الحوثيون يحوّلون مؤسسات الداخلية اليمنية إلى كيانات طائفية

تسريح موظفين وقادة أمنيين وإحلال عناصر موالين

عناصر أمن موالون للحوثيين في أحد شوارع صنعاء (أ.ف.ب)
عناصر أمن موالون للحوثيين في أحد شوارع صنعاء (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يحوّلون مؤسسات الداخلية اليمنية إلى كيانات طائفية

عناصر أمن موالون للحوثيين في أحد شوارع صنعاء (أ.ف.ب)
عناصر أمن موالون للحوثيين في أحد شوارع صنعاء (أ.ف.ب)

«فكرت أن أذهب إلى عبد الكريم الحوثي لأشكو إليه السطو على وظيفتي وحرماني من مستحقاتي، لكني تذكرت أنه وجماعته هم من فعلوا بي ذلك، فآثرت السلامة». بهذه العبارة المريرة، تهكم موظف سابق في وزارة الداخلية اليمنية، على ادعاءات إعلام الميليشيات الحوثية استقبال القيادي عبد الكريم الحوثي، المواطنين والاستماع إلى شكاواهم، وإنصافهم، في الوقت نفسه الذي تحدثت فيه منظمة حقوقية عن تسريح ما يقارب 13 ألفاً من منتسبي الوزارة بحجة التقاعد، وإحلال أتباع الميليشيات بدلاً منهم.
كانت الميليشيات الحوثية زعمت أن عبد الكريم الحوثي المنتحل صفة وزير الداخلية، بدأ باستقبال المواطنين للاستماع إلى مظلومياتهم بشأن قضايا الثأر والأراضي، بمساعدة قياديين آخرين؛ هما عبد الله الهادي وأحمد علي جعفر، اللذان ينتحلان بدورهما صفتي المفتش العام في الوزارة ووكيل الوزارة لقطاع الأمن والشرطة.
ويقول الموظف السابق، الذي طردته الميليشيات من وظيفته في وزارة الداخلية، إن مزاعم عبد الكريم الحوثي بالاستماع إلى شكاوى المتظلمين، تؤكد نهج الميليشيات في حرف مؤسسات الدولة عن مهامها في خدمة المجتمع، وتحويلها إلى كيانات طائفية، بعد أن أجرت عمليات إحلال كبيرة لعناصرها بدلاً من الكادر الوظيفي للوزارة الذي عملت على إقصائه.

تضليل الرأي العام
يتابع الموظف الذي طلب التحفظ على بياناته: «إن استقبال القيادي الحوثي للشكاوى في مكتبه يأتي ضمن نهج الميليشيات في تحويل مؤسسات الدولة إلى مجموعة كيانات بنمط أسلافهم من الأئمة، بعيداً عن شكل الدولة الحديثة، فليس من مهام الوزير؛ إن اعترفنا بحكومة الميليشيات، أن يستقبل المواطنين في مكتبه شخصياً للتعامل مع قضاياهم».
ويذهب إلى أن هذه المزاعم تأتي في إطار ادعاء تواضع قادة الميليشيات وقربهم من المجتمع، وتضليل الرأي العام عن انتهاكاتها، والتعمية على ممارساتها داخل هذه الوزارة من عمليات إقصاء للكادر الوظيفي، وسيطرة على مفاصلها والمؤسسات التابعة لها، مشيراً إلى أنه أحد الذين تم إقصاؤهم من مواقعهم بسبب عدم ولائهم للميليشيات.
وسخر أهالي منطقة صرف التابعة لمديرية بني حشيش شمال شرقي العاصمة صنعاء، من إعلان الميليشيات استقبال القيادي عبد الكريم الحوثي لأصحاب المظالم والشكاوى في مكتبه؛ في حين ينفذ أتباعه حملات مداهمات واختطافات في منطقتهم منذ ما يزيد على 6 أشهر.
وتساءل أحد أهالي المنطقة على «تويتر»: «كيف يزعم الحوثي أنه يستقبل المواطنين ويستمع لشكاواهم، وهو يرسل ميليشياته لتنهب الأراضي في صَرِف، وتعتدي على أصحابها وتقتل الأبرياء من دون ذنب؟». ويضيف آخر ساخراً من ظهور القيادي الحوثي في صور مرافقة للأخبار وهو يجلس مع مسلحين؛ أنه (أي الحوثي) يستمع إلى طموحات مرافقيه في مزيد من النهب.
ويتهم أهالي المنطقة، عبد الكريم الحوثي، بالسعي لنهب الأراضي والسيطرة عليها، للإثراء من خلال استحداث الكسارات ومعامل إنتاج مواد البناء، والبسط على العقارات وتمليكها لأنصار الميليشيات الذين يجري إحلالهم في وزارة الداخلية بدلاً من كادرها الوظيفي والمنتسبين إلى الأجهزة والمؤسسات التابعة لها.

