيا المعنيين بحقوق الإنسان (قناة تاتيانا موسكالكوفا على تلغرام)

اجتماع نادر بين وسطاء روس وأوكرانيين معنيين بحقوق الإنسان

أعلن وسيطان مكلفان من روسيا وأوكرانيا بملفات حقوق الإنسان، الجمعة، أنهما التقيا في بيلاروسيا لبحث قضايا إنسانية، في اجتماع نادر بين ممثلين للبلدين.

«الشرق الأوسط» (كييف)

عودة ترمب تضع قادة العالم في مأزق: تهانٍ دبلوماسية بعد انتقادات لاذعة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
TT

عودة ترمب تضع قادة العالم في مأزق: تهانٍ دبلوماسية بعد انتقادات لاذعة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)

عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض بعد فوزه في انتخابات 2024، مما وضع عدداً من قادة العالم في موقف دبلوماسي حرج، حيث وجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة تعليقاتهم السابقة، التي شنَّت هجمات قاسية عليه. وبينما كانوا ينتقدون سياساته خلال ولايته الأولى، فإنهم اليوم يصوغون رسائل تهنئة ويدخلون في محادثات دافئة معه، استعداداً لمرحلة جديدة من العلاقات بين بلدانهم والولايات المتحدة. وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست».

في أوروبا، تزداد المخاوف بشأن تداعيات عودة ترمب على الأمن القاري، خصوصاً في ظل تصريحاته السابقة التي أشار فيها إلى أن حلف «الناتو» لا يفي بالتزاماته المالية.

في المملكة المتحدة، اضطر ديفيد لامي، وزير الخارجية الحالي في حكومة حزب «العمال»، إلى تقديم تهنئة رسمية لترمب، رغم سجله السابق في انتقاده، حيث كان قد وصفه بأنه «عنصري، ومعتل نفسي، وتهديد للنظام الدولي». ويأتي ذلك في سياق تعليقات ساخرة من المعارضة السياسية ووسائل الإعلام، حيث عنونت صحيفة «ديلي ستار» البريطانية على صفحتها الأولى بـ«هذا محرج».

حتى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي بارك فوز ترمب، واجه تلميحات ساخرة من الزعيمة الجديدة لحزب المحافظين، كيمي بادنوش، التي تساءلت عمّا إذا كان ستارمر قد اعتذر لترمب عن تصريحات لامي السابقة. وفي حين لم يرد ستارمر مباشرة، فإنه أشار إلى أن لقاءه الأخير ترمب كان بنّاءً للغاية.

وفي فرنسا، هنَّأ الرئيس إيمانويل ماكرون الرئيس الأميركي المنتخب ترمب، عبر محادثة وصفها مكتبه بـ«الدافئة»، رغم علاقة شابها كثير من التوتر خلال ولاية ترمب السابقة. فبعد فترة من المصافحات الحماسية والخلافات السياسية، يستعد ماكرون الآن للتعامل مع ترمب في قضايا دولية ملحة، مثل الحرب في أوكرانيا، والصراع في الشرق الأوسط.

وعلى غرار الساسة الأوروبيين، قام سفير أستراليا في واشنطن، كيفن رود، بحذف منشورات سابقة وصف فيها ترمب بأنه «مدمر، وخائن للغرب». وأعرب رود عن استعداده للعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة؛ لتعزيز العلاقات الثنائية.

يشير المشهد الحالي إلى أن العودة السياسية لترمب قد تضع علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها على محك جديد، خصوصاً في ظل تحديات دولية تتطلب تنسيقاً مشتركاً، في حين يبرز المأزق الذي يواجهه قادة العالم بين تصريحاتهم السابقة والواقع السياسي الجديد.