عمر خيرت يُحلّق بمؤلفاته الموسيقية في سماء الأوبرا المصرية

أولى حفلاته لعام 2023 شهدت تفاعلاً كبيراً من الجمهور

من حفل أمس (الشرق الأوسط)
من حفل أمس (الشرق الأوسط)
TT
20

عمر خيرت يُحلّق بمؤلفاته الموسيقية في سماء الأوبرا المصرية

من حفل أمس (الشرق الأوسط)
من حفل أمس (الشرق الأوسط)

حلّق الموسيقار المصري الكبير عمر خيرت بمؤلفاته الموسيقية في سماء الأوبرا المصرية، التي استهل من خلالها أولى حفلاته في 2023. وقدم مساء الثلاثاء ليلة موسيقية مميزة، أشعلت حماس الجمهور على مدار ساعتين ونصف بالمسرح الكبير للأوبرا والذي امتلأ بالكامل (يتسع لنحو 1200 فرد)، بعدما تمكنوا من حجز تذاكر الحفل إلكترونياً خلال ساعة واحدة.

وبصوت عالٍ عبّر عدد كبير من الحضور عن حبهم وإعجابهم الكبير بموسيقى وإبداعات خيرت، على طريقة «تحية الجمهور الخاصة لنجوم الغناء العربي»، وخصوصاً «كوكب الشرق» أم كلثوم. إذ اعتبر أحد الأشخاص خيرت من أهم مُصدري القوة الناعمة لمصر. وأكملت سيدة أخرى الإشادة، مؤكدة أنها «قادمة خصيصاً من بغداد لحضور هذا الحفل». وأردف آخر: «تعيشوا وتمتعونا».

وسيطرت الأجواء المرحة والمبهجة على الحفل، الذي قدم فيه خيرت مجموعة من أشهر مؤلفاته الموسيقية على غرار «والله ما طلعت شمس»، التي طالب الجمهور بإعادتها، و«100 سنة سينما» و«غوايش» و«فيها حاجة حلوة»، و«مش عارف ليه»، و«خللي بالك من عقلك»، «وفي هويد الليل»، و«مسألة مبدأ»، و«تيمة حب»، وغيرها.

خيرت خلال إحدى حفلاته (الشرق الأوسط)

ويستعد الموسيقار المصري لإحياء حفل ضخم في أوبرا دبي في الثالث من شهر فبراير (شباط) المقبل. وأعلنت الشركة المنظمة للحفل نفاد جميع تذاكر الحفل قبل موعده بأكثر من أسبوعين.

وتحظى حفلات خيرت في مصر وخارجها بإقبال جماهيري كبير، على غرار حفله في ختام الدورة الـ30 من مهرجان قلعة صلاح الدين للموسيقى والغناء، في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، حيث تفاعل معه جمهور واسع وتصدر من خلاله خيرت ترند موقع «تويتر»، لا سيما مع إذاعة الحفل على الهواء مباشرة، وتجاوز عدد جمهور الحفل حاجز الـ15 ألف مشاهد، ووصفته دار الأوبرا المصرية على صفحتها الرسمية على «فيسبوك» وقتئذ بـ«السهرة الأسطورية»، فيما اعتبرها خيرت «تتويجاً لهدفه الذي اشتغل عليه طوال عمره، وهو وصول الموسيقى الخالصة إلى (السميعة) أو المتيمين بالأغنية والطرب». وأضاف في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» أن «للموسيقى الخالصة سحراً خاصاً. وهي لا تمس شيئاً إلا جعلته راقياً ونقياً»، موضحاً أنه «من حق الجمهور العربي أن يستمتع بها ويعيش في أجوائها الخاصة».

ويقول خيرت: «هذه هي رسالة الفن، أن يصل إلى الناس ويغير الكثير بداخلهم إلى الأفضل»، معتبراً «تفاعل الجمهور مع بعض المقطوعات التي لا تُغنى مثل (قضية عم أحمد) تذوق فني عالٍ، تؤكده طريقة التصفيق والاستمرار فيه أو التوقف عند أجزاء معينة منها».
وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، أصدر خيرت كتاباً بعنوان «المتمرد... سيرة حياة» تناول فيه جذور عائلته الفنية، ومشواره الموسيقي، مشيراً إلى أنه اختار وصف «المتمرد»، عنواناً لكتابه باعتباره «الأكثر دقة في وصف شخصيته»، لأن حياته هي سلسلة من حالات التمرد.

خلال حفل أمس (الشرق الأوسط)



مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».