النقاش الدائر في إسرائيل هذه الأيام، هو: هل التشكيلة الوزارية الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو هي حكومة امتداد للحكومات التي سبقتها، أم هي حكومة تغيير جوهري جاءت لتحدث انقلاباً تاريخياً في نظام الحكم.
الأمر المؤكد هو أن هذه هي المرة الأولى التي يوجد فيها حكم يميني مطلق. فمنذ أن فاز حزب «الليكود» بالحكم لأول مرة عام 1977، وحكومات «الليكود» جميعها دأبت على ضم أحزاب ليبرالية أو يسارية إليها. وحتى الحكومة الأخيرة بقيادة حزب «يمينا» برئاسة اليميني نفتالي بنيت، ضمت حتى حزباً عربياً إسلامياً.
هذه الحقيقة سجلت لصالح «الليكود»، أكبر أحزاب اليمين، كونها أظهرته حريصاً على الديمقراطية. بيد أنها في الوقت ذاته، بيّنت أن اليمين الإسرائيلي لم يمارس حكماً يمينياً صرفاً في حياته، حتى عندما أتاحت ذلك نتائج الانتخابات... فحرص على إبقاء اليمين المتطرف في المعارضة. ومن جهته، اعتبر اليمين المتطرف ذلك دليل قلة ثقة في النفس تشير إلى أن «الليكود» يخشى من ممارسة الحكم لوحده.
هذه المرة، كان نتنياهو يسعى إلى الحكم ليس فقط ليكون رئيس حكومة، بل لأنه يخوض معركة مصيرية مع الجهاز القضائي الذي يحاكمه بثلاث تهم فساد خطيرة. وحقاً، توصل رئيس الوزراء العائد، إلى قناعة صحيحة بأنه لن يستطيع خوض معركته مع القضاء من دون اليمين المتطرف.
وقبل الانتخابات الأخيرة بذل جهوداً خارقة لتوحيد صفوف ثلاثة أحزاب في اليمن المتطرف بكتلة انتخابية واحدة، هي أحزاب «عوتسماه يهوديت» (عَظمَة يهودية) برئاسة إيتمار بن غفير، و«الصهيونية الدينية» برئاسة بتسلئيل سموترتش، و«نوعم» برئاسة آفي ماعوز.
وهكذا فاز معسكر نتنياهو بغالبية 64 نائباً (من الليكود 32 والمتطرفين 14 نائباً والمتدينين 18 نائباً). وفي صلب الاتفاقيات الائتلافية بين هذه الأحزاب يوجد مشروع تقييد الجهاز القضائي وإضعافه ومنعه من صلاحيات إلغاء قوانين يسنها الكنيست.
أما الثمن الباهظ الذي دفعه نتنياهو، فتمثل في منح أحزاب اليمين المتطرف نصف المناصب الوزارية، وتسليمها صلاحيات واسعة في وزارات عدة، بينها وزارات المالية والتعليم والصحة والرفاه الاجتماعي. أضف إلى ذلك، أنه تنازل عن مواقع تأثير أساسية في الموضوع الفلسطيني (توسع استيطاني كبير، وتسليم المستوطنين مهمات لإدارة حياة الفلسطينيين تصل إلى حد منعهم من البناء في بلداتهم وتنفيذ عمليات طرد وترحيل) وسحب صلاحيات من الجيش والشرطة لصالحهم، وهو الأمر الذي أثار موجة احتجاج وتذمر في حزبه نفسه (الليكود)، إذ قبل له «لقد تركت لنا الفتات».
واليوم يثير هذا الوضع أجواء قلق لدى الحلفاء في الولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول العربية، وحتى لدى يهود الولايات المتحدة.
في سياق متصل، منذ الأيام الأولى للحكومة يبدي نتنياهو ووزراؤه من اليمين المتطرف إصراراً بالغاً على المضي قدماً في مشروعهم.
وبعد أسبوع واحد فقط من الحكم، خرج نحو 30 ألف شخص في مظاهرة احتجاج، ضد ما اعتبروه «انقلاباً خطيراً على نظام الحكم».
كذلك حذّر كبار الجنرالات، بمن في ذلك عدد كبير من رؤساء أركان الجيش وقادة الشرطة والعلماء في الأكاديميات ووسائل الإعلام والخبراء في الاقتصاد ورجال الأعمال، من تبعات مشروعات الحكم.
ومثلهم، حذر قادة الأحزاب العربية من هجمة جديدة على حقوق المواطنين العرب، والمساس بمواطنتهم، وبحرية التعبير، ومن تصعيد في البطش السياسي.
بل، ولوّح رئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك، الذي شغل منصب وزير دفاع في حكومة نتنياهو ومنصب رئيس أركان الجيش، ومعه وزير الدفاع السابق موشيه يعلون ومعهما عشرات الشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية، بالدعوة إلى العصيان المدني من أجل إرغام نتنياهو على لجم هجمته لتغيير الحكم.
ووفق باراك، فإن «هذه حكومة تستخدم الديمقراطية لغرض تدميرها من الداخل. وفي حالة مثل هذه لن تكفي النقاشات في الكنيست والإعلام لثنيها عن غيها. ولا بد من وسائل أخرى يتجند فيها الشعب وينزل إلى الشارع لحماية الديمقراطية».
تشكيلة نتنياهو الوزارية... حكومة انقلاب أم امتداد؟
تشكيلة نتنياهو الوزارية... حكومة انقلاب أم امتداد؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة