الصومال: «الشباب» تلجأ لابتزاز أصحاب الأعمال بحثاً عن موارد

نشطاء تحدثوا عن «إحراق مُتعمد» لأملاك من رفضوا الإذعان

صورة نشرها نشطاء صوماليون لقطيع ماشية نافق استهدفه مسلحو «الشباب»
صورة نشرها نشطاء صوماليون لقطيع ماشية نافق استهدفه مسلحو «الشباب»
TT

الصومال: «الشباب» تلجأ لابتزاز أصحاب الأعمال بحثاً عن موارد

صورة نشرها نشطاء صوماليون لقطيع ماشية نافق استهدفه مسلحو «الشباب»
صورة نشرها نشطاء صوماليون لقطيع ماشية نافق استهدفه مسلحو «الشباب»

صعّد تنظيم «الشباب» المصنف حركةً إرهابية استهدافه للمدنيين الصوماليين، وضاعف التنظيم خلال الآونة الأخيرة هجماته لابتزاز شركات وأصحاب أعمال تجارية، بهدف تحصيل مبالغ مالية.
وأفاد ناشطون صوماليون بأن التنظيم «أقدم خلال الأيام القليلة الماضية على استهداف محال تجارية، وأحرق مقار بعض الشركات التي رفضت الإذعان لمطالبه المالية».
ونشر مدونون عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقائع تتعلق بإضرام عناصر من التنظيم النار في محال تجارية في سوق بكارة (أكبر أسواق العاصمة الصومالية مقديشو) بعدما رفض أصحابها دفع مبالغ مالية للتنظيم. ويتعرض تنظيم «الشباب» لهجمات مكثفة من جانب الحكومة الفيدرالية الصومالية، المدعومة بقوات من القبائل والعشائر، وبإسناد من القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا التي تنفذ أحياناً هجمات جوية بالتنسيق مع الجيش الصومالي.
ووفقاً لوزارة الإعلام الصومالية، فقد خسر تنظيم «الشباب» حتى نهاية العام الماضي، أكثر من 40 مدينة وبلدة وقرية في جنوب البلاد ووسطها، كما قُتل ما يزيد على 500 من عناصره.
وكشفت دراسة لمعهد «هيرال»، وهو مؤسسة بحثية تركز على القضايا الأمنية مقرها مقديشو، أن مسلحي التنظيم كانوا يجمعون حتى عام 2020 ما لا يقل عن 15 مليون دولار في الشهر، يأتي أكثر من نصف هذا المبلغ من العاصمة مقديشو، وتدفع بعض الشركات الضرائب للمقاتلين والحكومة في الوقت ذاته، وفق الدراسة.
وحسب الدراسة أيضاً، فإن حركة «الشباب» تفرض ضرائب على جميع الشركات الكبرى، على شكل «زكاة سنوية» ومدفوعات شهرية تُعرف باسم «إنفاق»، كما تُجبر العشائر والشركات في المناطق التي تسيطر عليها الحركة على دفع مبالغ مالية إضافية، عندما تعاني الحركة نقصاً في السيولة، ويشمل ذلك مختلف النشاطات التجارية الكبيرة، مثل الشركات والفنادق والمطورين العقاريين، وحتى ميناء مقديشو.
وتنفذ الحركة كذلك عمليات خطف مقابل الحصول على فدية؛ إذ أقدمت نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي على اختطاف 9 مدنيين في محافظة هيران وسط الصومال، كما أقدمت مؤخراً على استهداف قطعان ماشية مملوكة لقبائل ساندت الحكومة الفيدرالية في حربها ضد الحركة.
ويرى جوليد وليك، الباحث الاقتصادي الصومالي، أن استخدام حركة الشباب «تكتيكات جديدة» تعتمد في الأساس على تدمير الممتلكات التجارية التي رفض أصحابها دفع «إتاوات» للحركة والخضوع للابتزاز «يعكس حجم المعاناة الاقتصادية» التي تعيشها الحركة جراء الضربات المتلاحقة من جانب الحكومة الفيدرالية، وخسارة التنظيم سيطرته على مناطق ومدن عديدة، كانت تمثل مورداً اقتصادياً مهماً لتمويل نشاط التنظيم الإرهابي، ودفع رواتب عناصره، وتأمين احتياجاته من الأسلحة والمتفجرات.
وأوضح وليك لـ«الشرق الأوسط» أن حركة «الشباب» استطاعت خلال السنوات الماضية «تأمين موارد مالية وفيرة عبر تهريب الأسلحة والمخدرات، واستثمار عائد ما تفرضه من (إتاوات) في المناطق التي تسيطر عليها في الذهب والعقارات وغسل الأموال». وأشار إلى أن الحركة تنخرط كذلك في بعض أشكال التجارة المشروعة، مثل بيع وتبادل السكر والفحم، والاستثمار في الشركات، لافتاً إلى أن كل خسارة للمناطق التي تسيطر عليها الحركة: «تعني تراجعاً في إيراداتها، يترتب عليه مزيد من تقليص قدرتها على الحركة».
ويضيف الباحث الاقتصادي الصومالي، أن استهداف الحركة المصالح التجارية للمدنيين، وعمليات الخطف وتدمير ممتلكات العشائر «سيأتي بنتائج عكسية»، مطالباً بأن يحظى ضحايا الهجمات الأخيرة التي استهدفت الأعمال التجارية، وتهجير السكان المحليين، باهتمام من جانب الحكومة الصومالية والجهات المانحة، من أجل تعويضهم للتعافي من الأضرار التي لحقت بهم، وأفقدتهم موارد رزقهم.
وكانت الحكومة الصومالية قد أعلنت في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فرض عقوبات على الشركات التي تدفع أموالاً لحركة «الشباب»، كما فرضت الحكومة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عقوبات على 14 رجلاً بينهم 6 قالت إنهم جزء من شبكة تشارك في شراء أسلحة وتسهيلات مالية وتجنيد لحركة «الشباب»، وأوضح بيان لوزارة الخارجية الأميركية أن العقوبات «ضمت 3 يمنيين متهمين بأنهم جزء من شبكة تهريب أسلحة تابعة لحركة (الشباب) في اليمن».
من جانبه، يرى الدكتور رامي زهدي، الباحث في الشؤون الأفريقية، أن انحسار النفوذ الميداني لحركة «الشباب»، والقيود الاقتصادية؛ سواء نتيجة فقدان السيطرة على مناطق واسعة في وسط وجنوب الصومال، أو جراء تعقب شبكات التمويل الداخلية والخارجية للحركة «سيدفع بها إلى مزيد من الضغط على السكان المحليين لتعويض تلك الموارد، وهو ما سيؤدي إلى نزيف حاد في الحاضنة الشعبية التي كانت تمتلكها الحركة في بعض الأحيان».
وأوضح زهدي لـ«الشرق الأوسط» أن استمرار الضربات المكثفة ضد عناصر الحركة منذ عودة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى السلطة، ربما يدفع بالحركة إلى الاستفادة من امتداداتها في دول الجوار الصومالي، لتخفيف الضغط الذي تواجهه على الأراضي الصومالية، إذ تمتلك حركة «الشباب» امتدادات تنظيمية لها في دول مثل إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، وهو ما يتطلب أن يكون التحرك لمحاصرة الحركة منسقاً على المستوى الإقليمي، وألا يقتصر كذلك على الجهد العسكري؛ بل ينبغي أن يمتد إلى تفكيك الشبكة التمويلية للحركة، وهو ما يستدعي بالضرورة عملاً على المستوى الدولي، قد يكون للولايات المتحدة دور فاعل فيه.


مقالات ذات صلة

الجيش الصومالي يقضي على 15 إرهابياً

أفريقيا ضباط صوماليون يشاركون في عرض عسكري خلال احتفالات بالذكرى الـ62 لتأسيس القوات المسلحة الوطنية 12 أبريل 2022 (رويترز)

الجيش الصومالي يقضي على 15 إرهابياً

تمكّنت قوات الجيش الصومالي، في عملية عسكرية، من القضاء على 15 عنصراً إرهابياً ‏من «حركة الشباب» بمحافظة مدغ بولاية غلمدغ وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)
أفريقيا دورية للشرطة الصومالية بالقرب من موقع هجوم انتحاري في مقهى بمقديشو في الصومال الخميس 17 أكتوبر 2024 (أ.ب)

الجيش الصومالي يقضي على أكثر من 30 عنصراً إرهابياً ‏

تمكّن الجيش الصومالي من القضاء على أكثر من 30 عنصراً إرهابياً بينهم قياديان بارزان، ‏وأصيب نحو 40 آخرين في عملية عسكرية مخطَّط لها جرت في جنوب محافظة مدغ.

شمال افريقيا أشخاص يحملون جثمان سيدة قُتلت في الانفجار الذي وقع على شاطئ في مقديشو (رويترز)

هجوم مقديشو يخلّف 32 قتيلاً... و«الشباب» تتبنى مسؤوليتها

قُتل 32 شخصاً على الأقل وأصيب العشرات بجروحٍ في العملية الانتحارية التي تلاها إطلاق نار على شاطئ شعبي في العاصمة الصومالية مقديشو، على ما أفادت الشرطة اليوم.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)
شمال افريقيا أشخاص يحملون جثمان سيدة قُتلت في الانفجار الذي وقع على شاطئ في مقديشو (رويترز)

مقتل 32 شخصاً بهجوم لـ«الشباب» على شاطئ في مقديشو

قُتل 32 شخصاً على الأقل وأصيب العشرات بجروح في العملية الانتحارية التي تلاها إطلاق نار على شاطئ شعبي في العاصمة الصومالية مقديشو، على ما أفادت الشرطة اليوم.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)
أشخاص يتجمعون بالقرب من حطام المركبات المدمرة بمكان انفجار خارج مطعم حيث كان الزبائن يشاهدون المباراة النهائية لبطولة كرة القدم الأوروبية 2024 على شاشة التلفزيون في منطقة بونديري بمقديشو الصومال في 15 يوليو 2024 (رويترز)

الجيش الصومالي يُحبط هجوماً إرهابياً في جنوب البلاد

أحبط الجيش الصومالي، صباح الاثنين، هجوماً إرهابياً شنّته عناصر «ميليشيات الخوارج» على منطقة هربولي في مدينة أفمدو بمحافظة جوبا السفلى

«الشرق الأوسط» (مقديشو)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».