«نازحون في ليبيا»... معاناة متجددة وسط «تباطؤ حكومي»

ينتظر آلاف النازحين الليبيين ترك المخيمات والعودة إلى ديارهم للهروب من طقس الشتاء السيئ، الذي لا يقوون على تحمله، لكنهم سرعان ما يفقدون الأمل لاستمرار النزاع السياسي، الذي يعدونه عائقاً أمام حل أزمتهم.
وعلى الرغم من تحسن الوضع الأمني بشكل ملحوظ في ليبيا منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020، إلا أنه لا يزال هناك ما يقدَّر بنحو 160 ألف مواطن نازح في ليبيا وفقاً لمصفوفة تتبّع النزوح التي تعدها المنظمة الدولية للهجرة، حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنه منذ رصد تحركات السكان في عام 2016، عاد قرابة 674 ألف ليبي إلى مناطقهم الأصلية، حيث أفاد 98 في المائة منهم بأنهم عادوا إلى ديارهم بسبب تحسن الوضع الأمني.
وتحدث حسام القماطي المحلل السياسي الليبي، عن «وجود تباطؤ في عودة المواطنين»، وأرجع ذلك «لتضرر منازلهم بسبب النزاع المسلح، وافتقارهم للحصول على خدمات عامة عند عودتهم».
وقال القماطي لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يمكن تجاهل الجانب الاجتماعي المتمثل في المشكلات القَبَلية التي ربما قد تسببت في تأخير عودة بعض المواطنين، إلى جانب الوضع السياسي غير المستقر».
ولفت القماطي إلى أنه «مع تراجع عدد النازحين عن ذي قبل، إلا أن عدد 160 ألف مواطن يشير إلى استمرار الأزمة في ليبيا حتى بعد نهاية عقد من الصراع الذي أدى إلى نزوح هذه الجموع».
ويواجه النازحون لفترة طويلة حالة من عدم اليقين، مع استمرار أخطار الحماية الحرجة، بما في ذلك زيادة عدد عمليات الإخلاء القسري.
وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تم إخطار القاطنين في مخيمين للنازحين في طرابلس، (الفلاح 1) و(الفلاح 2)، اللذين كانا يضمان 506 عائلات، في 2 مايو (أيار) 2022، على سبيل المثال، بضرورة المغادرة في اليوم التالي. وفي 30 مايو، صدرت أوامر بإخلاء مخيم الدعوة الإسلامية للنازحين في مدينة طرابلس، الذي يستضيف 113 أسرة من تاورغاء، دون توفير حل بديل يعالج حالة النزوح التي طال أمدها على مدى عقد من الزمن. وأبرزت هذه الحوادث مجدداً الحاجة إلى إيجاد حل دائم للنازحين داخلياً.
وفي ظل شكايات المواطنين في المخيمات من تعرضهم لأوضاع معيشية مأساوية في ظل برودة الطقس، قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، في الخامس من يناير (كانون الثاني) الجاري، إنها قدمت مساعدات إلى أكثر من 440 عائلة نازحة في درنة، بالتعاون مع الشريك المحلي الهيئة الليبية للإغاثة.
وأوضحت المفوضية أن المساعدات شملت تقديم مستلزمات فصل الشتاء إلى أكثر من 2300 فرد نازح في درنة. ولمواجهة برودة الشتاء، تضمنت المساعدات بطانيات ومراتب وأطقم مطبخ ومعاطف مطر وأوعية المياه وأغطية بلاستيكية ومستلزمات النظافة.
كما أعلنت المفوضية أنها بدأت حملة لتوزيع مساعدات مدتها يومان على نازحين يقطنون في بنغازي (شرقي ليبيا) بالتعاون مع الهيئة الليبية للإغاثة، تستهدف تقديم مساعدات لـ70 أسرة بعدد 394 فرداً، وتشمل أيضاً أغطية، ومراتب، ومعاطف للمطر، وأدوات المطبخ، وأوعية للمياه، ومستلزمات النظافة.
وعن الأسباب التي حالت دون عودة هؤلاء النازحين إلى مناطقهم، لفت القماطي إلى «وجود تقصير ومشكلات كثيرة لم تواجهها الحكومة، ما زالت تخيّم على المشهد».
ولفت القماطي إلى «تواصل التقارير التي تصدر عن الجهات المعنية التي تشير إلى استمرار معاناة النازحين في دولة لديها قدرات مالية».
ونوه القماطي إلى أن «المشكلات الاجتماعية التي تواجه النازحين يمكن حللتها لو كانت هناك مبادرات حكومية لوضع حل حقيقي، لكن يبقى العجز الحكومي عن مواجهة هذه الأزمة وتحمل مسؤوليتها أحد أسباب بقاء المشكلة حتى الآن».
وتعد قضيتا النازحين من مدينتي تاورغاء ومرزق من أبرز العمليات التي شهدتها ليبيا، الأولى منذ 11 عاماً فور اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط)»، والثانية قبل ثلاثة أعوام في مرزق بجنوب ليبيا.
وتفرق النازحون الذين فرّوا من مدينة تاورغاء، عقب خلافات مع جارتهم مصراتة (200 كيلومتر شرق العاصمة)، على خمسة مخيمات في طرابلس، لكنهم لا يزال بعضهم يشتكون من قسوة ظروف العيش في ظل نقص الخدمات، ورداءة الطقس، ويطالبون بالعودة إلى ديارهم.
وتعرضت مدينة مرزق إلى وقائع وصفها محمد المهدي، أحد أبنائها بـ«المجزرة»، على أيدي «العصابات التشادية بدعم من قبائل (التبو) بالمدينة»، حسب قوله.
وقُتل نحو 90 شخصاً، وجُرح أكثر من 200 آخرين في اشتباكات قبلية دامية شهدتها مُرزق، ما أجبر آلاف المواطنين على الخروج من ديارهم والانتشار في أنحاء البلاد، وسط تنديد أممي ودولي بالانتهاكات التي وقعت في هذا اليوم.
وخلال العام الماضي، وُقّعت اتفاقيات كثيرة للمصالحة بين مرزق والتبو، وسط سعي حكومي لتذليل العقبات أمام عودة السكان إلى ديارهم.