ملف «الأخطاء الطبية» يتجدد في مصر عقب وفاة زوجة داعية

أعاد اتهام داعية مصري لأحد المستشفيات الخاصة بالتسبب في وفاة زوجته، فتح ملف «الأخطاء الطبية»، وهي مشكلة قديمة تطفو على السطح من حين لآخر، مع تجدد حوادث الإهمال.
وبينما كانت أغلب حوادث الإهمال في الماضي بطلتها مستشفيات حكومية، وكانت مثل هذه الحوادث تثير تعليقات تطالب بمزيد من الإنفاق الحكومي على تدريب الأطباء وتطوير هذه المستشفيات، فإن ملفات المحاكم المصرية أصبحت مؤخراً مليئة بقضايا إهمال، وقعت أحداثها في المستشفيات الخاصة أيضاً، مثل قضية وفاة زوجة الداعية عبد الله رشدي، والتي ستأخذ طريقها نحو القضاء بعد البلاغ الذي تقدم به الداعية إلى الشرطة المصرية، الأحد.
واتهم رشدي مستشفى بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة، بارتكاب خطأ طبي أدى إلى دخول زوجته البالغة من العمر 35 عاماً في حالة حرجة، وتوقف قلبها؛ مشيراً في بلاغه إلى أنه تم وضعها على أجهزة إعاشة، حتى وافتها المنية خلال ساعات.
ولم تحقق جهات التحقيق في شكوى رشدي إلى الآن لبيان صحتها من خطئها، غير أن متابعين على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلوا مع شكواه، بالحديث عن تضخم ملف الأخطاء الطبية في مصر بالآونة الأخيرة.
وقال محمد البسيوني (مدرس) إنه «بعد أن كان بعض أخطاء الأطباء في الماضي من نوعية نسيان أدوات جراحية داخل بطن مريض، وبعضها الآخر من نوعية تلوث نتيجة عدم تعقيم غرفة العمليات، أصبحت الأخطاء أسرع في التسبب بحدوث الوفاة».
وحاول حامد المحلاوي (محاسب) البحث عن أسباب لتواتر حالات الإهمال الطبي في مصر مؤخراً، وقال إن «السبب الرئيس هو تكالب المستشفيات الشديد على جمع الأموال بكل الطرق الممكنة، خلافاً للقواعد المهنية. وطبعاً يأتي هذا على أعصاب الطبيب، نتيجة للجهد المبذول فوق الطاقة، وهو ما ينعكس بدوره على تركيزه خلال الكشف، وقد لا ينتبه إلى علاج خاطئ وربما قاتل يفتك بالمريض».
وإذا كان الداعية رشدي قد اهتم بتقديم بلاغ في اليوم نفسه لوفاة زوجته، فإن المشكلة -في رأي المحلاوي- أن أهل المريض المتوفى نتيجة الخطأ الطبي ينشغلون في مصيبتهم، فلا يجد الطبيب المذنب من يحاسبه.
وعلى الرغم من أن كثيراً من الأخطاء لا تصل إلى المحاكم أو نقابة الأطباء، -حسب تعليق المحلاوي- فإن تقريراً أصدرته مؤسسة «ملتقى الحوار للتنمية» (مؤسسة حقوقية مصرية) في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يشير إلى أن عدد الأخطاء الطبية في مصر سنوياً يبلغ 180 ألف حالة، وأن نحو 20 طبيباً يتم شطبهم من نقابة الأطباء سنوياً، بسبب الأخطاء الطبية.
ولفت التقرير إلى أن الأخطاء الطبية تقع في جميع دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية؛ حيث تمثل السبب الثالث للوفاة بعد أمراض القلب والسرطان مباشرة؛ لكن المشكلة التي أشار إليها معدو التقرير، هي تواتر الأخطاء في مصر، وكأنها مسلسل لا ينتهي.
ومع اعتراف الطبيب خالد مناع، استشاري أمراض القلب، بوجود أخطاء طبية؛ فإنه يرفض من ناحية أخرى تضخيم المشكلة، معتبراً أن رقم 180 ألف حالة سنوياً مبالغ فيه.
وقال مناع لـ«الشرق الأوسط»: «تضخيم مثل هذه الأمور يضر بالطبيب المصري الذي له سمعة طيبة في الخارج، تدفع كثيراً من أبناء الدول العربية إلى القدوم للعلاج في المستشفيات الخاصة المصرية».
ولفت إلى أنه «من الخطورة الإسراع في الحديث عن وجود خطأ طبي، لمجرد أن شخصاً ما تقدم ببلاغ دون انتظار لنتائج التحقيقات الرسمية التي غالباً ما تنتهي بحفظ البلاغ، لسبب بسيط هو أن أهل المريض من حرصهم على شفائه ورغبتهم في تجاوز أزمته الصحية، حتى لو كانت صعبة، يتخيلون أن المستشفى لم يبذل ما في وسعه لإنقاذه، فيتقدمون ببلاغ يتهم المستشفى بالإهمال».
ويخشى أن يأخذ قانون الممارسة الطبية المعطل في البرلمان طريقة نحو التنفيذ؛ حيث إن هذا القانون الذي يتم تقديمه على أنه سيعالج المشكلة، لن يزيدها إلا تعقيداً.
وقال مناع: «هذا القانون الذي يضع عقوبات بالحبس على الأطباء في حالة الإهمال الطبي، سيدفع الأطباء إلى الخوف من التعامل مع الحالات الصعبة، وقد يدفع المستشفيات إلى رفض قبول دخول هذه الحالات من الأساس، وبذلك نكون قد حاولنا علاج مشكلة فأنتجنا مشكلة أكبر».
والحل في رأي دسوقي أحمد، استشاري الصدر وسرطان الرئة (طبيب حر)، يبدأ بمراجعة تعريف الخطأ الطبي بشكل قانوني، وكذلك بشكل مجتمعي، والتفرقة بين المضاعفات الممكنة والأخطاء الطبية، ومعرفة درجات الخطأ الطبي. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لا نحتاج اختراع العجلة من جديد، فكل هذه القوانين معروفة بشكل عالمي وفي متناول الجميع، وعلى الجهات المشرعة للقوانين أن تبدأ جهداً قانونياً في إطار حوار مجتمعي بين الجمهور والفئات المتخصصة، للوصول إلى هذه التفاهمات، وإلزام الجميع بها».