الغلاف بوصفه «الهوية البصرية» للكتاب

ناشرون ورسامون مصريون يشيرون إلى تحديات كثيرة تهدد صناعته

الرسام أحمد الصباغ
الرسام أحمد الصباغ
TT
20

الغلاف بوصفه «الهوية البصرية» للكتاب

الرسام أحمد الصباغ
الرسام أحمد الصباغ

يرى رسامون وناشرون أنه رغم الأهمية الاستثنائية التي يحظى بها غلاف الكتاب باعتباره «العتبة» التي يخطو عبرها القارئ إلى مضمون العمل و«الهوية البصرية» التي ترسم ملامحه، وتشكل عنصر الجذب الذي يساعد على اتخاذ قرار الشراء من عدمه، فإن ثمة تحديات جدية تهدد صناعة أغلفة الكتب. هنا يبرز التعجل والتكرار والتشابه كمصادر تهديد مباشرة، ما يطرح تساؤلات مشروعة عن آليات وكواليس تلك الصناعة، وتصورات دور النشر ومصممي الأغلفة أنفسهم حولها.
في هذا التحقيق نتعرف على جوانب من هذه التحديات.

الناشرة نورا رشاد

* محمود عبد النبي (دار إبييدي): اختيار المصمم حسب محتوى الكتاب
الغلاف أصبح جزءاً أصيلاً من ركائز مبيعات الكتاب، ويسهم بنسبة قد تتخطى حاجز 40% من قرار الشراء بالنسبة للقارئ. إنه يمثل حالياً عنصر جذب لدى قطاع كبير من شباب القراء، وكذلك كلمة الغلاف الخلفية. وتزداد تلك الأهمية عندما لا يكون اسم المؤلف معروفاً لدى القارئ. ولتصميم الغلاف مدارس عدة، منها المدرسة التقليدية أو الكلاسيكية، وهي التي تحدد بطلاً أو رمزاً للعمل كله، وتركز عليه كل التركيز لإبرازه في صدر الغلاف. وهناك المدرسة الأكاديمية التي تهتم باسم الكتاب، وتجعل منه البطل. ونحن نختار مصمم الغلاف حسب طبيعة العمل، ولا نجعل مصمماً واحداً يشتغل في تصنيفات مختلفة. وعلى سبيل المثال، مصمم أغلفة الأعمال الروائية لا يقوم بتصميم الكتب الطبية أو القانونية؛ حيث إنه لا يبرع في المحتوى غير الروائي، والعكس صحيح.
هناك بعض المصممين الذين يحتفظون بعدد من اللوحات والتصميمات سابقة التجهيز، ليضعوها على كتب مستقبلية بصرف النظر عن محتوى تلك الكتب. هؤلاء يسلمونك الغلاف في اليوم نفسه الذي يتسلمون فيه مسودة العمل؛ لأنهم أضافوا فقط اسم المؤلف واسم العمل، والحق أنهم غالباً ما يكونون بارعين فيما يفعلونه، ولكن هذا الأسلوب لا يناسبني بوصفي ناشراً في الحقيقة. أبحث عن غلاف خرجت فكرته من ثنايا النص، ويستطيع خطف نظر القارئ منذ الوهلة الأولى وبقوة. ولكي يتحقق هذا الهدف، لا بد من التريث والتجويد قبل الاستقرار على الغلاف النهائي الذي يجب أن يختار «ثيمة» ما يشتغل عليها ويبرزها، فضلاً عن نوعية الخط المستخدم وحجمه ومدى تناسق الألوان.

