سام شندي يفتش عن «الهوية» ويرصد التغيرات تشكيلياً

معرض الفنان المصري - البريطاني بالقاهرة يضم 50 عملاً

جانب من المعرض (إدارة غاليري الزمالك للفن)
جانب من المعرض (إدارة غاليري الزمالك للفن)
TT

سام شندي يفتش عن «الهوية» ويرصد التغيرات تشكيلياً

جانب من المعرض (إدارة غاليري الزمالك للفن)
جانب من المعرض (إدارة غاليري الزمالك للفن)

ماذا تفعل الغربة بالفنان حتى تأخذه إلى كل هذه الأعمال المسكونة بالمشاعر، والملامح العتيقة المحفورة بعناية على وجوه تنطق في صمت عن مكنوناتها ومشاهداتها عبر سنوات طويلة؟! فالفنان المصري- البريطاني سام شندي الذي عاش نحو 25 عاماً في بريطانيا عاد إلى وطنه الأم زائراً، فإذا به يجد نفسه شغوفاً برصد التغيرات في الوجوه والنفوس حوله وداخله، عبر منحوتات ولوحات تبحث عن الهوية وملامح الأهل والرفاق الذين تركهم منذ سنوات بعيدة في مصر.
تعكس أعماله في معرضه المقام حالياً بقاعة «الزمالك للفن» كم عاد محملاً بشوق وشغف، ولكم أيضاً فاجأته اللحظات الآنية بملامح ومفردات جديدة يبتعد معظمها لمسافات طويلة عن جذوره، وجاء عنوان المعرض «الهوية» معبراً عن قضيته.
يقول شندي لـ«الشرق الأوسط»: «اخترت الاحتفاء بالبورتريه؛ سواء في المنحوتات أو اللوحات؛ تجسيداً لمفهوم الهوية التي ترمز إليها صورتنا في البطاقة الشخصية؛ حيث تحمل هذه الصورة ملامحنا التي تظل تثبت وجودنا، على الرغم من أنها تتغير عبر الزمن، وتكتسب خطوطاً منحنية، وتجاعيد تزداد عمقاً يوماً بعد يوم».
لكن ليست التجاعيد وخطوط الزمن أو الملامح المصرية هي وحدها ما يعلو الوجوه في المعرض الذي يضم نحو 50 عملاً، إنما أيضاً حالات من الانكسار والانتصار والشرود والكبرياء والضعف والتأمل والترقب، مما يعكس ما هو أكثر شمولاً من الهوية الوطنية؛ حيث تتجاوز الأعمال ذلك وصولاً إلى الهوية الإنسانية.

بعد سنوات طويلة من الغربة، أصبح شندي حائراً قابعاً في المساحة المتسعة، ما بين ملامح ومشاعر وأحوال بعيدة محفورة في ذاكرته قبل السفر، وبين تفاصيل وأحاسيس ومفاجآت جديدة منحوتة في الوجوه، وفي دواخل الشخوص والأمكنة، والتي عبّر عنها من خلال دلالات وصياغات فنية متعددة، جمع بينها الشغف بالعودة إلى الجذور، واستعادة لحظات من الماضي الجميل؛ حيث عاش طفولة سعيدة بمصر، متشبعاً بقدر كبير من الحنان والدفء الأسري: «كانت أمي نبعاً للحب والعطاء، ما ساهم في تشكيل شخصيتي، وانعكس على أعمالي التي تضمها معارضي التي أقيمها بالقاهرة. ففي معرضي الأول احتفيت بالأمومة، تحيةً لأمي ورمزاً للوطن، وها أنا الآن أحتفي بجذوري الراسخة في أعماقي».

استخدم شندي في النحت خامة البرونز بأسلوب فني كلاسيكي، ما منحها ثراءً وعمقاً وقدرة على التعبير عن تأثير الزمن على الملامح والمشاعر، بينما اعتمد في التصوير على الأكريلك بشكل أساسي؛ ليكسبها حيوية وحداثة، وما بين هذا وذاك يأخذ المتلقي بين الماضي والحاضر؛ تأكيداً على فكرة التواصل مع الجذور. فبينما تنقلنا منحوتاته إلى الحضارة المصرية القديمة، وكأننا نقف أمام خبيئة أثرية، أو في زيارة لمتحف، فإن الوجوه في اللوحات تعبر في إيجاز عن الإنسان المعاصر؛ لكن تبقى ثنائية البساطة والبراعة في التشكيل هي ما تبهر المتلقي، وتحقق التفاعل مع فنه.

لكن في الوقت الذي حاول فيه الفنان -الحاصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1997، قبل هجرته إلى بريطانيا- رصد التغيرات حوله، وقع هو نفسه في تغير فني كبير؛ فنكتشف عند النظر لأعماله بالمعرض أن صاحبها الذي اشتهر بمنحوتاته الضخمة والميدانية والمرتبطة بالفضاء العام، وتحتضنها شوارع وساحات بريطانيا وبنما وأميركا وألمانيا وأستراليا وتايوان وإسبانيا وغير ذلك، نجده يقدم بورتريهات نحتية بالحجم المعتاد، كما أنها بعد أن كانت تتمتع بألوان صارخة قوية، مثل الأحمر والأزرق والأخضر والأصفر، معتبراً إياها مصدراً للبهجة والسعادة، ها هو يميل إلى ألوان محايدة في منحوتاته -وإن كان احتفظ ببعضها في لوحاته- يقول: «الألوان هي روح أعمالي، واعتمدت طويلاً على دهانات (الدوكو) التي توصلت إليها مصادفة خلال وجودي في ورشة سيارات ببريطانيا، ومنذ ذلك اليوم أصبحت أستخدم نحو 7 ألوان بشكل أساسي، إلا أنني في هذا المعرض اخترت تقنية جديدة تتناسب مع قضية مرور الزمن وانعكاساته على الإنسان والمكان».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مصر: اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر

جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر

جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الثلاثاء، اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة بالأقصر، وهي المقبرة الملكية الأولى التي يتم العثور عليها منذ اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون عام 1922.

جاء الكشف خلال أعمال الحفائر والدراسات الأثرية التي تنفذها البعثة الأثرية المصرية - الإنجليزية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» بمصر، ومؤسسة «أبحاث الدولة الحديثة»، للمقبرة رقم «C4»، حسب بيان صحافي أشار إلى أن مقبرة الملك تحتمس الثاني هي «آخر مقبرة مفقودة لملوك الأسرة الثامنة عشرة في مصر».

وأوضح البيان أنه تم العثور على مدخل المقبرة رقم «C4» وممرها الرئيسي عام 2022 بمنطقة «وادي C» بجبل طيبة غرب مدينة الأقصر (صعيد مصر)، الذي يقع على بعد حوالي 2.4 كيلومتر غرب منطقة وادي الملوك. وقال إنه «تم العثور على أدلة تشير بوضوح إلى أن المقبرة تخص الملك تحتمس الثاني».

جانب من القطع المكتشفة بالمقبرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، فإنه «عند عثور البعثة على مدخل المقبرة وممرها الرئيسي في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، اعتقد فريق العمل أنها قد تكون مقبرة لزوجة أحد ملوك (التحامسة)، نظراً لقربها من مقبرة زوجات الملك تحتمس الثالث، وكذلك من مقبرة الملكة حتشبسوت، التي أعدت لها بصفتها زوجة ملكية قبل أن تتقلد مقاليد حكم البلاد كملك وتدفن في وادي الملوك».

وقال إنه «مع استكمال أعمال الحفائر، خلال الموسم الحالي، اكتشفت البعثة أدلة أثرية جديدة حددت هوية صاحب المقبرة، وأنها تعود للملك تحتمس الثاني، وأن من تولى إجراءات دفنه هي الملكة حتشبسوت بصفتها زوجته وأخته غير الشقيقة».

وأشار إلى «العثور على أجزاء من أواني الألبستر عليها نقوش تحمل اسم الملك تحتمس الثاني بصفته (الملك المتوفى)، إلى جانب اسم زوجته الملكية الرئيسية (حتشبسوت) مما يؤكد هوية صاحب المقبرة».

مقتنيات عثر عليها بالمقبرة المفقودة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووصف الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار هذا الكشف بأنه «أحد أهم الاكتشافات الأثرية في السنوات الأخيرة»، مشيراً إلى أن «القطع الأثرية المكتشفة بالمقبرة تُعد إضافة مهمة لتاريخ المنطقة الأثرية وفترة عهد الملك (تحتمس الثاني)، حيث تم العثور لأول مرة على الأثاث الجنائزي للملك، الذي لا يوجد له أي أثاث جنائزي في المتاحف حول العالم».

ووجدت المقبرة في حالة سيئة من الحفظ بسبب تعرضها للسيول بعد وفاة الملك بفترة قصيرة حيث غمرتها المياه، حسب رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار ورئيس البعثة من الجانب المصري محمد عبد البديع، الذي أوضح أن «الفريق الأثري عمل على انتشال القطع المتساقطة من الملاط وترميمها».

وأضاف أن «الدراسات الأولية تشير إلى أنه تم نقل محتويات المقبرة الأساسية إلى مكان آخر بعد تعرضها للسيول خلال العصور المصرية القديمة».

وتابع أن «أجزاء الملاط المكتشفة عليها بقايا نقوش باللون الأزرق ونجوم السماء الصفراء، وكذلك زخارف وفقرات من كتاب (إمي دوات)، الذي يُعد من أهم الكتب الدينية التي اختصت بها مقابر الملوك في مصر القديمة».

وتوفي تحتمس الثاني، وهو في الثلاثين من عمره، وعثر على موميائه في خبيئة الدير البحري، وهي موجودة حالياً في متحف الحضارة بالفسطاط في القاهرة.

من جانبه، قال رئيس البعثة الأثرية من الجانب الإنجليزي الدكتور بيرز ليزرلاند، إن «المقبرة تتميز بتصميم معماري بسيط كان نواة لمقابر من تواتر على حكم مصر بعد تحتمس الثاني خلال الأسرة الثامنة عشرة».

وتضم المقبرة ممراً غطيت أرضيته بطبقة الجص الأبيض، يؤدي إلى حجرة الدفن بالممر الرئيسي للمقبرة، حيث ترتفع مستوى أرضيته بنحو 1.4 متر عن أرضية الحجرة ذاتها. ويعتقد أنه «قد استخدم لنقل محتويات المقبرة الأساسية بما فيها جثمان تحتمس الثاني بعد أن غمرتها مياه السيول»، وفق ليزرلاند.

وستواصل البعثة أعمال المسح الأثري التي تجريها في الموقع منذ عامين، للكشف عن المزيد من أسرار هذه المنطقة، والمكان الذي نُقلت إليه باقي محتويات مقبرة تحتمس الثاني.

بدوره، أكد مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية الدكتور حسين عبد البصير «أهمية الكشف كونه يسهم في إضافة معلومات عن تلك الفترة من تاريخ مصر القديمة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المقبرة ستسهم في توضيح جزء مفقود من تاريخ الأسرة الـ18، والملك تحتمس الثاني الذي لا يُعرف عنه الكثير من المعلومات».

مومياء الملك تحتمس الثاني (متحف الحضارة)

وتحتمس الثاني هو ابن الملك تحتمس الأول من زوجة ثانوية، وتم تأمين حكمه عبر زواجه من أخته غير الشقيقة حتشبسوت. ولا يُعرَف الكثيـر عـن عصـر تحتمس الثاني، لا سيما مع قصر فترة حكمه نسبياً، حسب موقع المتحف القومي للحضارة المصرية.

وتختلف المراجع التاريخية بشأن مدة حكم تحتمس الثاني، رابع ملوك الأسرة الـ18، ويشير بعضها إلى فترة حكم تقل عن خمس سنوات. لكن رغم قصر الفترة، تشير المصادر التاريخية إلى «نجـاح الملـك تحتمـس الثانـي فـي إخماد العديد من الثورات في النوبة، كما قضى على قبيلة تسـمى (الشاسو) في سيناء، وربما قام بحملة عسـكرية علـى سوريا، وترك وراءه بقايا مشروع بناء متواضع في الكرنك، عبارة عـن بوابة مـن الحجر الجيري مـن فناء الصرح الرابع وإلفنتيـن، وكذلـك فـي النوبـة عنـد سـمنة وقمـا»، وفق موقع المتحف القومي للحضارة.