36 ساعة في ساو باولو بالبرازيل

اكتشف فنونها وأكلها الشعبي وأطباق المهاجرين

من المطاعم التي تقدم عروضاً فنية يومياً
من المطاعم التي تقدم عروضاً فنية يومياً
TT

36 ساعة في ساو باولو بالبرازيل

من المطاعم التي تقدم عروضاً فنية يومياً
من المطاعم التي تقدم عروضاً فنية يومياً

ساو باولو هي مدينة تناسب إيقاع سكان المدن، حيث تتعالى الضوضاء وتنتشر فنون وأطعمة الشارع وتصاميم المباني العالية والمطاعم الراقية. في هذه المدينة تزدهر المؤسسات الثقافية مثل متحف «إيبيرانجا» الذي أعيد افتتاحه والذي يحوي مجموعة من المقتنيات التاريخية.
ولطالما اجتذبت أكبر مدينة في البرازيل المهاجرين والحالمين، مما يجعل منها مكانا رائعا لاستكشاف مجموعة متنوعة من مأكولات أميركا اللاتينية وأنماط الموسيقى في البلاد. إذا كانت الحافلات المزدحمة والشوارع المسدودة واثنا عشر مليون شخص يعيشون في مبان شاهقة ضخمة أكبر من أن يتحملها ذوقك، فعلى الأقل ابق بضعة أيام استنشق فيها عبق الثقافة قبل أن ترحل محملا بقصص تروى.

روبليف يبكي الهزيمة (أ.ف.ب)

تبلغ نسبة البرازيليين ذوي العرق الأسود والمختلط نحو 56 في المائة من السكان، حسب إحصائيات عام 2021. والعلاقات العرقية هنا معقدة كما هو الحال في الولايات المتحدة، مما يجعل زيارة المتحف الأفروبرازيلي في حديقة «إيبيرابويرا» العريقة بالمدينة أمرا لا بد منه. يعتبر المتحف تتويجا للمساهمات التي قدمها كثيرون من الجيل الحالي وكذلك أجدادهم، للحياة الفنية والفكرية والاقتصادية للبلاد، وتذكيرا بأن البرازيل كانت آخر دولة في الأميركتين تلغي العبودية بالكامل في عام 1888(يمكنك مشاهدة بقايا سفينة الرقيق المستعادة وأدوات التعذيب وصور المستعبدين). سعر تذكرة الدخول 15 ريالا برازيليا، ما يعادل 3 دولارات.

من الضروري تذوق أطباق البرازيل الشعبية

ما من مكان أفضل من متنزه المدينة «بإبيرابويرا» الضخم الذي تبلغ مساحته 400 فدان لمشاهدة الناس أو ركوب الدراجات المستأجرة، أو شرب ماء جوز الهند. يعتبر المكان نقطة جذب حيث يتوافد الناس على اختلاف مشاربهم من مختلف أنحاء المدينة للتنزه برفقة كلابهم، وممارسة رياضة كرة القدم، وقراءة الكتب وركوب ألواح التزلج طوال عطلة نهاية الأسبوع. يمكنك أيضا أن تتجول في مسارات بطول أميال، وزيارة الجناح الياباني، ومشاهدة قاعة «إيبيرابويرا» وغيرها من إبداعات المهندس المعماري البرازيلي أوسكار نيماير. وعليك الاستمتاع بالمكان جيدا، فلن ترى هذا اللون الأخضر مرة أخرى في أي مكان آخر بقية الأسبوع.
تناول الطعام في الهواء الطلق في ساو باولو ليس بالأمر الممتع دائما، إذ غالبا ما يكون المكان معبأ بعوادم الدراجات النارية. لذلك يمكنك الهروب إلى مطعم «سيلفاجيم»، من خلال البوابة رقم «5» لحديقة «إيبيرابويرا»، حيث حوّل الشيف فيليب لايت ما كان في السابق مطعما للوجبات الخفيفة إلى أحد أكثر أماكن تناول الطعام إقناعا في المدينة، خاصة في الليل، عندما تكون الحديقة خالية من الزوار إلى حد كبير. يقدم مطبخ «سيلفاجيم» (يعني المتوحش) الأطباق البرازيلية التقليدية المعاصرة مثل يخنة المأكولات البحرية مع قلب النخيل أو فطائر «مانوك» وكريمة «ريكيج شيمو» الشبيهة بالجبن. بالنسبة للحلوى، «جوليتا وروميو» (روميو وجولييت) عبارة عن جبن من حليب الأغنام على طريقة «بورسين» مع القليل من آيس كريم الجوافة. يتكلف عشاء لشخصين مع المشروبات حوالي 500 ريال برازيلي.
يشبه اختيار مكان لتذوق الموسيقى البرازيلية الحية في ساو باولو اختيار موقف «تاكو» في مكسيكو سيتي. اترك خلفك أحياwء الحياة الليلية السائدة في «بينيروس» ووسط المدينة واتجه شرقا إلى حي «موكا» الإيطالي التقليدي لترى «تمبلو بار دي في» المزين بصور وتماثيل لشخصيات ترمز إلى العديد من الأديان، بما في ذلك المسيحية، والهندوسية، و«أمباندا» الأفروبرازيلية. تتميز غالبية الليالي بفرق السامبا، لكن يوم الجمعة مخصص لحفلات «سيرتانيجو»، وهي النسخة البرازيلية الشعبية من موسيقى الريف حيث الموسيقى الحية الهادئة نوعا ما وعالية الجودة (سعر بطاقة الدخول 30 ريالا).

يمكنك الحصول على وجبة الإفطار من مخبز «زيستزينج» ذي الطابع الفرنسي نوعا ما مع الكرواسون (بسعر 13 ريالا)، ومعجنات كويين أمان اللذيذة من مخبز «بريتاني» مع إضافات من الفول السوداني (بسعر 17 ريالا). تجول في منطقة «غاردينز» وصولا إلى «ألاميدا غابرييل مونتيرو دا سيلفا»، حيث لا يمكنك العثور على أثاث برازيلي بكميات وتنوع كبيرين أفضل من هذا المكان. نقطة البداية هي متجر «ديبوت»، حيث مفروشات المصممين البرازيليين المشهورين مثل سيرجيو رودريغيز، ولينا بو باردي، وكارلوس موتا. بعد ذلك اتجه جنوبا حتى تصل إلى «ديبوت أوبجيتو»، الذي يعرض السيراميك، والوسائد، وغير ذلك من العناصر التي يمكنك تحمل كلفتها ووضعها في حقيبتك.
يمكنك تجربة أي نوع من مأكولات أميركا اللاتينية البرازيلية في ساو باولو، بدءا من الأطباق الحارة في سلفادور في الشمال الشرقي إلى مأكولات «أكر» الأمازونية. حاول أن تصل باكرا لتناول طعام الغداء في مطعم «كازا توكوبي»، الذي سمي على اسم المرق الحامض المصنوع من جذر «المانوك» الذي يشكل قاعدة حساء «تاكاكا» الجدير بالتجربة، والذي يقدم مع أوراق «جامبو» والروبيان (أو الفطر بالنسبة للنباتيين). تتميز العديد من الأطباق بأسماك نهر الأمازون التي نادرا ما تراها، وربما لا تراها أبدا في بلادك. سعر الغداء لشخصين حوالي 250 ريالا برازيليا.
لدى ساو باولو أكبر عدد من السكان ذوي العرق الياباني مقارنة بأي مدينة خارج اليابان، لذلك ليس من المستغرب أن «السوشي» ينافس البيتزا و«الصفيحة» اللبنانية الطبق الأكثر شعبية الذي جلبه المهاجرون في القرن العشرين. هنا لا أحد ينافس جون ساكاموتو ومطعمه الذي يحمل الاسم نفسه في تقديم طبق «أوماكاسي» الراقي الحاصل على نجمة ميشلان والذي يبلغ سعره 400 أو 500 ريال برازيلي. عليك بالحجز مقدما، وقد تجد جون نفسه يقدم لك شرائح شهية من سمك التونة والسلمون والماكريل، وربما ثعبان البحر، مع قليل من فلفل «سانشو» الحار.
افتتح مطعم «كازا فلويدا» العام الماضي وهو عبارة عن منزل من ثلاثة طوابق تستطيع فيه تناول مشروبك في أثناء مشاهدة المعارض الفنية أو تتجول بين الشرفات وتشاهد اللوحات على الدَرج. الساعة العاشرة مساء (من الخميس إلى السبت) يأتي الحدث الرئيسي، وهو عرض فني لمدة ساعة يضم محترفين، ويمكن الاشتراك فيه بعد الخضوع لجلسة مكياج تستغرق ساعتين مقابل 120 ريالا برازيليا في الطابق العلوي. سعر تذكرة الدخول خمسة ريالات.
غير أن التخطيط الحضري السيئ الذي خضعت له المدينة في القرن العشرين بعد مرور الطريق السريع وسط مدينة ساو باولو أدى الى تقسيم الأحياء إلى نصفين، مما ساهم في اضمحلالها الحضري. لكن الجانب المشرق مؤخرا تمثل في قرار الدولة الرسمي إغلاق طريق «جو شيمو جولارت»، الذي يطلق عليه مجازا «الدودة الكبيرة» في عطلة نهاية كل أسبوع أمام حركة المرور ليفتح أمام راكبي الدراجات والمشاة للتنزه رافعين رؤوسهم لرؤية الأعمال الفنية الضخمة المرسومة على جوانب المباني الشاهقة.
يمكنك الدخول بالقرب من محطة مترو «سانتا سيسيليا» والتوقف عند سوق المزارعين القريبة لتناول معجنات «إمباناداس» البرازيلية المقلية وعصير قصب السكر.
*خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».