المغرب يستنكر المسّ بوحدته خلال اجتماع «التعاون الإسلامي» بالجزائر

وزراء أفارقة سابقون عدوا وجود «الجمهورية الصحراوية» داخل الاتحاد الأفريقي «خطأ سياسياً»

ناصر بوريطة لدى استقباله رؤساء وزراء ووزراء أفارقة سابقين موقعين على نداء رسمي لطرد «الجمهورية الصحراوية» من الاتحاد الأفريقي (ماب)
ناصر بوريطة لدى استقباله رؤساء وزراء ووزراء أفارقة سابقين موقعين على نداء رسمي لطرد «الجمهورية الصحراوية» من الاتحاد الأفريقي (ماب)
TT

المغرب يستنكر المسّ بوحدته خلال اجتماع «التعاون الإسلامي» بالجزائر

ناصر بوريطة لدى استقباله رؤساء وزراء ووزراء أفارقة سابقين موقعين على نداء رسمي لطرد «الجمهورية الصحراوية» من الاتحاد الأفريقي (ماب)
ناصر بوريطة لدى استقباله رؤساء وزراء ووزراء أفارقة سابقين موقعين على نداء رسمي لطرد «الجمهورية الصحراوية» من الاتحاد الأفريقي (ماب)

عبّر الوفد البرلماني المغربي المشارك في أشغال الدورة اﻟ17 لاتحاد مجالس الدول الأعضاء بمنظمة «التعاون الإسلامي»، المنعقدة في الجزائر ما بين 26 و30 يناير (كانون الثاني) الحالي، عن استنكاره للحدث الذي شهدته جلسة افتتاح الدورة المذكورة، «وما تضمنته من مس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية، وتدخُّل في الشؤون الداخلية لبلد مسلم عضو في الاتحاد، من لدن ممثلة منظمة برلمانية غير عضو فيه».
وسجل الوفد المغربي في رسالة احتجاجية، وجّهها إلى الأمين العام للاتحاد، أن استضافة غلوريا فلوريس، رئيسة البرلمان الأنديني، ودعوتها لحضور الجلسة الافتتاحية للاتحاد من لدن البلد المحتضن للدورة، «لا تخوّلان لها في جميع الأحوال الخوض في موضوعات لا تندرج ضمن اختصاص المنظمة، أو طرح أي مسائل خلافية من شأنها تقويض روح الإجماع التي تميز عملنا الإسلامي المشترك».
واعتبر الوفد المغربي، الذي يرأسه النائب محمد والزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية (معارضة برلمانية)، أن مثل هذه التجاوزات «تجسد خرقاً سافراً لأهداف اتحادنا وللمبادئ التي تأسس عليها»، مؤكداً أنه «لا يمكن السكوت على هذه الممارسات أو التغاضي عنها». كما أعرب عن رفضه المطلق لما حدث، ولمضمون خطاب ممثلة البرلمان الأنديني «جملة وتفصيلاً». ودعا الوفد البرلماني الأمانة العامة إلى سحب ما تضمنه هذا الخطاب من تقارير اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة «التعاون الإسلامي» ووثائقها، مطالباً إياها ﺑ«الحرص على عدم تكرار ما حدث».
على صعيد متصل، قال ناصر بوريطة، وزير خارجية المغرب، إن حضور ما يسمى ﺑ«الجمهورية الصحراوية»، يشكل «عائقاً مؤسسياً» و«خللاً» داخل منظمة الاتحاد الأفريقي. وأوضح بوريطة الذي استقبل، مساء أمس، رؤساء وزراء ووزراء أفارقة سابقين موقعين على نداء رسمي لطرد (الجمهورية الصحراوية) من الاتحاد الأفريقي المسمى ﺑ«نداء طنجة»، أن «حضور ما يسمى ﺑ«الجمهورية الصحراوية يشكل انحرافاً قانونياً لأنها (الجمهورية الصحراوية) لا تتوافق مع العناصر المؤسسة للدولة على المستوى الدولي».
وأضاف بوريطة أن حضور الجمهورية الصحراوية «يشكل عائقاً مؤسسياً وخللاً داخل المنظمة الأفريقية»، كما يشكل «مشكلة بالنسبة إلى أفريقيا»، معتبراً أن «خلق هذا الكيان الوهمي يُعد انتهاكاً للقانون الدولي ومبادئ الوحدة الوطنية»، ومشدداً على أن الجمهورية الصحراوية «تكرس أفريقيا منقسمة، وتناقضاً» مع ممارسة الاتحاد الأفريقي.
وكان الموقعون على «نداء طنجة» قد عقدوا، السبت الماضي، في مدينة مراكش المغربية اجتماعهم الأول لتتبع هذا النداء، الذي تميز باعتماد مشروع «الكتاب الأبيض» بالإجماع. وفي هذا السياق اعتبر بوريطة أنه «يمكننا إرساء مخطط عمل انطلاقاً من الكتاب الأبيض للتواصل مع المسؤولين، وتحسيس رجال القانون ووسائل الإعلام إزاء هذا الانحراف»، مضيفاً أنه «إذا كانت الجمهورية الصحراوية دولة، فإن مكانها الأول يجب أن يكون هو الأمم المتحدة».
يشار إلى أن «الكتاب الأبيض» المعتمد بمراكش أقر على الخصوص بأن وجود «الجمهورية الصحراوية»، المنبثقة عن جماعة انفصالية مسلحة، داخل الاتحاد الأفريقي، يعكس الهشاشة المؤسساتية للمنظمة، ويمثل عقبة لا جدال فيها أمام الاندماج الاقتصادي الإقليمي والقاري. من جهتهم، أجمع رؤساء وزراء ووزراء سابقون أفارقة على أن وجود ما يسمى «الجمهورية الصحراوية» داخل الاتحاد الأفريقي يعد بمثابة «انحراف قانوني وخطأ سياسي».
وقال وزير الخارجية السابق لجزر القمر، فهمي سعيد إبراهيم الماسيلي، إن إعداد «الكتاب الأبيض» يهدف إلى دعم الدبلوماسية المغربية التي انخرطت منذ سنوات في مسلسل إقناع باقي القارة الأفريقية بوجاهة المسلسل الرامي إلى طرد «الجمهورية الصحراوية»، مبرزاً أن «هذا الكيان الوهمي لم يسبق الاعتراف به على مستوى أي منظمة دولية، ويجب ألا يكون الاتحاد الأفريقي المنظمة الإقليمية الوحيدة التي تقبل بهذا الانحراف».
بدوره، أبرز وزير الخارجية الأسبق لجمهورية الرأس الأخضر، لويس فيليب لوبيز تافاريس، أن مشكل الصحراء المغربية «مشكل أفريقي، وعلينا داخل منظمتنا الأفريقية عدم قبول كيان لا تعترف به الأمم المتحدة كدولة». وقال إن الأمر يتعلق ﺑ«انحراف قانوني وخلل تاريخي وخطأ سياسي»، مشيداً بوجاهة «الكتاب الأبيض» بوصفه آلية للترافع والتوضيح، مسجلاً أن «انضمام الجمهورية الوهمية لمنظمة الوحدة الأفريقية سنة 1982 كان خطأ سياسياً فادحاً، ونحن جميعاً مقتنعون بأن المنطق والتاريخ والقانون الدولي يقف إلى الجانب المغربي».
من جهته، اعتبر وزير الخارجية السنغالي الأسبق، مانكور ندياي، أن الهدف من لقاء بوريطة يتمثل في توضيح أن وجود «الجمهورية الصحراوية» داخل الاتحاد الأفريقي «يعد بمثابة خلل»، مشيراً إلى أن قبولها شكل «انحرافاً قانونياً وخطأ سياسياً». وقال ندياي إن «الوقت حان لتعليق مشاركة الجمهورية الصحراوية داخل الاتحاد الأفريقي؛ لأن قبولها شكّل خرقاً سافراً لميثاق منظمة الوحدة الأفريقية»، مبرزاً أن «الكيان الوهمي ليس بدولة، ولا يتوفر على أي عنصر من عناصر الدولة المتمثلة في ساكنة دائمة وإقليم وسلطة سياسية، كما أنه لا يتمتع بأي قدرة على ربط علاقات مع دول أخرى».


