الحياة على المريخ... حلول جاهزة وأسئلة بلا إجابات

هل تجبرنا الزيادة السكانية على الاتجاه إلى «الكوكب الأحمر»؟

تصور فني لشكل مستعمرة المريخ (ناسا)
تصور فني لشكل مستعمرة المريخ (ناسا)
TT

الحياة على المريخ... حلول جاهزة وأسئلة بلا إجابات

تصور فني لشكل مستعمرة المريخ (ناسا)
تصور فني لشكل مستعمرة المريخ (ناسا)

بلغ عدد سكان العالم 8 مليارات نسمة، وتقول الأمم المتحدة إن العدد سيبلغ 11 مليار نسمة في حوالي عام 2100. ويتصادم النمو السكاني لدينا مع العالم الطبيعي على نطاق أوسع من أي وقت مضى، إذ نفقد ما بين 200 و2000 نوع كل عام، وفقا للاتحاد العالمي للحياة البرية.
يقول بول سميث، وهو مهندس مدني في كلية الهندسة بجامعة بريستول بالمملكة المتحدة، إن إحدى الطرق لتخفيف الضرر الناجم عن الصدام بين البشرية وبين الطبيعة هي خلق المزيد من الموائل، ويمكننا القيام بذلك عن طريق بناء محميات النظام على المريخ.

محميات المريخ
ويشرح سميث، في مقال نشر في الأول من ديسمبر (كانون الأول) بـ«المجلة الدولية لعلم الأحياء الفلكي»، كيف يمكننا بناء محمية طبيعية على المريخ تعمل كمحمية طبيعية خارج كوكب الأرض.
وفي ظاهر الأمر، تبدو الفكرة سخيفة أو غير معقولة، لكن سميث يتبنى وجهة نظر، أن البشر سيستمرون في الضغط على الأرض، مما يدفعهم باتجاه المريخ، ويرى أن هناك بعض العوامل المساعدة، في مقابل مشكلات تشكل عراقيل، لكن لها حلول، ومشكلات أخرى تثير أسئلة بلا إجابات إلا الآن.
أول العوامل المساعدة، أن طول النهار على كوكب المريخ مشابه لطول الأرض، لذا فإن هذا العامل، في رأيه، مشجع للغاية.
وإذا كان المريخ أكثر برودة بكثير، فإنه توجد بالفعل أنظمة لإدارة درجة الحرارة دون الكثير من التعقيد، وبالنسبة لسطح المريخ الجاف، فإنه توجد كميات وفيرة من المياه المجمدة تحت الأرض، لذا فإن مشكلة إمدادات المياه ليست مستعصية على الحل.
وتختلف تركيبات الغلاف الجوي لكوكب المريخ والأرض اختلافا كبيرا، لكن هذه واحدة من أسهل المشاكل التي يمكن معالجتها، إذ يرى سميث، أنه يمكن تصميم البيئة المغلقة، بحيث يكون لها أي جو مرغوب فيه، ويمكن للحياة النباتية نفسها أن تنظم البيئة إلى حد ما، ويعتبر كل من درجة الحرارة والضغط من أسهل العوامل في التنظيم.
هذه هي الأساسيات، التي تنطوي كل مشكلة فيها على حل طرحه سميث، لكن تنشأ قضايا أكثر إرباكاً عند إجراء تحليل أكثر تفصيلاً، ومنها بيئة الإشعاع المريخي، وهي المكان الذي يمكن أن تبدأ فيه الأمور بالتعقيد، فمن دون طبقة أوزون مثل طبقة الأرض، يتعرض سطح المريخ لمستويات خطيرة من الأشعة فوق البنفسجية المؤينة.
يقول سميث إن «تدفق الأشعة فوق البنفسجية على سطح المريخ القاسي يؤدي إلى التعقيم بسبب الغلاف الجوي الرقيق ونقص الأوزون المهم، وبعض الأشعة فوق البنفسجية مرغوب فيها وهي جزء من التمثيل الغذائي لبعض الكائنات، ويحتاج البشر إلى بعض الأشعة فوق البنفسجية لتحفيز إنتاج فيتامين دي، لكن أشكال الحياة على الأرض لا تتكيف مع زيادة الأشعة فوق البنفسجية وستحتاج إلى حماية كافية».
ويوضح سميث «لحسن الحظ، يمكن أن تستبعد تركيبات الزجاج والبلاستيك الأطوال الموجية الضارة من الأشعة فوق البنفسجية».
ومن الأشعة فوق البنفسجية، إلى المجالات المغناطيسية، وهي تحد كبير، فنحن نعلم أن المجال المغناطيسي يحمي الأرض من الأشعة الكونية، وأنه يمنع الرياح الشمسية من تجريد طبقة الأوزون بعيدا، لكن ليس لدينا فهم كامل للطرق التي تلعب بها المجالات المغناطيسية للأرض دورا في الحياة.
وتستخدم بعض المخلوقات الاستقبال المغناطيسي للهجرة والتحرك، ويسمي البعض الاستقبال المغناطيسي «اللغز الأعظم في بيولوجيا الحيوان»، وهذا اللغز يحتاج إلى فهم أفضل، فهل يمكننا هندسة مجال مغناطيسي صناعي في المريخ؟
تتغير حياة الأرض مع تغير الفصول أيضا، ويختلف التباين الموسمي للمريخ كثيرا عن التباين الموسمي على كوكب الأرض، لذلك يجب تصميم الفصول. يقول سميث: «يحدد الوقت الزمني مراحل النمو الحرجة، وعلم وظائف الأعضاء الفردية والعلاقات بين الأنواع».
وهناك اختلاف آخر بين المريخ والأرض يمكن تجاهله وهو الدورات القمرية، فقمر الأرض ضخم وله تأثير قوي، بينما قمرا المريخ، ليس لهما أي تأثير تقريباً على المريخ.
وحتى لو كان المريخ مليئاً بالحياة ولديه محيطات، فإن هذين القمرين الصغيرين لا يستطيعان توليد المد والجزر، وفي الواقع قد تكون هناك مناطق على سطح المريخ لا يمكن رؤية الأقمار فيها.
ويتلقى المريخ 43 في المائة فقط من ضوء الشمس الذي تستقبله الأرض، وتظهر الأبحاث أن هذا يكفي لعملية التمثيل الضوئي، لكن معدلات نمو النبات على كوكب المريخ لن تتطابق مع معدلات نمو الأرض دون زيادة صناعية، وهذه عقبة أخرى يمكن التغلب عليها بالهندسة والتكنولوجيا، لكنها تجعل إنشاء محمية خارج الأرض أكثر تعقيدا.
ستحتاج المحمية إلى التربة، وربما يوجد نيتروجين وافر في تربة المريخ لنمو النباتات، لكن النباتات تحتاج أيضا إلى 16 عنصراً من المغذيات الدقيقة الأخرى. ولا تحتوي تربة الأرض فقط على جميع العناصر الغذائية التي تحتاجها النباتات، لكنها مليئة أيضا بالميكروبات والمخلوقات مثل ديدان الأرض، وهذه المخلوقات هي جزء من النظام الحي في تربة الأرض، فهل سيحتاج النظام بأكمله إلى إعادة إنشاء؟

تربة ومياه المريخ
ويحتوي الثرى المريخي أيضا على مستويات من السموم أعلى من تربة الأرض، وهناك مستويات أعلى من البيركلورات على المريخ، مما يجعل الثرى ساما لأشكال الحياة، ويوجد أيضا المزيد من أكاسيد الحديد في الثرى المريخي، وعندما يقترن بمستويات متزايدة من البيركلورات وبيروكسيد الهيدروجين، فإنه مزيج شديد السمية، فهل يمكن للمعالجة أن تتعامل مع ذلك؟
ربما، سيكون بناء التربة من نقطة الصفر لبنة أساسية في إنشاء المحمية، وسيكون من أكثر المهام تعقيدا. ويجب أيضا حساب الجاذبية المنخفضة للمريخ، إذ تبلغ جاذبية المريخ 38 في المائة فقط من جاذبية الأرض، وتعد الجاذبية أحد العوامل التي تعدل نمو النبات، فهل يمكن لشجرة دائمة الخضرة أن تنمو في جاذبية المريخ المنخفضة؟
وخلص سميث للقول: «هذه أسئلة معقدة من دون إجابات بسيطة، ولكن ربما تسعى الدراسات والمهات الفضائية إلى تقديم الإجابة عن بعض هذه الأسئلة».
وكان محمد يوسف، أستاذ جيولوجيا المياه بمركز بحوث الصحراء بمصر، قدم إجابة عن أحد الأسئلة المتعلقة بالمياه، في بحثين نشرهما العام الماضي. يقول يوسف لـ«الشرق الأوسط»: «في البحث الأول المنشور بدورية (علوم الفضاء) الدولية في أبريل (نيسان) من العام الماضي، درست بعض الأشكال التي تتكون على سطح الأرض بفعل المياه، من أودية ودلتا ورواسب نهرية، بما يشير إلى احتوائها على خزانات للمياه الجوفية، ووجدت في المقابل أن منطقة (دلتا جيزارو) بكوكب المريخ تحتوي على نفس الأشكال، وفق صور الأقمار الصناعية».
ويضيف «الدراسة الثانية المنشورة في مايو (أيار) بدورية (سمارت ووتر)، تتعلق بتحديد أنسب وسيلة لاستخراج المياه من منطقة (دلتا جيزارو)، ومن خلال دراسات على شبيهتها الأرضية، وجدت أن تقنية (الحفر بالبلازما) هي الأنسب».
ويوضح أن «هذه الطريقة تستخدم للحفر في أعماق المحيطات، وتعتمد على تعريض الصخور في الأعماق لطاقة عالية لتفتيتها، وتكون هناك مضخات هواء تنقل الحطام إلى السطح». ولا تبدو طريقة الحفر التقليدية، عبر استخدام «بريمة الحفر» مناسبة للمريخ، لأسباب تتعلق بالتكلفة وصعوبة تنفيذها في معدلات الجاذبية الخاصة بالمريخ، كما يؤكد يوسف.
ويظل ما توصل له يوسف في إطار الاجتهادات التي ستتأكد من خلال البيانات التي تجمعها المهام الفضائية الحالية إلى كوكب المريخ، فهل تحمل تلك المهام تأكيدا لما توصل له يوسف، وإجابات عن الأسئلة التي طرحها سميث؟


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة
TT

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

«جي بي تي» يصمم مواقع ويب جذابة... وخادعة

في دراسة جديدة، وجد الباحثون أن «تشات جي بي تي» ينشئ مواقع ويب مليئة بالأنماط الخادعة.

توظيف واسع للذكاء الاصطناعي

يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل متزايد في جميع جوانب التصميم، من التصميم الغرافيكي إلى تصميم الويب. وتشير الأبحاث الخاصة بشركة «أوبن إيه آي» التي طورته، إلى أن البشر يعتقدون أن مصممي الويب والواجهات الرقمية «سيتمكنون من أتمتة وظائفهم بواسطة (تشات جي بي تي) بنسبة 100 في المائة»، فيما يشير أحد تحليلات الصناعة إلى أن 83 في المائة من المبدعين والمصممين قد دمجوا الذكاء الاصطناعي بالفعل في ممارساتهم العملية.

دراسة جديدة تؤكد أهمية الإبداع البشري

ومع ذلك، تشير دراسة جديدة أجراها أكاديميون في ألمانيا والمملكة المتحدة إلى أن البشر قد لا يزالون يلعبون دوراً في تصميم الويب -على الأقل إذا كنت تريد موقع ويب لا يخدع مستخدميك.

وقد حللت فيرونيكا كراوس، من الجامعة التقنية في دارمشتات بألمانيا، وزملاؤها في برلين بألمانيا، وغلاسكو بأسكوتلندا، كيفية دمج نماذج اللغة الكبيرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي» لأنماط التصميم الخادعة -التي تسمى أحياناً الأنماط المظلمة- في صفحات الويب التي جرى إنشاؤها عند مطالبته بتنفيذها.

يمكن أن تشمل هذه الأنماط المظلمة جعل لون الأزرار، للاحتفاظ بالاشتراك، ساطعاً، مع تعتيم الزر لإنهاء الاشتراك في صفحة ويب يزورها المستخدمون لإلغاء خدمة، أو لإخفاء التفاصيل التي يمكن أن تساعد على إعلام قرارات المستخدم بشأن المنتجات.

محاكاة تصميم موقع ويب

طلب الباحثون من المشاركين في الدراسة محاكاة سيناريو خيالي للتجارة الإلكترونية حيث عملوا كمصممي ويب، باستخدام «تشات جي بي تي» لإنشاء صفحات لمتجر أحذية.

تضمنت المهام إنشاء نظرة عامة على المنتجات وصفحات الخروج في أثناء استخدام مطالبات محايدة مثل «زيادة احتمالية اشتراك العملاء في النشرة الإخبارية الخاصة بنا». وعلى الرغم من استخدام لغة محايدة لم تذكر على وجه التحديد دمج أنماط التصميم الخادعة، فإن كل صفحة ويب جرى إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تحتوي على نمط خادع واحد على الأقل.

أنماط خادعة لزيادة المبيعات

وتعتمد هذه الأنماط المظلمة على استراتيجيات نفسية للتلاعب بسلوك المستخدم بهدف زيادة المبيعات. ومن الأمثلة التي أبرزها الباحثون، الذين رفضوا طلب إجراء مقابلة، مستشهدين بسياسة النشر الأكاديمي الذي قدموا إليه الورقة البحثية، جانب الخصومات المزيفة، ومؤشرات الإلحاح (مثل «بقي القليل فقط!»)، والعناصر المرئية التلاعبية -مثل تسليط الضوء على منتج معين لتوجيه المستخدم نحو اختيارات معينة.

توليد مراجعات وشهادات مزيفة

كان من بين الأمور المثيرة للقلق بشكل خاص لفريق البحث قدرة «تشات جي بي تي» على توليد مراجعات وشهادات مزيفة (عن المنتجات والخدمات)، التي أوصى بها الذكاء الاصطناعي بوصفها وسيلة لتعزيز ثقة العملاء ومعدلات الشراء.

ولم يصدر عن «تشات جي بي تي» سوى رد واحد طوال فترة الدراسة بأكملها بدا كأنه تحذير، حيث أخبر المستخدم أن مربع الاشتراك في النشرة الإخبارية الذي تم فحصه مسبقاً «يجب التعامل معه بعناية لتجنب ردود الفعل السلبية».

تصميمات تلاعبية

خلال الدراسة، بدا «تشات جي بي تي» سعيداً بإنتاج ما عدَّه الباحثون تصميمات تلاعبية دون الإشارة إلى العواقب المحتملة.

ولم تقتصر الدراسة على «تشات جي بي تي» فقط؛ فقد أظهرت تجربة متابعة مع نظم الذكاء الاصطناعي «كلود 3.5 (Claude 3.5)» من «أنثروبيك»، وGemini «جيمناي فلاش 1.5» من «غوغل» نتائج مماثلة على نطاق واسع، حيث أبدى طلاب الماجستير في القانون استعدادهم لدمج ممارسات التصميم التي قد ينظر إليها الكثيرون باستياء.

قلق أكاديمي من الأنماط المظلمة

وهذا يُقلق أولئك الذين قضوا حياتهم في التحذير من وجود أنماط التصميم الخادعة وإدامتها عبر الإنترنت. يقول كولين غراي، الأستاذ المشارك في التصميم بجامعة إنديانا بلومنغتون، والمتخصص في الانتشار الخبيث للأنماط المظلمة في تصميم الويب والتطبيقات: «هذه الدراسة هي واحدة من أولى الدراسات التي تقدم دليلاً على أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل «تشات جي بي تي»، يمكن أن تقدم أنماط تصميم خادعة أو تلاعبية في تصميم القطع الأثرية».

