العلاقات الفرنسية ـ الإيرانية... هبة باردة وهبة ساخنة

رسوم «شارلي إيبدو» الساخرة تثير أزمة حادة بين باريس وطهران

صورة جرى تداولها في شبكات التواصل لشعارات غطت حائط السفارة الفرنسية في طهران صباح أمس
صورة جرى تداولها في شبكات التواصل لشعارات غطت حائط السفارة الفرنسية في طهران صباح أمس
TT

العلاقات الفرنسية ـ الإيرانية... هبة باردة وهبة ساخنة

صورة جرى تداولها في شبكات التواصل لشعارات غطت حائط السفارة الفرنسية في طهران صباح أمس
صورة جرى تداولها في شبكات التواصل لشعارات غطت حائط السفارة الفرنسية في طهران صباح أمس

يروي السفير موريس غوردو - مونتاني، في كتابه الأخير الذي يحمل عنوان «الآخرون لا يفكرون مثلنا» أن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين اتصل بـ«صديقه» جاك شيراك، رئيس الوزراء الفرنسي وقتها، عما إذا كانت باريس جاهزة لاستقبال لاجئ سياسي إيراني على أراضيها منذ 14 عاماً، هو الخميني الذي كان يسعى صدام للتخلص منه.
وقبل الإجابة، تشاور شيراك مع رئيس الجمهورية، فاليري جيسكار ديستان. وبينما كان الأول غير متحمس للفكرة، فإن الثاني رحَّب بها، من باب أنه في حال انهيار نظام الشاه محمد رضا بهلوي، ووصول رجال الدين إلى السلطة، فستكون لفرنسا مكانة متميزة لدى النظام الجديد. وبقي جيسكار ديستان متمسكاً بمقاربته؛ إذ إن الخميني حط في مطار باريس يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1978، ودخل أراضيها بتأشيرة سياحية. ومن المطار، انتقل إلى منزل مريح يقع في قرية «نوفل لو شاتو» الوادعة الواقعة على بعد عدة كيلومترات من باريس. ورغم الوعد الذي قطعه بعدم ممارسة أنشطة سياسية، فإن الخميني استغل إقامته في فرنسا لتأليب الإيرانيين ضد الشاه، مستخدماً أشرطة التسجيل المتضمنة لخطاباته النارية.
وفي نوفل لو شاتو، التفت حوله نخب فكرية وفلسفية، أبرزها الفيلسوف ميشال فوكو. ولم تدم إقامة الخميني في فرنسا سوى 117 يوماً، انتقل بعدها إلى طهران على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية، استأجرتها الحكومة الفرنسية، وليتسلم السلطة بعد رحيل الشاه عن بلاده بفعل مظاهرات جرارة ودامية. وخطط الرئيس الفرنسي لزيارة طهران، إلا أن هذه الزيارة لم تتم. لكن بالمقابل، قامت بين البلدين علاقات وثيقة، لكنها بدأت بالتدهور سريعاً، بعد أن كشر النظام الجديد عن أنيابه، واستبدل بقمع الشاه قمعاً آخر أكثر عنفاً.
ثمة ملفات سممت العلاقة بين باريس وطهران، أولها ملف «يوروديف»؛ فشاه إيران الذي كان يحلم بصناعة نووية في بلاده، وقّع عقد تعاون رئيسياً مع فرنسا، في عام 1974، يقوم على الحصول على مفاعلات وإنشاءات نووية، وعقداً لتخصيب اليورانيوم من خلال تقديم قرض من مليار دولار إلى شركة «يوروديف»، التي دخل إليها مساهماً بنسبة 25 في المائة؛ ما كان سيسمح له بالحصول على 10 في المائة من اليورانيوم المخصب. بيد أن الخميني في السلطة نقض العقد الأول، وتمسك بالثاني، مطالباً بتسلم حصة إيران من اليورانيوم. ولأن باريس رفضت الطلب، فقد طالب باسترجاع المليار دولار، وهو ما رفضه الطرف الفرنسي لحجج وذرائع قانونية.
ونتيجة ذلك، طُويت سريعاً صفحة التعاون بين البلدين، ودخلا في نزاعات قانونية وسياسية. وما أجج الخلافات بين الجانبين أن باريس لم تتأخر في تمكين معارضين لنظام الخميني من اللجوء إلى أراضيها، حيث وصل تباعا شابور بختيار، آخر رئيس وزراء في عهد الشاه، ولحق به أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية الإسلامية، ثم مسعود رجوي، زعيم حزب «مجاهدين خلق»، وكثير من رفاقه في الحزب وأنصاره.
- حرب الخليج الأولى
ومع اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، وقفت باريس بقوة إلى جانب بغداد التي أمدتها بغالبية الأسلحة المتقدمة، ومنها طائرات «ميراج 1»، وطائرات «سوبر أتندار»، لا بل ثمة مَن يؤكد أن عدداً من الطائرات القتالية الفرنسية وصل إلى بغداد مع أطقمه. وجاء الرد الإيراني من خلال استهداف المواطنين الفرنسيين والمصالح الفرنسية. وما بين عامي 1985 و1986 احتُجز 13 مواطناً فرنسياً في لبنان؛ ما بين صحافي وأكاديمي من قبل منظمات قريبة من إيران، لا بل إن أحد المطالب التي قُدّمت لباريس كان الإفراج عن المليار دولار.
وبالتوازي مع الأعمال الإرهابية ضد فرنسا في الخارج، تواترت العمليات الإرهابية في الداخل الفرنسي، وتحديداً في باريس، في عام 1986 وما بعده. وبعض العمليات كان غرضها الضغط على الحكومة الفرنسية لتغيير سياستها الشرق أوسطية الداعمة للعراق، ومنها كان لهدف محدد هو الحصول على تمكين المواطن الإيراني وحيد غورجي من مغادرة فرنسا. والأخير كان يعمل رسمياً مترجماً للسفارة الإيرانية في باريس. إلا أنه، حقيقة، كان عميلاً للمخابرات الإيرانية، وتوفرت للقضاء الفرنسي وثائق تثبت ذلك. ولما سعى القضاء لاستجوابه، لجأ إلى السفارة الإيرانية للاحتماء بها، الأمر الذي حمل الأمن الفرنسي على وضعها تحت الرقابة. وجاء رد طهران مماثلاً بحق السفارة الفرنسية. وتفاقم التوتر بين الجانبين إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، صيف عام 1987. ونجحت الاتصالات السرية بين الطرفين في الاتفاق على خطوات متوازية: إطلاق غورجي، والسماح له بمغادرة باريس، ثم الإفراج في نوفمبر عن ثلث المبلغ العائد لطهران، مقابل الإفراج عن مواطن فرنسي في بيروت. وفي الشهر الذي تبعه، حصلت إيران على دفعة ثانية من وديعتها، بينما أُفرج عن بقية الرهائن في لبنان في ربيع العام التالي، ما سمح بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.
بيد أن تسوية هذه الملفات لم تعنِ أبداً تخلي طهران عن ممارساتها الترهيبية. ففي صيف عام 1991، تم اغتيال شابور بختيار، رئيس «جبهة المقاومة الإيرانية» في ضاحية سورين، الواقعة على مدخل باريس الغربي، كما قُتِل سكرتيره الشخصي. وكانت جرت محاولة أولى لاغتياله في عام 1980، قُتل فيها رجلا شرطة مولجان بحمايته ومواطن فرنسي. ونفذ عملية الاغتيال ثلاثة أشخاص؛ اثنان فرا إلى إيران، والثالث علي فاكلي راد إلى سويسرا، التي اعتقلته وسلمته لفرنسا حيث حُكِم عليه بالسجن المؤبد. واعترف الأخير بأنه كُلّف بمهمة الاغتيال، وقد وُجهت أصابع الاتهام إلى «الحرس الثوري» الإيراني. ولم تتحسن العلاقات بين باريس وطهران إلا مع وصول محمد خاتمي إلى رئاسة الجمهورية، في عام 1997، حيث زار باريس والتقى جاك شيراك، رئيس الجمهورية وقتها.
- علاقات متأرجحة
تبين تفاصيل ما سبق صعوبة إقامة علاقات «طبيعية» بين طهران وعاصمة أوروبية كبرى، وهي تتأثر بطبيعة الحال بما هو قائم بين واشنطن وطهران، ومنها اقتحام السفارة الأميركية واحتجاز دبلوماسييها. إلا أن أزمة أشمل بزت برأسها في عام 2002، عندما رجحت صور فضائية أميركية أن إيران تعمل على برنامج نووي، وتسعى للحصول على القنبلة النووية. وكانت باريس السباقة باقتراح زيارة ثلاثية لوزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى طهران «من غير الولايات المتحدة». والزيارة حصلت فعلاً، وجاءت نتائجها إيجابية؛ إذ قبلت إيران التعاون التام مع «الوكالة الدولية للطاقة النووية»، وذهبت إلى حد قبول وقف تخصيب اليورانيوم. بيد أن وصول محمود أحمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية في عام 2005، وإعادة انتخابه الإشكالية في عام 2009، وتصريحاته النارية إزاء الغرب بشكل عام وإزاء الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل خاص، أخضعت علاقات باريس - طهران، كما الغرب - طهران، إلى حالة من انعدام الوزن والتوتر، ولم تعرف الاستقرار إلا مع انتخاب حسن روحاني في عام 2013. وجاءت الزيارة «التاريخية» التي قام بها وزير الخارجية، لوران فابيوس، إلى طهران صيف عام 2015 لتفتح صفحة جديدة بين الطرفين. وما ساعد على ذلك توصل إيران مع مجموعة الدول خمسة زائد واحد إلى الاتفاق النووي الشهير الذي يؤطر ويحجم البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها.
- دبلوماسية «النووي» ودعم الاحتجاجات
أصبحت سردية الاتفاق المذكور وتفاصيلها معروفة. ورغم الدور «الإيجابي» الذي سعت باريس للعبه من أجل المحافظة على الاتفاق ودفع الرئيس الأميركي الأسبق لعدم تمزيقه، ثم لاحقاً سعيها لإيجاد آلية تعوض على طهران خسائرها من العقوبات المستجدة، فإن علاقاتها مع طهران لم تتحسن. ويشكل هذا الملف أحد أهم المواضيع الخلافية بين الطرفين؛ إذ تعتبر باريس أن إيران أجهضت الجهود التي بُذلت في فيينا لإعادة إحياء اتفاق 2015، مع بعض التعديلات، وأنها مسؤولة عن الطريق المسدود الذي آلت إليه الوساطة الأوروبية. يُضاف إلى ذلك أن طهران تحتجز سبعة مواطنين ومواطنات فرنسيين تعتبرهم باريس «رهائن دولة»، وتطالب بالإفراج عنهم «فوراً». كذلك، فإن استقبال الرئيس الفرنسي لأربع ناشطات إيرانيات في قصر الإليزيه، واعتباره أن ما يجري في إيران بمثابة «ثورة» (وهو توصيف ردده عدة مرات) وتنديد فرنسا بالقمع الأعمى الذي تمارسه السلطات، وبأحكام الإعدام المتلاحقة، كل ذلك أشعل العلاقات بين الطرفين. ولاستكمال الصورة، تتعين الإشارة إلى الانتقادات الفرنسية لدور طهران في تزويد روسيا بالمسيرات الهجومية التي تستخدمها الأخيرة في حربها على أوكرانيا. ولا تتردد باريس في التنديد بسياسة إيران الإقليمية التي تصفها رسمياً بـ«المزعزعة للاستقرار»، وهو ما برز بوضوح في خطاب الرئيس ماكرون بمناسبة مؤتمر «بغداد 2» الذي عُقِد في الأردن، حيث هاجم السياسة الإيرانية، بحضور وزير خارجية طهران، وحث بغداد على الخروج من العباءة الإيرانية.
- أزمة الكاريكاتير...
في هذه الأجواء الملتهبة، جاء نشر مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة لمجموعة من الرسوم الكاريكاتيرية للمرشد الإيراني علي خامنئي، في عدد خاص، أول من أمس (الأربعاء)، في سياق مسابقة أعلنت عنها، دعماً للاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ 16 سبتمبر (أيلول)، عقب وفاة الشابة مهسا أميني، ليشعل النار في الهشيم، وليتسبب بأكبر أزمة بين الطرفين منذ عقود. ولم يتردد وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان عن توجيه تهديدات مباشرة لفرنسا؛ إذ اعتبر أن «العمل المهين والمشين الذي بادرت إليه مجلة فرنسية ضد المرجعية السياسية والدينية، لن يمر دون رد حاسم وفعال».

كاريكاتير نشرته مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية ويشير إلى الإعدامات في الاحتجاجات الأخيرة

وجاء في بيان لاحق صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية أن طهران «تندّد بعدم تحرّك السلطات الفرنسية المعنية المتواصل في مواجهة معاداة الإسلام والترويج للكراهية العنصرية في الإعلام الفرنسي»، مضيفة أن «الشعب الإيراني يطالب الحكومة الفرنسية بمحاسبة المسؤولين عن نشر الأعمال العدائية الأخيرة والترويج لها ومنع تكرارها»، وسيتابع «بجدية» الإجراءات التي ستتخذها فرنسا. ودعت باريس إلى «مكافحة الإسلاموفوبيا بجدية». وجاءت بدايات الرد الإيراني باستدعاء السفير الفرنسي في طهران للاحتجاج على نشر الرسوم الكاريكاتيرية، ثم إغلاق «المعهد الفرنسي للبحوث في إيران»، الموجود منذ عام 1983.
بيد أن رد باريس لم يتأخر؛ إذ قالت وزيرة الخارجية، كاترين كولونا، في تصريحات تلفزيونية، أمس، إن إيران «تنتهج سياسات سيئة عبر اتباع العنف مع مواطنيها وباعتقال فرنسيين»، كما دعتها إلى الاهتمام بما يجري داخلها قبل أن تنتقد فرنسا. ونوهت كولونا بحرية الصحافة في فرنسا قائلة: «دعونا نتذكر أن حرية الصحافة موجودة في فرنسا، على عكس ما يحدث في إيران، وأن تلك (الحرية) يشرف عليها قاضٍ في إطار قضاء مستقل، وهو أمر لا تعرفه إيران جيداً بلا شك»، مضيفة أن فرنسا ليست بها قوانين تجرم التجديف. وقالت الخارجية الفرنسية، أمس، إنها لم تتبلغ «رسمياً» بإغلاق المعهد المذكور. أما إذا تأكد الإغلاق، فسيكون ذلك «أمراً مؤسفاً».
حقيقة الأمر أن طهران لا تعي مبدأ أساساً معمولاً به في فرنسا، وهو أن الوسائل الإعلامية لا تأتمر بأوامر الحكومة، وأن الدستور والقوانين تحميها من تدخل السلطات. لذا لم تتدخل السلطات سابقاً لمنع نشر وإعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد، وسيكون من الصعب عليها التدخل في حالة «شارلي إيبدو» الأخيرة. وجهد الرئيس ماكرون وكبار وزرائه، أثناء وعقب الأزمة السابقة، إلى توضيح أن الدولة لا تتبنى الآراء والرسوم الصادرة في الصحف والإعلام، بل يتعين عليها حمايتها.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قال مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني، إن قواته انتقمت جزئيا من القوات الأميركية بطردها من المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه «القدس ليست الهدف النهائي وإنما هدف وسط»، مشددا على ضرورة أن تجد إيران موقعها في انتقال القوة من الغرب إلى الشرق. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن قاآني قوله خلال اجتماع الجمعية العامة لطلاب الحوزات العلمية في قم إن «أميركا وإسرائيل وحتى الناتو و... تقوم بالتعبئة لتخريب إيران». وقال قاآني «مثلما قال المرشد فإن إيران من المؤكد لن تبقى بعد 25 عاماً، وهم (الإسرائيليون) يستعجلون ذلك».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)

قائد «الحرس الثوري»: «حزب الله» فرض إرادتَه على إسرائيل

سلامي يتوسط الرئيس مسعود بزشكيان وقائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني خلال مراسم ذكرى سليماني في طهران الخميس الماضي (تسنيم)
سلامي يتوسط الرئيس مسعود بزشكيان وقائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني خلال مراسم ذكرى سليماني في طهران الخميس الماضي (تسنيم)
TT

قائد «الحرس الثوري»: «حزب الله» فرض إرادتَه على إسرائيل

سلامي يتوسط الرئيس مسعود بزشكيان وقائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني خلال مراسم ذكرى سليماني في طهران الخميس الماضي (تسنيم)
سلامي يتوسط الرئيس مسعود بزشكيان وقائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني خلال مراسم ذكرى سليماني في طهران الخميس الماضي (تسنيم)

قال قائد «الحرس الثوري»، حسين سلامي، إن جماعات «محور المقاومة»، بما في ذلك «حزب الله» اللبناني، «فرضت إرادتها على إسرائيل»، فيما قال عضو في لجنة الأمن القومي البرلمانية إن بلاده دربت 130 ألفاً من المقاتلين في سوريا، متحدثاً عن جاهزيتهم للتحرك.

وتوجه سلامي، الاثنين، إلى مدينة كرمان، في جنوب وسط إيران، حيث مدفن الجنرال قاسم سليماني، المسؤول السابق عن العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، الذي قُتل في غارة جوية أميركية مطلع عام 2020.

ونقلت وسائل إعلام «الحرس الثوري» عن سلامي قوله: «العدو منهك، ولا يعرف ماذا يفعل؛ لم يعد لديه مكان للهروب». وتابع أن «جبهة المقاومة» اليوم في ذروة «قوتها»، مشيراً إلى «حزب الله»، وقال إن الجماعة الموالية لإيران «فرضت إرادتها على إسرائيل، والحكاية مستمرة».

وتعرَّض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات، بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها؛ حركة «حماس» الفلسطينية، وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال المتحدث باسم «الحرس الثوري»، الجنرال علي محمد نائيني، في مؤتمر صحافي، إن «سماء الأراضي المحتلة مفتوحة وغير محمية بالنسبة لنا». وأضاف أن «الجمهورية الإسلامية كانت مستعدة تماماً للمعارك الكبرى والمعقدة والصعبة على أي مقياس منذ وقت طويل».

أتى ذلك، في وقت نفت وزارة الخارجية الإيرانية تصريحات منسوبة لوزير الخارجية، عباس عراقجي، بشأن «خطورة الحكومة الإسلامية في سوريا».

وقال المتحدث باسم الخارجية، إسماعيل بقائي، في مؤتمر صحافي دوري، إن الأنباء التي تحدثت عن ذلك «غير صحيحة. هذه الأخبار ملفقة حقاً، ومصممة لإثارة الفتنة بين دول المنطقة؛ وهناك الكثير منها».

وأضاف: «مواقف إيران تجاه سوريا واضحة، ومنذ بداية الأحداث تم التأكيد على أننا نحترم اختيار الشعب السوري، وما يقرره الشعب السوري يجب أن يُحترم من قبل جميع دول المنطقة». ونقلت وكالة «أرنا» الرسمية قوله إن «الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها مهم لنا وللمنطقة بأسرها، وفي الوقت نفسه، طرحنا المخاوف المشتركة».

وأضاف: «يجب أن تتمكن سوريا من اتخاذ قراراتها بشأن مصيرها ومستقبلها دون تدخلات مدمرة من الأطراف الإقليمية أو الدولية، وألا تتحول بأي حال من الأحوال إلى مأوى لنمو الإرهاب والعنف».

مصير حزين

وقبل ذلك، بساعات، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن الجنرال قاسم قريشي، نائب رئيس قوات «الباسيج» التابعة لـ«الحرس الثوري»، مساء الأحد، إن «سوريا اليوم محتلة من ثلاث دول أجنبية».

وأضاف قريشي: «نرى مصيراً حزيناً لسوريا، نشهد أقصى درجات الحزن والأسى لشعب سوريا».

وقال إن «سوريا التي كان من المفترض أن تكون اليوم في سلام كامل، أصبحت تحت سيطرة أكثر من 5 مجموعات انفصالية وإرهابية، فضلاً عن احتلالها من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتركيا».

في سياق موازٍ، قال عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان، النائب أحمد بخايش أردستاني، إن «قوات المقاومة في سوريا مستعدة لتفعيلها بأي لحظة»، متحدثاً عن تدريب 130 ألف مقاتل «مقاوم» في سوريا.

ورجح النائب أن تزداد «النزاعات المسلحة» في سوريا، وقال في تصريح موقع «إيران أوبزرفر»، إن «هناك العديد من العوامل التي تشير إلى استمرار التوترات العسكرية في سوريا، ويبدو أن الصراعات المسلحة في البلاد ستستمر وربما تزداد».

وفي نهاية ديسمبر (كانون الأول)، توقع المرشد الإيراني علي خامنئي ظهور «قوة شريفة في سوريا»، قائلاً إن «الشباب الشجعان والغيارى في سوريا سيقومون بطرد إسرائيل». وقال إن إيران ليس لديها «وكلاء» في المنطقة، و«لن تحتاج إلى قوات تعمل بالنيابة إذا ما أرادت اتخاذ إجراء في المنطقة».

وأشار النائب إلى أن «قوات المقاومة السورية ساعدت في حفظ بشار الأسد وهزيمة (داعش)، لكن الجيش السوري منعهم من الانضمام إلى هيكل الجيش. وعندما نفذت (تحرير الشام) عمليات ضد الأسد، توقفت قوات المقاومة عن مساعدته. هذه القوات لا تزال موجودة ولديها القدرة على النشاط، ومن غير المحتمل أن يقبل العلويون الحكومة الجديدة إلا إذا زادت الحكومة قوتها الاقتصادية أو ضمنت استقرارهم الاقتصادي».

إيران وسوريا الجديدة

وأوضح أن «تصريحات المرشد بشأن الشباب السوري لا تعني أن إيران ستدعم فصائل المقاومة السورية، بل تعني أن الحكومة الجديدة في سوريا لا تستطيع مواجهة التحديات العديدة التي ستواجهها». وتوقع بذلك أن «تعاني البلاد من مشكلات أمنية ومعيشية كبيرة، وفي هذه الظروف، سيبدأ الشباب في سوريا في التحرك بشكل تلقائي، وسيشكلون تنظيمات لمواجهة الحكومة السورية الجديدة».

أما سياسة إيران تجاه سوريا، فقد أكد أردستاني أنها «تلتزم الصمت حالياً، لكن هذا الصمت لا يعني اللامبالاة، حيث إن حكام سوريا الجدد يواجهون تحديات كبيرة لتشكيل حكومة قوية في سوريا، ولا حاجة لإضافة تحديات جديدة لها».

وقال إن القيادة السورية الجديدة «لا تمانع من خلق نوع من الثنائية، أو القول إن الجمهورية الإسلامية تتدخل في شؤون سوريا، لأن حسب زعمهم لا يجدون دولة أضعف من إيران».

وأضاف في السياق نفسه: «ليست لديهم القوة أو الرغبة في مواجهة إسرائيل، وهم يتلقون دعماً مباشراً من تركيا. كما يسعون لجذب استثمارات الدول العربية دون أن يكون لديهم اهتمام بمواقفها، لكنهم لا يمانعون في اتخاذ موقف معادٍ لإيران».

بشأن روسيا، أوضح أنها «لن تتخلى عن نفوذها في سوريا، إذ حرصت على الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط ولا ترغب في فقدان قواعدها البحرية في شمال غرب سوريا».

وأعرب أردستاني عن اعتقاده بأن إنشاء نظام ديمقراطي في سوريا «يتطلب قادة يؤمنون بالديمقراطية، وهو غير متوقع في ظل جماعات مثل (تحرير الشام) التي لا تتوافق مع الديمقراطية الغربية». وأضاف أن «الخلافات بين الفصائل المسلحة في سوريا تجعل من الصعب تسليم الأسلحة للحكومة الجديدة».

وأشار أردستاني إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا قد يسعون لإبعاد أحمد الشرع، بسبب رفضه «تشكيل حكومة علمانية»، لافتاً إلى أن الشرع «يفضل كسب رضا الدول الأجنبية على إرضاء شعبه مما يضعف فرصه في كسب ثقة السوريين».

واتهم النائب الحكام الجدد في سوريا بتجاهل «السيادة السورية» بعدما قصفت إسرائيل مئات النقاط من البنية التحتية السورية بعد سقوط النظام السابق.

وأضاف أن حديث الإدارة الجديدة في دمشق عن «القيم العالمية يهدف لتثبيت حكمهم»، مرجحاً أن القوى الكبرى «قد تسعى مستقبلاً لاستبدال شخصية تؤمن بالعلمانية والديمقراطية الغربية بهم، مما قد يحفز الدول العربية على الاستثمار في سوريا».

كما تحدث عن «تبعية» حكام سوريا الجدد للدول الأجنبية، موضحاً أن «تحرير الشام» وأحمد الشرع يعتمدان على تركيا ودول أخرى. كما أضاف أن العلويين والأكراد، الذين يشكلون أقليات كبيرة في سوريا، يرفضون التعاون مع الحكومة المؤقتة ويخوضون صراعات مع الجماعات المتحالفة مع «تحرير الشام».

وقال إن «الأكراد، أكبر أقلية عرقية في سوريا، يخوضون معارك مع بعض المعارضين المسلحين المتحالفين مع (تحرير الشام)، في وقت يحظون فيه بدعم أميركي، بينما تسعى تركيا للقضاء على الجماعات المسلحة الكردية في شمال سوريا».