سام شندي يفتش عن «الهوية» ويرصد التغيرات تشكيلياً

معرض الفنان المصري - البريطاني بالقاهرة يضم 50 عملاً

جانب من المعرض (إدارة غاليري الزمالك للفن)
جانب من المعرض (إدارة غاليري الزمالك للفن)
TT
20

سام شندي يفتش عن «الهوية» ويرصد التغيرات تشكيلياً

جانب من المعرض (إدارة غاليري الزمالك للفن)
جانب من المعرض (إدارة غاليري الزمالك للفن)

ماذا تفعل الغربة بالفنان حتى تأخذه إلى كل هذه الأعمال المسكونة بالمشاعر، والملامح العتيقة المحفورة بعناية على وجوه تنطق في صمت عن مكنوناتها ومشاهداتها عبر سنوات طويلة؟! فالفنان المصري- البريطاني سام شندي الذي عاش نحو 25 عاماً في بريطانيا عاد إلى وطنه الأم زائراً، فإذا به يجد نفسه شغوفاً برصد التغيرات في الوجوه والنفوس حوله وداخله، عبر منحوتات ولوحات تبحث عن الهوية وملامح الأهل والرفاق الذين تركهم منذ سنوات بعيدة في مصر.
تعكس أعماله في معرضه المقام حالياً بقاعة «الزمالك للفن» كم عاد محملاً بشوق وشغف، ولكم أيضاً فاجأته اللحظات الآنية بملامح ومفردات جديدة يبتعد معظمها لمسافات طويلة عن جذوره، وجاء عنوان المعرض «الهوية» معبراً عن قضيته.
يقول شندي لـ«الشرق الأوسط»: «اخترت الاحتفاء بالبورتريه؛ سواء في المنحوتات أو اللوحات؛ تجسيداً لمفهوم الهوية التي ترمز إليها صورتنا في البطاقة الشخصية؛ حيث تحمل هذه الصورة ملامحنا التي تظل تثبت وجودنا، على الرغم من أنها تتغير عبر الزمن، وتكتسب خطوطاً منحنية، وتجاعيد تزداد عمقاً يوماً بعد يوم».
لكن ليست التجاعيد وخطوط الزمن أو الملامح المصرية هي وحدها ما يعلو الوجوه في المعرض الذي يضم نحو 50 عملاً، إنما أيضاً حالات من الانكسار والانتصار والشرود والكبرياء والضعف والتأمل والترقب، مما يعكس ما هو أكثر شمولاً من الهوية الوطنية؛ حيث تتجاوز الأعمال ذلك وصولاً إلى الهوية الإنسانية.

بعد سنوات طويلة من الغربة، أصبح شندي حائراً قابعاً في المساحة المتسعة، ما بين ملامح ومشاعر وأحوال بعيدة محفورة في ذاكرته قبل السفر، وبين تفاصيل وأحاسيس ومفاجآت جديدة منحوتة في الوجوه، وفي دواخل الشخوص والأمكنة، والتي عبّر عنها من خلال دلالات وصياغات فنية متعددة، جمع بينها الشغف بالعودة إلى الجذور، واستعادة لحظات من الماضي الجميل؛ حيث عاش طفولة سعيدة بمصر، متشبعاً بقدر كبير من الحنان والدفء الأسري: «كانت أمي نبعاً للحب والعطاء، ما ساهم في تشكيل شخصيتي، وانعكس على أعمالي التي تضمها معارضي التي أقيمها بالقاهرة. ففي معرضي الأول احتفيت بالأمومة، تحيةً لأمي ورمزاً للوطن، وها أنا الآن أحتفي بجذوري الراسخة في أعماقي».

استخدم شندي في النحت خامة البرونز بأسلوب فني كلاسيكي، ما منحها ثراءً وعمقاً وقدرة على التعبير عن تأثير الزمن على الملامح والمشاعر، بينما اعتمد في التصوير على الأكريلك بشكل أساسي؛ ليكسبها حيوية وحداثة، وما بين هذا وذاك يأخذ المتلقي بين الماضي والحاضر؛ تأكيداً على فكرة التواصل مع الجذور. فبينما تنقلنا منحوتاته إلى الحضارة المصرية القديمة، وكأننا نقف أمام خبيئة أثرية، أو في زيارة لمتحف، فإن الوجوه في اللوحات تعبر في إيجاز عن الإنسان المعاصر؛ لكن تبقى ثنائية البساطة والبراعة في التشكيل هي ما تبهر المتلقي، وتحقق التفاعل مع فنه.

لكن في الوقت الذي حاول فيه الفنان -الحاصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1997، قبل هجرته إلى بريطانيا- رصد التغيرات حوله، وقع هو نفسه في تغير فني كبير؛ فنكتشف عند النظر لأعماله بالمعرض أن صاحبها الذي اشتهر بمنحوتاته الضخمة والميدانية والمرتبطة بالفضاء العام، وتحتضنها شوارع وساحات بريطانيا وبنما وأميركا وألمانيا وأستراليا وتايوان وإسبانيا وغير ذلك، نجده يقدم بورتريهات نحتية بالحجم المعتاد، كما أنها بعد أن كانت تتمتع بألوان صارخة قوية، مثل الأحمر والأزرق والأخضر والأصفر، معتبراً إياها مصدراً للبهجة والسعادة، ها هو يميل إلى ألوان محايدة في منحوتاته -وإن كان احتفظ ببعضها في لوحاته- يقول: «الألوان هي روح أعمالي، واعتمدت طويلاً على دهانات (الدوكو) التي توصلت إليها مصادفة خلال وجودي في ورشة سيارات ببريطانيا، ومنذ ذلك اليوم أصبحت أستخدم نحو 7 ألوان بشكل أساسي، إلا أنني في هذا المعرض اخترت تقنية جديدة تتناسب مع قضية مرور الزمن وانعكاساته على الإنسان والمكان».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

القضايا الاجتماعية رهان دراما النصف الثاني من رمضان بمصر

دنيا سمير غانم في مسلسل عايشة الدور (الشركة المنتجة)
دنيا سمير غانم في مسلسل عايشة الدور (الشركة المنتجة)
TT
20

القضايا الاجتماعية رهان دراما النصف الثاني من رمضان بمصر

دنيا سمير غانم في مسلسل عايشة الدور (الشركة المنتجة)
دنيا سمير غانم في مسلسل عايشة الدور (الشركة المنتجة)

يشهد النصف الثاني من شهر رمضان مجموعة جديدة من المسلسلات القصيرة، تحل محل الأعمال التي استهلت الموسم الرمضاني، وتنطلق الأعمال الجديدة بداية من 16 رمضان، في ظل تزايد الإنتاج الدرامي بمصر للمسلسلات المكونة من 15 حلقة، وتفوقها الكبير على المسلسلات الطويلة ذات الـ30 حلقة.

وتراهن أغلب الأعمال الجديدة على قضايا اجتماعية متباينة، ما بين قضايا تتعلق بالأطفال، كما في مسلسل «لام شمسية» وتطرح من خلاله الكاتبة مريم نعوم قضية التحرش بالأطفال داخل المدارس من خلال معلمة تكتشف أن عدداً من الأطفال يتعرضون للتحرش والتنمر في المدرسة فتتصدى لهذا الأمر، فيما تواجه هي نفسها مشكلات عدة مع زوجها تهدد باستقرار حياتها، والعمل من بطولة أمينة خليل، وأحمد صلاح السعدني، ويسرا اللوزي، ومحمد شاهين، والفنانة السعودية آسيل عمران ويخرجه كريم الشناوي.

ويكشف مسلسل «ظلم المصطبة» الذي كتبه أحمد فوزي صالح وإخراج هاني خليفة ومحمد علي عن بعض عادات وتقاليد خاطئة داخل الريف المصري، وتدور الأحداث حول 3 شخصيات يؤديها كل من إياد نصار وريهام عبد الغفور وطارق لطفي.

أحمد مكي في عمل بعيد عن الكوميديا (الشركة المنتجة)
أحمد مكي في عمل بعيد عن الكوميديا (الشركة المنتجة)

وقال الفنان إياد نصار إن المسلسل يطرح موضوعاً شائكاً ويتخذ من المثل الشائع «ظلم المصطبة ولا عدل المحكمة» منطلقاً له، مؤكداً في تصريحات متلفزة أن المرأة في المجتمعات العربية يحاكمها المجتمع إذا اقتربت فقط من الخطأ، وهذا هو ظلم المصبطة لأن القانون لا يحاكمها في هذه الحالة بل الأعراف الاجتماعية.

فيما يجمع مسلسل «عايشة الدور» بين الدراما الاجتماعية والكوميديا العائلية، وهو من بطولة دنيا سمير غانم التي تؤدي من خلاله شخصية امرأة مطلقة وأم لطفل وابنة مراهقة تعيش حياة بائسة، وتجد فرصة للحياة من جديد حين تلتحق بالجامعة بدلاً من ابنة شقيقتها لتعيش حياة مزدوجة، المسلسل من تأليف وإخراج أحمد الجندي وشارك في كتابته كريم يوسف، ويضم بين أبطاله محمد ثروت، ومحمد كيلاني، وفدوى عابد.

ويتناول مسلسل «حسبة عمري» من بطولة روجينا أزمة زوجين يكتشفان بعد سفر ابنتهما صعوبة الحياة معاً وتتفجر أزمات عديدة بينهما، والعمل كتبه محمود عزت وإخراج مي ممدوح ويشارك في بطولته عمرو عبد الجليل، ومحمود البزاوي، ومحمد رضوان، وعلي الطيب.

وبعيداً عن الكوميديا التي اشتهر بها، يقدم الفنان أحمد مكي مسلسل «الغاوي»، الذي تدور أحداثه في إطار من الدراما الاجتماعية والأكشن، من خلال بطل المسلسل الذي تتغير حياته بعد وفاة زوجته ويواجه تحديات عديدة، والعمل من تأليف طارق الكاشف وإخراج ماندو العدل ويشارك في بطولته عائشة بن أحمد، وعمرو عبد الجليل، وأحمد بدير.

ويطرح مسلسل «منتهي الصلاحية» للمخرج تامر نادي والمؤلف محمد هشام عبية، حياة صالح التي تنهار بعدما تقوده مشكلة في عمله لدخوله السجن، ويقوم ببطولته محمد فراج وياسمين رئيس وهبة مجدي.

غادة عبد الرازق ويوسف عمر في مشهد من مسلسل «شباب امرأة» (الشركة المنتجة)
غادة عبد الرازق ويوسف عمر في مشهد من مسلسل «شباب امرأة» (الشركة المنتجة)

وتعيد الفنانة غادة عبد الرازق تقديم قصة «شباب امرأة» التي سبق أن قدمها المخرج صلاح أبو سيف سينمائياً في فيلم بالعنوان ذاته، من بطولة تحية كاريوكا وشكري سرحان، وتؤدي غادة من خلال المسلسل شخصية «شفاعات» التي تتسم بالقوة والجبروت وتقع في حب شاب ريفي يصغرها بعدة سنوات وتسعى للسيطرة عليه.

وكتب السيناريو والحوار محمد سليمان عبد الملك، وإخراج أحمد حسن، ويضم بين أبطاله يوسف عمر، ومحمد محمود، ومحمود حافظ.

ويطرح مسلسل «نص الشعب اسمه محمد» في إطار اجتماعي رومانسي كوميدي، قصة مهندس يقع في حب فتاتين ويقرر الزواج بهما في الوقت نفسه، وهو من بطولة عصام عمر، وشيرين، ورانيا يوسف، ومايان السيد، ومن تأليف محمد رجاء وإخراج عبد العزيز النجار.

ويعرض مسلسل «قهوة المحطة» للمؤلف عبد الرحيم كمال والمخرج إسلام خيري لغز جريمة قتل غامضة وقعت بقطار، وهو من بطولة أحمد غزي، وبيومي فؤاد، وهالة صدقي، وأحمد خالد صالح.

وترى أستاذة النقد بأكاديمية الفنون الدكتورة سامية حبيب أن «زيادة عدد المسلسلات القصيرة لها ميزة حيث أدت لوجود موسمين للدراما، بأعمال جديدة محققة تنوعاً في الأفكار وفرق العمل، خصوصاً في إطار الدراما الاجتماعية». وتضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «الحلقات القصيرة تمثل تكثيفاً مطلوباً، لكن القضية ليست بعدد الحلقات وإنما بالمحتوى الذي سيقدم في الدراما أياً كان عدد حلقاتها».

وتأمل سامية أن تحمل مسلسلات النصف الثاني من رمضان تغييراً حقيقياً حتى لو كان في إطار الدراما الاجتماعية المتجددة، بعد أن سادت أعمال تشير إلى «ثيمات متكررة» وفق وصفها.