آثار اليمن ضحية تواطؤ الانقلابيين واتساع الفقر

أعمال الحفر العشوائي والتنقيب طالت أكثر من 62 مديرية

مقابر صخرية أثرية شمال العاصمة اليمنية صنعاء (تويتر)
مقابر صخرية أثرية شمال العاصمة اليمنية صنعاء (تويتر)
TT
20

آثار اليمن ضحية تواطؤ الانقلابيين واتساع الفقر

مقابر صخرية أثرية شمال العاصمة اليمنية صنعاء (تويتر)
مقابر صخرية أثرية شمال العاصمة اليمنية صنعاء (تويتر)

منذ أيام دفن يمني في العقد الثالث من العمر داخل حفرة كان يبحث فيها عما يعتقد أنه كنز ذهبي في غرب البلاد، حيث أدى تواطؤ الانقلابيين الحوثيين واتساع رقعة الفقر في مناطق سيطرتهم إلى شيوع عمليات العبث بالمواقع الأثرية، والاتجار بها حيث طالت العملية وفق باحثين أكثر من 62 مديرية في مختلف تلك المناطق.
قرية الحقيل الواقعة في منطقة شمير التابعة لمديرية مقبنة غرب محافظة تعز فجعت بمصرع الشاب حيث تساقطت الحجارة عليه أثناء حفره في موقع جبلي بحثاً عن كنز مزعوم، لكن السكان خلطوا بين العشوائية في نبش المواقع الأثرية، والأساطير التي تتحدث عن وجود حراس للكنز من الجن هم من قاموا بدفن الشاب لأنه لم يقدم القربان.
ومع اتساع عمليات الحفر والبحث عن الكنوز المزعومة، يسترجع الخيال الشعبي في أرياف اليمن حكايات متعددة عن الكنوز والبحث عنها، ويقولون إن هناك كثيراً من المواقع بداخلها كميات من الذهب الخالص تعود إلى فترات الدولة الحميرية وما تبعها من دول قديمة، ولكن الحصول عليها غير ممكن إلا بتقديم قرابين تتنوع بين ذبح تيس أسود أو ثور ورميه في المكان، وفي أحيان كثيرة يكون القربان أحد أبناء الشخص الذي أتته رؤيا في المنام عن مكان الكنز. وفق ما هو متداول في الميثولوجيا الشعبية.
السكان في أكثر من منطقة يمنية ذكروا أن تنامي ظاهرة العبث بالمواقع الأثرية مرتبط أساساً بتساهل وتواطؤ سلطة الانقلابيين الحوثيين مع العابثين بالمواقع وتورط قيادات ومسؤولين محليين مع الانقلابيين في بيع وتهريب الآثار والمخطوطات.
ويذكر محمود، وهو أحد سكان منطقة ظفار في محافظة إب، أن البحث عن الكنوز كان في السابق مرتبطاً برؤيا شخص في المنام لموقع الكنز وطلب القربان، لكن ما يحدث الآن يمكن وصفه بـ«هستيريا البحث عن الكنوز»، حيث اتسعت الظاهرة بشكلٍ غير مسبوق.
ويتفق معه في الرأي أكرم، وهو موظف حكومي، إذ يقول إن الظاهرة انتشرت في كثير من المحافظات، حيث يتوجه الناس للبحث عن الكنوز وهناك من يروج لذلك، خصوصاً أن عمليات النبش تتم أغلبها في مناطق أثرية معروفة أو مناطق كانت تتداول في القصص الشعبية على أنها مواقع لكنوز.
ويجزم أكرم أن الدافع الأول لهذا هو الثراء من قبل المسؤولين، الذين يستغلون الفقر والبطالة وحاجة الناس بعد تدهور الأوضاع المعيشية نتيجة الانقلاب بشكل كبير حيث جعلت نحو 80 في المائة‎ من السكان يعيشون على المساعدات.
وبحسب بيانات الهيئة العامة للآثار، فقد تعرض عدد من المقابر الصخرية والمواقع الأثرية للعبث في منطقة شعب القضب – حجاج مديرية جبن، والتي تضم بناءً من الحجر يقع وسط الوادي العميق المسمى شعب القضب وبئراً يدوية دائرية الشكل مبنية من الحجر الأحمر المهندم، وقناة مائية منحوتة في مرتفع صخري تصب إلى الأرض الزراعية.
كما تعرض موقع أثري آخر للنهب والعبث اسمه مصنعة حلة بني قرين – شهاب أعلى – في مديرية بني مطر غرب صنعاء، وهو عبارة عن هضبة مرتفعة تحيط بها المقابر الصخرية القديمة وأساسات بناء ودرج من أسفل الهضبة.
وبحسب التقارير الرسمية، تم العبث بالمقابر الصخرية في منطقة بني الحرسي بمديرية ثلاء في محافظة عمران شمال صنعاء حيث تتعدد أنواع وأشكال المقابر تبعاً للفترات التاريخية.
وتختلف هذه المقابر الصخرية وفقاً لمصادر هيئة الآثار اليمنية عن المقابر الأرضية، فالمقابر الصخرية تم نقرها نقراً متقناً وعلى ارتفاعات عالية في الغالب حتى يكون الوصول إليها صعباً، ومن الداخل تم عمل رفوف مستطيلة بحجم الإنسان حتى توضع فيها الجثث، حيث تحتوي بعضها على خمس جثث وتسمى بالمقابر العائلية.
ويؤكد الخبراء أن نماذج هذه المقابر كثيرة في اليمن فهي توجد في مناطق ثلاء وناعط، وشبام كوكبان، وشبام الغراس، والحداء، والظفير، وبني مطر، ومنطقة ظفار في محافظة إب، ومنطقة وادي ظهر في ضواحي مدينة صنعاء، لكن يد العبث طالتها، بعد أن تركت بدون حماية.
ووفق باحثين ومهتمين فلم يقتصر الأمر على المواقع الأثرية غير المكتشفة أو المناطق الريفية البعيدة، بل إن العبث طال المواقع الأثرية في منطقة ظفار عاصمة الدولة الحميرية ومنطقة العود المجاورة لها، حيث تم العبث بالمواقع الأثرية الهامة بحثاً عن الكنوز الذهبية، والقطع التي يتم تهريبها وبيعها في الخارج، كما امتد هذا العبث إلى محافظة الجوف التي كانت لفترات زمنية طويلة عاصمة لدولة معين اليمنية القديمة.
ويقول الباحث اليمني عبد الله محسن إن عمليات النبش والحفر العشوائي مستمرة في الكثير من المواقع وتشمل حسب المعلومات المتوافرة 62 مديرية تقريباً. ومعها زادت عمليات المتاجرة وبيع الآثار في الكثير من المحافظات.
وذكر محسن أنه ورغم إبلاغ الجهات المعنية، إلا أنه لم يتم رصد أي تحرك جاد لوقف هذا العبث، مؤكداً أن مبيعات الآثار اليمنية خلال العشرة الأشهر من عام 2022 كانت في تزايد من حيث العدد وتناقص من حيث القيمة باستثناء نوعيات محددة.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن

شؤون إقليمية منظومة القبة الحديدية بالقرب من عسقلان في جنوب إسرائيل (أرشيفية - رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن

أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، أنه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن قبل دخوله أراضي إسرائيل، ومسيّرة آتية من الجهة الشرقية.

تحليل إخباري كان ميناء رأس عيسى قبل استيلاء الحوثيين عليه يستخدم لتصدير النفط اليمني (رويترز)

تحليل إخباري ما تأثير العقوبات الأميركية واستهداف المنشآت الاقتصادية على الحوثيين؟

بينما تسعى الولايات المتحدة لاستنزاف الجماعة الحوثية مالياً بالعقوبات وباستهداف المنشآت الاقتصادية؛ يتوقع خبراء اقتصاديون تأثيرات متفاوتة على الجماعة والسكان.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

​العليمي يؤكد جهوزية القوات المسلحة لخوض معركة الخلاص

تحدث الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني عن عناصر مشجعة لتعديل موازين القوى على الأرض في مقدمتها توافق المكونات الوطنية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي مشاهد لصاروخ سقط في جبل المحويت كشفت عن أرقام مكتوبة بخط بدائي باللغة العربية (الإرياني)

مسؤول يمني: الحوثيون يحاولون إلصاق جرائمهم بالقوات الأميركية

أكد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني أن جماعة الحوثي تحاول إلصاق جرائمها في المناطق المدنية بالقوات الأميركية لخلق حالة من السخط تجاه العملية العسكرية الجارية.

«الشرق الأوسط» (عدن)
المشرق العربي العقيد محمد جابر خلال مشاركته أخيراً لحشد القبائل اليمنية لمواجهة الحوثيين (الشرق الأوسط) play-circle

دعوة القبائل اليمنية لسحب أبنائهم من محارق الموت الحوثية

دعا مسؤولون يمنيون القبائل اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، إلى سرعة سحب أبنائهم من المعسكرات التابعة للجماعة وأهمية الابتعاد عن مواقعهم.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

وزير يمني: أوراق الحوثيين تتهاوى... و«طوق نجاة» أممي لإنقاذهم

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني (الشرق الأوسط)
وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني (الشرق الأوسط)
TT
20

وزير يمني: أوراق الحوثيين تتهاوى... و«طوق نجاة» أممي لإنقاذهم

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني (الشرق الأوسط)
وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني (الشرق الأوسط)

تحدَّث وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، الجمعة، عن تحركات «محمومة» تقودها الأمم المتحدة لإنقاذ الحوثيين تحت شعار «إحياء مسار السلام»، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية على الجماعة، و«تلوح في الأفق لحظة سقوط طال انتظارها»، مع «تهاوي أوراق مشروعها».

جاء ذلك في منشور عبر حسابه على منصة «إكس»، تعليقاً على اجتماع المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ مع كبار المسؤولين العمانيين وقياديين من جماعة الحوثي وممثلي المجتمع الدبلوماسي، بالعاصمة العمانية مسقط، ناقشوا خلاله «أهمية استقرار الوضع في اليمن»، حسب بيان لمكتب المبعوث، الخميس.

وقال الإرياني إن التحركات التي يقودها غروندبرغ «لا تخدم السلام في اليمن، ولا تدعم أمن واستقرار المنطقة، بل تمنح الميليشيات الحوثية (طوق نجاة) سياسياً في لحظة انكسار حرجة، وتُوفّر لها فرصة لامتصاص الضربات، وإعادة التموضع استعداداً لجولة جديدة من التصعيد والإرهاب».

وأضاف أن «التجربة اليمنية أثبتت، منذ انقلاب 2014 وحتى اليوم، أن ميليشيات الحوثي لا تؤمن بالحوار، ولا تلتزم بالاتفاقات، ولا تعير أي احترام للجهود الأممية أو الإقليمية»، مبيناً أن كل جولة تفاوض خاضتها الجماعة «لم تكن إلا وسيلة لشراء الوقت، وترتيب الصفوف، وإطالة أمد الحرب، وتعميق معاناة الشعب اليمني».

وأشار الوزير إلى أن جماعة الحوثي «قابلت كل فرصة للاندماج في مسار سياسي بمزيد من العنف والتصعيد، وتوسيع رقعة القمع والانتهاكات ضد المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وبتكثيف الهجمات على الداخل اليمني، والمصالح الإقليمية، والملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن».

وأوضح أن هذه الجماعة «ليست مجرد ميليشيات انقلابية، بل أداة إيرانية قذرة، تُستخدم لزعزعة أمن المنطقة، وتهديد خطوط التجارة العالمية، وابتزاز المجتمع الدولي عبر استهداف المصالح الحيوية»، مشدداً على أن «كل مَن يسعى إلى إعادة تدوير هذه الميليشيات المتطرفة بأي غطاء سياسي يسهم عملياً في تعزيز الإرهاب العابر للحدود، وتقويض الأمن الإقليمي والدولي».

وحذَّر الإرياني أبناء الشعب اليمني والقوى الفاعلة إقليمياً ودولياً، من الانخداع بـ«الخطاب (المُسالم) الذي تتبناه الميليشيات الحوثية في لحظة ضعف»، إذ يرى أنه «لا يعدو كونه واجهة خادعة لأجندة أكثر تطرفاً»، مضيفاً: «الوقائع أثبتت أن كل تهدئة أعقبتها موجة أعنف من التصعيد، وكل مبادرة سلام استُغلت للانقلاب على الاتفاقات».

وناشد الوزير، الجميع «قراءة التاريخ القريب جيداً، واستخلاص دروسه؛ لأن تكرار الأخطاء لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدماء والدمار، وتعميق الكارثة اليمنية، وتهديد الأمن الإقليمي والدولي»، منوهاً بأن «اليمن والإقليم والعالم يستحق سلاماً حقيقياً، لا سلاماً مفخخاً بوجود الحوثيين».

وأكد أن «أوراق المشروع الحوثي تتهاوى واحدة تلو الأخرى، وأبناء شعبنا اليمني الأحرار لن يساوموا على قضيتهم العادلة، ولن يتراجعوا أمام مشروع الميليشيات الحوثية الكهنوتي مهما كانت التحديات»، لافتاً إلى «مواصلة نضالهم حتى استعادة دولتهم وكرامتهم، وبناء وطن يليق بتضحياتهم، يسوده العدل والمواطنة والمساواة، بعيداً عن العنف والتسلط والطائفية التي يمثلها الحوثي ومن خلفه إيران».