«ويلكو جونسون» و«سيباستياو سالغادو» في الواجهة هذا الأسبوع

واحد حول حياة عازف في فرقة الروك والآخر عن مصور برازيلي

من «نشوة ويلكو جونسون»
من «نشوة ويلكو جونسون»
TT

«ويلكو جونسون» و«سيباستياو سالغادو» في الواجهة هذا الأسبوع

من «نشوة ويلكو جونسون»
من «نشوة ويلكو جونسون»

«ويلكو جونسون» و«سيباستياو سالغادو»، فيلمان تسجيليان، مما يعني محدودية جمهورهما، بل ساقتهما ظروف التوزيع في لندن لمنازلة فيلم آخر من أفلام «سوبر هيروز».
«ويلكو جونسون» هو فيلم للبريطاني جوليان تمبل، الذي كان شغل حيّزًا كبيرًا من الاهتمام في ربيع الثمانينات عندما أخرج «مبتدئون قطعيًا» (Absolute Beginners) و«فتيات الأرض سهلات» (Earth Girls Are Easy)، ثم تراجعت خطواته، وإن لم يتوقف عن العمل تمامًا. ‬
الشخصية التي يرصدها هنا هي لعازف غيتار فرقة الروك والبلوز «د. فليتوود» واسمه ويلكو جونسون. والفيلم التسجيلي رائع الأسلوب، مشغول بنشوة من يريد البحث في سيرة شخصية نالت إعجابها، فيمنحها لا الحديث المطوّل فقط حول نفسها، بل يبتدع لها الأجواء والمشاهد والكيفيات التي يستطيع الفيلم من خلالها إثراء تجربته معها وتجربة المخرج مع المادة والعمل الفني نفسه.‬
‬الفيلم الآخر حول المصوّر البرازيلي سيباستياو سالغادو مختلف. أخرجه الألماني فيم فندرز والبرازيلي جوليانو ربييرو سالغادو وهو لا يقل إجادة. عنوانه «ملح الأرض» والمقصود بذلك هم البشر الذين يعيشون فوق هذه الكرة التي عمد سيباستياو سالغادو على تصويرهم في بيئاتهم العميقة على مدى أربعين سنة. بذلك رصد ووثّق بكاميرته الفوتوغرافية مآلات العالم المتبدّل ونهايات أقوام أمام جحافل التقديم الصناعي والتكنولوجي. ‬
كلا هذين الفيلمين يبدو اليوم من خارج هذا العالم، جمالاً واهتمامًا، كذلك الحال مع «الرجل النملة» إنما من ناحية مختلفة. هذا أيضًا من خارج هذا العالم من زاوية أنه خيال لا يمكن أن يكون له وجود، في مقابل جونسون وسالغادو الحقيقيين. البطل هنا واحد من ذوي القوى الخارقة، لكن على عكس «ثور» و«آيرون مان» وشخصيات «المنتقمون» المختلفة، لا يستطيع التباهي بطول قامته أو بعضلاته أو بسلاح يحمله يمكنه من الانتصار على كل الأشرار، بل هو رجل صغير جدًا قد تدوسه من دون انتباه لأنه بحجم النملة. على ذلك، وتبعًا لحكايات دار الكوميكس الشهيرة «مارفل» التي عمدت إلى هذه الشخصية منذ عام 1962 وتتحوّل إلى فيلم لأول مرة عن كتابة البريطانيين؛ إدغار رايت وجو كورنيش، ومن إخراج (البريطاني أيضًا) بايتون ريد الذي قال لـ«الشرق الأوسط» قبل أشهر قليلة من افتتاح الفيلم:
«علاقتي قديمة جدًّا مع (الرجل - النملة). في الثمانينات كنت ضارب طبلة في فرقة روك أند رول اسمها «جوني كويست باند»، وفي الوقت نفسه كنت مسؤولاً عن رسم أنواع الدعايات، وأذكر أنني رسمت الفرقة كشخصيات (المنتقمون) التي كان من بينها طبعًا (الرجل - النملة)… رسمت نفسي كنملة».
- هل عاشت معك هذه الشخصية طوال هذه السنوات؟
«ليس على نحو دائم. فكرت بها أكثر من مرّة لكنها لم تسكنني. لم تكن هاجسي. قبل ثلاث سنوات تم ذكر اسمي كمخرج محتمل لواحد من أفلام مارفل وتحمّست لذلك، لكن المشروع ذهب لشخص آخر».
- الفيلم هو «حراس المجرّة» (Guardian of the Galaxy) أليس كذلك؟ «صحيح. لكن عندما أخذ البحث يدور حول (الرجل النملة) أدركت أن علي أن أسعى فعليًا لكي أفوز بهذه الفرصة، وأنا سعيد بأني فعلت».
مؤامرة أخرى
قبل أن يُتاح لبايتون ريد أن يقوم بهذه التجربة له كمخرج انسحب كاتب السيناريو إدغار رايت من الفيلم، رغم أن اسمه لا يزال موجودًا على الفيلم تبعًا للعقد، ولكون أكثر من ثلثي المادة المصوّرة هي من كتابته. سبب الانسحاب أن رايت وضع السيناريو مقلوبًا. يفسر بايتون هذا الأمر:
«وضع السيناريو على أساس أن الرجل النملة كان نملة تتحوّل إلى رجل، في حين أن الاستوديو رآه رجلاً يتحوّل إلى نملة».
ربما كان هناك سبب آخر
سيناريو رايت كان معنيًا بالكوميديا على نحو ساخر في حين أن المنتجين أرادوا فيلمًا أكثر جدّية. لا مانع من طرافة لكن التركيز على البطولة وما يستطيع الرجل النملة فعله من معجزات.
الاستوديو، كما تبرهن الإيرادات الأولى، كان على حق. ما بين الكوميديا والأكشن سيميل الجمهور إلى الثاني. مع 130 مليون دولار لإنتاجه لا يمكن التلاعب مع التوقعات وإطلاق فيلم بنبرة كوميدية طوال الوقت. صحيح أن الكثير من الطرافة والدعابة ما زال متوفرًا، لكن المعالجة ذاتها لا تختلف كثيرًا عن معالجات الإنتاجات السابقة لاستوديو ديزني وشركة مارفل.
إيراد يوم الجمعة (السابع عشر من هذا الشهر) تجاوزت 22 مليون دولار في 3856 صالة. الإيراد المتوقع إعلانه هذا اليوم (الاثنين) سيتجاوز، حسب خبراء، 50 مليون دولار.
إذن، هو رجل قبل أن يكون نملة، وما قلبه إلى نملة سترة معدنية مليئة بالألغاز العلمية التي وضعها د. بيم (مايكل دوغلاس) واختار اللص الذي كان يقضي بعض الوقت في السجن سكوت (بول رَد) لكي يرتديها ويتحوّل إلى حشرة. وهناك تمهيد مناسب لكل ذلك: بعد خروج سكوت من السجن أدار الناس ظهورهم له بمن فيهم زوجته السابقة. جعلوه يشعر كحشرة قبل أن يحوّله العالم بيم إلى حشرة فعلية كلّما ارتدى تلك السترة.
أما الغاية فهي ليست جديدة في منوالها: إنقاذ العالم من مؤامرة شريرة أخرى.
بول رَد، هو أيضًا بريطاني الأصل. كان وُلد قبل 43 سنة والتحق بالتلفزيون ممثلاً منذ منتصف العقد الأخير من القرن الماضي.
قبل عام كامل، في دورة سنة 2014 من «كوميكس - كون»، وهو تظاهرة حاشدة لأفلام الخيال العلمي والغرائبي، التقيت بالممثل رَد Rudd الذي أمضى يومين فقط تم في أحدهما عرض بعض ما تم تصويره من الفيلم. حينها أخبرني:
«أعتقد أن السبب في تأخر ظهور هذه الشخصية حتى الآن، هو صعوبة إيجاد الكيفية الصحيحة لها. لا أقصد تقنيًا فكل شيء بات ممكنا الآن، لكن كبطولة.. كيف يمكن لكائن بحجم النملة أن يقوم بالمهام ذاتها التي يقوم بها سوبرمان أو آيرون مان، مع اختلاف طبيعة كل شخصية بلا ريب».
- أي نوع من التدريب قمت به لهذا الدور؟ «رياضي أساسًا. لا يوجد تدريب فعلي غير ذلك. أقوم الآن بتمارين بدنية لكي أكون مقنعًا عندما أخلع سترتي.. حين أخبرت (المخرج) بايتون بما أعزم القيام به، قال لي إن شخصية سكوت لا تنص على أنه رجل قوي البنية، لكني وجدت أنه من الأفضل تقديمه ببعض العضل الزائد على أي حال».
هتلر
ربما تأكيدًا على ذلك، المشروع دخل وخرج دوائر النقاش منذ الثمانينات، عندما تقدّم مبتدع الشخصية ستان لي إلى شركة «نيو لاين» بفكرة تحويلها إلى فيلم. أيامها كانت ديزني ذاتها مشغولة بتحقيق «حبيبتي، لقد قزّمت الأولاد» (Honey‪,‬ I shrank the Kids) ولم ترغب «نيو لاين» المخاطرة بفيلم مماثل. بول رَد لا يمانع ذلك:
«تصوّر لو أن أحدًا سبقني إلى الدور. ستقول لي سوبرمان لعبه أكثر من ممثل، سأقول نعم. لكن هناك شيئًا مختلفًا إذا كنت أول من يؤديه».
هناك أفلام جديدة أخرى، غير فيلمي تمبل وفندرز، يتم عرضها من دون طموح لأن تحقق النجاح المرتقب للصنعة الهوليوودية في «الرجل - النملة». هناك فيلم أوليفر هيرشبيغل «13 دقيقة». المخرج الألماني يعود إلى ملاحقة أدولف هتلر الذي كان قدّم عنه، قبل 11 سنة، فيلمه «سقوط». الآن لديه هذا الفيلم الذي يتحدّث عن محاولة لاغتيال الزعيم النازي خلال إلقائه خطبة. هذا ما يذكر بفيلم برايان سينجر الفاشل «فالكيري» (2008) حول محاولة اغتيال أخرى تعرّض لها هتلر ونجا.
وفي حين يتراجع في الولايات المتحدة فيلم الرسوم «إنسايد أوت» إلى المركز الرابع، تراجع فيلم أنيميشن آخر إلى المركز الثاني بعد افتتاح قوي في الأسبوع الماضي، وهو «مينيونز». كلاهما، بالمناسبة، عن شخصيات قزمة أو صغيرة الحجم تنجز ما ليس بإمكان البشر العاديين والناضجين إنجازه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».