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

أعلن بيان للديوان الملكي المغربي، مساء أول من أمس، أن الملك محمد السادس تفضل بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح (أول) محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. وجاء في البيان أن العاهل المغربي أصدر توجيهاته إلى رئيس الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي. ويأتي هذا القرار تجسيداً للعناية الكريمة التي يوليها العاهل المغربي للأمازيغية «باعتبارها مكوناً رئيسياً للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناء».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، مايك روجرز، مساء أمس، في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز، خلال مؤتمر صحافي، عقب محادثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم»، مبرزاً أن هذه المحادثات شكلت مناسبة للتأكيد على الدور الجوهري للمملكة، باعتبارها شريكاً للول

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

عقد حزبا التقدم والاشتراكية اليساري، والحركة الشعبية اليميني (معارضة برلمانية) المغربيين، مساء أول من أمس، لقاء بالمقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية في الرباط، قصد مناقشة أزمة تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بسبب موجة الغلاء. وقال الحزبان في بيان مشترك إنهما عازمان على تقوية أشكال التنسيق والتعاون بينهما على مختلف الواجهات السياسية والمؤسساتية، من أجل بلورة مزيد من المبادرات المشتركة في جميع القضايا، التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وذلك «من منطلق الدفاع عن المصالح الوطنية العليا للبلاد، وعن القضايا الأساسية لجميع المواطنات والمواطنين».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

دعت «تنسيقية أسر وعائلات الشبان المغاربة المرشحين للهجرة المفقودين» إلى تنظيم وقفة مطلبية اليوم (الخميس) أمام وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي بالرباط، تحت شعار «نضال مستمر من أجل الحقيقة كاملة وتحقيق العدالة والإنصاف»، وذلك «لتسليط الضوء» على ملف أبنائها المفقودين والمحتجزين ببعض الدول. وتحدث بيان من «التنسيقية» عن سنوات من المعاناة وانتظار إحقاق الحقيقة والعدالة، ومعرفة مصير أبناء الأسر المفقودين في ليبيا والجزائر وتونس وفي الشواطئ المغربية، ومطالباتها بالكشف عن مصير أبنائها، مع طرح ملفات عدة على القضاء. وجدد بيان الأسر دعوة ومطالبة الدولة المغربية ممثلة في وزارة الشؤون الخارجية والتع

«الشرق الأوسط» (الرباط)

تزايد خطر الإرهاب في غرب أفريقيا مع تراجع دور الولايات المتحدة

مكاموسا واتارا التي نجت من هجوم جهادي على مسجد كانت تصلي فيه في بولي بساحل العاج في عام 2021 (نيويورك تايمز)
مكاموسا واتارا التي نجت من هجوم جهادي على مسجد كانت تصلي فيه في بولي بساحل العاج في عام 2021 (نيويورك تايمز)
TT

تزايد خطر الإرهاب في غرب أفريقيا مع تراجع دور الولايات المتحدة

مكاموسا واتارا التي نجت من هجوم جهادي على مسجد كانت تصلي فيه في بولي بساحل العاج في عام 2021 (نيويورك تايمز)
مكاموسا واتارا التي نجت من هجوم جهادي على مسجد كانت تصلي فيه في بولي بساحل العاج في عام 2021 (نيويورك تايمز)

يتوسع المتمردون من منطقة الساحل في غرب أفريقيا نحو الدول الساحلية على المحيط الأطلسي مثل ساحل العاج؛ ما يخلق بؤراً إرهابية جديدة مع تشريد الملايين.

في سوق توغبو، وهي بلدة صغيرة في شمال ساحل العاج، كانت رائحة السمك المجفف والعجين المقلي تملأ الهواء. كان الأطفال يركضون حول الأكشاك المزدحمة، حيث كانت النساء يبعن الذرة والكسافا التي حملنها على رؤوسهن لمسافات طويلة من الريف. كان كبار السن من المسلمين يراقبون الحشود في الشارع الرملي الرئيسي، بينما كان المصلون المسيحيون يخرجون من الكنيسة بعد قداس الأحد.

