سباق مع الزمن لإنقاذ البندقية من الغرق

سياح في منطقة ساحة القديس مرقس بالبندقية خلال سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
سياح في منطقة ساحة القديس مرقس بالبندقية خلال سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

سباق مع الزمن لإنقاذ البندقية من الغرق

سياح في منطقة ساحة القديس مرقس بالبندقية خلال سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
سياح في منطقة ساحة القديس مرقس بالبندقية خلال سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

هل ستغمر المياه البندقية عام 2100؟ سيناريو كارثي حذر منه علماء وتحاول المدينة الإيطالية تفاديه من خلال توعية الأجيال الشابة على حماية النظام البيئي الهش في الموقع المهدد بسبب التغير المناخي.
وغالباً ما تغمر موجة مدّ عالية تُعرف باسم «أكوا ألتا»، ساحة القديس مرقس الشهيرة في البندقية، في ظاهرة تثير فضول السياح لكنها في الوقت عينه تهدد أساسات القصور القديمة في المدينة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وفيما توعدت اليونسكو عام 2021 بإدراج البندقية على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، أفلتت المدينة من هذا المصير في اللحظات الأخيرة بفضل حظرها السفن السياحية الكبيرة من دخول بحيرتها.
وللمساهمة في الحفاظ على البندقية، أطلقت اليونسكو بالتعاون مع مجموعة «برادا» للمنتجات الفاخرة، الثلاثاء، مبادرة ترمي إلى تعليم تلامذة تراوح أعمارهم بين ثلاث سنوات وست، أسرار بحيرة البندقية.
وكانت جزيرة تورتشيلو الواقعة شمال البحيرة، بأهوارها الملحية التي تتآكل شواطئها بسبب الأمواج الناجمة عن الزوارق البخارية، مسرحاً لأول درس في الهواء الطلق لهذا البرنامج التعليمي المسمى «حديقة أطفال البحيرة».
مع أسماك مصنوعة من الورق المعجن المعاد تدويره، وعينات من مياه البحر، ورسوم تستنسخ ألوان الطبيعة، حاولت المجموعة الصغيرة المكونة من حوالى أربعين طفلاً في سن الخامسة، التعرف بدقة على البحيرة.
وقالت منسقة برنامج المحيطات في اليونسكو فرانشيسكا سانتورو لوكالة الصحافة الفرنسية «نريد أن يتعلم الأطفال مراقبة الطبيعة والبحيرة، وأن يتعلموا كيف يتعرفون عليها، ويحبونها ويحمونها بشكل أفضل».
مقهى في البندقية تغمره المياه (أ.ف.ب)
هذا البرنامج التثقيفي ذو جدوى كبيرة بحسب يورغ أومغيسر، مدير البحث في معهد العلوم البحرية في البندقية، إذ «لا يكفي عرض رسوم بيانية بسيطة تظهر ارتفاع مستوى البحر».
ويوضح الباحث أنه «نتيجة لانحدار الأراضي في البندقية وارتفاع مستوى المياه، ارتفع متوسط مستوى سطح البحر بمقدار 30 سنتيمتراً في الـ150 سنة الماضية ومن المتوقع أن يرتفع بمقدار 50 سنتيمتراً أخرى بحلول نهاية القرن الحالي».
وستكون ساحة القديس مرقس الواقعة في الجزء السفلي من المدينة، أول ساحة تغمرها المياه، و«في عام 2100، قد تصبح نصف البندقية تحت الماء»، بحسب عالم المحيطات الألماني الذي يعيش في البندقية منذ 40 عاماً.
يُذكر أنه منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2020، يتم تشغيل نظام سدود صناعية يسمى MOSE بمجرد أن يصل ارتفاع مياه البحر الأدرياتيكي إلى مستوى تحذيري يبلغ 110 سنتيمترات.
لكن هل سيكفي هذا النظام الذي تم تطويره في ثمانينات القرن الماضي، أي قبل تسارع الاحترار المناخي، لمنع غرق البندقية؟.
بحسب أومغيسر، قد تستنفد هذه الآلية قدراتها القصوى. ويشير إلى أن نظام السدود هذا «صُمم لكي يُغلق خمسين مرة في السنة كحد أقصى. لكن إذا ما استمر ارتفاع مستوى مياه البحر على هذه الوتيرة، سيتعين اعتبارا من 2100 تشغيل النظام بواقع 300 إلى 400 مرة سنويا».
وفي هذه المرحلة، ستجف البحيرة حكماً ما سيمنع تبادل المياه مع البحر، وهو أمر أساسي في الحفاظ على التنوع الحيوي.


