تعرض «نتفليكس» ستّ حلقات عنوانها: «أنا جورجينا» (I am Georgina)، تشدّد على كيان جورجينا رودريغز «القائم بذاته» دون اتكاء مفرط على شهرة كريستيانو رونالدو. تُظهر كاميرا «تلفزيون الواقع» يوميات حبيبة النجم البرتغالي الخالية من الهَم. ورغم أنّ لها ماضياً أليماً جراء معاناة معيشية، فإنّ ما توظّفه في الحلقات محصور بتحقيق الأحلام والتطلع إلى الأمام فقط. إن كان هذا «واقع» حال الطافحين بالثراء، ومرور أيامهم بين الأسفار والمتاجر، وعلى اليخوت والسجادة الحمراء، فذلك لا يُبرر طغيان «السطحية» على الطريقة الكاردشيانية.
تمرّر رودريغز إشارات المقصود منها تحلّيها بـ«ثقل إنساني» لا تصنعه الأضواء ولا المجوهرات والسيارات. فهي، على لسان رونالدو، «أم مثالية، وحجر أساس البيت»، وعلى لسان شقيقتها وأصدقائها، «كريمة، مرحة، وفيّة، وتحب العائلة. كانت هكذا ولم تتغيّر». لعل إثبات هذا «اللاتغيُّر» هو المحرّض لصناعة حلقات تُعرّف بها «على حقيقتها»، بعيداً عن ارتباطها اللصيق بالنجم العالمي. لم تكفّ عن تأكيد «الأصل والهوية»، بجولتها في مسقطها، وإعلان الانتماء لـ«الريف والطبيعة». ذلك من دون أن تفوتها استعادة ذكريات من نوع أنها تملك ثمن تناول الطعام في أرقى المطاعم، «لكن فطيرة أمي تبقى المفضلة».
تتعمّد إظهار النقيضين في حياة المرأة بمحاولة لإلهامٍ لا يكتمل؛ فتكون الأم مع أولادها في المنزل وأعياد الميلاد وسيارة نقلهم من المدرسة، و«النجمة» على سجادة مهرجان «كانّ السينمائي»، والغداء مع مالك «فيراري»... مع ذلك، فإن الطاغي هو اجتماعاتها المخصصة لاختيار وُجهة قضاء العطلة الصيفية، ومع مهندسة الديكور لتعديل ملامح منزلها الضخم. إلى وقت تمضيه في المتاجر الراقية، وتمحور حديثها حول المجوهرات والموضة.
شحنها الهدايا إلى مركز يضمّ أولاداً من عائلات مفككة، وذرفها الدمع، لم يصبّا بهدف منح الكاركتير «العمق» المطلوب. بدا ذلك لزوم «تلفزيون الواقع»، بصرف النظر أكان حقيقياً أم لأغراض درامية. ثمة مسألة، يعمّق غيابها الفجوة، هي الدفء المفقود. ستّ حلقات وبالكاد تلمس ضوءاً ينبثق من الداخل. كلها أضواء خارجية مصدرها سطوع الأسطورة البرتغالي.
تعلم أنّ شيئاً ما كان ليتحقق لولا ذلك الخميس الذي قابلته فيه للمرة الأولى. كنوع من التندّر على الذات، تُمرر الحقيقة السوريالية: «كنتُ آتي إلى العمل بالحافلة، فرُحتُ أغادره بـ(بوغاتي)!». إحداهنّ استوقفتها في حين تغادر المدرجات، وصاحت: «كنتِ مجرد بائعة لهذه الحقيبة التي تحملين!». تروي الحادثة لأصدقائها وهم في رحلة على يخت يستلقي في مياه بحر موناكو، من أجل هذا التعقيب: «كنتُ أبيع الحقائب واليوم أشتريها».
تتحدث عن «حياة منظّمة» تعيشها، وأنّ لديها «كل شيء». تسافر بطائرة CR7»» الخاصة ولا تقلق بشأن المصاريف. بإطلالة جذابة بالأسود، وفيض المجوهرات بين معصمها وأصابعها، تشير إلى إحاطتها «بالفخامة والبيروقراطية». ومن باب أنّ «لا شيء مستحيل»، تعدّد الإنجازات، كالغداء في مطاعم لطالما نظرت إليها من الخارج، واقتناء مجوهرات فاخرة، والسفر حول العالم. «الأحلام تتحقق»، تقول مَن يرافقها أكثر الرجال شهرة على الأرض.
تُعرّف بنفسها مفتتحة الحلقة الأولى: «عمري 27 سنة، تغيّرت حياتي قبل خمس سنوات. أعيش أياماً تشبه الأحلام بفضل الحب. انتقلتُ من بيع الملابس الفاخرة إلى عرضها على السجادة الحمراء». وفي الحلقة الثانية تطرح سؤالاً تريده شائكاً: «كيف هي جورجينا في الحقيقة؟». كانت مهّدت له بالقول إنّ كثيرين يعرفون اسمها ولا يدركون جوهرها. وامتدّ العرض ليُبيّن ما ليس مخفياً: «لايف ستايل» الحسناء وبراعتها في اقتناص الفرص.
تقرّ بأنها محظوظة من دون أن تكون بالضرورة «امرأة غير عادية». تتفرّغ لحياة تملك فيها كل شيء، كأنها تترك وراءها حياة نقيضة لا تحمل منها سوى ذكريات سيئة. يقلّ اكتراثها حيال استقاء العبر، كأنها لا تحتاجها بعد تبدّل الأحوال. ذلك لا يعني خلوّها من الأثر المرير وجرح العلاقة بالعائلة، لكن ما يطفو هو اللامبالاة إلا حيال تسالي الحياة وأضوائها.
يمكن الخروج بمقاربة مغايرة تعمّق السياق وتُبيّنه أبعد من عرض يروي الفضول حول حسناء خطفت قلب رونالدو، ولا يجيب بالضرورة عن جميع الأسئلة. لعل «نتفليكس» لا تتطلّع لتكريس جورجينا نجمةً تلفزيونية «درامية»، أكثر مما تستجيب لإحاطتها بـ«الغلامور» والمجد. كأنّ اتفاقاً مضمراً بين الطرفين يخلص إلى عمل يرضي «صورة» بطلته ويلائم، في آن، المزاج التجاري.
تُحمّل ألسنة أصدقائها سؤالاً عن الزواج المؤجل: «يمزحون بشأن الزفاف ويتساءلون عن موعده. منذ أن أطلقت جنيفر لوبيز أغنية (ذا رينغ) وهم يغنونها لي. حصلتُ من كريس على الحب. الخيار ليس بيدي». يرمي رونالدو الطابة في ملعب «الوقت المناسب»: «ربما بعد سنة أو ستة أشهر، وحتى شهر. أتركها للزمن، كما يحدث في حياتنا. في النهاية، هذا سيحصل».
تشاركه الاستعداد لكل تغيير يطرأ. إلى التعليم الراقي والنشاطات الخارجية، تطرح على نفسها سؤالاً حول الأشياء التي تبحث عنها في أماكن عيشها، فتجيب: «الريف والأحصنة وحدائق ليركض أطفالنا». وجدت ذلك وأكثر في السعودية.