الفنانة ملك.. رائدة أحيت المسرح الغنائي بعد سيد درويش

تجمع بين الغناء والتلحين والعزف على العود والتمثيل

زينب محمد أحمد الجندي المعروفة بالفنانة ملك
زينب محمد أحمد الجندي المعروفة بالفنانة ملك
TT

الفنانة ملك.. رائدة أحيت المسرح الغنائي بعد سيد درويش

زينب محمد أحمد الجندي المعروفة بالفنانة ملك
زينب محمد أحمد الجندي المعروفة بالفنانة ملك

يلقي الناقد والمخرج المصري عمرو دوارة أضواء على إنجازات ملك التي كانت أول فنانة تجمع بين الغناء والتلحين والعزف على العود والتمثيل وأحيت المسرح الغنائي بعد انحساره عقب موت سيد درويش وقدمت عشرات العروض أحدها من تأليف شقيق حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
ويسجل أن المسرح الغنائي في مصر «شهد انتكاسة وتدهورا كبيرا» برحيل سيد درويش (1892 - 1923) إلى أن أسست ملك فرقتها المسرحية الغنائية عام 1941 وشيدت مسرحا لتقديم عروضها وهو «مسرح أوبرا ملك» الذي افتتح في يناير (كانون الثاني) 1942 وكانت صاحبته «أول مطربة مصرية تنشئ مسرحا خاصا بها».
ولكنه يرى أن اسم «مسرح أوبرا ملك» غير دقيق «ويعتبر تجاوزا علميا» لأنه يوحي بأنها قدمت عروضا أوبرالية عربية أو مترجمة في حين أنها قدمت عروضا مسرحية غنائية أما فن الأوبرا فهو ما لم يستطع حتى «سيد درويش تحقيقه بجميع مسرحياته الغنائية الرائعة.. وربما يكون الأخوان رحباني.. هما الوحيدان اللذان اقتربا من تقديم هذا الشكل» في العالم العربي.
وملك هو الاسم الفني الذي أطلقه الخطاط محمد حسني البابا أبو الفنانتين نجاة الصغيرة وسعاد حسني على زينب محمد أحمد الجندي التي ولدت عام 1902 في القاهرة وتوفيت فيها يوم 28 أغسطس (آب) 1983 بعد أن عاشت حياة حافلة بالمجد والمأساة.
وكتاب «ملك.. مطربة العواطف وفرقتها للمسرح الغنائي» الذي أصدره المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية بالقاهرة يقع في 160 صفحة متوسطة القطع.
ودوارة مؤلف الكتاب تخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1978 ودرس الفنون المسرحية ونال الدكتوراه عام 2002 عن دراسة عنوانها «الإخراج المسرحي بين مسارح الهواة والمحترفين» وله مؤلفات منها «موسوعة المسرح المصري المصورة» منذ نشأته 1870 حتى 2014 كما أخرج عشرات العروض وهو حاليا مدير «مهرجان المسرح العربي» الذي يقام في القاهرة منذ 13 عاما وتنظمه سنويا «الجمعية المصرية لهواة المسرح» التي تأسست عام 1982.
ويقول دوارة في الكتاب إن المسرح الغنائي بعد وفاة درويش تراجع كثيرا إلى أن تمكنت ملك من استعادته «والخروج من أسر الأغنية الفردية إلى مجال أكثر رحابة» مستندة إلى دراستها أصول الغناء على أيدي موسيقيين رواد منهم إبراهيم القباني وزكريا أحمد وتعلمها العزف على العود على يد محمد القصبجي وبرزت مواهبها في التلحين والغناء حتى أطلق الصحافي المرموق محمد التابعي عليها لقب «مطربة العواطف» نظرا لتميز صوتها بغلالة من الأسى والشجن.
ويضيف أن ملك لم تكن تغني في عروضها المسرحية إلا من ألحانها ولكنها قدمت للإذاعة أغنيات لحنها موسيقيون مرموقون منهم القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي وعبد العظيم عبد الحق ومحمد الموجي وكتب كلمات تلك الأغاني شعراء منهم مأمون وكامل الشناوي وبيرم التونسي وأمير الشعراء أحمد شوقي الذي منحها قصيدتين «نظمهما خصيصا لها» وهما «بي مثل ما بك يا قمرية الوادي» و«يا حلوة الوعد» التي يقول مطلعها.. «يا حلوة الوعد ما نساك ميعادي - عز الهوى أم كلام الشامت العادي.. كيف انخدعتِ بحسادي وما نقلوا - أنت التي خلقت عيناك حسادي».
ويسجل الكتاب أن ملك قامت ببطولة فيلم سينمائي واحد هو «العودة إلى الريف» الذي أخرجه عام 1939 أحمد كامل مرسي في أولى تجاربه للسينما وأنها خاضت تجربة أخرى في فيلم «عبيد الذهب» للمخرج فؤاد شبل وبعد «أن أوشك الفيلم على الاكتمال تعثر الموزع ماليا» ولم يستكمل الفيلم.
أما المسرح الغنائي فكان الفضاء الذي سمح لمواهبها بالانطلاق حيث لعبت البطولة أمام أعضاء فرقة «أوبرا ملك» التي كانت تضم ممثلين منهم إبراهيم حمودة وإحسان الجزايرلي وحسين صدقي ويحيى شاهين وصلاح منصور والسيد بدير وعبد البديع العربي ومنسي فهمي.
ويقول دوارة إنها قدمت في الأربعينات أكثر من 25 مسرحية غنائية ومنها «كليوباترة» تأليف أحمد شوقي و«عروس النيل» و«جواهر» تأليف محمود تيمور و«روميو وجولييت» لويليام شكسبير و«فاوست» لجوته و«مايسة» و«بنت بغداد» و«سفينة الغجر» تأليف بيرم التونسي و«بترفلاي» التي اقتبسها التونسي عن أوبرا «مدام بترفلاي» لجاكومو بوتشيني.
ويضيف أن فرقة «أوبرا ملك» قدمت عام 1942 مسرحية «سعدي» تأليف عبد الرحمن البنا الساعاتي (1908 – 1995) شقيق حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
ويقول إن الساعاتي كان موظفا بهيئة السكك الحديدية وله اهتمام «بالفكر والأدب الإسلامي» وكتب قصائد نشرتها صحيفة «الإخوان المسلمين» كما نشر عددا من المسرحيات التاريخية والدينية ومنها «جميل بثينة» و«المعز لدين الله» و«صلاح الدين منقذ فلسطين» و«الهجرة».
ولكن حريق القاهرة يوم 26 يناير 1952 الذي أتى على مئات من الفنادق ودور السينما والمحال التجارية شمل «مسرح أوبرا ملك» فأصابها إحباط بعد احتراق المبنى بما فيه من أثاث وديكور والأهم من ذلك فقدان النوت الموسيقية للعروض الغنائية.
ولا يجد المؤلف مبررا لاختفاء أغلب الصور الفوتوغرافية لملك وعروض مسرحياتها من أرشيف الصحف والمجلات المصرية.
وقال لـ«رويترز» أنه وجد مشقة في تقصي تاريخ ملك وتسجيل تفاصيل عروضها ولكنه استمتع كثيرا وهو يوثق «حلقة شبه مفقودة في تاريخ المسرح الغنائي المصري في الأربعينات».
وأضاف أن حياتها تراوحت بين صعود يؤكد عبقرية مجهودها ودأبها.. والتراجيديا بسبب حريق القاهرة الذي كاد يقضي عليها لولا أنها خرجت من عزلتها بتلبية دعوة لزيارة العراق وأقامت هناك بضع سنوات قدمت خلالها لإذاعة العراق عددا من الأغاني ومنها «أنا في انتظارك يا ورد» و«زين زين» و«صباح الخير يا لولة» من ألحانها «وكانت تبث كل صباح تقريبا».
ويسجل المؤلف أن ملك بعد العودة من العراق أعادت تكوين فرقتها عام 1957 وقدمت عرضين هما «فتاة من بورسعيد» 1957 و«نور العيون» 1959 وقامت ببطولتهما أمام أعضاء الفرقة التي انضم إليها ممثلون جدد ومنهم حسن يوسف ونادية السبع ومحمد علوان.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».