ويشعر غراي بالقلق بشأن ما يحدث عندما تلجأ تقنية منتشرة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى إدخال أنماط تلاعبية في ناتجها عندما يُطلب منها تصميم شيء ما -خصوصاً كيف يمكنها تطبيع شيء قضى الباحثون والمصممون الممارسون سنوات في محاولة إخماده وإخماده.

«إن إدراج ممارسات التصميم الإشكالية في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي يثير أسئلة أخلاقية وقانونية ملحَّة، خصوصاً حول مسؤولية كل من المطورين والمستخدمين الذين قد ينشرون هذه التصاميم دون علمهم»، كما يقول غراي. «فمن دون تدخل متعمَّد ودقيق، قد تستمر هذه الأنظمة في نشر ميزات التصميم التلاعبية، مما يؤثر في استقلالية المستخدم واتخاذ القرار على نطاق واسع».

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

إنه قلق يُزعج كاريسا فيليز، الأستاذة المساعدة في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بجامعة أكسفورد أيضاً. تقول: «من ناحية، إنه أمر صادم، ولكن حقاً لا ينبغي أن يكون كذلك... كلنا لدينا هذه التجربة التي مفادها أن غالبية المواقع التي نزورها بها أنماط مظلمة، أليس كذلك؟»، ولأن أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي التي نستخدمها، بما في ذلك «تشات جي بي تي»، يتم تدريبها على عمليات زحف ضخمة للويب تتضمن تلك الأنماط التلاعبية، فليس من المستغرب أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي يتم تدريبها عليها تكرر أيضاً هذه المشكلات.

وهذا دليل آخر على أننا نصمم التكنولوجيا بطريقة غير أخلاقية للغاية، كما تقول فيليز. «من الواضح أن (تشات جي بي تي) يبني مواقع ويب غير أخلاقية لأنه تم تدريبه على بيانات مواقع ويب غير أخلاقية».

تخشى فيليز أن تسلط النتائج الضوء على قضية أوسع نطاقاً حول كيفية تكرار الذكاء الاصطناعي التوليدي لأسوأ قضايا مجتمعنا. وتشير إلى أن كثيراً من المشاركين في الدراسة كانوا في حيرة بشأن أنماط التصميم الخادعة التي ظهرت على صفحات الويب التي جرى إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.

فترة «الغرب المتوحش» للذكاء الاصطناعي

ومن بين المشاركين العشرين في الدراسة، قال 16 إنهم راضون عن التصميمات التي أنتجها الذكاء الاصطناعي ولم يروا مشكلة في ناتجهم.

إلا أن فيليز تقول: «ليس الأمر أننا نفعل أشياء غير أخلاقية فحسب، بل إننا لا نحدد حتى المعضلات الأخلاقية والمشكلات الأخلاقية. إنه يعزز الشعور بأننا نعيش في فترة الغرب المتوحش، وأننا بحاجة إلى كثير من العمل لجعلها قابلة للعيش».

إن التعامل مع العمل المطلوب أصعب من التعامل مع حقيقة أن هناك حاجة إلى فعل شيء ما. إن التنظيم موجود بالفعل ضد الأنماط المظلمة في الولايات القضائية الأوروبية، ويمكن تمديده هنا لمنع تبني التصميم الناتج عن الذكاء الاصطناعي. إن الحواجز الواقية لأنظمة الذكاء الاصطناعي هي دائماً حلول غير كاملة أيضاً، ولكنها قد تساعد على منع الذكاء الاصطناعي من اكتساب عادات سيئة يواجهها في بيانات التدريب الخاصة به.

لم تستجب شركة «أوبن إيه آي»، صانعة «تشات جي بي تي»، على الفور لطلب التعليق على نتائج البحث. لكنَّ غراي لديه بعض الأفكار حول كيفية محاولة القضاء على المشكلة في مهدها قبل أن تستمر. ويقول: «تؤكد هذه النتائج الحاجة إلى لوائح وضمانات واضحة، مع ازدياد دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في تصميم المنتجات الرقمية».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».