الرياضة علاج حقيقي لاكتئاب المراهقين

الرياضة علاج حقيقي لاكتئاب المراهقين
TT

الرياضة علاج حقيقي لاكتئاب المراهقين

الرياضة علاج حقيقي لاكتئاب المراهقين

على الرغم من أن التأثير الإيجابي لممارسة الرياضة على الصحة النفسية أمر متعارف عليه؛ فإن ما يثير الدهشة أن هذا الاعتقاد ليس مجازياً؛ بل إن الرياضة يمكن أن تعالج بالفعل المراهقين الذين يعانون الاكتئاب، وذلك حسب أحدث دراسة تناولت الحالة النفسية للمراهقين، ونشرت في مطلع شهر يناير (كانون الثاني) من العام الجاري، في مجلة الرابطة الطبية الأميركية لطب الأطفال JAMA Pediatrics.
وتأتي الدراسة في محاولة للإجابة بشكل عملي على سؤال مهم: هل النشاط البدني والتمارين الرياضية مفيدان بشكل عملي للأطفال الذين يعانون أعراض الاكتئاب أم لا؟

- اكتئاب المراهقين
أوضح الباحثون من جامعتي إلينوي وجورجيا بالولايات المتحدة، بعد أن قاموا بتحليل بيانات من 21 دراسة سابقة تم إجراؤها على 2400 طفل، أن برامج التمارين الرياضية الخاضعة للإشراف الطبي ساهمت بشكل واضح في انخفاض حدة أعراض الاكتئاب «depression» بين الأطفال والمراهقين، كما تمت استجابتهم بشكل أفضل للعلاج؛ سواء الدوائي أو النفسي، وقللت من حدوث نوبات الهلع «panic attack» للحد الأدنى. واستطاع معظم الأطفال التعامل مع مخاوفهم المختلفة بشكل أقرب ما يكون للطبيعي، وذلك بالمقارنة بالأطفال الآخرين الذين يعانون الأعراض نفسها ولا يمارسون أي نوع من الرياضة.
وأوضحت الدراسة أن ممارسة الرياضة لوقت معين تساعد في التخلص من الحالة النفسية السيئة. وذكرت أن هذه المدة يجب أن تكون في حدود ساعة في المرة الواحدة لمدة 3 أيام في الأسبوع، ولا يشترط نوع معين من الرياضات، ولكن يكفي عمل نشاط بدني منتظم مهما كان بسيطاً.
والجدير بالذكر أن هذه الملاحظات تتفق مع التوصيات الحكومية للصحة العامة في الولايات المتحدة، بضرورة ممارسة الرياضة بشكل منتظم لكل من الأطفال والبالغين على حد سواء، لمدة تتراوح بين 75 و150 دقيقة أسبوعياً.
وجدت الدراسة أيضاً أن برامج التمارين الرياضية التي تقل مدتها عن 12 أسبوعاً كان لها فوائد أكبر على الصحة النفسية، وربما يكون ذلك راجعاً للمشاعر الإيجابية السريعة؛ حيث تمنح الرياضة شعوراً بالاسترخاء والتخلص من التفكير السلبي والقلق، فضلاً عن الإحساس بالإنجاز حتى في أبسط التمرينات، وهو الأمر الذي يجعل هذه التمارين أشبه بعلاج نفسي من دون أي محاولات صريحة، حتى لا يقاوم المريض العلاج.
تعتبر هذه النتائج مهمة جداً؛ خصوصاً بعد المشكلات النفسية المتعددة التي اجتاحت العالم كله بعد جائحة «كورونا»، وأيضاً الأزمات العالمية الأخرى التي أثرت بالسلب على الحالة النفسية للأفراد؛ خصوصاً الأطفال والمراهقين.
وحسب التقارير الصادرة من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأميركية (CDC) هناك على وجه التقريب واحد من كل 4 مراهقين حاول البحث مؤخراً عن علاج للصحة النفسية وتلقي المشورة وطلب الدعم النفسي في عام 2021، كما انتشر استخدام الأدوية المهدئة.

- فوائد التمارين
تبعاً لهذه الدراسة، يمكن للرياضة أن تقوم بدور فعال في حماية الشباب من خطر الاكتئاب الذي يعتبر ثاني أهم سبب لاعتلال الصحة النفسية بين المراهقين في الولايات المتحدة، بعد القلق المرضي «anxiety». كما أن الاكتئاب المزمن من دون علاج يمكن أن يؤدي إلى إقدام المراهق على محاولة الانتحار التي تعتبر أكبر خطر صحي يهدد المراهقين الأميركيين؛ حيث يعتبر الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين هذه الفئة العمرية بعد الحوادث، ومتقدماً على أي مرض آخر بما فيها الأورام المختلفة. وهناك نسبة تصل إلى 67 في المائة من المراهقين الذين يعانون أعراض الاكتئاب معرضة لخطر الإصابة بالاكتئاب الكامل أو القلق لاحقاً في مرحلة البلوغ.
وجد الباحثون أن المراهقين كانوا هم الفئة الأكثر استفادة من التمارين الرياضية، وذلك بعد التجارب الإكلينيكية التي شارك فيها الأطفال والمراهقون في برامج النشاط البدني المختلفة؛ سواء كانت هذه المشاركات من أجل الصحة النفسية، مثل مرض فرط النشاط ونقص الانتباه «ADHD» أو مشاركات لمكافحة السمنة، أو الأنشطة التعليمية الأخرى (وبغض النظر عن الأسباب. وكانت عند جميع المشاركين أعراض واضحة للاكتئاب). وكانت أكبر فائدة حدثت لدى المشاركين الذين تزيد أعمارهم عن 13 عاماً. يعتقد الباحثون أن السبب في استفادة المراهقين فوق عمر 13 عاماً، هو ضعف النشاط البدني كلما تقدمت المراحل التعليمية، وهو الأمر الذي يمهد لتفاقم أعراض الاكتئاب بمجرد أن يدخل الطفل المدرسة الإعدادية، والتركيز على المواد الدراسية النظرية أكثر من النشاط الرياضي المنتظم الذي يمارسه الأطفال الأصغر عمراً.
وفي الأغلب، فإن الطفل الذي يصاب بالاكتئاب في هذه المرحلة تستمر حالته هذه بعد ذلك إلى المدرسة الثانوية، وحتى مرحلة البلوغ. وأشار الباحثون إلى أن الخمول وعدم الرغبة في فعل أي نشاط من أي نوع يعتبران من أهم علامات الاكتئاب، ولذلك يعتبر مجرد ممارسة الرياضة نوعاً من التدخل العلاجي والتنشيط السلوكي «behavioral activation».
أكد العلماء على وجود عدة أسباب تجعل النشاط البدني يساهم في تخفيف الاكتئاب، ومنها إفراز المخ هرموناً معيناً في أثناء الرياضة، وهو الإندورفين «endorphin» الذي يعزز الشعور بالراحة ويحسن المزاج العام للطفل ويجعله يشعر بتحسن من خلال تحسن الجسم؛ سواء على مستوى الشكل أو على مستوى الصحة والإنجاز، وأيضاً من خلال تنظيم معدلات النوم الكافي نتيجة للمجهود والاستيقاظ بشكل أفضل، مما يقلل من الشعور بالتعب في أثناء اللعب، وبالتالي ينعكس بطريقة إيجابية -بشكل غير مباشر- على الصحة النفسية، فضلاً عن تنمية مهارات التواصل الاجتماعي مع الأقران المشاركين في التمرينات، وأيضاً يحسن التوصيلات العصبية في المخ.
* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».