إهمال الحوثيين وفساد قادتهم يتسببان في انهيار القطاع الصحي

الميليشيات أقرَّت بوفاة 80 طفلاً من حديثي الولادة يومياً

يمني مصاب بفشل كلوي يخضع لغسيل الكلى في أحد المراكز الصحية بصنعاء (إ.ب.أ)
يمني مصاب بفشل كلوي يخضع لغسيل الكلى في أحد المراكز الصحية بصنعاء (إ.ب.أ)
TT

إهمال الحوثيين وفساد قادتهم يتسببان في انهيار القطاع الصحي

يمني مصاب بفشل كلوي يخضع لغسيل الكلى في أحد المراكز الصحية بصنعاء (إ.ب.أ)
يمني مصاب بفشل كلوي يخضع لغسيل الكلى في أحد المراكز الصحية بصنعاء (إ.ب.أ)

وسط تصاعد الانهيار في القطاع الصحي اليمني الخاضع للميليشيات الحوثية جراء الإهمال وفساد قادة الجماعة الانقلابية، أقرّت الميليشيات بوفاة 80 طفلاً من حديثي الولادة يومياً في مناطق سيطرتها، بالتزامن مع اتساع رقعة تفشي الأوبئة والأمراض.
ويتهم عاملون في القطاع الصحي الخاضع للحوثيين عناصر الميليشيات وقادتها بالاستيلاء على موارد هذا القطاع، والسطو على المساعدات الإنسانية الدولية وتسخيرها للموالين، وتخصيص أغلب المستشفيات الحكومية لمصلحة جرحى الميليشيات.
وفي هذا السياق، كشفت إحصائية صادرة عن القطاع الصحي الذي تديره الجماعة في صنعاء، عن تسجيل وفاة 80 طفلاً من حديثي الولادة يومياً في المناطق تحت سيطرتها، منهم 2200 مولود توفوا في مستشفى السبعين للأمومة والطفولة خلال السنوات الماضية.
وفي حين لم تفصح الميليشيات الحوثية عن الأسباب التي تقف وراء ذلك، عزت مصادر طبية في صنعاء في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، ذلك إلى أنه ذلك ناجم عن استمرار فساد قادة الجماعة وإمعانهم في استهداف القطاع الصحي بالدهم والإغلاق والعبث والابتزاز وفرض الإتاوات غير القانونية على ما بقي من المنشآت والمراكز الصحية التي ارتبطت ارتباطاً مباشراً بصحة وحياة ملايين اليمنيين.
جاء ذلك في وقت ذكرت فيه منظمة الصحية العالمية أخيراً، أنها تدعم المرافق التي تقدم الرعاية والخدمات الصحية للنساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة من خلال توفيرها تباعاً مستلزمات الصحة، ومنها «أسرّة الولادة، وحاضنات الرضع وأجهزة قياس الهيموغلوبين وقياس الوزن»، وغيرها.
وأكدت المنظمة، عبر سلسلة تغريدات حديثة على حسابها في «تويتر»، أنها تدعم بالتعاون مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية أكثر من 100 ألف امرأة، من بينهن 26 ألف امرأة حامل، بالأدوية والإمدادات والمعدات الأساسية المنقذة للحياة. معتبرة أن تلك الإمدادات ستساعد على تنفيذ الولادات الطبيعية والإجراءات الجراحية القيصرية.
وكشفت المنظمة عن تزويدها مطلع الشهر الحالي بالشراكة مع مركز الملك سلمان نحو 42 مرفقاً صحياً في 9 محافظات يمنية بالأدوية والإمدادات المنقذة للحياة للنساء الحوامل ومواليدهن.
وعلى مدى الأسبوع ونصف الأسبوع الماضيين عقد قادة الميليشيات، التي لا تزال تحكم كامل قبضتها على مقدرات وإمكانات الصحة اليمنية كافة، ثلاثة مؤتمرات صحافية في صنعاء، أقرّوا من خلالها بتردٍ كبير للأوضاع الصحية وتفشي عدد من الأوبئة والأمراض بالمناطق تحت سيطرتها، من أبرزها «الكوليرا وحمى الضنك والمكرفس، والدفتيريا، وشلل الأطفال، والملاريا، والحصبة»، وغيرها.
وأبدى المنتحل صفة المتحدث باسم الصحة اليمنية، المدعو نجيب القباطي اعترافه بوفاة 686 شخصاً بأمراض وبائية، من بين 4.5 مليون مصاب، خلال العام 2022، في ظل تفشي مزيد من الأمراض والأوبئة الفتاكة في أوساط السكان من مختلف الأعمار بعموم مناطق سيطرة الميليشيات.
وفي آخر مؤتمر صحافي عقده قادة الميليشيات أقرّ القيادي الحوثي المدعو علي جحاف، بأن أكثر من 5 آلاف مريض بالفشل الكلوي في مناطق سيطرتهم باتوا مهددين اليوم بالوفاة في حال توقفت جلسات الغسيل الكلوي، إضافة إلى توقف أكثر من 17 مركز غسيل كلوي على مستوى مناطق سيطرتهم، تحت مزاعم نفاد مخزون أدوية ومحاليل الغسيل الكلوي من مخازن الصحة الخاضعة للميليشيات.
وجاءت اعترافات وتبريرات الميليشيات الأخيرة متزامنة مع اتهام مصادر طبية في صنعاء لقيادات بارزة في الجماعة بمواصلة التلاعب بالمستلزمات والأدوية الطبية التي تقدمها تباعاً منظمات دولية للمرضى اليمنيين، بهدف المتاجرة وبيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة لجني أرباح خيالية.
وشككت المصادر بمسألة إطلاق الميليشيات الحوثية لما يسمى نداء استغاثة عاجلة بحجة إنقاذ مرضى الفشل الكلوي، وتقديم مبرر نفاد المحاليل والدواء من مخازنها.
ففي حين تقرّ الميليشيات الانقلابية بأن مناطق سيطرتها تقف على ما أسمته أعتاب كارثة تهدد حياة مرضى الفشل الكلوي مع نفاد مخزون الأدوية والمحاليل، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أنها تواصل شراكتها مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، لتزويد المرافق الصحية بمعدات غسيل الكلى والإمدادات والدعم المالي اللازم لاستمرار غسيل الكلى لنحو 3500 مريض في جميع أنحاء اليمن.
وذكرت المنظمة في بيان حديث، أنها تدعم نحو 27 مركزاً لغسيل الكلى في جميع أنحاء اليمن حالياً بعلاجات أسبوعية مدعومة بنسبة تصل من 60 في المائة إلى 100 في المائة، بالشراكة مع مركز الملك سلمان للإغاثة.
وأوضحت، أنه «يتم حالياً تقديم ما معدله 37300 جلسة غسيل كلى للمرضى اليمنيين كل شهر، بتكلفة مالية قليلة أو معدومة لهم؛ وذلك بفضل شراكة منظمة الصحة العالمية مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
وأشارت إلى أن التكلفة العالية جداً لغسيل الكلى (نحو 50 دولاراً أميركياً لكل جلسة)، وأن المرضى والوفيات المرتبطة بالفشل الكلوي، تعني أن الاحتياجات الحالية لعلاجات غسيل الكلى أعلى بنحو خمس مرات مما يمكن أن يغطيها هذا الدعم الكبير جداً.
وذكر بيان المنظمة، أن هذه التدخلات من قِبل منظمة الصحة العالمية، «تعمل على تخفيف الضغط على مرافق الرعاية الصحية في اليمن، حيث لا يستطيع العديد من المرضى المصابين بأمراض مزمنة الحصول على العلاجات المنقذة للحياة». ومع توالي التحذيرات الدولية من استمرار حالة الانهيار المتسارع للقطاع الصحي اليمني، وخروج أكثر من نصف مرافقه عن الخدمة، كان عاملون في القطاع الصحي بصنعاء اتهموا في وقت سابق الميليشيات بارتكاب سلسلة انتهاكات جديدة، طالت عديداً من المنشآت الطبية بمناطق واقعة تحت سيطرة الجماعة.
وأفاد بعضهم لـ«الشرق الأوسط»، بأن موجة الانتهاكات الحوثية تنوعت بين جرائم عبث وفساد وحملات دهم وإغلاق ومصادرة، وفرض جبايات مالية تحت أسماء مختلفة؛ الأمر الذي جعل رسوم الخدمات في هذا القطاع تقفز في مناطق سيطرة الجماعة إلى أرقام غير مسبوقة.


مقالات ذات صلة

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

العالم العربي غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

وصف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الخميس) اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في عدن بـ«المثمر والجوهري»، وذلك بعد نقاشات أجراها في صنعاء مع الحوثيين في سياق الجهود المعززة للتوصل إلى تسوية يمنية تطوي صفحة الصراع. تصريحات المبعوث الأممي جاءت في وقت أكدت فيه الحكومة اليمنية جاهزيتها للتعاون مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر لما وصفته بـ«بتصفير السجون» وإغلاق ملف الأسرى والمحتجزين مع الجماعة الحوثية. وأوضح المبعوث في بيان أنه أطلع العليمي على آخر المستجدات وسير المناقشات الجارية التي تهدف لبناء الثقة وخفض وطأة معاناة اليمنيين؛ تسهيلاً لاستئناف العملية السياسية

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

في خطوة أحادية أفرجت الجماعة الحوثية (الأحد) عن القائد العسكري اليمني المشمول بقرار مجلس الأمن 2216 فيصل رجب بعد ثماني سنوات من اعتقاله مع وزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي شمال مدينة عدن، التي كان الحوثيون يحاولون احتلالها. وفي حين رحب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بالخطوة الحوثية الأحادية، قابلتها الحكومة اليمنية بالارتياب، متهمة الجماعة الانقلابية بمحاولة تحسين صورتها، ومحاولة الإيقاع بين الأطراف المناهضة للجماعة. ومع زعم الجماعة أن الإفراج عن اللواء فيصل رجب جاء مكرمة من زعيمها عبد الملك الحوثي، دعا المبعوث الأممي في تغريدة على «تويتر» جميع الأطراف للبناء على التقدم الذي تم إنجازه

علي ربيع (عدن)
العالم العربي أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

في مسكن متواضع في منطقة البساتين شرقي عدن العاصمة المؤقتة لليمن، تعيش الشابة الإثيوبية بيزا ووالدتها.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

فوجئ محمود ناجي حين ذهب لأحد متاجر الصرافة لتسلّم حوالة مالية برد الموظف بأن عليه تسلّمها بالريال اليمني؛ لأنهم لا يملكون سيولة نقدية بالعملة الأجنبية. لم يستوعب ما حصل إلا عندما طاف عبثاً على أربعة متاجر.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

يجزم خالد محسن صالح والبهجة تتسرب من صوته بأن هذا العام سيكون أفضل موسم زراعي، لأن البلاد وفقا للمزارع اليمني لم تشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة والمتواصلة منذ سنين طويلة. لكن وعلى خلاف ذلك، فإنه مع دخول موسم هطول الأمطار على مختلف المحافظات في الفصل الثاني تزداد المخاطر التي تواجه النازحين في المخيمات وبخاصة في محافظتي مأرب وحجة وتعز؛ حيث تسببت الأمطار التي هطلت خلال الفصل الأول في مقتل 14 شخصا وإصابة 30 آخرين، كما تضرر ألف مسكن، وفقا لتقرير أصدرته جمعية الهلال الأحمر اليمني. ويقول صالح، وهو أحد سكان محافظة إب، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب الحرب فإن الهطول ال

محمد ناصر (عدن)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.