الناشر محمود عبد النبي

* شريف بكر (دار العربي):تفاوت في الموهبة والتجربة
على مدار ما يقرب من نصف قرن، أستطيع قول إن الغلاف كان يحمل أهمية كبيرة في عقدي الستينات والسبعينات، وكان كبار الرسامين والفنانين التشكيليين هم من يصنعون أغلفة إصداراتنا في عهد والدي، مثل محيي الدين اللباد وعدلي رزق الله... وغيرهما، لكن تلك الأهمية تراجعت في حقبة الثمانينات التي كانت الأسوأ في تلك الصناعة، وامتد الأمر ليشمل معظم عقد التسعينات. كان الانحدار شاملاً حيث ساءت نوعية الورق والإخراج الفني عموماً. وفي بداية الألفية الثالثة ظهر جيل جديد من المصممين الذي يمتلكون الموهبة والتقنية والحداثة، واستطاعوا أن يحدثوا ثورة في عالم تصميم الأغلفة. وقد تواكب ذلك مع ظهور المكتبات الخاصة على طريقة «الكوفي شوب» وتنامي ميول القراءة لدى الشباب والمراهقين.
وبالنسبة لنا في «دار العربي» فإننا تعاملنا مع معظم مصممي الأغلفة الموجودين في سوق النشر، لكننا نحرص على التجديد واكتشاف مواهب جديدة وإعطاء الفرصة للشباب بين الحين والآخر. ولأن ترجمة الأعمال العالمية إلى العربية هي نشاطنا الأساسي، فلا بد من مراعاة بعض الملاحظات عند تصميم الغلاف. وقد يكون المصمم فناناً مدهشاً لكنه بحاجة لبعض التوجيه. وهناك مصممون لا يمتلكون الخيال الإبداعي، لكنهم جيدون في تنفيذ رؤية الناشر. من هنا نتعامل مع «تشكيلة» متفاوتة السن والتجربة من المصممين. ولا نفضل التعامل مع لوحات جاهزة إلا في حالات نادرة؛ حيث يظل التصميم المبتكر الجديد هو خيارنا الأول.

الرسامة هند سمير

* نورا رشاد (الدار المصرية - اللبنانية): وسيلة التسويق الأولى
على المستوى الشخصي، أول ما يجذبني في أي كتاب هو غلافه وعنوانه. إنه أول ما يقابلنا حتى قبل معرفة محتوى العمل؛ لذا نهتم غاية الاهتمام بتلك الجزئية. والحقيقة أنه في كثير من الأحيان، تُظلم بعض الكتب بسبب أغلفتها السيئة أو غير المعبّرة عن مضمونها، والعكس أيضاً يحدث، فكثيراً ما ينخدعُ القارئ في كتب ضعيفة المحتوى بسبب غلافها الجذاب الذي شده لاقتناء العمل. أصبحنا الآن نستغرق وقتاً طويلاً في اختيار غلاف الكتاب، ونعده من أصعب مراحل النشر، حتى أننا نعد أحياناً اختيار الغلاف المناسب مرهقاً أكثر من عملية تحرير وتدقيق العمل نفسه؛ لأننا دائماً نبحث ونفكر مع المصمم عن فكرة جديدة ومبتكرة لغلاف الكتاب. يتم دائماً عرض الغلاف المقترح على إدارة التسويق والمؤلف. ويكون الرأي الفاصل دائماً في اختيار الغلاف لإدارة التسويق، فهم دائماً مطلعون أكثر على مجريات سوق النشر، ولهم نظرة ثاقبة في اختيار الغلاف الأفضل.
هل يتم تكليف فنانين بعينهم؟ الحق أننا نتعامل مع كثير من الفنانين المهمين في تصميم الأغلفة. وكل كتاب تختلف طبيعة مضمونه، وبالتالي يختلف المصمم الذي نختاره لعمل الغلاف. وكذلك يختلف قارئ الكتب الكلاسيكية عن قارئ الكتب الأكثر مبيعاً مثلاً. الكتب العلمية وغير الروائية أيضاً لها طبيعة مختلفة. كنا في الماضي نلجأ للوحات في معظم إصداراتنا، ولكن مع مرور الوقت تغيرت ذائقة القارئ، كما تغير شكل الكتاب. ولكننا ما زلنا في بعض السلاسل والكلاسيكيات نلجأ للوحات لتوافقها مع مضمون الكتاب.
وكثيراً ما نرفض تصميمات لأنها مغرقة في الطابع الفني الجمالي، وتفتقد فكرة الجاذبية التسويقية. ورغم تقديرنا الشديد للكتاب كقيمة فكرية، فإنه في النهاية منتج تجاري لا نصنعه كي يبقى أسير واجهات العرض.
ويحدث كثيراً أن نؤجل صدور كتاب ما لأننا ما زلنا غير راضين عن الغلاف، وحدث ذات مرة أن أجرينا 14 بروفة غلاف لإحدى الروايات حتى وصلنا للشكل الأمثل. هذا لا يعني أننا نتدخل بالكامل في عمل المصمم، وإنما نحتفظ بحقنا في التعبير عن وجهة نظرنا التي تنبع من كمّ الخبرات والتجارب التي مررنا بها، فضلاً عن مشاركاتنا في مختلف المعارض العربية على مدار العام.

* أحمد الصباغ (مصمم أغلفة):
ذوق القارئ أولاً
تظل مواكبة الجديد على مستوى التكنولوجيا والغرافيك والأفكار المطروحة أبرز التحديات التي تواجهنا بوصفنا مصممي أغلفة، فضلاً عن إرضاء أطراف صناعة الكتاب، وهي: الناشر، والمؤلف، والقارئ. من هنا يجب أن نواكب الذوق العام وما يستجد فيه، لكن يظل التحدي الأكبر هو مواسم الكتب، مثل المعارض وما يسبقها من ضغط في العمل وضيق الوقت، وكيف تنجز المهام المطلوبة منك دون تكرار أو تشابه أو منتج رديء. وأحياناً أضطر إلى الاعتذار عن عدم العمل، إذا شعرت بأن ضيق الوقت سيضطرني إلى تقديم غلاف لا أرضى عنه.
والحقيقة أن رضا القارئ يأتي عندي في المقام الأول، وعلى سبيل المثال قد يكون هناك لون ما غير مفضل بالنسبة لي على مستوى الذوق الشخصي، ولكني أوظّفه في التصميم لأني أعرف أنه يعجب القراء. هذا لا يعني أنني أتجاهل ذوقي الشخصي على طول الخط، ولكن يجب طوال الوقت أن نوازن بين ما يعجب القارئ وما يرضينا باعتبارنا مصممين.

* عمرو الكفراوي (تشكيلي ومصمم أغلفة): لا أسعى لإرضاء المؤلف
أسعى بدايةً لإرضاء نفسي عن تصميم الغلاف، شريطة أن يكون المنتج النهائي يساعد على ترويج الكتاب، وأحترم وجهة نظر الناشر والموزع نظراً لخبراتهما في السوق. إن إرضاء المؤلف ليس على قائمة أولوياتي، فكثير من المؤلفين تكون لديهم تصورات حالمة وغير واقعية تجاه الشكل النهائي لأغلفة كتبهم، على نحو يضر بالكتاب بشدة لو تنازل المصمم وحاول مجاراتهم. ومع ذلك أسعد بفرح المؤلف بالغلاف، لكن هذا لا يشكل هدفاً بالنسبة لي في أثناء العمل.
هدفي النهائي عند تصميم غلاف ما، التعبير عن رؤيتي الفنية للعمل بكل محدداتها الجمالية، وفي الوقت نفسه مراعاة عنصر التسويق، بحيث يكون الغلاف عنصر جذب تجاري، ويساعد على زيادة المبيعات. ساعدتني خلفيتي بوصفي فناناً تشكيلياً كثيراً في هذا السياق. ففي بداياتي الأولى كنت أركز أكثر على الشكل الجمالي المختلف، لكن بتراكم سنوات العمل أصبحت أهتم بالمضمون والرؤية الفلسفية لكل من النص والغلاف.

* هند سمير (مصممة أغلفة):
قيم بصرية جمالية
أراعي متطلبات التسويق التجاري، لكن بالدرجة التي لا تخل بأبجديات التصميم فنياً. إنها معادلة صعبة أحياناً، لكن لا بد من الإقرار بأن الكِتاب في الأخير هو منتج يخضع بشكل ما لآليات السوق. وساعدتني دراستي الأكاديمية التي بها حصلت على درجة الدكتوراه في الإخراج الفني للكتاب، على إحداث نوع من التوازن الفني عند تصميمي غلاف الكتاب، بحيث يتوفر عنصر الجذب واستيفاء القدر الأكبر من القيم البصرية الجمالية، مثل وضوح التصميم وعلاقته بالمتن والاهتمام بجودة الصورة الطباعية ووضوح بيانات الكتاب، من عنوان واسم المؤلف ودار النشر. كل هذه مفاهيم وخبرات اكتسبتها أيضاً من خلال تجربتي في تصميم أغلفة معظم إصدارات هيئات وزارة الثقافة المصرية، مثل: الهيئة العامة للكتاب، والمجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومي للترجمة.



مذكرات صلاح دياب... إمبراطورية الأعمال والشغف

مذكرات صلاح دياب... إمبراطورية الأعمال والشغف
TT
20

مذكرات صلاح دياب... إمبراطورية الأعمال والشغف

مذكرات صلاح دياب... إمبراطورية الأعمال والشغف

حين يقرر أحد رجال المال والأعمال العرب أن يكتب مذكراته، عادةً ينطلق من هدف مُعلن مفاده نقل خبراته وتجاربه للأجيال الأحدث، ما يظهر جلياً في مذكرات شخصيات مصرية مثل محمود العربي أو رؤوف غبور، أو حتى في نصائح وشذرات تركها طلعت حرب رائد الاقتصاد المصري. لكن رجل الأعمال المصري المعروف صلاح دياب ينطلق في تدوينه لسيرته الذاتية من بُعدٍ إضافي إلى جانب نقل الخبرة: الشغف.

ففي مذكراته الصادرة عن «الدار المصرية اللبنانية» بالقاهرة تحت عنوان «هذا أنا»، في 2025، تبدو فكرة الشغف بالكتابة والرغبة في البوح هي المحرك الأساسي الذي دفعه لتسجيل مشوار حياته، عبر محطات متباينة بعضها يشكل قصصاً ملهمةً. أما البعض الآخر فأسماه «تجارب لم تكتمل»، وهي تجارب عدّها «دروساً مرتفعة التكلفة».

صلاح دياب هو صاحب ما يمكن اعتباره إمبراطورية من الأعمال المتشعبة، وبرغم ذلك يطرح تساؤلاً مبدئياً حول السبب الذي دفعه لكتابة مذكراته: «لست زعيماً سياسياً ملهماً، أو نجماً سياسياً يجتذب الأضواء، أو مصلحاً اجتماعياً يتأمل الناس سيرته، أو مجدداً يتتبع الجمهور مسيرته».

لكنه في الوقت ذاته يحرص على تعريف القارئ بنفسه في كلمات سريعة؛ فهو حلواني ومزارع ورجل بترول ومستثمر عقاري وناشر وكاتب. خاض الكثير من المعارك، خصوصاً حين بدأ عام 2012 في كتابة عموده اليومي بجريدة «المصري اليوم» تحت اسم مستعار «نيوتن»، وبعد 8 سنوات من كتابة المقال اليومي اضطُر للإفصاح عن شخصيته؛ إثر حملة تعرض لها بعد مقال نشره حول اللامركزية وسيلةً لإحداث طفرة اقتصادية، واجه بسببه اتهامات من أوساط صحافية بالترويج لأفكار «انفصالية».

ولد صلاح دياب في 4 فبراير (شباط) عام 1944 لعائلة من محافظة الشرقية في دلتا النيل، واختارت الأسرة له اسم خاله الذي رحل عام 1942 في حادث أليم.

وتحكي المذكرات عن الجذور البعيدة للعائلة، والدور الذي قام به جده في الثورة العرابية (1882) والحكم عليه بالإعدام، ثم تحديد إقامته في قريته بعد عفو من الخديو توفيق.

يتضح الشغف بالكتابة منذ مفتتح المذكرات برسالة يوجهها الكاتب إلى جده توفيق دياب (1886 - 1963)، صاحب جريدة «الجهاد»، التي كانت في فترة ما لسان حال حزب «الوفد»، وربما كان هذا الشغف، الذي تربى صلاح دياب في كنفه، هو ما دفعه لاستعادة تجربة جدّه (لأُمِّه) في إصدار جريدة يومية هي «المصري اليوم»، بمشاركة رجال أعمال آخرين، وحققت الجريدة صدى واسعاً في الأوساط الصحافية بمصر.

وإذا كانت بعض المذكرات، خصوصاً في الغرب تعتمد على «فلسفة الاعتراف» التي ركّزها جان جاك روسو (1712 - 1778) في مفهوم «الحب الشخصي»، بمعنى حب الذات والارتقاء بها عبر البوح بأدرانها سعياً للتخلص من عبئها، فإن هذه الفلسفة تكاد تكون محدودةً في العالم العربي، نظراً لخصوصية القيم التي تحكمه.

ورغم أن فلسفة الاعتراف حضرت في بعض الأعمال النادرة مثل مذكرات سعد زغلول، الذي لم تمنعه مكانته السياسية المرموقة، كرمز لثورة 1919 في مصر ضد الاحتلال الإنجليزي، عن الاعتراف بإدمانه القمار، ومحاولته التخلص من هذه العادة السيئة، فقليلاً ما يظهر أنموذج مشابه.

وفي حين يجعل صلاح دياب في مذكراته «الاعتراف والصراحة من مبادئ البوح»، فقد قرر الكتابة بنفسه، مؤكداً أن من يعرفونه عن قرب «سيصدقون كل ما يكتبه»، لأنهم يدركون أنه يمتلك من العفوية أو «التهور» ما يجعله يقول كل شيء وأي شيء، حسب تعبيره.

مدفوعاً بالرغبة في الاعتراف، تحدث دياب عن فترة الشباب، ومخالفاته التي ارتكبها خلال التحاقه بالكلية الفنية العسكرية، حتى تعرضه للحبس والفصل منها، ومحاولة التوسط لدى المشير عبد الحكيم عامر لإعادته للكلية دون جدوى، ثم توجهه للدراسة في كلية الهندسة، ولا ينكر بعض الانفلات في سلوكه بمرحلة الشباب، وفي الوقت نفسه شهدت هذه الفترة أول عمل حقيقي يتولاه وهو طالب، ويحكي كيف نجح في هذا العمل، الذي كان دافعاً لنجاحات أخرى لاحقة.

لا ينفي صلاح دياب الأزمات التي تعرض لها منذ الصغر، بداية من تربيته في بيت جده بعيداً عن الأب والأم اللذين انفصلا، وصولاً إلى فترات شبابه الأولى من خلال ما يعرّفه بأنه مجموعة من الأرستقراطيات. لم يخلُ بعضها من أزمات وخسارات فادحة.

يبدأ بالأرستقراطية الاجتماعية التي انتمى إليها بحكم تعليمه الأساسي في المدرسة الإنجليزية، ثم الأرستقراطية الريفية في مزرعة جده، ثم الأرستقراطية العسكرية الأكاديمية، ثم أرستقراطية السجن.

وبجملٍ لا تخلو من المرارة، يحكي صاحب المذكرات عن تعرضه للسجن، ويشرح بالتفصيل طريقة القبض عليه ووضع الأصفاد في يديه وتصويره بهذه الهيئة، ويشير إلى أن «التهمة الباطلة التي كانت بانتظاره ظاهرياً» هي ضبط سلاح بدون ترخيص في منزله، في حين أن الرسائل التي وصلته قبلها ولم ينتبه لها كانت مرتبطة باتهامات للجريدة التي أسسها.

كما يحكي صاحب المذكرات عن ظروف الإفراج عنه، وعن لقاءين جمعاه بالرئيس المصري استمر أحدهما لثلاث ساعات، والجهود التي بذلها مع رجال أعمال آخرين في صندوق «تحيا مصر» الذي أنشأته الدولة لدعم الاقتصاد.

مغرم صاحب المذكرات بالمفارقات، فهو يرى في الصدفة فرصة تبحث عمن يحسن توظيفها، ويرى في المحنة منحة لمن يتمكن من الاستفادة منها في التعلم والتأمل، ومن هذا المنطق يحكي عن الكثير من المشروعات الكثيرة، التي خاض غمارها و«معظمها لم ينجح». وفي أكثر من موضع يبدو كأنه يرفع شعار مؤسس «علي بابا» جاك ما، في الكتاب الذي يضم خلاصة خبرته؛ وعنوانه «لا تستسلم أبداً» يشرح مقصده.

يعتقد دياب أن فكرة الكتابة لم تنبت لديه من الفراغ أو لمجرد التأثر بجدّه، بل تتصل بعلاقاته الوثيقة بكبار الكتاب مثل أنيس منصور ومصطفى أمين ويوسف إدريس وعلي سالم وغيرهم. وحكى كيف بدأت فكرة عمود «نيوتن» بالتعاون بينه وبين عبد الله كمال، فكان دياب يقدم الفكرة وكمال يصوغها بأسلوبه الرشيق.

وصاغ صلاح دياب أكثر من فكرة حول فلسفة الحياة وقوة الإرادة، والتعامل مع الدين بأريحية ونظرة فلسفية عميقة، من خلال شخصية «نيوتن»، وهي أفكار أعادها في مذكراته أيضاً بوصفها قناعات آيديولوجية تدفعه للبوح كتابة.