مريم سيسيه (60 عاماً) لاجئة مالية في متجر تلجأ إليه مع عائلتها في بلدة وانغول ودوغو شمال ساحل العاج (نيويورك تايمز)

نصف الوفيات سُجلت بمنطقة الساحل

لكن هذا الصخب كان يخفي تهديداً خفياً. نحو نصف الوفيات الناجمة عن الإرهاب في جميع أنحاء العالم في عام 2023 سُجلت في منطقة الساحل، وهي منطقة قاحلة في غرب أفريقيا معروفة بقبائلها شبه الرحل وطرق التجارة القديمة. مدفوعين بنجاحهم في دول بوركينا فاسو ومالي والنيجر غير الساحلية، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز»، الاثنين، يتحرك المتمردون المرتبطون بتنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين جنوباً نحو المحيط الأطلسي وإلى الدول الساحلية مثل ساحل العاج.

استمعت خديجة باري (على اليسار) إلى نساء محليات خلال اجتماع مجتمعي في دوروبو وقالت: «أبعدوا أبناءكم عن المتطرفين» (نيويورك تايمز)

سياسة ترحيل فوضوية

يخشى المسؤولون الأفارقة والغربيون من أن يؤدي هذا التقدم إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في غرب أفريقيا في وقت قلصت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من وجودهم هناك، وحوّلت إدارة ترمب انتباهها إلى سياسة ترحيل فوضوية، وحظر سفر لا يشمل أي دولة في منطقة الساحل. مع تقدم المتمردين نحو المحيط الأطلسي، تزداد المخاوف من أن منطقة، ذات تعداد سكاني من بين الأصغر سناً في العالم، ومستويات عالية من الفقر سوف تقع قريباً تحت حكم الجهاديين.

وقال الجنرال مايكل إي. لانغلي، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، الشهر الماضي: «أحد الأهداف الجديدة للإرهابيين هو الوصول إلى سواحل غرب أفريقيا. إذا تمكنوا من الوصول إلى الساحل، فإنه يمكنهم تمويل عملياتهم من خلال التهريب والاتجار بالبشر وتجارة الأسلحة. هذا لا يعرض الدول الأفريقية للخطر فحسب، وإنما يزيد أيضاً من احتمال وصول التهديدات إلى سواحل الولايات المتحدة».

خديجة جالو (70 عاماً) لاجئة من بوركينا فاسو تقف في دوروبو... وقالت إن زوجها قُتل في هجوم شنته ميليشيات مدعومة من الدولة على قريتها في بوركينا فاسو (نيويورك تايمز)

أصبح فرع تنظيم «القاعدة» الذي يعمل في غرب أفريقيا الآن أحد أقوى فروع التنظيم، وقد شن مسلحو تنظيم «داعش» كثيراً من الهجمات في المنطقة مؤخراً، لدرجة أن فلاديمير فورونكوف، كبير مسؤولي مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، حذر من أن «مساحة شاسعة تمتد من شمال نيجيريا إلى مالي قد تقع تحت سيطرتهم الفعلية».

في الخريف الماضي، أمضت صحيفة «نيويورك تايمز» أسابيع في توثيق تحركات المتطرفين جنوباً. على أحد جانبي هذه الجبهة الجديدة توجد 3 دول غير ساحلية، تحكمها جميعاً مجالس عسكرية، وتضم مساحات شاسعة من الأراضي التي تخضع بالفعل لسيطرة الجهاديين.

ياكاريا واتارا إمام مسجد بولي يرتدي ثوباً أبيض ووشاحاً أخضر يغادر المسجد مع جماعته بعد صلاة العصر... احتجز عشرات المسلحين السكان رهائن عام 2021 (نيويورك تايمز)

وعلى الجانب الآخر، توجد دول ساحلية هي ساحل العاج وغانا وتوغو وبنين، التي تحاول منع المتمردين من الدخول. تعاونت هذه الدول الساحلية مع الحكومات الغربية لسنوات، ولكن مع قيام إدارة ترمب بتفكيك عقود من السياسة الخارجية، بما في ذلك إلغاء عشرات الملايين من الدولارات من المساعدات الأمنية الأميركية، أصبح الحلفاء الأفارقة متخوفين من جهود واشنطن لمكافحة الإرهاب في القارة.

