«مقابر ترهونة الجماعية»... جرائم متراكمة تنتظر التحقيق

عائلات عدة لم تعثر على مفقوديها

أخذ عينات من أهالي المفقودين (هيئة البحث عن الجثث - حكومة الدبيبة)
أخذ عينات من أهالي المفقودين (هيئة البحث عن الجثث - حكومة الدبيبة)
TT

«مقابر ترهونة الجماعية»... جرائم متراكمة تنتظر التحقيق

أخذ عينات من أهالي المفقودين (هيئة البحث عن الجثث - حكومة الدبيبة)
أخذ عينات من أهالي المفقودين (هيئة البحث عن الجثث - حكومة الدبيبة)

رغم مضي أكثر من عامين على انتهاء الحرب في العاصمة طرابلس، وتوقف الصراع المسلح، الذي تسبب في اختفاء عدد من الليبيين بمناطق غرب البلاد، إلا أن كثيرين لا يزالون في عداد المفقودين.
وفيما تواصل أسر المفقودين البحث عن أثر لهم فيما يتم انتشاله من جثث بـ«المقابر الجماعية» التي أعلن عن اكتشافها، إلا أن حقوقيين ونشطاء يرون «أن تلك المقابر ليست المستقر الوحيد للمفقودين في ظل وجود سجون ومعتقلات سرية تديرها تشكيلات مسلحة».
وقال كمال السيوي، رئيس «الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين»، إن «انتشار ظاهرة المقابر الجماعية بعدد من المدن الليبية كطرابلس وسرت، جاء نتيجة للصراعات التي شهدتها البلاد منذ «ثورة 17 فبراير»، مروراً بالصراع مع التنظيمات المتطرفة والجرائم التي ارتكبتها عصابات، كما هو الحال في مدينة ترهونة خلال وقوعها تحت سيطرة ميلشيا الكانيات».
وأضاف السيوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «منذ 2011 وحتى اليوم، تلقينا قرابة 4 آلاف بلاغ من ذوي المفقودين». وأضاف: «المشكلة الرئيسية التي تواجهنا ليست في أعمال الحفر وانتشال الجثث، فالفرق الفنية للهيئة مدربة على مستوى دولي، وإنما في إبلاغنا بمكان وجود مقبرة جماعية أو احتمالية وجود مقبرة بهذه المنطقة أو تلك، لنبدأ الحفر».
وأفاد، «لدينا أكثر من 4 آلاف عينة بقاعدة بيانات للحمض النووي لأهالي الضحايا، ومن خلالها يمكن مطابقة العينات التي أخذت من الجثث المنتشلة»، لافتاً إلى أنه «تم العثور على جثث لعدد من النساء في المقابر المكتشفة بترهونة، وهو الأمر الذي لم يتكرر في مدينة أخرى».
وسيطرت ميلشيا «الكانيات» على ترهونة (90 كيلومتراً جنوب العاصمة)، في السنوات الأولى بعد «ثورة فبراير 2011 وحتى منتصف عام 2020. وبعد انسحاب «الجيش الوطني» من المدينة، عثر المواطنون على العديد من المقابر الجماعية، التي ضمت مئات الجثث من مختلف الأعمار.
وسلط الناشط الحقوقي كريم سلامة، وينتمي لمدينة ترهونة، ولديه تسعة أقارب استخرجت جثثهم من المقابر الجماعية، الضوء على معاناة الأهالي حتى بعد الكشف عن رفات المفقودين، منتقدا «بطء الإجراءات ما بين التعرف على رفات المفقودين والسماح بدفنهم».
وقال سلامة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن أقاربه سبق وخطفوا في هجوم قادته ميلشيا «الكانيات» على منزل عائلته في ديسمبر (كانون الأول) 2019. وبعد تحرير المدينة بأيام بدأ الكشف عن المقابر الجماعية، تم أخذ العينات من الأسرة، وتم التعرف على الجثث في يناير (كانون الثاني) 2021 إلا أنها لم تدفن إلا في مارس (آذار) من العام نفسه، بسبب كثرة التصاريح والإجراءات القانونية المطلوبة».
وقال الناشط الحقوقي، إن «ترهونة مجتمع قبلي لا مساحة كبيرة فيه لتحرك المرأة بمفردها، ويزيد الوضع سوءا إذا كانت الزوجة بلا عمل وكان أشقاؤها قد تعرضوا للخطف والقتل».
وأكمل: «إجراءات صرف معاش أو التعامل مع ميراث المفقود، تتطلب استصدار شهادة وفاة رسمية، وبالتالي فإن هؤلاء النسوة يعانين الكثير في رحلة البحث لاستكمال الأوراق الرسمية، فضلا عن العوز المادي الذي دفع بعض الفتيات للتوقف عن الدراسة».
ويحذر سلامة، «من محاولة بعض الزعامات القبلية المساعدة في إفلات متورطين بجرائم القتل المتراكمة، من خلال إحداث مصالحات بين بعض المتعاونين، مع الكانيات، وبين أهالي المفقودين بحجة الحفاظ على العلاقات بين أبناء المدينة، بخاصة بعد قتل وهروب بعض القيادات البارزة للميلشيا لدول الجوار».
وتوقع سلامة أن يتم العثور على نسبة 70 في المائة من المفقودين، وخصوصاً من أبناء ترهونة ومحيطها في المقابر الجماعية، فيما يجب البحث عن النسبة الباقية، في عموم البلاد وفي السجون التابعة للتشكيلات المسلحة.
وانضم أمين عام «المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا» عبد المنعم الحر، للطرح السابق، بوجود «مفقودين جراء الخطف والاعتقال في فترات السلم، إضافة إلى آخرين بأوقات الحروب والنزاعات المسلحة».
وشدد الحر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن المقابر الجماعية في ترهونة «لا تتحمل مسؤوليتها ميلشيا الكانيات فقط... هي وغيرها من الميلشيات استمدت شرعيتها من بعض قيادات (المؤتمر الوطني)، هؤلاء من زودوها بالسلاح ووفروا لها الحماية بعد ارتكاب جرائمها».
ولفت إلى أن، هناك «عناصر من الجيش الليبي تم استهدافهم خلال الضربات التي وجهتها قوات التحالف الدولي خلال فترة إسقاط النظام السابق، حيث كانوا بطريقهم لمدينة بنغازي، ويرجح أنه تم جمع جثثهم بعد احتراقها في مقبرة جماعية لم يعرف بعد موقعها، وللأسف لم يجر تحقيق موسع مع القيادات الليبية حينذاك للكشف عن موقعها».
ويقول الحر بأن «ترهونة تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المقابر الجماعية مقارنة بمدن سرت وطرابلس وأجدابيا وباطن الجبل»، متوقعا الكشف عن المزيد من المقابر بالمناطق المستهدفة بالبحث «بخاصة إذا تمت الاستعانة بالوسائل الحديثة».
واستبعد الحقوقي أن تضم أي من المقابر جثث عناصر «داعش» أو أي من التنظيمات المتطرفة التي احتلت مدنا ليبية خلال السنوات الماضية، موضحا، أن «جثث عناصر التنظيم حفظت بثلاجات موتى في بعض المدن كمصراتة، وهناك علم دولي بشأنها».
واستبعد الحر، أن يتم فتح ملف التعويضات لأهالي الضحايا في الوقت الراهن، مطالباً «بتغيير التشريعات الخاصة بالمفقودين، وتسهيل إثبات الوفاة في الحالات التي ترتفع فيها نسب سقوط المفقود كضحية للنزاع المسلح، وبعد التأكد من عدم اعتقاله لدى أي جهة، وذلك لتفادي المشاكل الشرعية والاجتماعية والمالية التي تواجه الأهل والأقارب».


مقالات ذات صلة

أين يُدفن مسلمو اليابان؟

آسيا صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»

أين يُدفن مسلمو اليابان؟

حين تضيق اليابان بالأموات... أزمة المتوفين المسلمين بين ثقافة لا تعرف الدفن وبرلمان يرفض التوسّع.

كوثر وكيل (لندن)
المشرق العربي اكتشاف سجن تحت الأرض في منطقة المخرم بريف حمص الشرقي أثناء قيام دوريات الشرطة بعمليات تفتيش وبحث (سانا)

اكتشاف سجن تحت الأرض في ريف حمص استخدمته ميليشيات الأسد

عثرت قوى الأمن الداخلي في منطقة المخرم بريف حمص الشرقي على سجنٍ تحت الأرض، كان يستخدمه نظام الأسد وميليشياته خلال فترة الاحتجاجات الشعبية لاحتجاز المدنيين.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية وزير الدفاع التركي يشار غولر يشاهد معرضاً لصور ضحايا الصراع مع «العمال الكردستاني» في شرناق (الدفاع التركية)

تركيا تطالب «العمال الكردستاني» وأذرعه بالمساهمة في إنجاح عملية السلام

بينما تتواصل الجهود لوضع الأسس القانونية لعملية السلام الداخلي في تركيا... دعا وزير الدفاع يشار غولر حزب العمال الكردستاني وأذرعه إلى المساهمة في إنجاحها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا الراحل عميد بلدية قصر بن غشير جنوب العاصمة الليبية (من مقطع فيديو للبلدية)

عودة قضية مقتل عميد بلدية ليبية إلى الواجهة بعد 6 سنوات

وسط ترحيب من أُسر ضحايا، سجنت النيابة العامة في ليبيا ستة عناصر من ميليشيا «الكانيات» في مدينة ترهونة بتهمة خطف وقتل عميد بلدية قصر بن غشير قبل 6 سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي استخراج رفات خلال البحث داخل موقع مقبرة جماعية شمال سوريا يوم 7 سبتمبر 2019 في الرقة عاصمة تنظيم «داعش» آنذاك (أ.ب)

«شبكة حقوق الإنسان»: مقتل واختفاء 11 مواطناً أميركياً خلال النزاع في سوريا

تقرير من «الشبكة السورية» يفيد بمقتل واختفاء 11 مواطناً أميركياً خلال النزاع في سوريا، معظمهم قضوا على يد نظام الأسد وتنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (لندن - دمشق)

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».


جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
TT

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)

في خطوة تعكس اشتداد القبضة الحوثية على الحليف الشكلي لها داخل صنعاء، بدأت الجماعة خلال الأيام الماضية الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتها المقبلة، في وقت أبدت فيه قيادة ذلك الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الحوثيين، وعلى رأسها إقالة أمينه العام غازي الأحول من منصبه، بعد اعتقاله واتهامه بالتواصل مع قيادة الحزب المقيمة خارج اليمن.

وكانت أجهزة الأمن الحوثية قد اعترضت في 20 من أغسطس (آب) الماضي سيارة الأمين العام لفرع «المؤتمر» في مناطق سيطرتها، واقتادته إلى المعتقل ومرافقيه مع عدد من القيادات الوسطية، متهمةً إياهم بالتواصل المباشر مع قيادة الحزب في الخارج والتخطيط لإثارة الفوضى داخل تلك المناطق.

وبعد أيام من الاحتجاز، اشترط الحوثيون لعقد أي تسوية عزل الأحول وتعيين القيادي الموالي لهم حسين حازب بديلاً عنه، وهو اسم يلقى معارضة واسعة داخل قواعد الحزب، ويتهمه الكثيرون بالتنكر لمبادئ الحزب ومؤسسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، خصوصاً بعد مقتله برصاص الحوثيين نهاية عام 2017.

الحوثيون اشترطوا عزل الأحول من موقعه بصفته أميناً عاماً لجناح حزب «المؤتمر» (إعلام محلي)

وقد سمح الحوثيون لأسرة الأحول بزيارته لأول مرة قبل أيام، غير أنهم تجاهلوا تماماً مطالب الجناح المحسوب على «المؤتمر» بالإفراج عنه أو وقف ملاحقة قياداته. ويشارك هذا الجناح فيما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» بثلاثة ممثلين، إلا أن دوره ظل شكلياً، بينما تحرص الجماعة على اختيار رؤساء الحكومات المتعاقبين من شخصيات تنتمي إلى هذا الجناح لكنها تدين لها بولاء كامل.

ومع استمرار ضغوط الحوثيين، أصدر رئيس فرع «المؤتمر» في صنعاء صادق أبو رأس قراراً بتكليف يحيى الراعي أميناً عاماً للحزب إلى جانب موقعه نائب رئيس الحزب، في خطوة عُدت استجابة جزئية لمطالب الجماعة. إلا أن الحوثيين ردوا على هذه الخطوة بفرض حصار محكم على منزل أبو رأس في صنعاء، ما زال مستمراً منذ خمسة أيام، وفق مصادر محلية تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

وتشير مصادر سياسية في صنعاء إلى أن الجناح «المؤتمري» رضخ لهذه الخطوة أملاً في إطلاق سراح الأحول ومرافقيه، إلا أن الجماعة لم تُظهر أي تجاوب، بل صعّدت من قيودها على قيادة الحزب بهدف استكمال السيطرة على هذا الجناح الذي قدّم تنازلات كبيرة ومتتالية منذ مقتل صالح.

تصعيد وضغوط متواصلة

اللجنة العامة، وهي بمثابة المكتب السياسي للحزب في جناحه الخاضع للحوثيين، عقدت اجتماعاً برئاسة الراعي، خُصص لمناقشة الأوضاع الداخلية وتطورات المشهد السياسي. وخلاله جدد الراعي التزام الجناح بوحدة الجبهة الداخلية وتماسكها مع الحوثيين لمواجهة «المؤامرات التي تستهدف استقرار البلاد»، حسب ما أورده الموقع الرسمي للحزب.

وأيدت اللجنة العامة بالإجماع قرار تعيين الراعي أميناً عاماً، مؤكدة تمسكها بوحدة الحزب وضرورة الالتفاف خلف قيادته التنظيمية والسياسية. غير أن اللافت كان غياب رئيس الحزب أبو رأس عن الاجتماع، في ظل استمرار فرض طوق أمني حول منزله، ما يعكس حجم الضغط الذي تمارسه الجماعة لإجبار الجناح على قبول بقية شروطها.

وتشير المصادر إلى أن قيادة «المؤتمر» لا تزال تراهن على إقناع الحوثيين بالاكتفاء بإقالة الأحول، وعدم فرض تغيير كامل في تركيبة القيادة، رغم أن الجماعة لم تُبد أي مرونة حتى الآن، وتواصل استغلال الانقسام الداخلي للحزب لإعادة تشكيله وفق متطلبات مشروعها السياسي.

إعادة إبراز لبوزة

تزامنت هذه التطورات مع تحركات حوثية متسارعة لتسمية رئيس جديد لحكومتهم غير المعترف بها، بعد مقتل رئيس الحكومة السابق أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً لهم قبل أسابيع.

ولاحظ مراقبون قيام الجماعة بإعادة إظهار القيادي المؤتمري قاسم لبوزة، الذي يشغل موقع «نائب رئيس المجلس السياسي» بصفة رمزية، بعد تغييب إعلامي دام عاماً ونصف العام.

وخلال الأيام الماضية، كثّف لبوزة من زياراته للوزراء الناجين من الغارة، بينما نشطت حسابات حوثية في الإشادة بـ«قدراته ومواقفه»، في خطوة يرى فيها البعض تمهيداً لتسميته رئيساً للحكومة الجديدة.

الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

وتقول مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن عودة ظهور لبوزة ليست مصادفة، بل هي مؤشر واضح على اختياره من قبل قيادة الجماعة لتولي رئاسة الحكومة، خصوصاً أنه كان أحد أبرز المرشحين للمنصب ذاته قبل تشكيل الحكومة السابقة.

كما أن الجماعة تحرص على استقطاب قيادات جنوبية ضمن جناح «المؤتمر» لتغطية طبيعة الحكومة المقبلة والظهور بمظهر التنوع المناطقي، رغم أن السلطة الفعلية تبقى في يد الجماعة حصراً.

ويرى المراقبون أن إعادة تدوير القيادات الموالية للجماعة داخل «المؤتمر»، ومنحها واجهات سياسية جديدة، يعكس أن الحوثيين ماضون في إحكام السيطرة على ما تبقى من الحزب، وتحويله إلى واجهة شكلية تبرر خياراتهم السياسية والعسكرية، خصوصاً مع ازدياد عزلة سلطة الجماعة داخلياً وخارجياً.