«الدور الروسي» في ليبيا... «لعبة مصالح» تزعج أميركا

أكد سياسيون ومحللون ليبيون أن وجود «المرتزقة» والقوات الأجنبية كافة، يفتح الباب لمزيد من التدخلات الخارجية في البلاد، ضمن لعبة مصالح كبرى، مشيرين إلى أن زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، طرابلس أخيراً جاءت على خلفية قلق أميركي، وصراع خفي مع روسيا بشأن هذا الملف.

وتوجد في ليبيا قوات تابعة لشركة «فاغنر» الروسية، استعان بها «الجيش الوطني» في حربه على طرابلس قبل وأثناء عام 2019، في مواجهة «مرتزقة سوريين» وقوات تركية داعمة لقوات حكومة «الوحدة» المؤقتة.

وقال جلال حرشاوي، الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف» إن عدد المرتزقة التابعين لشركة «فاغنر» في ليبيا يقدر بين ألفين وثلاثة آلاف عنصر في الوقت الراهن، مشيراً إلى إجلاء ما يقرب من 500 عنصر مع بداية الصراع بأوكرانيا فبراير (شباط) العام الماضي.

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن هناك «قلقاً أميركياً في الفترة الأخيرة بشأن الوجود الروسي في ليبيا، بالإضافة إلى انزعاجاً من التأثير الروسي في المؤسسة الوطنية للنفط».
واعتبر أن «الوجود الروسي خطير لأسباب عديدة، أحدها اقتصادي»، لافتاً إلى بيان مصرف ليبيا المركزي الأخير حول أوجه الإنفاق خلال العام الماضي وحصول المؤسسة الوطنية للنفط على ميزانية استثنائية تزيد على 34 مليار دينار ليبي.

وتحدث وكيل وزارة الخارجية الليبي الأسبق، حسن الصغير، عن أسباب الوجود الروسي في ليبيا، وقال إن «الجيش الوطني» اضطر لإحياء تحالف المؤسسة العسكرية القديم مع المعسكر الشرقي لمواجهة التغول التركي غير الرسمي في ليبيا.

واستبعد الصغير، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تنجح واشنطن في إنهاء هذا الوجود والدور الروسي الراهن بالمنطقة بسهولة»، ورأى أن موسكو «لن تفرط في ذلك لا بانتخابات ولا بقرارات أممية... الأمر يتوقف على مجريات الأحداث في أوكرانيا»، و«أدوات الغربيين بمحاربة روسيا في ليبيا».

وفيما يتعلق بعلاقة الروس مع «الجيش الوطني» في الوقت الراهن، وهل باتت تتسم بالتوتر كما يصفها بعض المراقبين، ذهب الصغير إلى أنه من «الصعب الحكم على علاقات العسكريين ببعضهم بعضاً كون ذلك يتطلب معلومات»، مستدركاً: «لكن بالتأكيد حالة الاضطرار العسكري قد انتهت بانتهاء المعارك على تخوم طرابلس، ويظل التعامل مع الواقع الذي خلفه الاضطرار هو الملف الأصعب».

وأشار إلى أن هذه الحالة «كرست للوجود الأجنبي في طرابلس متمثلاً في الأتراك و(المرتزقة السوريين) ووجود روسي غير رسمي في قواعد وسط وجنوب البلاد».

وذهب زميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، الليبي حافظ الغويل، إلى أن ليبيا هي «مجرد محطة انطلاق لتوغل الروس بالقارة السمراء، فضلاً عما يتيحه الوجود بها من البقاء جنوب قواعد الناتو في أوروبا».

ورأى أن «وجودهم بكل من ليبيا وسوريا أتاح لهم حجز مقعد أمامي في أي عملية تسوية ستتم بشرق البحر المتوسط، حيث منابع الغاز والنفط؛ وتلك ورقة ضغط إضافية لا تقل أهمية».

وفيما يتعلق بتوقعه توقيت خروج عناصر «فاغنر» من ليبيا، قال الغويل: «إن القوات الأجنبية الموجودة في ليبيا جميعها، لا تريد إحداها المغادرة قبل الأخرى، سواء التابعة لموسكو أو لأنقرة، ولكن الفارق أن الأتراك يحظون بغطاء سياسي؛ كون دخولهم البلاد جاء عبر مذكرات تفاهم أُبرمت مع حكومة معترف بشرعيتها أممياً ودولياً، هي حكومة (الوفاق) السابقة».

ولفت إلى أن وجود العناصر التركية «أنقذ العاصمة من السقوط في يد قوات (الجيش الوطني)، ما أكسبها قبولاً شعبياً واسعاً بالمنطقة الغربية».

ولم يعترض الغويل على ما أوردته آراء تحليلية بشأن ارتباط زيارة بيرنز، بملف إنهاء وجود «فاغنر» في ليبيا والقارة، ولكنه شدد على أن الزيارة جاءت «لاستشعار واشنطن بأن الأوضاع في ليبيا وصلت لدرجة تتطلب المسارعة بتطويقها».
وأضاف: «ربما كانت أيضاً رسالة إنذار لحفتر ليتوقف عن التلميح باستخدام القوة».

بالمقابل دافع المحلل السياسي الروسي، فيتشسلاف ماتازوف، عن الدور الروسي في ليبيا، ووصفه بـ«الضعيف جداً رغم تطلع وترحيب الليبيين بتعميقه».

ونفى ماتازوف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ما طرحته الآراء السابقة عن تمثيل «فاغنر» للموقف الرسمي الروسي، وقال: «هناك روايات عديدة عن بداية وجود (فاغنر) في ليبيا»، لافتاً إلى أنها شركة تجارية تبيع خدماتها الأمنية لمن يدفع، وبالتالي وجودهم في ليبيا ليس خطة روسية.

وأضاف: «روسيا منفتحة في علاقاتها مع القوى الليبية كافة، وليس (الجيش الوطني) فقط... نعم سمعت أن هناك خبراء من روسيا تم التعاقد معهم للعمل؛ بهدف إصلاح آليات ومعدات عسكرية كونها روسية الصنع، ولكن هؤلاء موجودون أيضاً بطلب ليبي».

واتهم ماتازوف، واشنطن «بمباركة ودعم دخول القوات التركية إلى ليبيا، ومعهم مرتزقة سوريون»، ولفت إلى أن «بعض الأطراف في ليبيا تتعاون مع المؤسسات التركية وترغب في إبقائها».