يقول لاسينا ديارا، الباحث في الأكاديمية الدولية لمكافحة الإرهاب في ساحل العاج: «ساحل العاج هي مثال للاستقرار في المنطقة، لكن هذا الاستقرار قد ينهار في أي وقت». الجهاديون يتحركون بحرية بعد طرد القوات الفرنسية والأميركية من دول الساحل التي تقودها المجالس العسكرية، أصبحت دول مثل ساحل العاج محور استراتيجية الاحتواء الجديدة للغرب. وقدمت الولايات المتحدة لساحل العاج 65 مليون دولار لدعم مكافحة الإرهاب وأمن الحدود العام الماضي. ووفقاً للقيادة الأميركية في أفريقيا، تم نشر نحو 50 من أفراد الجيش الأميركي والمتعاقدين .

التقى الجنرال لانغلي بكبار المسؤولين العسكريين والحكوميين هنا في وقت سابق من هذا العام وسط شائعات بأن الولايات المتحدة تخطط لبناء قاعدة للطائرات المسيرة في البلاد، لكن استمرار الدعم لا يزال غير مؤكد، حيث توقف في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي برنامج بقيمة 20 مليون دولار تموله الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والذي كان يهدف إلى رصد العلامات المبكرة للتطرف، وذلك بعد أن أعلن الرئيس ترمب تجميد جميع المساعدات الأميركية الخارجية. تُحدد الخريطة مدن «أوانغولودوغو»، و«كورهوجو»، و«توغبو»، و«بولي»، و«كافولو»، و«دوروبو»، بالإضافة إلى متنزه «كوموي» الوطني في شمال ساحل العاج، أسفل الحدود مع بوركينا فاسو مباشرة. تقع توغبو على خط المواجهة في معركة ساحل العاج ضد المتمردين. يقف الجنود حراسة في مواقع محصنة عند مدخل ومخرج المدينة؛ إذ تقع بوركينا فاسو على مسافة أميال قليلة فقط منها. على الرغم من وجود الجيش، يتحرك الجهاديون بحُرية، حسبما قال السكان المحليون ومسؤولو الأمن. قال طبيب يعمل بالقرب من الحدود، والذي تحدث مثل معظم السكان المحليين في المنطقة شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته: «إنهم بيننا». ثم أضاف قائلاً: «نحن نراهم». يشتري المتمردون الإمدادات من السوق أو من خلال الشباب الباحثين عن المال السريع. يرتدون ملابس مدنية، ولا يحملون أسلحة بشكل علني، لكنهم يغرون الشباب بعروض مربحة للقيام بأعمال تجارية مقابل الصمت. قالت كاديدجا باري، زعيمة مجتمع محلي في دوروبو، وهي مركز قريب من الحدود: «إن عدم توفر فرص العمل هو السبب في انضمام أبنائنا إلى هذه الفئة الخبيثة».

حسن وأوسينو لي شقيقان توأمان لاجئان من الفولاني من بوركينا فاسو نسحا أجزاءً من القرآن الكريم في منزلهما الجديد في دوروبو بساحل العاج... وكثيراً ما يُجنّد المتمردون التابعون لتنظيم «القاعدة» رجال الفولاني (نيويورك تايمز)

أسبوعاً بعد أسبوع، تأتي النساء المحليات ويجلسن على كراسي بلاستيكية تحت شجرة المانجو الشاهقة الخاصة بها، بينما تحذرهن السيدة باري من الخطر الذي يقترب من بلدتهن. تقول لهن: «أبعدن أبناءكن عن الجهاديين. إنهم مافيا». يستقطب المتمردون المرتبطون بتنظيم «القاعدة» في الغالب رجالاً من الفولاني، وهي المجموعة العرقية التي تنتمي إليها السيدة باري. وقد أدى تجنيدهم إلى زيادة التمييز ضد مجتمع الفولاني في ساحل العاج، التي شهدت تدفقاً كبيراً للاجئين من عِرق الفولاني من بوركينا فاسو. تقول السيدة باري عن الشباب في مجتمعها: «يجب أن نحميهم، ويجب أن نرسلهم إلى المدرسة. لكن في بعض المناطق، يُجبر بعض الشباب تقريباً على الانضمام إلى هذه الجماعات». في الليل، يتسلل المتمردون إلى مراكز الرعاية الصحية في ساحل العاج بحثاً عن علاج للجروح التي أصيبوا بها في أثناء القتال في بوركينا فاسو، وفقاً للعاملين في المجال الطبي. كما انتقلوا إلى متنزه كوموي الوطني القريب، وهي غابة مترامية الأطراف أصبحت الآن محظورة بسبب العنف. كما زادت حالات الاختطاف وسرقة الماشية. قال إيرين، وهو صاحب ماشية فقد عشرات من رؤوس الماشية العام الماضي: «ما كنا نراه في بوركينا فاسو، نراه الآن هنا». وقال إيرين إن موظفه عندما عبر إلى بوركينا فاسو بحثاً عن الحيوانات المفقودة، احتُجز كرهينة لأسابيع من قبل رجال قالوا إنهم جهاديون.

«أخطاء وتجاوزات»

أقامت ساحل العاج مراكز عسكرية، وعززت جمع المعلومات الاستخباراتية، ونشرت قوات برية على طول حدودها في محاولة لإبعاد المتمردين. وبحسب بعض الروايات، فإن هذه الأساليب تؤتي ثمارها. وأقر ضابط عسكري رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته كي يتحدث بصراحة عن الأمن القومي للبلاد، بأن الجيش كان قد استخف بالتهديد في السابق. وقال الضابط: «الآن، نحن نضغط عليهم، لكننا نعلم أيضاً أن السكان يرحبون بنا عندما نقوم بدوريات، لكنهم يتعاملون مع الجهاديين». في قرية بولي، قام العشرات من المسلحين الذين يطلقون على أنفسهم اسم «مقاتلي الإسلام» باحتجاز السكان رهائن في إحدى أمسيات شهر رمضان عام 2021، وفقاً للضحايا والشهود. أمر المتمردون القرويين بالتوقف عن إبلاغ الجيش بوجودهم وإلا فسيواجهون عواقب مميتة، لكن بعد مغادرة المتمردين، اتصل القادة المحليون بالجيش على أي حال، وظل الجنود متمركزين بالقرب من القرية منذ ذلك الحين.

عثمان سال (37 عاماً) ينطلق في رحلة صيد على نهر كوموي في كافولو... لم تشهد هذه المدينة الحدودية أي هجوم منذ عام 2023 (نيويورك تايمز)

يخرج عثمان سال، 37 عاماً، في رحلة صيد على نهر كوموي في كافولو. لم تشهد هذه المدينة الحدودية أي هجوم منذ عام 2023. واجهت مدينة حدودية أخرى، كافولو، هجومين مميتين على الجنود في عامي 2020 و2021. أقام الجيش قاعدة جديدة هناك في عام 2023 ولم تشهد كافولو أي هجوم آخر. قالت لاميسا تراوري، وهي قائدة شبابية في كافولو: «مع وجود قوات الأمن، اختفى الخوف». حاولت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي المنظمة الجامعة التي تضم فرع تنظيم «القاعدة» المحلي والمعروفة باسمها المختصر العربي «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، أن تظهر وجهاً أكثر ودية للسكان المحليين في بعض أجزاء منطقة الساحل.

وتعهدت بحماية السكان من المسؤولين الحكوميين الفاسدين الذين تقول إنهم مسؤولون عن فقر المنطقة. ومع ذلك، بلغت الوفيات المنسوبة إلى الجماعة في عام 2023 أعلى مستوى لها منذ عام 2017، عندما تأسست الجماعة، وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي. ورداً على أسئلة صحيفة «التايمز»، قال أمير فرع تنظيم «القاعدة» العامل في غرب أفريقيا إن جماعته «نشطة رسمياً» في ساحل العاج ودول ساحلية أخرى.

وقال الأمير أبو يوسف عبدة الأنبي عن الحكومات المحلية: «إذا أرادوا، فإنهم يمكنهم ترك الوضع كما هو. أو ربما سيزداد سوءاً».