إحلال طائفي
بالعودة إلى الموظف السابق في وزارة الداخلية؛ فإن الميليشيات الحوثية اتخذت كثيراً من الوسائل والقرارات لإزاحة قيادات وأفراد الأمن والشرطة واستبدال عناصرها بهم، وذلك بمبررات؛ مثل تناول نبتة «القات» في مقرات الشرطة وأجهزة الأمن، برغم أن القادة الحوثيين أنفسهم، بمن فيهم عبد الكريم الحوثي؛ يتناولون القات في مقرات الوزارة باستمرار.
ووفقاً للموظف نفسه؛ فإن الميليشيات عينت خلال العامين الأولين من عمر الانقلاب، 160 قيادياً حوثياً في أهم المناصب داخل وزارة الداخلية والمؤسسات التابعة لها، ومنذ عام 2016، شرعت بترقية ما يزيد على 3000 فرد من أنصارها من خارج الوزارة، أو ممن جرى استقطابهم وإغراؤهم بالمناصب من منتسبي الوزارة، ومنحتهم رتباً مختلفة بشكل مخالف للقانون واللوائح.

معمل تفريخ
مطلع عام 2015، وبعد 3 أشهر من الانقلاب الحوثي؛ وقع تفجير إرهابي أمام كلية الشرطة وسط العاصمة صنعاء أثناء ما كان عشرات الراغبين بالانضمام إلى الدراسة في الكلية يقفون أمام بوابتها لتقديم وثائقهم، وأودى الانفجار حينها بحياة 37 شخصاً، وإصابة ما يقارب ضعفهم.
وأدلى حينها عدد من الناجين من التفجير بشهاداتهم التي أكدت أن ميليشيات الحوثي التي سيطرت على الكلية ضمن سيطرتها على عدد كبير من مؤسسات ومباني الدولة؛ منعتهم خلال الأيام السابقة من التقديم للتسجيل في الكلية، وطلبت منهم العودة في اليوم الذي وقع فيه التفجير.
وخلال الأيام اللاحقة، كشفت مصادر أمنية لوسائل الإعلام، أن لجنة خاصة من موظفي كلية الشرطة؛ تلتقي المئات من أفراد ميليشيات الحوثي لتقديم طلبات تسجيلهم في الكلية، وأن اللجنة تزاول هذه المهمة بشكل مخالف للقانون ولوائح الكلية، وفي مقرات المدينة الرياضية بالعاصمة صنعاء التي تبعد عن كلية الشرطة بنحو 9 كيلومترات.
جاء ذلك الإجراء على الرغم من إعلان وقف استقبال المتقدمين للتسجيل في الكلية مؤقتاً بسبب التفجير، وبعد أيام، أعلنت الوزارة إعادة فتح باب التسجيل؛ إلا أن لجنة القبول أوقفت استقبال الراغبين في التقديم مجدداً بحجة اكتفائها، وكان على رأس تلك اللجنة ضابط يدعى أنور المتوكل المنتمي إلى سلالة زعيم الميليشيات.
وبعد عام ونصف العام من تلك الحادثة؛ عينت الميليشيات هاجس الجُماعي المنتمي إلى محافظة صعدة (معقل الميليشيات) مديراً للكلية، وهو ما اعترض عليه عدد من الأكاديميين في الكلية لتعارضه مع القانون وعدم امتلاك الجماعي المؤهلات والخبرات لتوليه المنصب، ورفعوا دعوى قضائية لدى المحكمة الإدارية في صنعاء، التي تسيطر عليها الميليشيات أيضاً.
ورغم أن المحكمة أصدرت حكماً بإلغاء قرار تعيين الجماعي في مطلع فبراير (شباط) من عام 2017؛ فإن الجماعي رفض القرار، ولا يزال ينتحل صفة مدير الكلية حتى الآن.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، أعلنت الميليشيات عن تخرج أول دفعة موالية لها بالكامل من الدارسين في الكلية، ونظمت لها حفل تخرج كبيراً شاركت فيه قيادات حوثية كبيرة، وأطلقت عليها اسم «دفعة الرسول الأعظم»، بما يتضمنه الاسم من دلالة طائفية واضحة.


مقالات ذات صلة

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

العالم العربي غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

وصف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الخميس) اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في عدن بـ«المثمر والجوهري»، وذلك بعد نقاشات أجراها في صنعاء مع الحوثيين في سياق الجهود المعززة للتوصل إلى تسوية يمنية تطوي صفحة الصراع. تصريحات المبعوث الأممي جاءت في وقت أكدت فيه الحكومة اليمنية جاهزيتها للتعاون مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر لما وصفته بـ«بتصفير السجون» وإغلاق ملف الأسرى والمحتجزين مع الجماعة الحوثية. وأوضح المبعوث في بيان أنه أطلع العليمي على آخر المستجدات وسير المناقشات الجارية التي تهدف لبناء الثقة وخفض وطأة معاناة اليمنيين؛ تسهيلاً لاستئناف العملية السياسية

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

في خطوة أحادية أفرجت الجماعة الحوثية (الأحد) عن القائد العسكري اليمني المشمول بقرار مجلس الأمن 2216 فيصل رجب بعد ثماني سنوات من اعتقاله مع وزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي شمال مدينة عدن، التي كان الحوثيون يحاولون احتلالها. وفي حين رحب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بالخطوة الحوثية الأحادية، قابلتها الحكومة اليمنية بالارتياب، متهمة الجماعة الانقلابية بمحاولة تحسين صورتها، ومحاولة الإيقاع بين الأطراف المناهضة للجماعة. ومع زعم الجماعة أن الإفراج عن اللواء فيصل رجب جاء مكرمة من زعيمها عبد الملك الحوثي، دعا المبعوث الأممي في تغريدة على «تويتر» جميع الأطراف للبناء على التقدم الذي تم إنجازه

علي ربيع (عدن)
العالم العربي أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

في مسكن متواضع في منطقة البساتين شرقي عدن العاصمة المؤقتة لليمن، تعيش الشابة الإثيوبية بيزا ووالدتها.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

فوجئ محمود ناجي حين ذهب لأحد متاجر الصرافة لتسلّم حوالة مالية برد الموظف بأن عليه تسلّمها بالريال اليمني؛ لأنهم لا يملكون سيولة نقدية بالعملة الأجنبية. لم يستوعب ما حصل إلا عندما طاف عبثاً على أربعة متاجر.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

يجزم خالد محسن صالح والبهجة تتسرب من صوته بأن هذا العام سيكون أفضل موسم زراعي، لأن البلاد وفقا للمزارع اليمني لم تشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة والمتواصلة منذ سنين طويلة. لكن وعلى خلاف ذلك، فإنه مع دخول موسم هطول الأمطار على مختلف المحافظات في الفصل الثاني تزداد المخاطر التي تواجه النازحين في المخيمات وبخاصة في محافظتي مأرب وحجة وتعز؛ حيث تسببت الأمطار التي هطلت خلال الفصل الأول في مقتل 14 شخصا وإصابة 30 آخرين، كما تضرر ألف مسكن، وفقا لتقرير أصدرته جمعية الهلال الأحمر اليمني. ويقول صالح، وهو أحد سكان محافظة إب، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب الحرب فإن الهطول ال

محمد ناصر (عدن)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».