بعد ساعات على وقوع أول قتيل في الصدامات التي وصلت إلى العاصمة ليما بين المتظاهرين وقوات الأمن، والتي كانت قد أدّت إلى سقوط ما يزيد على 60 قتيلاً حتى الآن في المناطق الجنوبية والأرياف، وجّهت رئيسة الجمهورية دينا بولوارتي رسالة متلفزة إلى المواطنين أعلنت فيها أنها ستطلب من البرلمان تقديم موعد الانتخابات إلى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل وتعديل دستور عام 1993، ودعت إلى هدنة شاملة في المواجهات المتواصلة منذ نحو شهرين والتي تشلّ الحركة الإنتاجية والإدارية في البلاد. وتأتي هذه الخطوة بعد شهرين من تسلّم بولوارتي مهام الرئاسة بعد عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيّو، وبعد الانتقادات والضغوط التي تعرّضت لها الحكومة من الدول المجاورة والمنظمات الإقليمية، والنداء الذي صدر نهاية الأسبوع الفائت عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي حذّر من تدهور الوضع وتفاقم الاضطرابات الاجتماعية التي قال إنها «صارت تشكّل خطراً محدقاً على السلم الأهلي».
ودعت دينا بولوارتي أعضاء البرلمان إلى إعادة النظر في قرار إجراء الانتخابات أواخر العام المقبل وتعديل الدستور الذي يطالب به المتظاهرون، وقالت: «أيها البرلمانيون، يجب أن تدركوا المسؤولية التاريخية الملقاة اليوم على عاتقكم. أمامكم غداً فرصة لاستعادة ثقة البلاد، وتلبية المطالب التي ينتظرها المواطنون منذ فترة طويلة. فلنرفع صوتنا جميعاً، بكل مسؤولية ونقول للبيرو: كلنا مستقيلون».
وتجدر الإشارة إلى أن المتظاهرين الذين خرجوا بأعداد كبيرة في المقاطعات الجنوبية بعد عزل الرئيس السابق، وامتدت احتجاجاتهم لتصل إلى العاصمة بعد أن انضمّت إليها نقابات العمّال والمنظمات الطلابية، يطالبون باستقالة رئيسة الجمهورية وأعضاء البرلمان، وتقديم موعد الانتخابات المقررة أواخر العام المقبل.
وشدّدت بولوارتي في كلمتها على أنه في حال تجاهل البرلمان دعوتها لتقديم موعد الانتخابات وتعديل الدستور، ستقدّم الحكومة فوراً اقتراحاً «يتجاوب مع الضرورة الملحة لتحسين مستوى الشرعية الديمقراطية والتمثيل السياسي في البلاد، بما يسمح للمواطنين بأن يطرحوا مطالبهم الأساسية عبر المؤسسات وليس عن طريق العنف والمواجهات». ويقتضي تقديم موعد الانتخابات إلى الخريف المقبل، حل البرلمان واستقالة رئيسة الجمهورية التي اقترحت إجراء الدورة الأولى مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، على أن تجرى الدورة الثانية قبل نهاية السنة.
لكن الاقتراح بتقديم موعد الانتخابات لم يكن المفاجأة الوحيدة التي حملها خطاب بولوارتي، أول امرأة تتولى رئاسة البيرو بعد فشل محاولة الانقلاب الذاتي التي قام بها الرئيس السابق، إذ كشفت عن اقتراح ثانٍ كان يبدو مستحيلاً منذ أسابيع قليلة، حيث دعت إلى تعديل الدستور الذي وُضع خلال عهد الرئيس الأسبق ألبرتو فوجيموري الذي يمضي عقوبة في السجن منذ سنوات. وقالت بولوارتي إن الهدف من هذا الاقتراح هو «حسم الجدل القائم حول تعديل الدستور، والذي تلجأ إليه بعض القوى السياسية باستمرار لمنع أي مخرج ديمقراطي من الأزمة الراهنة». ويتضمّن الاقتراح تكليف اللجنة الدستورية في البرلمان الجديد بإعداد مشروع قانون لوضع دستور جديد تسهم فيه جميع المؤسسات.
لكن الكتل البرلمانية المعارضة التي تؤيد الحركة الاحتجاجية وتطالب باستقالة الرئيسة لدورها في إدارة الأزمة، تصرّ على أن يكون التعديل الدستوري من مهام الجمعية التأسيسية التي يطالبون بتشكيلها.
وكررت بولوارتي ثلاث مرات في خطابها أسفها لوقوع عشرات القتلى ومئات الجرحى في المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، وقالت: «أنا امرأة ريفية، ضحية الحقد والثأر، لا هدف لها سوى خدمة البيرو بإخلاص ونزاهة». لكنها شددت أيضاً على أن الاحتجاجات «تحرّض عليها جماعات متطرفة تخدم مصالح سياسية واقتصادية تقوم على تجارة المخدرات والتهريب والاستغلال غير الشرعي للمناجم».
وتجدر الإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية والعسكرية في البيرو كانت قد ألمحت منذ أسابيع إلى أن بعض الجماعات المشاركة في الاحتجاجات تتلقّى الدعم والتدريب في المناطق البوليفية المحاذية للحدود بين البلدين، وهي مناطق تعيش فيها غالبية من السكان الأصليين الذين يشكلون القاعدة الشعبية الأساسية المؤيدة للرئيس المعزول، والنواة التي انطلقت منها الاحتجاجات مطلع الشهر الفائت.
وليس واضحاً كيف سيتجاوب البرلمان والقوى السياسية مع اقتراح بولوارتي التي تفتقر إلى الدعم السياسي، إذ كان انتخابها ثمرة ظروف استثنائية نشأت عن الأزمة التي انفجرت مطلع الشهر الفائت عندما قرر الرئيس السابق، من غير التشاور حتى مع حلفائه، إعلان حل البرلمان وإجراء انتخابات مسبقة، قبل أن يتجاهل البرلمان قراره، ويعلن عزله من منصبه بتهمة التمرّد وانتهاك أحكام الدستور، قبل القبض عليه واقتياده إلى السجن، حيث يوجد حالياً رهن المحاكمة.
رئيسة البيرو ترضخ للضغوط وتقترح تقديم موعد الانتخابات وتعديل الدستور
رئيسة البيرو ترضخ للضغوط وتقترح تقديم موعد الانتخابات وتعديل الدستور
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة