صبت «وثائق بايدن السرية» الزيت على نار الغضب الجمهوري من وزارة العدل الأميركية. وسارع الجمهوريون إلى توجيه اتهامات بـ«ازدواجية المعايير» في التعاطي مع قضايا من هذا النوع، مسلطين الضوء على وجهين أساسيين: الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب، والرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يتهم فيها الجمهوريون وزارة العدل بـ«تسييس تحقيقاتها»، فإن التوقيت هذه المرة مختلف. فالحزب الجمهوري يتمتع بالأغلبية في مجلس النواب، ونفوذه أكبر بكثير من نفوذ الأقلية التي شغلها خلال العامين المنصرمين، مع بدء التحقيقات في ترمب.
وبدا هذا واضحاً عبر البنود الأولى على أجندة الحزب في الكونغرس الجديد، فبمجرد انعقاد جلساته بشكل رسمي، سارع الجمهوريون إلى الموافقة على إنشاء لجنة معنية بالنظر في «تسييس الحكومة الأميركية للتحقيقات». وحظيت اللجنة بدعم 221 جمهوريا ومعارضة 211 ديمقراطيا، في إشارة واضحة إلى الانقسامات الحزبية العميقة حيال الملف. لكنّ الجمهوريين انتظروا هذه اللحظة طويلاً، ولن تحول هذه الانقسامات دون تنفيذ وعودهم الانتخابية بالتحقيق في عمل وزارة العدل الأميركية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» الذي يقع تحت سلطتها. وجاء توقيت الكشف عن «وثائق بايدن» ليزود هذه الوعود بوقود سياسي ثمين.
وتحدث النائب الجمهوري دون باكون عن تشكيك حزبه بأداء وزارة العدل والـ «إف بي آي» على خلفية التحقيقات بترمب، فأشار إلى وجود «شريحة كبيرة من الأميركيين الذين فقدوا الثقة بقيادة هذه المؤسسات، وليس بموظفيها. وسيكون من المفيد أن نسلط الضوء على ما يجري ونرى ما إذا كانت هناك مشكلة فعلية». وأشار باكون، وهو من المعتدلين الجمهوريين، إلى موضوع الكشف عن وثائق بايدن، معتبراً أنها نقطة أساسية «تثبت لماذا يجب أن يتم النظر في الموضوع».
وفيما لا تزال تفاصيل الوثائق التي تم العثور عليها في مكتب بايدن القديم غير مكتملة، لم يتردد الجمهوريون بمقارنة «وثائق ترمب» بـ«وثائق بايدن»، خاصة بعد تصريحات للرئيس السابق يشير فيها إلى عدم اقتحام «إف بي آي» «منازل» بايدن على خلاف مارالاغو.
وقال رئيس لجنة المراقبة والإصلاح الحكومي الجمهوري جايمس كومر إن «(إف بي آي) نفذ عملية دهم لمقر إقامة الرئيس السابق ترمب بسبب الانتهاك نفسه… لماذا لم يواجه الرئيس بايدن عملية دهم من هذا النوع، رغم أنه ترك وثائق سرية في موقع غير آمن لأعوام؟»، وختم كومر بالقول خلال عملية التصويت على إنشاء اللجنة الخاصة: «هل يعود ذلك إلى وجود نظام عدالة مزدوج المعايير؟».
لجان وتحقيقات
لن يقتصر نفوذ الجمهوريين على هذه اللجنة الخاصة فحسب، بل يتعداها إلى لجان مختصة أخرى في مجلس النواب ستنظر في قضيتي ترمب وبايدن، كاللجنة القضائية التي يترأسها أحد مناصري ترمب الشرسين جيم جوردان. فمن إحدى صلاحيات اللجنة الأساسية «التحقيق في تحقيقات جنائية جارية»، ما يعني أنها تستطيع النظر عن قرب في هاتين القضيتين والحصول على معلومات مرتبطة بهما.
لجنة أخرى سوف تنظر في القضية هي لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، واستبق رئيسها الجمهوري مايك تورنر الأمر عبر إرسال طلب رسمي لمديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز لمراجعة المعلومات السرية التي تم اكتشافها في مكتب بايدن، وتقييم الأضرار الناجمة عنها. وذهب تورنر إلى أبعد من ذلك، فقال إن «اكتشاف المعلومات السرية يضع الرئيس بايدن في موقع انتهاك محتمل للقوانين التي تحمي أمننا القومي، بما فيها قانون التجسس وقانون الوثاق الرئاسية». وهذه إشارة واضحة إلى دفع الجمهوريين لوزارة العدل لتوجيه التهم نفسها التي يواجهها ترمب لبايدن.
