أديس أبابا تنتظر وصول تمثال أمير الشعر الروسي من موسكو

ألكسندر بوشكين يعود للديار بعد 3 قرون

تمثال الشاعر الروسي العظيم ألكسندر بوشكين
تمثال الشاعر الروسي العظيم ألكسندر بوشكين
TT

أديس أبابا تنتظر وصول تمثال أمير الشعر الروسي من موسكو

تمثال الشاعر الروسي العظيم ألكسندر بوشكين
تمثال الشاعر الروسي العظيم ألكسندر بوشكين

منذ أشهر وإثيوبيا تتوقع وصول تمثال الشاعر الروسي العظيم ألكسندر بوشكين من روسيا، وذكرت الخارجية الإثيوبية أن التمثال لم يصل بعد رغم ثقتها في الوعد الذي قطعه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إبان زيارته الأخيرة لإثيوبيا.
وسألت «الشرق الأوسط» عن موعد وصول التمثال الذي يعني بالنسبة للإثيوبيين الكثير، لكن متحدثا باسم الخارجية بدا متفائلا بوصوله في وقت قريب دون تحديد زمانه، موضحا أنه هدية روسية لإثيوبيا.
وقال ضابط الإعلام بالخارجية ماستويال بوزاليم «التمثال لم يصل» بعد، رغم أن وصوله كان قد بحث أثناء زيارة الوزير سيرغي لافروف لأديس أبابا، في سبتمبر (أيلول) 2014، وإنه سينقل من موسكو إلى أديس أبابا قريبا لتعزيز العلاقات بين البلدين.
وينتمي الشاعر الروسي الكبير إلى أصول إثيوبية، وأطلقت أديس أبابا اسمه على أحد شوارعها قريبا، والذي ينتهي بحديقة قرب المتحف القومي الإثيوبي وضع فيها تمثال صغير للشاعر، فيما تنسبه دولة إريتريا المنفصلة عنها إليها، وهي الأخرى تخصص له ساحة وتمثالا.
ودرجت روسيا على إهداء منحوتات بوشكين أحد مؤسسي الشعر الروسي الحديث لأصدقائها في كثير من بلدان العالم، فتحتفي به الجامعات وعشاق الشعر.
ودُشن تمثالان للشاعر العظيم أحدهما في كلية اللغات بجامعة بغداد بالعراق في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وآخر في مكتبة الإسكندرية بمصر وأزيح عنه الستار في يونيو (حزيران) من العام ذاته.
ولد بوشكين، الذي يوصف بأنه أمير الشعراء في موسكو، في 6 يونيو 1799، من سلالة النبلاء، فأمه ناديشد أويبافنا هي حفيدة إبراهيم هانيبال، وهو من أصل إثيوبي أهدي للقيصر بطرس الأكبر، وأصبح في ما بعد من الضباط المقربين في القصر، وأورثه جده «هانيبال» ملامحه الأفريقية. وأوحت له علاقة جده الأكبر بالقيصر برائعته «ربيب بطرس الأكبر» التي تعد من العلامات البارزة في الأدب الروسي، كما أسهمت سنوات دراسته في مدرسة النخبة الروسية في تعزيز نزعته الأدبية والسياسية.
عاش بوشكين في عهد استبداد القيصر والنبلاء، لكنه تأثر بالآراء التي كانت تنادي بإحداث تغييرات سياسية في روسيا، وعكست أشعاره ورواياته تلك الأفكار. وعلى الرغم من خلافاته السياسية مع القيصر فقد كان معجبا بأعماله الأدبية والشعرية، وسعى لتقريبه ليكون شاعرا للبلاط، لكنه واصل انتقاداته لسياسته فاتهمه بالخيانة ونفاه لعدة أماكن في روسيا.
وفي المنفى، اطلع بوشكين على ثقافة «القوقاز»، وكتب قصائد كثيرة تحمل تأثره بهذه الثقافة، مثل «الأسير القوقازي»، ووصفت روايته الشعرية «يفغيني أونيغن» بدقة الحياة في عصره.
ويعد بوشكين من أعظم شعراء القرن التاسع عشر، ولقب وقتها بـ«أمير الشعراء»، وتعتبر دواوينه وقصائده تأريخا للقيصرية الروسية منذ بطرس الأول إلى نيقولا الأول، ولأحداث النصف الأول من القرن التاسع عشر، المحسوبة ضمن العصر الذهبي للشعر الروسي.
اطلع على حياة المسلمين في منفاه في «القوقاز»، وتأثر بذلك، وكتب قصائده «قبسات من القرآن، الرسول، ليلى العربية، محاكمة العربي»، والتي تشير إلى إعجابه بالثقافة الإسلامية واحترامه لها.
وتنسب كلتا العاصمتين المتنافستين «أديس أبابا وأسمرة» ألكسندر بوشكين إليها، ودشنت إثيوبيا في 2002 التمثال الحالي بانتظار النسخة الروسية، بينما دشنت إريتريا نصبا تذكاريا له وأطلقت اسمه على أحد شوارع أسمرة.
ويتم تداول نظريات عديدة حول أصله، ففيما تنسبه نظرية إلى الكاميرون، وأخرى إلى إريتريا، فإن وزارة السياحة الإثيوبية تؤيد النظرية التقليدية بأن جده الأكبر ولد في مكان ما شمال إثيوبيا.
قتل بوشكين في مبارزة مع البارون الفرنسي داتين صديق زوجته ناتالي الذي تزوج من شقيقتها ليقترب منها، فأطلق عليه النار أثناء المبارزة وقضى عليه عام 1837 بعد عمر لم يتجاوز 38 عاما.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)