مسلمو بلجيكا.. {فهموا الدرس}

فوتوا على اليمين المتطرف فرصة استفزازهم عبر معرض رسوم كارتونية للرسول

مسلمو بلجيكا.. {فهموا الدرس}
TT

مسلمو بلجيكا.. {فهموا الدرس}

مسلمو بلجيكا.. {فهموا الدرس}

لم تقع أعمال شغب أو عنف ولم تشهد شوارع المدن البلجيكية اضطرابات أو مصادمات مع رجال الأمن، بل على العكس من ذلك، جاء رد فعل الجالية المسلمة في بلجيكا هادئًا ومتزنًا على افتتاح معرض للرسوم الكارتونية عن الرسول (صلى الله عليه وسلّم) في معقل اليمين المتشدد بمدينة أنتويرب، في شمال غربي البلاد.
كثرة من المراقبين عزوا ردّ الفعل الإسلامي الهادئ والمتزن هذا لجملة من الأسباب، أولها أن المعرض لم ينظّم في مكان عام أو صالة كبرى بحضور إعلامي وجماهيري، بل اقتصر الأمر على عرض الرسوم في مكان يكاد لا يتّسع إلا لبضع عشرات. وكانت كريس فان دايل، الناطقة باسم حزب «فلامس بلانغ» اليميني المتطرّف في أنتويرب قد أبلغت «الشرق الأوسط» في حينه أن زعيم الحزب فيليب ديونتر عقد مؤتمرا صحافيًا في بداية افتتاح المعرض، بمقر تابع للحزب في المدينة، يقع على مقربة من أحد الأحياء التي تقطنها غالبية من المسلمين، وبخاصة من الأتراك والمغاربة.
لقد رأى كثيرون أن توقيت تنظيم المعرض في شهر رمضان، وكذلك افتتاحه في الساعة الثانية عشرة ظهرًا وقت سيطرة موجة من الطقس الحار سجلت من حيث درجات الحرارة المسجلة أرقامًا قياسية في بلجيكا، ربما كانا من الأسباب الإضافية لرد الفعل الهادئ. ولكن مع ذلك أعرب رموز الجالية المسلمة عن رفضهم هذا التصرف بصورة قاطعة لا لبس فيها. وذكر التلفزيون البلجيكي الناطق باللغة الهولندية (الفلمنكية) «أي تي في»، أنه استطلع آراء أعداد من المسلمين عبروا عن قلة اكتراثهم بمثل هذه التصرفات التي رأوها استفزازية. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال نور الدين الطويل وهو داعية إسلامي ورئيس جمعية المسلمين الجُدد في بلجيكا «إن أبناء الجالية المسلمة يدركون جيدًا الغرض من هذه الفعلات التي تستفز الجالية المسلمة، وهم يرفضونها بالمطلق، غير أنهم يتمسكون بالحرية والسلام في المجتمع»، وحذّر من ناحية ثانية من «أن هناك أعدادًا من الفتيان والشبان الصغار السن لا يتحكمون في تصرفاتهم، ولذا ينبغي الحذر الشديد قبل تنظيم مثل هذه الأنشطة الاستفزازية».
وقالت سميرة اذابار، وهي ناشطة اجتماعية وإسلامية، بأنه «من منطلق الانفتاح على الآخر وحرية التعبير، من حق الجميع تنظيم معارض أو أنشطة مختلفة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل مثل هذا المعرض سيساهم في تعزيز التعايش في مجتمع متعدد الثقافات؟.. الإجابة لا أعتقد ذلك».
هذا، وأعلنت الشرطة البلجيكية، من جانبها مع افتتاح المعرض أنها عاكفة على تحليل أي تهديدات متوقعة، وهي على استعداد لاتخاذ الإجراءات المطلوبة في حال دعت الحاجة. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في أبريل (نيسان) الماضي أطلق حزب «فلامس بلانغ» اليميني المتطرف لتشجيع أبناء الجالية البلجيكية المسلمة الذين يساندون الفكر الإسلامي المتشدد على العودة إلى أوطانهم الأصلية، ولا سيما، أولئك الذين يساندون أفكار «جماعة الشريعة في بلجيكا» التي كانت تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد قبل أن تحظر السلطات نشاطها قبل سنتين تقريبًا على خلفية الاشتباه في علاقتها بتسفير شباب إلى العراق وسوريا للقتال مع التنظيمات المتطرفة.
ديونتر، زعيم الحزب المتطرف، قاد بنفسه مجموعة من قياديي الحزب في جولة لتوزيع منشورات وملصقات إعلانية للحملة الجديدة، وتولّى توزيعها في الأسواق الشعبية وعلى المنازل في مدينة أنتويرب، التي هي ثاني كبرى مدن البلاد بعد العاصمة بروكسل. ولقد تابعت: «الشرق الأوسط» الجولة في حينه وخلالها قال ديونتر إن «إطلاق هذه الحملة يشكل فرصة لمن يرفض الاندماج في المجتمع البلجيكي ويدعم التشدد الإسلامي أن يعود إلى وطنه الأصلي»، وتابع: «هذه الحملة تحمل عنوان (شرق أو غرب؟... بلدك أفضل)، وأنا أقول: إن هذا البلد (بلجيكا) ليس بلدهم، وكل بلد غربي له قيَمه التي يجب على من يعيش فيه أن يحترمها وإلا فعليه أن يعود إلى البلد المسلم الذي جاء منه وحيث فيه ثقافة وقيم وعقائد مقبولة بالنسبة له. أما في بلدنا فعليه أن يحترم طريقة حياتنا والقبول بقيمنا وليس له أن يفرض علينا أفكاره أو عقيدته أو أسلوب معيشته».
وفي هذا السياق، كان التلفزيون الهولندي خلال الشهر قد منع في آخر لحظة بث فيلم يتضمن رسومًا كارتونية عن الرسول (صلى الله عليه وسلّم) أعده حزب الحرية اليميني المتطرف الذي يتزعمه خيرت فيلدرز، وكان مقررًا أن يُبث ضمن الوقت المخصّص للأحزاب السياسية في قنوات التلفزيون في هولندا، جارة بلجيكا. وكما هو متوقع، أعرب فيلدرز – وهو أحد أكثر الساسة الأوروبيين إثارة للجدل في عدائه للمهاجرين وبالأخص المسلمين منهم – في تغريدة له على موقع «تويتر» عن غضبه الشديد لإحجام التلفزيون عن بث التقرير التلفزيوني المخصص لحزبه والذي يتضمن الرسوم، وقال في تغريدته بأنه سيقوم بنشر الفيديو والرسوم على موقع «يوتيوب»، متهمًا التلفزيون الهولندي بارتكاب «عمل تخريبي» استهدف تقرير حزبه وأنه رفض البث مع أنه سبق للحزب تلقي تأكيدات قبل ذلك بأن التقرير سيذاع في الموعد المتفق عليه «لكن هذا لم يحدث ودون ذكر أسباب» على حد قوله. وبعد وقت قصير عاد فيلدرز وكتب على «تويتر» حصل على رد من التلفزيون يشير إلى أن ما وقع إنما جاء نتيجة لحدوث سوء تفاهم، وأن التقرير سيذاع في وقت لاحق. ومن جهتها، امتنعت ناطقة باسم التلفزيون الهولندي عن التصريح عن أسباب الإحجام عن بث تقرير حزب الحرية في موعده. وكانت فكرة بث التقرير عن طريق التلفزيون قد خطرت لفيلدرز بعد رفض طلبه عرض الرسوم في البرلمان. وبرّر الزعيم المتطرف عرض الرسوم تلفزيونيًا بـ«الدفاع عن حرية التعبير» في أعقاب هجوم ادعى تنظيم داعش مسؤوليته عنه استهدف مسابقة لرسوم عن الرسول نظم في ولاية تكساس الأميركية في مطلع مايو (أيار) الماضي.
وقال فيلدرز في بيان أصدره في مطلع يونيو (حزيران) الماضي «إن الطريقة الوحيدة التي تتيح لنا أن نظهر للإسلاميين المتطرفين أننا لن نرضخ أبدا للإرهاب والعنف هي أن نفعل بالضبط ما يريدون منعنا من فعله». ولكن وفق تقارير إعلامية، فإنه نظرًا للإساءة التي تمثلها هذه الرسوم بالنسبة لكثرة من المسلمين قد يعني عرضها على التلفزيون منع حزب الحرية، الذي يقوده فيلدرز، من الظهور على التلفزيون لفترة تتراوح بين سنة وأربع سنوات.
وبالمناسبة، كان فيلدرز قد أنتج فيلم «فتنة» الذي أحدث ضجة حين عرض عام 2008 لما تضمنه من إساءات للإسلام وللرسول، بما في ذلك وصف الإسلام بـ«دين الإرهاب» والقرآن الكريم بـ«الكتاب الفاشي».
على صعيد آخر، ذكرت وسائل الإعلام الهولندية أن السفارات الهولندية في الخارج أحيطت علمًا بالتدابير التي ينبغي اتخاذها في حال عرض الرسوم وما قد يثيره ذلك من احتجاجات عنيفة. وردًا على فيلدرز ومواقفه نشرت جمعية المساجد المغربية في هولندا، يومذاك، رسمًا ساخرًا يظهر فيه النائب المتطرف على شكل طفل داخل قنبلة وهو يصرخ بينما يمر أناس عاديون بجواره بينهم امرأة محجبة غير مكترثين بصراخه، وصحب الرسم عنوان «سنواصل بناء هولندا». وينشط فيلدرز، الذي يرفض اعتبار عرض الرسوم الكارتونية استفزازًا للمسلمين، منذ سنوات لوقف استقبال المهاجرين من البلدان المسلمة، وهو ملاحق حاليًا بتهمة التحريض على الكراهية بعدما وعد مناصريه خلال تجمع انتخابي عام 2014 «بتقليل عدد المغاربة» في هولندا.
وحول السياسة الإعلامية الهولندية، تخصّص هيئة الإعلام في هولندا للأحزاب السياسية وقتًا لعرض أفكارها وبرامجها، وهي لا تدقّق مسبقًا في محتوى الأشرطة التي تنوي هذه الأحزاب عرضها، وليس بوسعها أن تقرّر مسبقًا إذا كان هذا المحتوى يتفق أو يتعارض مع القانون، وذلك تجنّبًا لفرض رقابة مسبقة والإساءة لحرية التعبير.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».