لماذا تراجعت تحويلات المصريين في الخارج... وهل يدعمها «تعويم الجنيه»؟

واصلت تحويلات المصريين في الخارج تراجعها، بعد نمو قياسي في العام المالي 2021 - 2022. وكشف «البنك المركزي» للبلاد عن «انخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 20.9 %، خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2022 - 2023». وفي حين عدَّ مراقبون التراجع «أمراً طبيعياً» بالنظر إلى ارتفاع تكلفة المعيشة في دول عدة حول العالم، خلال العام الماضي، فإنهم أشاروا إلى أنه «إشارة مهمة»؛ إذ تمثل تلك التحويلات مورداً رئيسياً للاقتصاد المصري من العملات الأجنبية.
وأفاد بيان رسمي لـ«المركزي المصري»، الخميس، بأن تحويلات المصريين في الخارج سجلت 6.4 مليار دولار، خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2022 - 2023، مقابل 8.1 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام المالي الماضي.
وكانت التحويلات قد بدأت التراجع، العام الماضي، وبلغت، خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2022، نحو 20.9 مليار دولار، مقابل نحو 21.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق، وفق بيان للبنك المركزي المصري في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وبلغت تحويلات المصريين في الخارج، خلال العام المالي 2021 -2022)، مستوى تاريخياً عندما سجلت 31.9 مليار دولار، مقابل نحو 31.4 مليار دولار في العام المالي السابق، ونحو 27.8 مليار دولار في العام المالي 2019 - 2020، ما جعل مصر «خامس أكبر متلقّ للتحويلات الخارجية عالمياً»، وفقاً لتقرير «الهجرة والتنمية» الصادر عن البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي.
وينبه الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي المصري، إلى «التعامل بحرص مع دلالة الأرقام المجردة التي تعلَن بشأن تحويلات المصريين في الخارج»، مشيراً إلى أن الحديث عن تراجع تلك التحويلات «أمر طبيعي» بالنظر إلى «الطفرة التي شهدتها فترات سابقة نتيجة تسريح أعداد كبيرة من المصريين العاملين بالخارج نتيجة تداعيات أزمة فيروس كورونا وتوقف شركات عدة عن العمل».
وقال النحاس، لـ«الشرق الأوسط»: «بعد أزمة التسريح التي أعقبت تفشي كورونا، لجأ كثيرون إلى تحويل مستحقاتهم إلى مصر، وهو ما ساهم في ارتفاع التحويلات خلال فترة الجائحة».
ويضيف أن «انخفاض التحويلات، خلال الأشهر الماضية، يرتبط بانخفاض رواتب أعداد غير قليلة من العمالة المصرية بالخارج، وارتفاع تكاليف الحياة بالنسبة لقطاعات واسعة منهم، وهو ما يُعرّض هذه القطاعات من العمالة إلى مخاطر تآكل الدخل، ويؤثر سلباً على قدراتهم الادخارية، وبالتبعية يقلص تحويلاتهم لبلدانهم الأصلية».
ويُقدَّر عدد المصريين العاملين بالخارج بنحو 12 مليون شخص، تحتضن المملكة العربية السعودية منهم نحو 2.5 مليون مصري، تليها الإمارات والكويت، ويعمل بكل منهما نحو 600 ألف مصري، وفق تصريحات مُتَلفزة لسها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن «المركزي المصري» قرارات عُرفت بـ«تعويم الجنيه»، وقال البنك إن «سعر الصرف سيعكس قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة قوى العرض والطلب، في إطار نظام سعر صرف مرِن». كما تعلن الحكومة إجراءات وعمليات توقيف لمتعاملين في العملات الأجنبية بالبلاد خارج السوق الرسمية.
ويُرجع الدكتور إسلام جمال الدين شوقي، الخبير الاقتصادي، وعضو «الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي»، تراجع تحويلات المصريين بالخارج، في الفترة الأخيرة، إلى أسباب عدة؛ منها «حالة التخبط الاقتصادي العالمية، وكذلك إعادة ترتيب أولويات الإنفاق لدى كثير من المصريين العاملين بالخارج نتيجة ارتفاع مستويات التضخم والمعيشة، إضافة إلى تقلبات سعر الصرف مما جعل البعض منهم يرسل النفقات الضرورية لأسرهم في مصر والاحتفاظ بالدولار لأكبر فترة ممكنة، فضلاً عن وجود سوق موازية سوداء للدولار، مما يجعل الكثير من المصريين يفضلون التحويل بعيداً عن البنوك».
ويضيف شوقي، في تصريحات، لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك طريقة تُعرَف باسم (المقاصة)، وتظهر، على سبيل المثال، عندما يريد تحويل (مبلغ من الدولارات) إلى مصر، فيسلّمه لشخص موجود معه في نفس الدولة، على أن يقوم شخص آخر يتبع من (متسلم الدولارات)، بتسليم أهل الشخص (المرسل) مقابل هذا الدولار في مصر بالجنيه، وذلك مقابل سعر أعلى من السعر المعلَن في البنوك المصرية، وتدخل هذه التحويلات في نطاق عمليات تحويلية غير مرصودة لدى بيانات أجهزة الدولة الرسمية». ويرى شوقي أن استقرار سعر الصرف «سيساهم في ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج»، مطالباً الحكومة والبنك المركزي بـ«العمل على زيادة ثقة المصريين بالخارج في مسار التحويل الرسمي، وذلك عبر حوافز حقيقية من أجل تشجيع التحويلات، وعدم ترك فرصة لعودة السوق السوداء».