تجنيد الأطفال في دول الصراع الأفريقية يثير لغطاً سياسياً وحقوقياً

تقارير تحدثت عن «جنرال» بالجيش التشادي دون العشرين من عمره

صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي لطفل عُين مؤخراً برتبة جنرال في الجيش التشادي
صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي لطفل عُين مؤخراً برتبة جنرال في الجيش التشادي
TT

تجنيد الأطفال في دول الصراع الأفريقية يثير لغطاً سياسياً وحقوقياً

صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي لطفل عُين مؤخراً برتبة جنرال في الجيش التشادي
صورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي لطفل عُين مؤخراً برتبة جنرال في الجيش التشادي

أعادت تقارير عن وصول طفل دون العشرين من العمر إلى منصب عسكري رفيع في الجيش التشادي، تسليط الضوء على ظاهرة تجنيد الأطفال في القارة الأفريقية، لا سيما في الدول التي تشهد نزاعات، سواء في صفوف الجيوش الوطنية أو التنظيمات المسلحة، وهو ما يثير لغطاً سياسياً وحقوقياً، في ظل تقديرات لمؤسسات دولية تشير إلى تنامي الاعتماد على الأطفال كمجندين، وانخراط ما يزيد على مائة ألف طفل أفريقي في الصراعات المسلحة بدول القارة.
ونشر حساب يحمل اسم «Tchad On» على موقع «تويتر» تدوينة باللغة الفرنسية، تشير إلى تعيين «العميد توم هيري أبكر، وعمره 17 سنة»، ليكون «أصغر جنرال في تشاد وفي العالم»، وأضافت التدوينة: «يتساءل المرء إذا كانت هناك قيمة متبقية لرتبة جنرال في هذا البلد؟».
وأكد مراقبون تشاديون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، صحة ما تضمنته التدوينة، وقالوا إن وصول أطفال دون السن القانونية التي تعتمدها المواثيق الدولية إلى مناصب عسكرية «يرجع إلى اعتبارات قبلية في المقام الأول»، فيما أشار حقوقيون إلى تنامي ظاهرة تجنيد الأطفال في القارة الأفريقية، حتى باتت تمثل «انتهاكاً صارخاً» لحقوق الإنسان العالمية.
وحسب تقديرات لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» فإن «أفريقيا تُعد موطناً لأكثر من 75 في المائة من إجمالي عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراعات حول العالم، وخلال العقد الأخير تضاعف عدد الأطفال المجندين في غرب أفريقيا لأكثر من ثلاث مرات». ولفتت المنظمة الدولية إلى أن «أفريقيا هي القارة الأكثر انخراطاً في ظاهرة الجنود الأطفال، حيث يتم استخدام أكثر من 100 ألف قاصر في الحروب بين الدول المختلفة».
وتحظر المواثيق الدولية، ومنها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل بشكل واضح استخدام الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً في أي أعمال عدائية في النزاعات المسلحة. وأكد الدكتور محمد يوسف الحسن، الباحث السياسي التشادي، صحة ما تداولته بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تعيين طفل دون الثامنة عشر بمنصب «جنرال» بالجيش التشادي. وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن الرتب العسكرية «لم تعد لها قيمة حقيقية»، وأرجع اتخاذ مثل هذه الترقيات لسببين، «الأول يتعلق بسيطرة القبيلة الحاكمة على الجيش والأجهزة الأمنية، والآخر هو استنزاف خزينة الدولة بتخصيص نصف الإيراد الوطني لوزارتي الدفاع والأمن»، على حد تعبيره.
ورأى الحسن مثل هذه الإجراءات «مخالفة واضحة» لمواثيق حقوق الإنسان، والمقررات الدولية التي تفرض التزامات واضحة من جانب جميع دول العالم، وبخاصة تلك الدول التي تشهد نزاعات وحروباً، ويتصدر الأطفال قائمة الضحايا بها.
ورصدت تقارير الأمم المتحدة أن من بين البلدان الأربعة الأعلى انتهاكاً لحقوق الطفل في النزاعات المسلحة على مستوى العالم، والتي شهدت أعلى عدد من تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل أطراف النزاعات في العامين الأخيرين، جاءت ثلاث دول أفريقية هي جمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والصومال.
وقال أيمن عقيل، رئيس مؤسسة «ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك بالفعل انتهاكات جسيمة أقدمت عليها القوى المتصارعة في الكثير من الدول الأفريقية، سواء القوات النظامية أو الميلشيات والتنظيمات المسلحة غير النظامية»، لافتاً إلى أن تجنيد الأطفال جاء في صدارة تلك الانتهاكات، حسبما وثّق تقرير سابق أعدّته مؤسسته عام 2021، إضافةً إلى الكثير من التقارير الدولية المعنية.
وأضاف عقيل أن «تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة، حتى لو كان في جيوش وطنية، ينافي اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة»، مشيراً إلى أن المشكلة «متجذرة في الكثير من الدول الأفريقية وفي مقدمتها الصومال، حيث وثَّقت الأمم المتحدة تجنيد 1716 طفلاً خلال العام الأخير، كما تبادلت أطراف النزاع في شمال إثيوبيا الاتهامات بعضها ضد بعض بتجنيد واستخدام قاصرين، وكذلك شهدت جمهورية أفريقيا الوسطى ارتفاعاً مزعجاً في معدل التجنيد الإجباري للأطفال، في أعقاب اندلاع العنف في البلاد عام 2020».
ودعا رئيس مؤسسة «ماعت» إلى ضرورة وضع استراتيجيات وطنية وإقليمية فعالة من جانب الحكومات والاتحاد الأفريقي لوقف هذه الظاهرة، فضلاً عن إجراء تحقيقات حيادية وشفافة بشأن وجود انتهاكات، وضمان تطبيق قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني لضمان عدم إفلات مرتكبي جرائم تجنيد الأطفال من العقاب.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)
مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)
TT

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)
مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)

اتهمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، حلفاء القوات العسكرية والقوات شبه العسكرية المتحاربة في السودان، أمس الثلاثاء، بـ«تمكين المجازر» التي أودت بحياة أكثر من 24 ألف شخص، وخلفت أسوأ أزمة نزوح في العالم.

وقالت ديكارلو، لمجلس الأمن الدولي: «هذا أمر لا يمكن تصوره». وأضافت: «إنه غير قانوني، ويجب أن يتوقف»، وفق ما نقلت «وكالة الأنباء الألمانية».

ولم تُسمِّ الدول التي تقول إنها تُموّل وتُزوّد بالأسلحة الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» شبه العسكرية، لكنها قالت إن هذه الدول تتحمل مسؤولية الضغط على الجانبين للعمل نحو تسوية تفاوضية للصراع.

وانزلق السودان في الصراع، منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، عندما اندلعت التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين القادة العسكريين والقادة شبه العسكريين في العاصمة الخرطوم، وانتشرت إلى مناطق أخرى، بما في ذلك غرب دارفور، التي عانت العنف والفظائع في عام 2003. وحذّرت «الأمم المتحدة» مؤخراً من أن البلاد على حافة المجاعة.