تقنية جديدة تكشف عالما خفيا من الأحياء لم نشهده من قبل

تقنية جديدة تكشف عالما خفيا من الأحياء لم نشهده من قبل
TT

تقنية جديدة تكشف عالما خفيا من الأحياء لم نشهده من قبل

تقنية جديدة تكشف عالما خفيا من الأحياء لم نشهده من قبل

تتكون الحياة كلها من خلايا أصغر بعدة مقادير من حبة ملح؛ حيث تخفي هياكلها التي تبدو بسيطة المظهر النشاط الجزيئي المعقد الذي يمكّنها من تنفيذ الوظائف التي تحافظ على الحياة. وقد بدأ الباحثون في تصوّر هذا النشاط إلى مستوى من التفاصيل لم يكونوا قادرين عليه من قبل. إذ يمكن تصّور الهياكل البيولوجية إما من خلال البدء على مستوى الكائن الحي بأكمله والعمل لأسفل، أو البدء على مستوى الذرات المفردة والعمل. ومع ذلك، كانت هناك فجوة في الدقة بين الهياكل الأصغر للخلية، مثل الهيكل الخلوي الذي يدعم شكل الخلية، وأكبر هياكلها مثل الريبوسومات التي تصنع البروتينات في الخلايا.
وبالقياس على خرائط غوغل؛ فبينما كان العلماء قادرين على رؤية مدن ومنازل فردية بأكملها، لم يكن لديهم الأدوات اللازمة لمعرفة كيف اجتمعت المنازل لتشكيل أحياء.
وتعتبر رؤية هذه التفاصيل على مستوى الحي أمرًا ضروريًا للقدرة على فهم كيفية عمل المكونات الفردية معًا في بيئة الخلية.
أما الأدوات الجديدة فتعمل على سد هذه الفجوة بشكل مطرد. وان التطوير المستمر لتقنية معينة (التصوير المقطعي بالإلكترون بالتبريد أو cryo-ET) فلديه القدرة على تعميق كيفية دراسة الباحثين وفهمهم لكيفية عمل الخلايا في الصحة والمرض، وذلك وفق ما أفاد جيريمي بيرج أستاذ علم الأحياء والأنظمة الحاسوبية نائب رئيس أول مشارك لاستراتيجية العلوم والتخطيط بجامعة بيتسبرغ رئيس التحرير السابق لمجلة العلوم الباحث الدارس لهياكل بروتينية كبيرة يصعب تصورها لعقود من الزمن، الذي أكد «أننا نشهد تقدمًا مذهلاً في تطوير الأدوات التي يمكنها تحديد الهياكل البيولوجية بالتفصيل. فمثلما يصبح من الأسهل فهم كيفية عمل الأنظمة المعقدة عندما تعرف كيف تبدو، فإن فهم كيفية ملاءمة الهياكل البيولوجية معًا في الخلية هو المفتاح لفهم كيفية عمل الكائنات الحية»، وذلك وفق ما نشر موقع «ساينس إليرت» العلمي المتخصص، نقلا عن The Conversation.

تاريخ موجز للفحص المجهري

في القرن السابع عشر الميلادي، كشف الفحص المجهري الضوئي لأول مرة عن وجود الخلايا. وفي القرن العشرين، قدم الفحص المجهري الإلكتروني مزيدًا من التفاصيل وكشف عن الهياكل المعقدة داخل الخلايا، بما في ذلك العضيات مثل الشبكة الإندوبلازمية؛ وهي شبكة معقدة من الأغشية التي تلعب أدوارًا رئيسية في تخليق البروتين ونقله.
ومن الأربعينيات إلى الستينيات من القرن الماضي، عمل علماء الكيمياء الحيوية على فصل الخلايا إلى مكوناتها الجزيئية وتعلّم كيفية تحديد الهياكل ثلاثية الأبعاد للبروتينات والجزيئات الكبيرة الأخرى عند الدقة الذرية أو بالقرب منها. وتم إجراء ذلك لأول مرة باستخدام علم البلورات بالأشعة السينية لتصور بنية الميوغلوبين، وهو بروتين يمد العضلات بالأكسجين.
وعلى مدى العقد الماضي، أدت التقنيات القائمة على الرنين المغناطيسي النووي، والتي تنتج صورًا بناءً على كيفية تفاعل الذرات في المجال المغناطيسي، والمجهر الإلكتروني بالتبريد إلى زيادة عدد وتعقيد الهياكل التي يمكن للعلماء تصورها.

ما هو جهاز «cryo-EM» و «cryo-ET»؟

يستخدم المجهر الإلكتروني المبرد، أو (cryo-EM) كاميرا لاكتشاف كيفية انحراف حزمة من الإلكترونات أثناء مرور الإلكترونات عبر عينة لتصور الهياكل على المستوى الجزيئي.
ويتم تجميد العينات بسرعة لحمايتها من التلف الإشعاعي. كما يتم عمل نماذج مفصلة لهيكل الاهتمام عن طريق التقاط صور متعددة للجزيئات الفردية وتوسيطها في بنية ثلاثية الأبعاد.
وفي هذا الاطار، تشترك Cryo-ET في مكونات مماثلة مع cryo-EM ولكنها تستخدم طرقًا مختلفة. ونظرًا لأن معظم الخلايا سميكة جدًا بحيث لا يمكن تصويرها بوضوح، يتم أولاً إضعاف منطقة الاهتمام في الخلية باستخدام حزمة أيونية. ثم تتم إمالة العينة لالتقاط صور متعددة لها بزوايا مختلفة، على غرار التصوير المقطعي المحوسب لجزء من الجسم (على الرغم من أن نظام التصوير نفسه في هذه الحالة مائل) بدلاً من المريض. ويتم بعد ذلك دمج هذه الصور بواسطة جهاز كمبيوتر لإنتاج صورة ثلاثية الأبعاد لجزء من الخلية.
دقة هذه الصورة عالية بما يكفي بحيث يمكن للباحثين (أو برامج الكمبيوتر) تحديد المكونات الفردية للهياكل المختلفة في الخلية. حيث استخدم الباحثون هذا النهج، على سبيل المثال، لإظهار كيف تتحرك البروتينات وتتحلل داخل خلية طحلبية.
غير أن العديد من الخطوات التي كان على الباحثين القيام بها يدويًا لتحديد هياكل الخلايا أصبحت آلية، ما يسمح للعلماء بتحديد الهياكل الجديدة بسرعات أعلى بكثير؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الجمع بين cryo-EM مع برامج الذكاء الصناعي مثل AlphaFold إلى تسهيل تفسير الصور من خلال التنبؤ بهياكل البروتين التي لم يتم تمييزها بعد.

فهم بنية الخلية ووظيفتها

مع تحسن طرق التصوير وسير العمل، سيتمكن الباحثون من معالجة بعض الأسئلة الرئيسية في بيولوجيا الخلية باستراتيجيات مختلفة.
وتمثل الخطوة الأولى في تحديد الخلايا والأماكن المراد دراستها داخل تلك الخلايا تقنية أخرى للتصوّر تسمى «الضوء المترابط والمجهر الإلكتروني» أو (CLEM) تستخدم علامات الفلورسنت للمساعدة في تحديد المناطق التي تحدث فيها عمليات مثيرة للاهتمام في الخلايا الحية. إذ يمكن أن توفر مقارنة الاختلاف الجيني بين الخلايا رؤية إضافية. كما يمكن للعلماء النظر إلى الخلايا غير القادرة على أداء وظائف معينة ورؤية كيف ينعكس ذلك في بنيتها. كذلك قد يساعد هذا النهج الباحثين أيضًا في دراسة كيفية تفاعل الخلايا مع بعضها البعض.
ومن المرجح أن تظل Cryo-ET أداة متخصصة لبعض الوقت. لكن المزيد من التطورات التكنولوجية وإمكانية الوصول المتزايدة ستسمح للمجتمع العلمي بفحص الرابط بين البنية الخلوية والوظيفة عند مستويات التفاصيل التي كان يتعذر الوصول إليها سابقًا.
وحسب جيريمي«أتوقع رؤية نظريات جديدة حول كيفية فهمنا للخلايا، والانتقال من أكياس غير منظمة من الجزيئات إلى أنظمة ديناميكية منظمة بشكل معقد».


مقالات ذات صلة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

تكنولوجيا «غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة لتعزيز الخصوصية ومشاركة البيانات الصحية (غوغل)

«غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة

أطلقت «غوغل» النسخة التجريبية الأولية من آندرويد 16 للمطورين، وهي خطوة تمهد الطريق للتحديثات الكبيرة المقبلة في هذا النظام.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا «أبل» تؤكد مشكلة اختفاء الملاحظات بسبب خلل بمزامنة (iCloud) وتوضح خطوات استعادتها مع توقع تحديث (iOS) قريب (أبل)

اختفاء الملاحظات في أجهزة آيفون... المشكلة والحلول

وفقاً لتقرير رسمي من «أبل»، فإن المشكلة تتعلق بإعدادات مزامنة الآيكلاود (iCloud).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا تمكنك «دورا» من تصميم مواقع ثلاثية الأبعاد مذهلة بسهولة تامة باستخدام الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لأي معرفة برمجية (دورا)

صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود»

تتيح «دورا» للمستخدمين إنشاء مواقع مخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر إدخال وصف نصي بسيط.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص يحول الذكاء الاصطناعي الطابعات من مجرد خدمة بسيطة إلى أداة أكثر ذكاءً واستجابة لحاجات المستخدمين (أدوبي)

خاص كيف يجعل الذكاء الاصطناعي الطابعات أكثر ذكاءً؟

تلتقي «الشرق الأوسط» الرئيسة العامة ومديرة قسم الطباعة المنزلية في شركة «إتش بي» (HP) لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي على عمل الطابعات ومستقبلها.

نسيم رمضان (بالو ألتو - كاليفورنيا)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».