طائرة الحجاج ترحب بزائري «بينالي الفنون الإسلامية» في جدة

طائرة للخطوط الجوّية السعودية قديمة الصنع من طراز «بوينغ 777» (الشرق الأوسط)
طائرة للخطوط الجوّية السعودية قديمة الصنع من طراز «بوينغ 777» (الشرق الأوسط)
TT

طائرة الحجاج ترحب بزائري «بينالي الفنون الإسلامية» في جدة

طائرة للخطوط الجوّية السعودية قديمة الصنع من طراز «بوينغ 777» (الشرق الأوسط)
طائرة للخطوط الجوّية السعودية قديمة الصنع من طراز «بوينغ 777» (الشرق الأوسط)

فتحت صالة الحجاج الغربية في جدة مساء أول من أمس (الأحد)، بمعمارها المميز، أبوابها، لاستقبال زوار من نوع آخر، ليسوا حجاجاً أو معتمرين، بل جمهور متذوق للفنون حضروا ليشهدوا افتتاح أول «بينالي للفنون الإسلامية» في العالم يحمل عنوان «أول بيت». وبما أن جدة هي البوابة المؤدية إلى مكة المكرمة، فكان من المنطقي أن تحتضن صالة الحجاج الشهيرة بتصميمها العريق من تنفيذ شركة «سكيدمور، أووينغز وميريل» في عام 1981، الذي فاز بجائزة آغا خان للعمارة عام 1983، ذلك الملتقى.
وتحت تلك القباب العملاقة للصالة التي تستدعي للذاكرة خيام الحجاج في منى وعرفات، وجد الزائرون أنفسهم أمام مبانٍ ضخمة مربعة الشكل وممرات متعرجة من الحجر تناثرت بينها الأعمال الفنية المختلفة لفنانين عرب وعالميين. وقبل إطلاق الحفل، علا صوت موسيقى أغنية «طلع البدر علينا» التي استقبل بها الأنصار الرسول الكريم أثناء هجرته من مكة إلى المدينة، كأنما تداعب مشاعر الحاضرين وعواطفهم لتثير الحنين والألفة في قلوبهم.
وعلى مرمى البصر، نلمح طائرة للخطوط السعودية هبطت بالقرب من موقع الصالة لتطل على الجمهور، كأنها انتهت للتو من نقل فوج من الحجاج القادمين من كل فج عميق لتأدية مناسك دينهم. الطائرة ليست كباقي الطائرات التي تهبط على مدرجات المطار القريب منا، بل كانت قديمة من طراز «بوينغ 777»، تحمل شعار الخطوط السعودية القديم، ظهرت كأنها تشارك بعد تقاعدها في استقبال جمهور البينالي الأول للفنون الإسلامية. الشعار والزخارف على ذيل الطائرة وجسمها؛ يعودان للسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وقد رسمت عليها بمناسبة الاحتفال بمرور 75 عاماً على إطلاق الخطوط السعودية. لفتت الطائرة أنظار كثير من الجمهور المنتظر لفتح صالات البينالي وثارت الأسئلة حولها، وبدا أن تحية الخطوط السعودية للبينالي قد وصلت وأثارت حماسة الواقفين أكثر مما ينتظرهم داخل قاعات العرض.
في ناحية نرى ما يشبه المسجد القديم في تصميمه، كأنه سافر إلينا من عهد الصحابة، وقد صمم البناء على نسق المسجد الذي أقامه الرسول الكريم في المدينة المنورة. البناء مصنوع من سعف النخيل المنسوج وبلا سقف، كأنه استنساخ للمساجد الأولى في الإسلام. وجذب البناء عدداً من الزائرين ليقيموا فيه صلاة المغرب في مشهد تجلت فيه بساطة التصميم وعمقه.
في ليلة الافتتاح ووسط جمع كبير من المسؤولين والفنانين، كانت هناك أيضاً شخصيات من العاملين في مجال الفنون الإسلامية من أنحاء العالم. الجولة الأولى في الغاليري الأول الذي حمل اسم «القبلة» تناثرت فيه كلمات الإعجاب والانبهار، فعلق هارتفيغ فيشر، مدير المتحف البريطاني، معبراً عن انبهاره بالأعمال الفنية التي رآها حتى الآن. «رائع جداً» هو التعليق الذي تردد على لسان فينيشيا بورتر، الخبيرة والباحثة في المتحف البريطاني، والتعليق نفسه الذي سمعته من سارة بلمبلي خبيرة الفن الإسلامي في «دار كريستيز».
في صالة «القبلة»، انطلق الأذان ليصاحب الزائرين إلى داخل القاعة، لينطلقوا بعدها لمعاينة بعض الأعمال الفنية المعاصرة التي تناولت مفهوم القبلة والكعبة في الإسلام. الممتع في الأمر هو تجاور تلك التفسيرات الحديثة مع قطع تاريخية، مثال على ذلك، سجادات الصلاة الأثرية التي علقت على أحد الجدران وقابلتها سجادات حديثة الصنع، مطرّزة بالخرز ومزركشة بالألوان. ذلك المزج والتجاور بدوا منطقيين جداً، كأنهما الحاضر يومئ للتاريخ ويستكمل ما بدأه.
وأمام عمل الفنان البريطاني إدريس خان، دارت أحاديث بين بعض الضيوف مع الفنان، كل منهم يسأله عن عمله وتفاصيله، في حين رأى البعض في عرض مقابل لعمل خان وهو لمجموعة من الشواهد الأثرية، حالة من الدهشة والتأمل في أحاسيس عميقة بالفقد والإيمان والإعجاب بقطع فنية سافرت من تاريخها البعيد في مقبرة المعلا بمكة المكرمة، لتصل إلى صالة الحجاج هنا. تنوعت الأعمال التالية لفنانين سعوديين مثل مهند شونو، وناصر السالم، وأيمن يسري، والتقت مع قطع لها تاريخ مثل باب الكعبة من عهد الملك عبد العزيز، وأعمدة المسجد الحرام من العصر العباسي.
النظرة الأولى لبعض معروضات البينالي تفتح الشهية لرؤية ما تحتويه باقي القاعات والصالات، ولنا معها لقاءات مقبلة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

شراكة سعودية - صينية لتعزيز الحفاظ على التراث بالعلا

شكّلت العلا ملتقى للحضارات القديمة حيث ربطت بين ثقافات شبه الجزيرة العربية (الشرق الأوسط)
شكّلت العلا ملتقى للحضارات القديمة حيث ربطت بين ثقافات شبه الجزيرة العربية (الشرق الأوسط)
TT

شراكة سعودية - صينية لتعزيز الحفاظ على التراث بالعلا

شكّلت العلا ملتقى للحضارات القديمة حيث ربطت بين ثقافات شبه الجزيرة العربية (الشرق الأوسط)
شكّلت العلا ملتقى للحضارات القديمة حيث ربطت بين ثقافات شبه الجزيرة العربية (الشرق الأوسط)

وقّعت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وأكاديمية «دونهوانغ» الصينية شراكة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون الثقافي والسياحي والتراثي بين المملكة والصين، وتُمثل هذه الشراكة علامة فارقة في العلاقات السعودية - الصينية، إذ تجمع بين خبرات أكاديمية «دونهوانغ» التي تمتد لأكثر من 8 عقود في أبحاث التراث والحفاظ الثقافي، والتزام الهيئة الملكية لمحافظة العلا بالحفاظ على التراث الثقافي الغني للعلا ومشاركته مع العالم.

وتتولى أكاديمية «دونهوانغ» إدارة كهوف «موغاو»، وهي مجمع يضم 735 كهفاً بوذياً في مقاطعة «قانسو»، تم تصنيفه موقعاً للتراث العالمي للـ«يونيسكو» في عام 1987، وتشتهر كهوف «موغاو» بجدارياتها ومنحوتاتها التي تعكس تلاقي الثقافات على طول طريق الحرير القديم.

وبوصفها بوابة مهمة إلى الغرب، كانت «دونهوانغ» مركزاً رئيسياً للتجارة على طريق الحرير، في حين شكّلت العلا ملتقى للحضارات القديمة؛ حيث ربطت بين ثقافات شبه الجزيرة العربية، وأسهمت في تبادل المعرفة والتجارة عبر العصور.

وتُشكل المنطقتان مركزاً حيوياً للتجارة والمعرفة والتبادل الثقافي، ما يجعل هذه الشراكة متماشية مع الإرث التاريخي المشترك.

وتهدف الشراكة إلى توحيد الجهود بين الهيئة الملكية لمحافظة العلا وأكاديمية «دونهوانغ» للحفاظ على تراث وتقاليد المحافظة، وقد نالت الأكاديمية إشادة دولية من قبل «اليونيسكو» والبنك الدولي والحكومة الصينية؛ تقديراً لجهودها في الحفاظ على كهوف «موغاو».

تشتهر كهوف «موغاو» بجدارياتها ومنحوتاتها التي تعكس تلاقي الثقافات على طول طريق الحرير القديم (الشرق الأوسط)

وستسهم الشراكة في تطوير برنامج شامل للحفاظ على المواقع والمعالم التاريخية في غرب الصين والعلا، إضافة إلى تنظيم معارض أكاديمية وبرامج تبادل للموظفين والعلماء.

وقالت سيلفيا باربون، نائب رئيس الشراكات الاستراتيجية في الهيئة الملكية لمحافظة العلا: «لطالما جمعت بين السعودية والصين علاقة تاريخية عميقة، تجاوزت المسافات واختلاف الفترات الزمنية، لتربط بين الشعوب والأماكن، واليوم نواصل تعزيز هذه الروابط من خلال تعاوننا المثمر مع المؤسسات الرائدة والوجهات الحاضنة لأبرز المعالم التاريخية في العالم».

وأضافت: «بصفتنا حماة لبعض من أهم المواقع الثقافية في العالم وروّاداً لتراثنا الإنساني المشترك، تنضم أكاديمية (دونهوانغ) إلى الهيئة في طموحنا لجعل العلا مركزاً للبحث والاكتشاف في مجالات الثقافة والتراث والسياحة، في حين نواصل التجديد الشامل للعلا».

وتأتي هذه الشراكة عقب انطلاق معرض السفر السعودي، الذي نظمته الهيئة السعودية للسياحة؛ حيث تميّزت العلا بمشاركة لافتة من خلال جناح مميز في حديقة «تيان تان» بالعاصمة الصينية بكين، والذي سلّط الضوء على التراث الطبيعي والثقافي الغني للعلا.

وتزامنت هذه المشاركة مع توقيع اتفاقية تعاون جديدة بين وزارتي الثقافة السعودية والثقافة والسياحة الصينية لإطلاق العام الثقافي السعودي الصيني 2025.

من جانبه، قال الدكتور سو بوه مين، مدير أكاديمية «دونهوانغ»: «نحن فخورون بالدخول في هذه الشراكة مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وتُمثل هذه الشراكة خطوة مهمة نحو ربط تاريخنا الثقافي الغني وتعزيز جهود الحفاظ على التراث».

وأضاف: «من خلال مشاركة خبراتنا ومواردنا، نسعى إلى تعزيز التبادل الثقافي، وتعميق الفهم المتبادل، وابتكار برامج جديدة تُفيد المجتمع في الصين والسعودية، ونتطلع إلى تعاون مثمر يلهم ويثقف الأجيال القادمة».

وفي يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، استضافت المدينة المحرّمة -موقع التراث العالمي للـ(يونيسكو) في بكين- معرض العلا: «واحة العجائب في الجزيرة العربية»، الذي تضمن عرضاً لمقتنيات أثرية من مجموعة الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وذلك لأول مرة، واستقطب المعرض أكثر من 220 ألف زائر، والذي اتبعه توقيع اتفاقية شراكة بين الهيئة الملكية لمحافظة العلا وإدارة التراث الثقافي في مدينة خنان الصينية.

وتدعم هذه الشراكة تطوير العلا و«دونهوانغ» بوصفها مراكز سياحية عالمية، كما تسهم في تفعيل برامج الحفاظ المشتركة والمبادرات الثقافية، وتعزيز مشاركة المجتمعات لدعم الازدهار، بما يتماشى مع مبادرة الحزام والطريق الصينية و«رؤية السعودية 2030».