ما الذي تنتظره تركيا من تطبيع علاقاتها مع الأسد؟

مقاتلون من فصيل «أحرار الشام» المدعوم من تركيا في موقع عسكري بقرية تل جيجان شمال مدينة الباب بريف محافظة حلب يوم الأحد (أ.ف.ب)
مقاتلون من فصيل «أحرار الشام» المدعوم من تركيا في موقع عسكري بقرية تل جيجان شمال مدينة الباب بريف محافظة حلب يوم الأحد (أ.ف.ب)
TT

ما الذي تنتظره تركيا من تطبيع علاقاتها مع الأسد؟

مقاتلون من فصيل «أحرار الشام» المدعوم من تركيا في موقع عسكري بقرية تل جيجان شمال مدينة الباب بريف محافظة حلب يوم الأحد (أ.ف.ب)
مقاتلون من فصيل «أحرار الشام» المدعوم من تركيا في موقع عسكري بقرية تل جيجان شمال مدينة الباب بريف محافظة حلب يوم الأحد (أ.ف.ب)

تتصاعد التساؤلات في تركيا وخارجها وبين الدوائر المتابعة والمهتمة بالشأن السوري مع كل تصريح جديد يصدر عن أنقرة بشأن التقارب مع نظام الرئيس بشار الأسد حول الأهداف التي تدفع تركيا الآن إلى الاندفاع في خطوات التطبيع مع دمشق.
في أحدث هذه التصريحات، عبّر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عن أمله أن تسهم المحادثات بين تركيا وسوريا في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، مشيراً إلى أن تلك المحادثات، التي تأتي بعد قطيعة استمرت لأكثر من 11 عاماً، جرت بنيات حسنة ومن أجل إحلال السلام في المنطقة.
تصريحات أكار، الذي شارك في الاجتماع الثلاثي الذي جمعه مع نظيريه الروسي والسوري في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي بحضور رؤساء أجهزة مخابرات الدول الثلاث، جاءت عقب أول اجتماع لوزراء الحكومة التركية برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان في العام الجديد، مساء الاثنين، ليؤشر إلى استمرار حضور الملف السوري على طاولة الحكومة كإحدى الأولويات على أجندتها.
وكان إردوغان قد لمّح، الأسبوع الماضي، إلى أنه يمكن أن يلتقي الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قريباً، عقب اجتماع ثلاثي لوزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا، لم يحدد مكانه أو موعده بعد، إلا أنه ربما يعقد خلال شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، وفق تصريحات من أنقرة وموسكو. وفيما قال إردوغان إن الهدف من مثل هذا اللقاء هو تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، واصل أكار، أمس، التأكيد على الهدف ذاته. إذ أعرب عن أمله في أن يحل السلام والاستقرار عن طريق اللقاءات المتبادلة.
وكرر الوزير التركي الحديث عن أهداف بلاده من السير في طريق التطبيع مع الأسد، ولخصها في السعي لإيجاد حلول دائمة لمشكلتي الإرهاب (وجود «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية - قسد» على الحدود التركية مع سوريا)، والهجرة (نزوح السوريين إلى تركيا)، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة السوريين إلى بلادهم بشكل طوعي وآمن.

دوافع التطبيع

أما لماذا الآن؟ وما دوافع تركيا للتحرك باتجاه التطبيع مع الأسد؟ وما العوامل التي تدفعها إلى ذلك؟ الإجابة عن هذه التساؤلات تكمن في أن هناك الكثير من المتغيرات والعوامل المحركة للرغبة التركية في إعادة العلاقات، كلياً أو جزئياً، مع نظام الأسد. فعلى مدى ما يقرب من 12 عاماً منذ وقوع «الثورة» على النظام، حدثت متغيرات دولية وإقليمية كثيرة دفعت تركيا إلى تغيير حساباتها بعدما بنت حساباتها منذ البداية على سقوط الأسد ونظامه بسرعة البرق.
وإذا كان الحراك التركي نحو التقارب مع الأسد قد بدا في ذروته في الأشهر الأخيرة، فإنه ليس كذلك في واقع الأمر، فقد بدأ بشكل غير رسمي عقب التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 لمساندة نظام الأسد، وهو ما حال دون سقوط هذا النظام وغيّر موازين القوى على الأرض. ويتلاقى هذا الموقف في بعض النقاط مع الموقف الأميركي، لا سيما فيما يتعلق بمواجهة التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتشددة، وتحجيم التمدد الإيراني عبر مساندة النظام.
في الوقت ذاته كانت دفة السياسة الخارجية التركية تتحول شرقاً، لا سيما بعد شعور أنقرة بـ«الخذلان» من حلفائها الغربيين بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها في 15 يوليو (تموز) 2016. فبينما وجدت حكومة إردوغان دعماً من جانب موسكو، لم تحصل على مثل هذا الدعم من جانب الولايات المتحدة وأوروبا بسبب اتساع نطاق الطوارئ والاعتقالات والتضييق على المعارضة وحرية التعبير، أو ما عده الغرب استغلالاً لمحاولة الانقلاب من جانب الرئيس التركي للقضاء على كل معارضيه بضربة واحدة، وفي مقدمهم حليفه السابق الداعية فتح الله غولن وحركة «الخدمة» التي صنّفتها أنقرة تنظيماً إرهابياً باسم «تنظيم فتح الله غولن» عقب محاولة الانقلاب.
يضاف إلى ذلك الامتعاض التركي من دعم الولايات المتحدة قوات «قسد»، التي يغلب على تكوينها «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تعدها أنقرة امتداداً سورياً لـ«حزب العمال الكردستاني»، المدرج على قوائم الإرهاب في تركيا والولايات المتحدة وأوروبا، والنظر إليها (أي «قسد») كحليف وثيق لواشنطن في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي.
ورأت أنقرة بعد سنين من إعلان العداء لنظام الأسد والمطالبة بإسقاطه، أن البيئة الدولية والإقليمية تغيّرت، وأنه أصبح هناك ما يشبه «المزاج العام» لجهة القبول ببقاء نظام الرئيس السوري، لأنه أقل ضرراً من الإرهاب الذي عشش في بلاده.
ووجدت تركيا أن التمادي في التنسيق مع روسيا هو الحل في ظل تقلص الوجود الأميركي والإصرار على دعم «قسد»، وتهيأت لتركيا الظروف من خلال مشاركتها مع روسيا وإيران، كدول ضامنة لمسار آستانة، الذي بات يُنظر إليه على أنه البديل لمسار جنيف، وهو ما ضَمِن لتركيا تثبيت وجودها العسكري في مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا دون اصطدام مع النظام أو روسيا وإيران.
إقليمياً، اكتشفت تركيا أن عليها أن تعيد النظر في السياسات التي تبنتها منذ ما عُرف بـ«الربيع العربي»، وأن عليها أن تراجع علاقاتها المتدهورة في محيطها الإقليمي، فبدأت بالتحرك لتحسين علاقاتها إقليمياً بعدما اختفت من الصورة الأنظمة التي أتت بعد «الربيع» ودعمتها تركيا بكل قوة، فضلاً عن ازدياد الضغوط الاقتصادية عليها، ومحاولتها استعادة الاستثمارات الخليجية والأسواق العربية والطرق التي كانت متاحة للوصول السريع لبضائعها إلى الخليج وأفريقيا والتي تشكل سوريا إحدى نقاطها المهمة.
وإلى جانب المتغيّرات الدولية والإقليمية، فهناك عوامل داخلية ضاغطة على إردوغان وحكومته، فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية الداخلية في تركيا نجحت أحزاب المعارضة في إبراز ملف اللاجئين السوريين واستخدامه في تأجيج حالة الاستقطاب السياسي ونقله من المربع الإنساني إلى دائرة الصراع السياسي. وظهر توافق واسع بين أحزاب المعارضة على فكرة إعادة العلاقات مع نظام الأسد من أجل النجاح في تسوية ملف اللاجئين الذي بات إحراز تقدم فيه مطلباً شعبياً في تركيا، وهو ما دفع إردوغان إلى التحرك السريع لنزع هذه الورقة المؤثرة من أيدي المعارضة ومحاولة إحراز تقدم فيها حتى لا يفقد السلطة التي احتفظ بها على مدى 20 عاماً.
وعلى الرغم من أنه يوجد في تركيا ما يشبه الإجماع على قبول التطبيع مع الأسد، فإن هناك تسليماً بأنه لا يجب انتظار الكثير من هذا الأمر، لا سيما إذا كان من يقوده هو إردوغان، فباستثناء الانتهاء من ملف اللاجئين عبر الحصول على ضمانات من النظام، لا ترى الدوائر السياسية أنه يمكن أن يكون هناك ما يفيد على صعيد مكافحة الإرهاب والقضاء على تهديدات «الوحدات» الكردية عبر النظام الذي سلّم مفاتيح شمال سوريا لـ«العمال الكردستاني». ويشكك بعض الكتّاب المحسوبين على المعارضة، ومنهم الكاتب في صحيفة «قرار»، عثمان سرت، في إحراز نجاح فيما يتعلق بإعادة اللاجئين. إذ يقول سرت في هذا الإطار إنه «ليس هناك أي سبب لإقناع اللاجئين في تركيا بالعودة إلى سوريا، فحتى الذين هناك يعانون من الأزمة الاقتصادية. وليس هناك ما يَضمن أنه إذا انسحب الجيش التركي من شمال سوريا، لن يجد المدنيّون طريقاً للعبور إلى تركيا». وذهب إلى أن الاستعجال في خطوات التطبيع، حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا العام الماضي، «يدل على انعدام البصيرة، كما لو أن تركيا لم تراكم قوّة في وضعها الجيوسياسي بسبب موقفها من الحرب الأوكرانية، ولذلك تدفع تكلفة عالية لقرارات ظرفيّة تتطلب اتباع مسار ديناميكي، وأن الحكومة لا تنظر إلا إلى ما قد تقوم به روسيا من تأجيل ديون الطاقة إلى ما بعد الانتخابات، بينما المجتمع التركي أرهقته مسألة اللاجئين ويريد لهم العودة بأي ثمن لكن قدرة سوريا على الاستيعاب والحقائق على أرضها غير كافية لملء عناوين مثل: ها هي أولى خطوات التطبيع»، حسبما يقول سرت.
وفي الواقع، يسود اعتقاد لدى صانعي القرار في تركيا بأن عملية التطبيع مع النظام السوري ستأخذ وقتاً طويلاً، حتى لو عقد لقاء بين إردوغان والأسد قريباً، وأن العملية الجارية مع النظام ستكون ناجحة إذا تمكنت تركيا من خلالها من تحقيق أهدافها الرئيسية المتمثلة في التعاون لإنهاء تهديد «قسد» ومشروع إقامة دولة كردية على حدودها، وضمان مشروعية للوجود العسكري التركي في شمال سوريا عبر اتفاق مع روسيا والنظام على الاحتفاظ ببعض النقاط على غرار ما هو قائم في شمال العراق. وهذا الأمر مرفوض من جانب روسيا قبل النظام السوري. وعبّرت موسكو صراحة من قبل عن رغبتها في العمل بموجب اتفاقية أضنة للعام 1998 التي تسمح للقوات التركية بالتوغل في الأراضي السورية لمسافة 5 كيلومترات حال وجود خطر على أمن البلاد، بينما لا تثق أنقرة بقدرة النظام على السيطرة التامة على الحدود، وتوفير ضمانات تسهّل لتركيا إعادة اللاجئين.
ويرى مراقبون أن أي عملية لإعادة العلاقات مع نظام الأسد إلى طبيعتها كما كانت قبل 2011 لن تكون بالأمر السهل، رغم محاولات موسكو إحداث اختراق، وأن لقاء إردوغان والأسد على المدى القصير لن يخرج عن كونه «حملة دعاية روسية مستعجلة»، لأن الوزراء والمؤسسات الأخرى بحاجة إلى مناقشة الموضوع وعرضه على الرؤساء لتوضيح خطوط معينة، وخلافاً لذلك سيكون أي لقاء عاجل مجرد «مناسبة لالتقاط الصور»، حسبما قال المحلل التركي ليفنت كمال.


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».