لجنة ثالثة ستنظر في القضية أيضاً، هي لجنة المراقبة والإصلاح الحكومي، فقد أرسل رئيسها جايمس كومر رسائل إلى الأرشيف الوطني والبيت الأبيض يطالب فيها بتسليم وثائق ومعلومات مرتبطة بالوثائق السرية التي تم العثور عليها، وطبيعتها والأشخاص الذين اطلعوا عليها.
تشكيك بالتوقيت
رغم إصرار البيت الأبيض على الإشارة إلى التعاون مع المحققين منذ العثور على هذه الوثائق في مكتب بايدن القديم، فإن الجمهوريين شككوا بالرواية من زاوية مختلفة. فبحسب المعطيات، تم العثور على هذه الوثائق في 2 نوفمبر (تشرين الثاني)، أي قبل أيام قليلة من الانتخابات النصفية، ولم يتم الكشف عنها سوى في اليومين الماضيين بعد تسريبات لشبكة (سي بي إس). وتحدث رئيس اللجنة القضائية جيم جوردان عن هذه المسألة قائلاً: «المثير للاهتمام بصراحة هو أنهم علموا بذلك قبل أسبوع من الانتخابات. لربما كان الأميركيون بحاجة ليعلموا ذلك قبل التصويت».
زاوية أخرى طرحها جوردان في معرض مقارنته بين قضيتي ترمب وبايدن هي زاوية «صلاحيات الرئيس ونائبه». فأشار النائب الجمهوري إلى أنه، وعلى خلاف الرئيس، لا يمكن لنائب الرئيس رفع السرية عن الوثائق. وبما أنه تم العثور عليها في مكتب بايدن تعود إلى عهده كنائب رئيس، تساءل جوردان ما إذا كان هذا التفصيل سيؤدي إلى تبعات قضائية جديدة بحق بايدن. فقال: «المحكمة العليا واضحة في أن الرئيس وحده هو الذي يتمتع بصلاحيات رفع السرية عن الوثائق. إذن إذا كانت هناك وثائق سرية موجودة هناك، فهذه قضية ضخمة».
مواقف ديمقراطية
وضعت قضية وثائق بايدن الديمقراطيين في موقف دفاعي حرج. وعمد عدد كبير منهم إلى الدفاع عن بايدن، مشيرين إلى اختلافات جذرية بين الحالتين. فالوثائق التي عثر عليها في مكتب الرئيس لا تتعدى 12 وثيقة بحسب المعلومات الأولية، مقابل نحو 320 وثيقة عثر عليها لدى ترمب. كما أشاروا إلى أن البيت الأبيض يتعاون بشكل حثيث مع المحققين، مقابل عرقلة فريق ترمب لعمل المحققين ورفضه تسليم الوثائق رغم طلبات رسمية عدة من «إف بي آي»، الأمر الذي أدى إلى مداهمة مارالاغو.
في المقابل، حذر عدد من الديمقراطيين من اتخاذ مواقف مسبقة قبل الاستماع إلى تفاصيل قضية بايدن، كالنائب الديمقراطي جاري هافمن الذي قال إن «على الديمقراطيين أن يكونوا حذرين من عدم الظهور بمظهر داعمي المعايير المزدوجة. نريد أن نرى شفافية كاملة ومحاسبة، وإذا ارتكب أحدهم خطأ ما، فيجب أن يعترف بالخطأ كي نتخطى الأمر».
وأقر الكونغرس قانون «السجلات الرئاسية» في عام 1978 بعد فضيحة «ووترغيت» ومحاولات الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون إتلاف مستندات رئاسية. ووفق القانون، على الرؤساء الاحتفاظ بكل الوثائق التي تم تداولها في البيت الأبيض وتسليمها للأرشيف الوطني لدى انتهاء عهد كل منهم.
الجمهوريون يتهمون بايدن بـ«ازدواجية المعايير»
أسسوا لجنة لبحث «تسييس التحقيقات»
الجمهوريون يتهمون بايدن بـ«ازدواجية المعايير»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة