«مجموعة قلاوون»... ثاني أجمل أضرحة العالم في قلب القاهرة

رحلة إلى تاريخ يزيد عن 1000 عام سيراً على الأقدام

بوابة مجمع قلاوون... درة شارع المعز في قلب القاهرة القديمة (صفحة وزارة السياحة المصرية في فيسبوك)
بوابة مجمع قلاوون... درة شارع المعز في قلب القاهرة القديمة (صفحة وزارة السياحة المصرية في فيسبوك)
TT
20

«مجموعة قلاوون»... ثاني أجمل أضرحة العالم في قلب القاهرة

بوابة مجمع قلاوون... درة شارع المعز في قلب القاهرة القديمة (صفحة وزارة السياحة المصرية في فيسبوك)
بوابة مجمع قلاوون... درة شارع المعز في قلب القاهرة القديمة (صفحة وزارة السياحة المصرية في فيسبوك)

إذا لم تكن لديك سوى ساعات معدودة في مدينة القاهرة، وأردت أن تحقق أكبر استفادة ممكنة من وقتك الثمين، فما عليك إلا أن تتجه إلى شارع «المعز» بقلب العاصمة المصرية القديمة، حيث يمكنك أن تقطع رحلة عبر الزمن، عمرها يزيد على 1000 عام فقط، وأنت تتجول سيراً على الأقدام.
في منتصف شارع «المعز» ستجد واحدة من أعظم الآثار الإسلامية الباقية إلى اليوم، التي يعتبرها كثير من خبراء الآثار ثاني أجمل ضريح في العالم، بعد تاج محل بالهند.
ما ستشاهده لا يقتصر على ضريح واحد من أعظم سلاطين مصر المملوكية، لكنه يمثل مجموعة متكاملة، تضم أيضاً مسجداً ومدرسة، حتى مستشفى أو «بيمارستان» بلغة ذلك الزمان، ولا يزال يقدم خدماته الطبية إلى اليوم.
إنها مجموعة قلاوون التي تعد أقدم نموذج متكامل باقٍ لنظام المجمعات المعمارية، وقد دفن بهذا الضريح السلطان المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد بن قلاوون وحفيده علاء الدين إسماعيل.

العصر الذهبي للمماليك
يُصنف المؤرخون عصر أسرة قلاوون باعتباره «العصر الذهبي» للدولة المملوكية، فقد استطاع المنصور قلاوون، بعدما استولى على الحكم من أبناء صديق طفولته وأحد أقوى سلاطين المماليك، السلطان الظاهر بيبرس، أن يؤسس حكماً قوياً له ولأسرته دام ما يزيد قليلاً عن 100 عام، وكان حكم تلك الأسرة هو أوج الازدهار للمماليك.
تقع مجموعة قلاوون بمنطقة النحاسين بشارع المعز لدين الله الفاطمي في الجزء المعروف ببين القصرين، وتجاورها مجموعة من أجمل الآثار الإسلامية، فبجانبها مسجد ومدرسة وخانقاه (مباني تعبد الصوفية قديماً) الظاهر برقوق، ثم المدرسة الكاملية، وحمام السلطان إينال، ويقابلها سبيل وكُتّاب خسرو باشا ومدرسة وقبة نجم الدين أيوب ومدرسة الظاهر بيبرس ثم سبيل محمد علي وقصر الأمير بشتاك، لتصنع تلك المنطقة الصغيرة واحداً من أنفس الكنوز المعمارية التي تجسد تطور العمارة الإسلامية عبر أزمنة متعاقبة.
البناء شبه مربع الشكل، يتوسطه صحن مفتوح يضم 4 أروقة، أكبرها رواق القبلة، ويتوسطه المحراب الذي تسبقه قبة، وتعتبر مئذنة مسجد «قلاوون» أضخم مئذنة بنيت في مصر، كما أن قبة دفن السلطان من أجمل القباب الباقية بالقاهرة، واستخدمت أيضاً كخزانة للكتب، بالإضافة إلى مدرسة لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة، وإقامة الصلاة.
بوابة المسجد واحدة من النماذج المتفردة في العمارة الإسلامية، فهي من الرخام، واشتملت الواجهة على عقود محمولة على أعمدة رخامية، بداخلها شبابيك مفرغة بأشكال هندسية، بها إفريز مكتوب به اسم المنشئ للمبنى، وتنتهي في أعلاها بشرفة مسننة بحُلي وزخارف.
ومن المشاهد اللافتة التي تستقبل زوار مجموعة قلاوون، وجود صليبين عند عتبة الباب العلوية، وقد وضعت بهذه الطريقة عمداً لتخليد انتصارات السلطان الذي جلب كثيراً من الأحجار المستخدمة في البناء من القلاع الصليبية التي هدمها خلال حروبه في الشام، إذ واصل السلطان المنصور حروبه لتصفية الوجود الصليبي في الثغور الساحلية، بعد الانتصارات التي حقّقها سابقوه كالسلطان الأيوبي «صلاح الدين»، والظاهر بيبرس.
طابع معماري فريد
ويرى الدكتور نزار الصياد، أستاذ العمارة والتخطيط العمراني بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، أن قيمة مجموعة قلاوون لا تقتصر على جماليات العمارة بها، بل لأن المجمع الذي يحتوي مسجداً ومدرسة وبيمارستان أدخل طابعاً معمارياً فريداً إلى المدينة، ويضم مباني ذات رسالة دينية وأخرى تعليمية وطبية، تقدم خدماتها لجموع المواطنين.
ويضيف الصياد لـ«الشرق الأوسط» أن تشييد المجمع تم في 13 شهراً فقط، وهي مدة قصيرة للغاية بالنظر إلى ضخامة المجمع وجماليات العمارة الفريدة به، فقد أنشئ في الفترة ما بين يوليو (تموز) 1284 وأغسطس (آب) 1285. كما كانت الأساليب التي استخدمها قلاوون لتشييد هذا الصرح الهائل مثار جدل كبير، فبالإضافة إلى تفكيك كثير من المباني في القلعة وإعادة استخدام مكوناتها، قام قلاوون أيضاً بالإسراع من وتيرة العمل في هذا المجمع بتجنيد كل البنائيين في مدينة القاهرة، كما استخدم مئات العاملين من أسرى الحرب من المغول.
ويتابع أستاذ العمارة والتخطيط العمراني، الذي حصل على درجة الماجستير من الولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي بدراسة عن التخطيط العمراني والشخصية المعمارية لآثار القاهرة الإسلامية، أنه وفقاً لوثائق هيئة الأوقاف، فإن السلطان قلاوون قام بتحويل هذا المجمع الضخم إلى وقف خيري قبل وفاته، وكان المجمع لا مثيل له، ليس فقط لحجمه الهائل الذي يتجاوز ارتفاعه 20 متراً، بل لابتكاره وظائف معمارية ونقوشاً وزخارف غير مسبوقة في عمارة ذلك العصر، ولا يزال معظمها محتفظاً بحالته إلى اليوم، رغم مرور ما يزيد عن 7 قرون على بنائه.


ضريح قلاوون يضم رفات 3 سلاطين من الأسرة المملوكية التي حكمت مصر أكثر من 100 عام... و نقوش السقف تعكس الاهتمام بتفاصيل مجمع قلاوون

مستشفى مملوكي 5 نجوم
يتطرق الصياد إلى مجموعة من السمات الجمالية المميزة لمجموعة قلاوون، فيشير إلى أن أعمال الفسيفساء بالمجمع جذبت له شهرة كبيرة، سواء في الضريح أو في محراب المسجد، وقد أصبح الضريح بمرور الزمن هو المكان المختار لتنصيب أمراء المماليك، كما أن المستشفى الملحق بالمجمع يمثل إنجازاً غير مسبوق في العمارة المملوكية، وقد أبدى الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة، الذي مكث في مصر لفترة عام 1326 وهو في قافلة متجهة لأداء فريضة الحج، إعجابه بفخامة المستشفى وقاعاته الأربع، وكتب في مذكراته: «أما البيمارستان فليس هناك وصف مناسب يمكن أن يعبر عن جماله».
وقدر ابن بطوطة أن المستشفى كان يعالج ما يقرب من 4 آلاف مريض يومياً من الأمراض المعدية، وكانت تجرى به الجراحات بكل أنواعها، وتضمن كذلك إقامة مجانية تتضمن صرف 3 وجبات وسريراً مفرداً للمرضى الفقراء، الذين كانت لهم الأولوية في العلاج بالمستشفى حسب وثيقة الوقف، وعند انتهاء علاجهم كانوا يُمنحون ملابس ونقوداً لدى خروجهم، كما تُقدم مصروفات الجنازة لمن يتوفى منهم.
ومن العجائب التي ترويها بعض المراجع التاريخية حول «بيمارستان المنصور قلاوون» أنه خصص للمرضى في فترة النقاهة كل ليلة مجموعة من الأشخاص يضربون العود ويعزفون عليه لتسلية المرضى، وإذا ما عانى أحدهم من الأرق كان يُحضر له الحكاوتي الذي يُسليه بشتى ألوان القصص والحكايات حتى يذهب عنه الأرق.


مقالات ذات صلة

رمضان استثنائي في «كورتيارد من ماريوت» الرياض

عالم الاعمال رمضان استثنائي في «كورتيارد من ماريوت» الرياض

رمضان استثنائي في «كورتيارد من ماريوت» الرياض

يقدم فندق كورتيارد من ماريوت – الطريق الدائري الشمالي تجربة رمضانية لا تُضاهى، تجمع بين الأجواء الروحانية، والمأكولات الفاخرة، والخدمات الراقية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سفر وسياحة الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ينظرون إلى الأسعار المرتفعة باعتبارها أكبر عقبة أمام السفر (أدوبي)

يسافر أفراد «الجيل Z» أكثر من جيل طفرة المواليد رغم ادعائهم المتكرر أن البيئة تشكل أولوية قصوى

كشف استطلاع للرأي أجرته هيئة الطيران المدني في بريطانيا أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ينظرون إلى الأسعار المرتفعة باعتبارها أكبر عقبة أمام السفر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أثناء اجتماع يضم وزراء السياحة لدول مجلس التعاون الخليجي في الكويت (المجلس)

دول الخليج استقبلت 68 مليون سائح بين 2019 و2023 بعائدات تتجاوز 110 مليارات دولار

استقبلت دول مجلس التعاون الخليجي 68 مليون سائح دولي من 2019 وحتى 2023، بقيمة عائدات من السياحة بلغت 110.4 مليار دولار، وفق الأمين العام جاسم البديوي.

«الشرق الأوسط» (الكويت )
سفر وسياحة مناظر طبعية ونشطاهات عديدة (الشرق الاوسط)

غابة «خيرة» تستقبل زوارها على أعلى قمم جبال السراة

من أعلى قمم جبال السراة والتي تصل إلى قرابة 3 آلاف متر فوق مستوى سطح البحر، تستقبل غابة «خيرة» عشاق الطبيعة والمغامرات من الداخل والخارج لقضاء أجمل الأوقات

سعيد الأبيض (جدة)
سفر وسياحة يزخر المطبخ الارمني بأطباق متنوعة ولذيذة (الشرق الاوسط)

أرمينيا... وجهة شتوية رومانسية للباحثين عن التشويق والمغامرة

على الرغم من أن اسم أرمينيا غالباً ما يرتبط بتاريخها العريق ومناظرها الطبيعية الخلّابة، فإنها تُعدّ أيضاً جوهرةً مخفيةً تصلح لقضاء عطلة رومانسية في فصل الشتاء

«الشرق الأوسط» (لندن)

يسافر أفراد «الجيل Z» أكثر من جيل طفرة المواليد رغم ادعائهم المتكرر أن البيئة تشكل أولوية قصوى

الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ينظرون إلى الأسعار المرتفعة باعتبارها أكبر عقبة أمام السفر (أدوبي)
الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ينظرون إلى الأسعار المرتفعة باعتبارها أكبر عقبة أمام السفر (أدوبي)
TT
20

يسافر أفراد «الجيل Z» أكثر من جيل طفرة المواليد رغم ادعائهم المتكرر أن البيئة تشكل أولوية قصوى

الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ينظرون إلى الأسعار المرتفعة باعتبارها أكبر عقبة أمام السفر (أدوبي)
الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ينظرون إلى الأسعار المرتفعة باعتبارها أكبر عقبة أمام السفر (أدوبي)

كشف استطلاع للرأي أجرته هيئة الطيران المدني في بريطانيا أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، والذين يشملون أفراد «الجيل Z» (المولودين بين عامي 1997 و2012)، والألفية الذين هم أصغر سناً (المولودين بين عامي 1981 و1996)، ينظرون بشكل كبير إلى الأسعار المرتفعة باعتبارها أكبر عقبة أمام السفر بدلاً من المخاوف بشأن الكوكب.

ووفقاً لصحيفة «تلغراف» البريطانية، فإنه من بين الأشخاص الذين لم يسافروا بالطائرة مؤخراً، ذكر 38 في المائة منهم أن السبب هو تكاليف السفر المرتفعة، في حين ذكر 7 في المائة فقط الاعتبارات البيئية، وهو عدد أقل من الذين ذكروا الخوف من الطيران. ويتناقض هذا بشكل حاد مع استطلاعات أخرى تشير إلى أن «الجيل Z» يعتبر تغير المناخ التحدي الأكبر في حياتهم. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها شركة «ديلويت» العام الماضي أن 46 في المائة من «الجيل Z» كانوا على استعداد لتغيير وظائفهم بسبب المخاوف المناخية، في حين زعم ​​25 في المائة أنهم توقفوا أو قلصوا علاقاتهم مع الشركات بسبب الممارسات غير المستدامة. وقالت الهيئة التي تنظم الطيران في المملكة المتحدة: «غالباً يكون أصغر العملاء سناً أكثر وعياً بالبيئة من أكبر الأجيال سناً». ومع ذلك، تشير نتائج هذا العام إلى أن القلق بشأن البيئة موزع بالتساوي إلى حد ما.

وتشير الدراسة التي أُجريت على 3500 شخص إلى أن أقل من ثلاثة من كل 20 مسافراً يدفعون ثمناً للتعويض عن الأثر البيئي لرحلتهم، ونصفهم فقط يفعلون ذلك طواعية. وفي الوقت نفسه، أظهر الشباب المزيد من الثقة في قدرة قطاع الطيران على تحسين أدائه؛ إذ أبدى ما يقرب من 60 في المائة منهم ثقتهم في التزام الصناعة بمعالجة المخاوف البيئية، مقارنة بأقل من نصف جيل الطفرة (المولودين بين 1946 و1964) الذين سئموا من العالم.

وقالت الهيئة إن نسبة صغيرة فقط من المشاركين استجابت لسؤال حول كيفية الحد من التأثير البيئي للطيران من خلال الإشارة إلى أنه غير مستدام بشكل أساسي. وأظهرت نتائج أخرى أنه على الرغم من تدهور سجل التأخير، فإن السفر الجوي يتمتع بمستوى رضا أعلى من النقل العام؛ إذ قالت الأغلبية إنهم سعداء بتجربتهم على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، مقارنة برحلات القطارات والحافلات.