رغم الدعوات المتواصلة الصادرة عن السلطات الفرنسية والتي تحث إيران على إطلاق سراح المواطنين الفرنسيين السبعة الذين تعدهم باريس «رهائن دولة»، ما زالت طهران تصم أذنيها، بينما ترى مصادر في العاصمة الفرنسية أن إيران «تستخدم السجناء الأجانب ومنهم مزدوجو الجنسية عملةً للمقايضة».
وآخر محاولة قامت بها باريس هي الاتصال الهاتفي الذي قامت به وزيرة الخارجية كاترين كولونا، أول من أمس، مع نظيرها الإيراني حسين أمير عبداللهيان، ولكن يبدو أنها جاءت من غير طائل بالنظر لما ورد في تغريدة للوزيرة عقب الاتصال، حيث جاء فيها أنها طالبت من جديد بالإفراج الفوري عن الرهائن الفرنسيين السبعة المعتقلين تعسفياً واحترام القانون الدولي. وأضافت الوزيرة الفرنسية أنها «جددت إدانة فرنسا للقمع» الذي تمارسه السلطات الإيرانية ضد التحركات الاحتجاجية والتي تشمل عمليات الإعدام. ولأن الوضع على هذه الحال ولأن الضغوط الفرنسية غير كافية بذاتها، فإن باريس الحريصة على إبقاء خيط للتواصل قائماً مع طهران، قد استدارت باتجاه الاتحاد الأوروبي بالنظر إلى أن الكثير من الدول الأوروبية لها رهائن في إيران «ومنها ألمانيا وبلجيكا والسويد والنمسا...». والغرض أن يعتمد الأوروبيون على مجموعة لممارسة الضغوط المختلفة على إيران لإجبارها على إطلاق سراح رهائنها من الأوروبيين.
وأمس، أفادت الناطقة باسم الخارجية آن كلير لوجندر، في سياق المؤتمر الصحافي الأسبوعي، أن باريس تعمل على المستوى الأوروبي من أجل التوصل إلى رد أوروبي منسق. وخلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في بروكسل، الاثنين الماضي، دعت كولونا إلى تحرك جماعي، كما أُثيرت هذه المسألة مرة أخرى أول من أمس، في إطار لجنة التعاون القنصلي. وأشارت لوجندر إلى أن فرنسا «ليست وحدها للأسف في هذا الوضع»، وأن الغرض هو «مشاركة التحليلات المختلفة للعمل معاً لإيجاد الردود المناسبة من أجل ضمان الإفراج الفوري» عن جميع الرهائن الأوروبيين.
ويساور باريس القلق الشديد بشأن صحة السجين برنار فيلان الذي يتمتع بالجنسيتين الفرنسية والآيرلندية الذي اعتُقل بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقد سافر إلى إيران، وفق عائلته، في إطار أنشطته الاستشارية لحساب شركات سفريات. وطالبت «الخارجية» أمس، بتمكينه من الحصول على الرعاية الطبية من غير تأخير. ووفق لوجندر، رفضُ طهران لهذا الطلب «أمر غير مقبول».
وأفادت لوجندر بأن الوزيرة كولونا تحدثت مع عبداللهيان عن حالة فيلان الشخصية، مضيفةً أن باريس «تحمِّل السلطات الإيرانية المسؤولية الكاملة عن صحته». وقالت كولونا (الاثنين) إنه «حان الوقت لكي نفكّر كأوروبيين في الردّ» على هذا الوضع. وأيّدتها نظيرتها البلجيكية حجّة لحبيب، قائلةً: «عدد المواطنين الأوروبيين المحتجزين يتزايد، وهذا الوضع غير مقبول على الإطلاق»، مضيفةً أنه «من الضروري أن ترسل الدول الـ27 معاً رسالة واضحة وحازمة إلى السلطات الإيرانية».
من جانب آخر، عمدت عائلة فرنسية إلى الكشف عن هوية ابنها لويس أرنو، المعتقل في إيران منذ نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي. وجاء في بيان كتبه والداه جان ميشال وسيلفي ألويس: أرنو «مواطن عادي يرغب في السفر عبر العالم للتعرف عليه وفهمه بشكل أفضل»، وأنه «وصل إلى إيران بعد رحلة عبر العالم قادته من باريس إلى إيطاليا واليونان وتركيا وجورجيا وأرمينيا، قبل أن يصل في الثاني من سبتمبر 2022 إلى إيران». وهناك «أُوقف تعسفياً في 28 من الشهر نفسه في طهران ورُمي في سجن إيفين في طهران». ويؤكد الوالدان أن ابنهما «لم يشارك بأي احتجاج ولم يعبّر عن أي عدائية لإيران أو لحكومتها أو للإسلام».
ويشكو الوالدان من انقطاع أخباره منذ سبعة أسابيع معبّرَين عن قلقهما من ظروف اعتقاله، «ومن انعدام التواصل»، وخشيتهما «من التداعيات الجسيمة لذلك جسدياً ونفسياً». ووفق هذه العائلة، فإن «سياسة الصمت والحذر لا تنجح». وثمة دعوة وجهها عدد من عائلات الرهائن إلى التجمع في ساحة «ألتروكاديرو» المسماة أيضاً ساحة حقوق الإنسان، غداً (السبت)، للتنديد بالاعتقالات التعسفية.
وفي سياق موازٍ، ما زال امتناع وزراء الخارجية الأوروبيين، بمناسبة اجتماعهم الاثنين الماضي، عن وضع «الحرس الثوري» الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية الأوروبية بسبب دوره في قمع الحركة الاحتجاجية، يثير الكثير من التساؤلات حول الأسباب التي منعت الوزراء الـ27 ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل، من التجاوب مع قرار البرلمان الأوروبي الذي صوَّت بنسبة كاسحة لصالح ضم «الحرس» إلى اللائحة الإرهابية وفرض عقوبات على رأسَي السلطة في إيران: المرشد علي خامنئي، ورئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي. وقالت الناطقة باسم «الخارجية» بهذا الخصوص إن الوزراء كلّفوا بوريل بتقديم «مطالعة قانونية» لمعرفة مدى إمكانية الاستجابة لقرار البرلمان قبل الانتقال إلى الخطوة اللاحقة. وتجدر الإشارة إلى أن إيران حذّرت من أي إجراء من هذا النوع ستكون له عواقبه.
ومما جاء على ألسنة مسؤولين إيرانيين وقف التعاون مع المفتشين الدوليين الذين تقوم مهمتهم على مراقبة البرنامج النووي الإيراني، لا بل طردهم، والأبعد من ذلك الخروج من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وهو ما سبق أن قامت به كوريا الشمالية، فضلاً عن تعزيز التعاون مع روسيا.
ولا يبدو أن قراراً من هذا النوع سيُتخذ قريباً. ولدى سؤال الناطقة باسم «الخارجية» عن الموقف الخاص بفرنسا لجهة دعم أو رفض ضم «الحرس» إلى اللائحة الإرهابية، أجابت بأن الوزيرة كولونا أشارت، الاثنين الماضي، إلى أن باريس «تعمل مع الشركاء، وذلك من غير استبعاد أي قرار». وكان بوريل قد رأى، الاثنين الماضي، أن الأوروبيين الـ27 لا يمكنهم تبني إجراء كهذا من «غير قرار قضائي»، وسبق له أن أعلن ما مفاده أن إجراءً كالذي يطلبه البرلمان سيؤثر على ملفات أخرى عالقة مع إيران، في إشارة إلى الملف النووي، ودعمها روسيا في الحرب على أوكرانيا، ودورها في الإقليم، فضلاً عن ملف الرهائن. وكل ذلك يدفع إلى الاعتقاد بأن إضافة اسم «الحرس الثوري» لن يحصل غداً.
باريس تبحث عن رافعة أوروبية لإخراج رهائنها من السجون الإيرانية
باريس تبحث عن رافعة أوروبية لإخراج رهائنها من السجون الإيرانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة