لا تعبير يضاهي مقولة «عندما ينطق الحجر» للحديث عن الأعاجيب والأمور المستعصية، إلا أن الأحجار باتت تنطق فنا وبلاغة وبياناً، في «ملتقى طويق للنحت»، الذي ينظّم حالياً في مدينة الرياض، حيث يطوّع النحاتون صلابة الحجر بخفة وبراعة، على الرغم من أن فن النحت كان ولا يزال من أصعب الفنون التشكيلية، إلى جانب عتاقته ولغته التعبيرية العالية.
في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، تختزل سارة الرويتع، مديرة «ملتقى طويق للنحت» ذلك بالقول «في كل سنة نحرص على استقطاب أبرز فناني النحت من المملكة العربية السعودية ومختلف دول العالم، لتقديم أعمال فنية ملهمة تحتضنها أرض الرياض». وتشير بحماسة إلى نسخة العام الحالي، قائلة «نعدكم أن تعيشوا معنا تجربة استثنائية لمراحل تحوّل كتلة بلا معنى إلى عمل فني إبداعي؛ يزيد من جمال الرياض ورونقها».
وتبدو العلاقة الملاصقة بين فن النحت وتاريخ الفنون طاغية منذ الأيام الأولى للملتقى الذي يمتد إلى الثاني من شهر فبراير (شباط) المقبل، باعتبار النحت من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان، وأبرز فنون الحضارات القديمة، وهو ما يتجسّد في الأعمال الفنية التي تركز على الأصالة وجوهر المعنى، فلا عبثية في الأمر، بل إن لكل منحوتة قصتها وتعبيرها الفني المنفرد.
- النحت بروح عصرية
لدى النظر إلى فن النحت بإرثه العتيق المرتبط بالإزميل وأدوات التشكيل البدائية، يظهر دور «طويق للنحت» في إكسابه سبغة معاصرة من حيث الهويّة الفنية؛ إذ إن الفن الذي يعود عمره لأكثر من 4500 سنة قبل الميلاد، يصافح المدينة النابضة بالحياة ليحمل الكثير من روحها المتجددة؛ إذ من المتوقع أن تنتقل المنحوتات النهائية إلى مواقع عامة في أنحاء الرياض، كما توضح الرويتع «يسهم هذا في تحقيق هدف مشروع (الرياض آرت)، في تحويل العاصمة إلى (معرض فني مفتوح يمزج بين الأصالة والمعاصرة)».
- من الكتلة إلى المعنى
لأول مرة، يستخدم فنانو «طويق 2023»، أحجاراً من المملكة، لتُحوّل من كتلِ صخرية إلى أعمال فنية إبداعية، وتتميز الأحجار المختارة بصلابتها، وهذا يأتي مع استراتيجية المشروع في الاستفادة من جميع موارد الوطن، كما تكشف مديرة ملتقى «طويق للنحت» خلال حوارها مع «الشرق الأوسط».
بسؤال الرويتع عن إقبال النحاتين على المشاركة، تشير إلى أنه خلال دورة العام الحالي؛ يشارك في النحت الحي 30 نحّاتاً من السعودية ومن مختلف أنحاء العالم، من الذين رشحتهم لجنة من خمسة خبراء في عالم النحت.
وتتابع «وجود مزيج من الفنانين المحليين والعالميين سيُلهم المشاركين أثناء نحتهم، وذلك عندما يدور بينهم نقاش عن الأعمال والخبرات والتعرف على ثقافاتهم المختلفة».
ولكن كيف جاء اختيار هؤلاء الفنانين؟ تجيب الرويتع «من خلال لجنة تتكون من 5 خبراء محليين وعالميين مختصين في مجال النحت. خلال السنة الحالية كانت المنافسة شديدة جداً، فقد استقبلنا أكثر من 650 طلباً للمشاركة من 61 دولة من حول العالم، وبعد دراستها جميع الطلبات رشحت اللجنة 30 فناناً من 20 دولة للمشاركة في هذه النسخة؛ لتكون الفرصة متاحة لجميع النحاتين في النسخ المقبلة».
- قصة البداية
تشير سارة الرويتع إلى قصة هذا الحدث، مبينة أن «طويق للنحت» يُشكل أحد برامج مشروع «الرياض آرت»، الذي يعد واحداً من مشاريع الرياض الأربعة الكبرى، التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بقيادة وإشراف ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ويهدف إلى تحويل العاصمة إلى معرض فني مفتوح يمزج بين الأصالة والمعاصرة، وإطلاق العنان للتعبير الفني، وتحفيز الاقتصاد الإبداعي في المدينة.
وتتابع قائلة «هو برنامج يحكي عن المشهد الفني من خلال النحت الحي، ويستخدم الفن كلغة عالمية توصل رسالتها للمجتمع المحلي والعالمي». وأبانت، أن «طويق للنحت» الذي يُنظّم في ضاحية «درة الرياض» تحت شعار «مدى الانسجام»، يعمل على إنشاء منصة عالمية للحوار بين الثقافات مع الفنانين القادمين من جميع أنحاء العالم، وتبادل الخبرات التي تعبّر عن الإلهام الإبداعي.
- قائمة الفنانين
وحسب الرويتع، فإن أهمية البرنامج تكمن في جمع الفنانين والجمهور وإيصال فن النحت ليكون في متناول الجميع لتوسيع فهمه وتقديره، بالإضافة إلى تثقيف وإحداث التغيير الاجتماعي في السعودية.
وتشتمل القائمة 30 فناناً اختيروا من 20 دولة، وهم: من بلغاريا أغنسا بيتروفا، وليليا بوبورنيكوفا؛ وألكسندر فوفخادزي من جورجيا؛ وآنا ماريا نيقارا من رومانيا؛ ومن السعودية هناك كل من زهراء المدلوح، وفهد الجبرين، ومحمد الفارس، ومحمد الثقفي، ونهى الشريف، ورجاء الشافعي، ووفاء القنيبط، وطلال الطخيس؛ والفنانة بيرثا شورتيس من سويسرا، وداميان كوميل من سلوفينيا، والمغربي إكرام القباج، ومن ألمانيا كل من الفنانين خافيير الفاريز ورولاند هوفت، والإسباني خوسيه كارلوس كابيلو ميلان، والأوكرانية ليودميلا ميسكو، والمصري محمد الصياد، والإيطالي مارينو دي بروسبيرو، والتركية نيلهان سيسالان يوزيفير، والصيني كيان سيهوا، والبريطاني روب جود، والفرنسي روبرت يانيك، والمقدوني ساشو سازدوفسكي، والنمساوي ستيفان إسترباور، والفنان البلجيكي سيلفان بات، واليابانية تاتسومي ساكاي، والروسية فاسيليسا تشوغونوفا.