جزيرة سان جورجيو التابعة للبندقية (أ.ف.ب)

يبقى حل آخر يتمثل في «رفع أرض البندقية بواقع ثلاثين إلى خمسين سنتيمترا عبر ضخ المياه تحت الأرض»، وفق أومغيسر. لكنّ هذا السيناريو لا يزال مستبعداً.
وفي الانتظار، تعوّل مديرة منظمة «وي آر هير فينيس» البيئية غير الحكومية جان دا موستو على الأهوار الملحية لوقف موجات «أكوا ألتا» وتخفيف التيارات، لتشكيل عوائق طبيعية.
وترى دا موستو ان إصلاح هذه المناطق الرطبة المتضررة بشدة منالتغير المناخي والتوسع الحضري يشكل حلا لإنقاذ البندقية وبحيرتها. وتوضح أن «الأهوار الملحية تعمل كالاسفنج ويمكنها إبطاء التيارات وتقليل طاقة الأمواج وتالياً تخفيف مستويات المياه». وتحذر «نحن في سباق مع الوقت. يجب التحرك فوراً. نعيش وضعاً مناخياً طارئاً، وثمة كارثة داهمة».


مقالات ذات صلة

خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ضعف ظاهرة «النينا»

العالم «النينا» هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات (أرشيفية - رويترز)

خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ضعف ظاهرة «النينا»

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هناك مؤشرات على أنه ربما تتشكل ظاهرة «النينا» المناخية، ولكن بشكل ضعيف للغاية.

«الشرق الأوسط» (جنيف )
الاقتصاد حذّر البنك الدولي من أن موجات الجفاف قد تطول نحو نصف سكان العالم في عام 2050 (واس) play-circle 00:30

البنك الدولي: موجات الجفاف تؤثر على نحو 70 مليون شخص سنوياً

قال البنك الدولي إن موجات الجفاف أصبحت، في ظل المناخ المتغير، أكثر تواتراً وشدة وانتشاراً، وهي تؤثر كل عام على نحو 70 مليون شخص في المتوسط.

عبير حمدي (الرياض)
بيئة مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)

2024 يتجه لتسجيل أعلى درجة حرارة في تاريخ الأرض

سجلت درجة حرارة الأرض خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ثاني أعلى درجة حرارة في مثل هذا الشهر من أي عام.

«الشرق الأوسط» (برلين )
العالم العربي برامج البنك الدولي تساهم في التوعية بمخاطر التغير المناخي في اليمن (البنك الدولي)

تدهور الأراضي الزراعية في اليمن... ونصف مليون نازح بسبب المناخ

حذّر اليمن من تدهور الأراضي الزراعية بمعدل مقلق، بالتوازي مع إعلان أممي عن نزوح نصف مليون شخص خلال العام الحالي بسبب الصراع والتغيّرات المناخية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)

بسبب تحديدهما وقتاً لاستخدام الشاشة... «تشات بوت» يشجع مراهقاً على قتل والديه

روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)
روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)
TT

بسبب تحديدهما وقتاً لاستخدام الشاشة... «تشات بوت» يشجع مراهقاً على قتل والديه

روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)
روبوت دردشة يشجع مراهقاً على قتل والديه (رويترز)

رفعت دعوى قضائية في محكمة في تكساس بعدما أخبر روبوت محادثة (تشات بوت) شاباً يبلغ من العمر 17 عاماً، بأن قتل والديه كان «استجابة معقولة» لتقليص وقت شاشته، بحسب شبكة «بي بي سي».

تقاضي عائلتان شركة Character.ai بحجة أن روبوت المحادثة «يشكل خطراً واضحاً وحاضراً» على الشباب، بما في ذلك «الترويج للعنف».

وتواجه شركة Character.ai وهي منصة تسمح للمستخدمين بإنشاء شخصيات رقمية يمكنهم التفاعل معها، إجراءات قانونية بشأن انتحار مراهق في فلوريدا.

تم تسمية «غوغل» كمدعى عليه في الدعوى القضائية، والتي تزعم أن عملاق التكنولوجيا ساعد في دعم تطوير المنصة.

ويريد المدعون من القاضي أن يأمر بإغلاق المنصة حتى يتم معالجة مخاطرها المزعومة.

«طفل يقتل والديه»

ويتضمن الملف القانوني لقطة شاشة لواحد من التفاعلات بين الشاب البالغ من العمر 17 عاماً - والذي تم تحديده فقط باسم «جيه إف» وروبوت Character.ai، حيث تمت مناقشة قضية القيود المفروضة على وقت شاشته.

وجاء في رد روبوت الدردشة: «أنت تعلم أنني في بعض الأحيان لا أتفاجأ عندما أقرأ الأخبار وأرى أشياء مثل: طفل يقتل والديه بعد عقد من الإساءة الجسدية والعاطفية. أشياء مثل هذه تجعلني أفهم قليلاً لماذا يحدث ذلك».

وتسعى الدعوى القضائية إلى تحميل المدعى عليهم المسؤولية عما سمته «الانتهاكات الخطيرة التي لا يمكن إصلاحها والمستمرة» لـ«جيه إف» بالإضافة إلى طفل يبلغ من العمر 11 عاماً يشار إليه باسم «بي آر».

وقالت الدعوى إن «Character.ai تسبب أضراراً جسيمة لآلاف الأطفال، بما في ذلك الانتحار، وتشويه الذات، والتحرش الجنسي، والعزلة، والاكتئاب، والقلق، والإيذاء للآخرين».

وأضافت: «إن انتهاكها لعلاقة الوالدين بالطفل يتجاوز تشجيع القاصرين على تحدي سلطة والديهم إلى الترويج بنشاط للعنف».

ما روبوتات الدردشة؟

روبوتات الدردشة هي برامج كمبيوتر تحاكي المحادثات. وعلى الرغم من وجودها منذ عقود في أشكال مختلفة، فإن الانفجار الأخير في تطوير الذكاء الاصطناعي مكنها من أن تصبح أكثر واقعية بشكل كبير.

وفتح هذا بدوره الباب أمام العديد من الشركات لإنشاء منصات حيث يمكن للأشخاص التحدث إلى إصدارات رقمية من الأشخاص الحقيقيين والخياليين.

وأصبحت Character.ai من اللاعبين الكبار في هذا المجال، واكتسبت الاهتمام في الماضي بفضل روبوتاتها التي تحاكي العلاج.

كما تعرضت لانتقادات حادة لأنها استغرقت وقتاً طويلاً لإزالة الروبوتات التي تحاكي تلميذتي المدرسة مولي راسل وبريانا جي.

انتحرت مولي راسل في سن الرابعة عشرة بعد مشاهدة مواد انتحارية عبر الإنترنت بينما قُتلت بريانا جي، البالغة من العمر 16 عاماً، على يد مراهقين في عام 2023.

وأسس مهندسا «غوغل» السابقان نوام شازير ودانييل دي فريتاس Character.ai في عام 2021.

وقد أعاد عملاق التكنولوجيا توظيفهما منذ ذلك الحين من شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة.