اتفاقية جوبا للسلام في السودان... «يوم الحساب»

مواطنون: قادة الحركات المسلحة اكتفوا بالسلطة والثروة وتناسوا دارفور

منّي أركو مناوي وجبريل إبراهيم خلال توقيع اتفاقية جوبا في أكتوبر 2020 (رويترز)
منّي أركو مناوي وجبريل إبراهيم خلال توقيع اتفاقية جوبا في أكتوبر 2020 (رويترز)
TT

اتفاقية جوبا للسلام في السودان... «يوم الحساب»

منّي أركو مناوي وجبريل إبراهيم خلال توقيع اتفاقية جوبا في أكتوبر 2020 (رويترز)
منّي أركو مناوي وجبريل إبراهيم خلال توقيع اتفاقية جوبا في أكتوبر 2020 (رويترز)

(تحليل إخباري)
تدهورت الأوضاع الأمنية في إقليم دارفور السوداني بصورة لافتة خلال الأشهر الماضية، رغم «اتفاقية السلام» مع الحركات المسلحة التي خاضت حرباً ضد الحكومة المركزية تحت مزاعم «التهميش» الاقتصادي والتنموي والسياسي الذي يمارسه «المركز» ضد الإقليم، وأدت إلى مقتل نحو 900 شخص وتشريد 300 ألف خلال العام الحالي، آخرهم 10 قتلوا خلال الأسبوع الماضي، إضافة إلى نزوح أكثر من 30 ألف في جنوب دارفور.
ويرى مواطنون ونشطاء سياسيون، أن موقّعي اتفاقية السلام مع الحكومة تخلوا عن الإقليم ومطالبه، واكتفوا بمكاسب سلطوية ومادية في الخرطوم، وبذلك انتقل الصراع من شكله القديم بين القوات الحكومية وقوات الحركات المسلحة، إلى صراع لأحلاف جديدة على الأرض والموارد، أسهم «متمردو» دارفور السابقون في تفاقمه.
وشهد إقليم دارفور حرباً بين القوات الحكومية وحركات مسلحة استمرت منذ 2003 وحتى 2020، قُتل خلالها أكثر من 300 ألف شخص، وأدت إلى تشريد ونزوح أكثر من مليوني مواطن داخلياً وخارجياً، بحسب تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، وواجهها المجتمع الدولي بتخصيص بعثة دولية لحفظ السلام تعدّ من أكبر مهمات حفظ السلام حول العالم.
وأدى هذا النزاع إلى توجيه «المحكمة الجنائية الدولية» اتهامات ضد الرئيس المعزول عمر البشير وثلاثة من كبار معاونيه، بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة جماعية، لكن السلطات في الخرطوم لا تزال ترفض تسليم البشير ومعاونيه إلى المحكمة الكائنة في لاهاي.
وعملت الثورة السودانية التي أسقطت نظام الإسلامويين بقيادة البشير على إزالة الاحتقانات ذات الطابع الإثني أو الجهوي، وكان هتاف الثوار الشهير «يا عنصري مغرور، كل البلاد دافور»، دليل عمل وطريق خلاص استنّه الثوار لحلحلة النزاعات المزمنة في السودان.
بيد أن حصاد الحقل كان أقل من طموحهم، ولم يطابق حساب البيدر، رغم نجاح الحكومة الانتقالية، بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في توقيع اتفاقية «سلام جوبا».
وتضمنت اتفاقية سلام السودان في «جوبا»، الموقّعة في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ثمانية «بروتوكولات»، شملت إعادة تنظيم وتشكيل القوات الأمنية والجيش بما يمكّن من دمج أفراد الميليشيات في القوات الحكومية، وتطبيق العدالة الانتقالية، والتعويضات وجبر الضرر، وتنمية قطاع الرحّل والبدو، وإعادة توزيع الثروة والسلطة، وحل قضية النازحين واللاجئين، وإعادة توزيع الأراضي.
لكن، رغم مرور أكثر من سنتين على توقيع الاتفاقية، لم ينفذ منها إلا بروتوكول تقاسم السلطة بين المتقاتلين السابقين والحكومة، وحصل بموجبه قادة هذه الحركات على مناصب كبيرة في السلطة، في مجلسي السيادة والوزراء، وظلوا يدافعون عن مناصبهم تلك رغم حل الحكومة نتيجة الانقلاب واستقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك؛ ما جعلهم في نظر الكثيرين «جزءاً من الانقلاب».
وقال الناطق الرسمي باسم «منسقية النازحين واللاجئين» آدم رجال لـ«الشرق الأوسط»، إن اتفاقية جوبا، وعوضاً عن حل مشكلة دارفور، أدت إلى تأزيم الوضع؛ لأنها لم تخاطب «أصحاب المصلحة والضحايا، بل خاطبت مصالح من يريدون السلطة والمال». وأضاف «لم يكن القتل والتشريد والإبادة الجماعية قضيتهم في الأصل».
وندد رجال بتمسك قادة الحركات المسلحة بمناصبهم في السلطة ورفضِ أي تعديلات على الاتفاقية قد تفقدهم تلك المناصب، وقال «لم يكونوا يريدون تحقيق تطلعات الشعب، بل تطلعاتهم الفردية، وأن يكون الواحد منهم وزير مالية أو رئيس وزراء. لذلك تحولت الاتفاقية لتقاسم مناصب».
وأرجع رجال بقاء قادة الحركات المسلحة في الخرطوم إلى خوفهم من مواجهة من أسماهم «أصحاب المصلحة في المعسكرات»، وقال «لقد وقّعوا باعتبارهم ممثلين لأصحاب المصلحة، لكنهم لم يترجموا الاتفاقات إلى عمل»، وأضاف «هم تجاهلوا حتى موضوع العدالة، وتخلوا عن حقوق الضحايا وتوفير الأمن ونزع السلاح وطرد المستوطنين الجدد من أراضي النازحين وتعويضهم فردياً وجماعياً ليتمكنوا من العودة إلى مناطقهم».
وأكد رجال، أن قادة الحركات تخلوا عن مطلب أهل دارفور الرئيس المتمثل بتسليم المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية، مكتفين بالسلطة والمناصب التي حصلوا عليها. لكن الأكاديمي والباحث في الشأن الدارفوري عبد الله آدم خاطر، رأى، أن اتفاقية جوبا لقيت الترحيب في البداية، وكان السلام رغبة شعبية عارمة بعد الثورة؛ لذلك علّق الناس آمالاً عريضة على استكمال هذا الشعور بالسلام. لكنه استطرد قائلاً «للأسف، نواقص الاتفاقية، خاصة في بروتوكول الترتيبات الأمنية وعدم إعادة تدريب المجموعات المنتمية للحركات ونقص التمويل، خلقت نوعاً جديداً من المشكلات».
وأوضح خاطر لـ«الشرق الأوسط»، أن ما حدث في الإقليم، خاصة في مناطق «جبل مون»، و«كريندنق»، و«كرينك» في المرحلة الأولى، والصراع الجاري الآن في منطقة «بليل» في جنوب دارفور، والذي أدى إلى مقتل ونزوح الآلاف، يعدّ أحد تجليات هذه المشكلات التي خلقها عدم الالتزام بالاتفاقية.
وحذر خاطر من تفاقم النزاع بسبب «الوافدين الجدد» الذين يبحثون عن أرض في دارفور وبعض كردفان، وقال «ما لم تأتِ حكومة حقيقية، يمكن أن تتفاقم هذه المشكلات».
وانتقد خاطر ذريعة الحركات بعدم تعاون الحكومة الاتحادية معها، وقال، إن هذه الحركات «لم توسع دائرة التواصل مع المواطنين، ولم تكسب الرأي العام ولم تهتم بالسلام، بسبب مشاركتها أو تواطؤها مع الانقلاب الذي أرجع عقارب الساعة إلى الوراء». وأضاف «لهذا السبب؛ يشعر الشعب بأنها خذلته بدل أن تستثمر في السلام، واختارت البعد عن المواطنين وقضاياهم». وتابع «على الحكومة المزمعة وحركات سلام جوبا استعادة التعاون من أجل تعزيز السلام وتحقيق تطلعات المواطنين».
من جهته، وصف الناشط السياسي منتصر إبراهيم اتفاقية سلام جوبا بأنها «خطر على دارفور»، وقال، إنها خلقت نوعاً جديداً من الاصطفاف أخلّ بالتوازن الاجتماعي بإضافة «منتصرين جدد». وأضاف «دافور كانت في حاجة إلى مصالحة شاملة، وليس إلى خلق توازنات جديدة، تتجلى في صراع تحالفات جديدة بين مكونات لم تكن جزءاً من الصراع».
وبحسب إبراهيم، فإن «مناطق ومجموعات جديدة لم تكن ضمن دائرة الصراع أصبحت جزءاً منه، ونشأت تحالفات جديدة بين مكونات كانت متحاربة في السابق»، وأضاف «حركة العدل والمساواة كانت الأوسع تمثيلاً، لكنها انحسرت وانحصرت في مكون اجتماعي معين». وأوضح إبراهيم، أن «الشكل الجديد الذي ظهرت (الحركة) به يعيد للأذهان خطاب النظام السابق الذي أنكره الشعب، وهو أن الحرب بين مكونات الإقليم هي حرب لصالح مكونات محددة».
وحذر إبراهيم من أن يؤدي انكفاء «حركة العدل والمساواة» والحركات الأخرى على مكوناتها الاجتماعية إلى النظر إليها على أنها مجرد حركة تخص مجموعة محددة، معتبراً أن «هذه المسألة سينتج عنها نوع جديد من الأخلال بالتطلعات المشتركة لأبناء الإقليم والأقاليم التي كانت جزءاً من العدل والمساواة».


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
TT

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)

يأمل ليبيون في إخضاع متهمين بـ«ارتكاب جرائم» خلال السنوات التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي إلى «محاكمة عادلة وسريعة».

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، تحدث ضمن إحاطة أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، عن «خريطة طريق» لمحاكمة المتهمين في ليبيا من بينهم المتورطون في «المقابر الجماعية» في ترهونة (غرب البلاد).

وقفة احتجاجية لعدد من أهالي ضحايا ترهونة بغرب ليبيا (رابطة ضحايا ترهونة)

ورغم تعهد خان في إحاطته، بالعمل على «قدم وساق لتنفيذ خريطة طريق لاستكمال التحقيقات في جرائم حرب حتى نهاية 2025»، فإنه لم يوضح تفاصيلها، إلا أن عضو «رابطة ضحايا ترهونة» عبد الحكيم أبو نعامة، عبّر عن تفاؤل محاط بالتساؤلات على أساس أن «4 من المطلوبين للجنائية الدولية في جرائم حرب وقعت بالمدينة منذ سنوات لا يزالون خارج قبضة العدالة».

ويقصد أبو نعامة، في تصريح إلى «الشرق الأوسط» قائد الميليشيا عبد الرحيم الشقافي المعروف بـ«الكاني»، إلى جانب فتحي زنكال، ومخلوف دومة، وناصر ضو، فيما يخضع عبد الباري الشقافي ومحمد الصالحين لتصرف النيابة، بعد القبض على الأخير السبت.

ومن بين ملفات اتهام متنوعة في ليبيا، قفزت منذ أشهر إلى مقدمة أجندة المحكمة الدولية جرائم «مقابر جماعية» ارتكبت في ترهونة (غرب ليبيا) إبان سيطرة ما تعرف بـ«ميليشيا الكانيات» بين أبريل (نيسان) 2019 ويونيو (حزيران) 2020، علماً بأن الدائرة التمهيدية لـ«الجنائية الدولية» قرّرت رفع السرية عن ستة أوامر اعتقال لمتهمين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وينتاب من يتهمون بهذا الملف وأسر ضحايا في ترهونة، القلق مما يرونه «تسييس عمل المحكمة الدولية، وغياب الآلية الفعّالة لتنفيذ مذكرات القبض ضد المتهمين، في ظل وجودهم في بعض الدول»، وفق ما أفاد علي عمر، مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» لـ«الشرق الأوسط».

يُشار إلى أن خان، أبلغ مجلس الأمن الدولي عن اتفاقه مع النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور، على آلية جديدة للتعاون بين الطرفين، لكنه لم يكشف عن تفاصيلها.

إلى جانب مخاوف «التسييس»، يبدو أن تحديد المدعي العام للجنائية الدولية إطاراً زمنياً للانتهاء من التحقيقات نهاية العام المقبل، قد يكون مثار قلق أكبر لعائلات الضحايا.

ووفق عمر: «قد يفاقم الإفلات من العقاب ويشجع مرتكبي الجرائم الدولية على مواصلة أفعالهم»، مع إيحاء سائد لدى البعض «بعدم وجود نية لملاحقة مرتكبي الجرائم أو فتح جميع ملفات الجرائم التي تندرج تحت اختصاص المحكمة».

ومن بين الاتهامات التي تلاحق «ميليشيا الكانيات» كانت تصفية أغلب نزلاء سجن «القضائية»، و«الدعم المركزي» بترهونة، في 14 سبتمبر (أيلول) 2019، في رواية نقلتها «رابطة ضحايا ترهونة».

ويلاحظ متابعون، أن ظلال الانقسام السياسي انعكست على زيارة خان إلى طرابلس، وفق أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الواحد القمودي. وعلى نحو أكثر تفصيلاً، يشير مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» علي عمر، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن غياب التعاون من قِبل السلطات في شرق ليبيا وغربها، من بين عراقيل أخرى تقف أمام «نزاهة التحقيقات».

مقبرة جماعية مكتشفة بترهونة (غرب ليبيا) (هيئة التعرف على المفقودين في ليبيا)

في غضون ذلك، فرض الدور الروسي الزائد في ليبيا نفسه على إحاطة خان، أمام مجلس الأمن، بعدما شككت مندوبة روسيا في ولاية المحكمة على الملف الليبي، مذكرة بأن ليبيا «ليست طرفاً في نظام روما الأساسي».

وفي حين يستبعد أمين «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في ليبيا عبد المنعم الحر دوراً روسياً معرقلاً للمحاكمات، فإنه يتفق مع مندوبة روسيا في أن «الإحالة من جانب مجلس الأمن لم تعط المحكمة الجنائية الدولية ولاية مطلقة على ليبيا»، مشيراً إلى أنها «اقتصرت على جرائم حصلت قبل تاريخ 19 فبراير (شباط) 2011».

ويستند الحر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الذي أجاز «التحقيق في جريمة أو أكثر ارتكبت»، وهو «ما يجعل القضايا التي وقعت بعد هذا التاريخ خارج ولاية المحكمة».

وقد يبدو «التفاؤل محدوداً» بمثول المطلوبين في جرائم الحرب بليبيا أمام المحكمة في لاهاي، وفق «مدير منظمة رصد الجرائم»، لكنه يشير إلى مخرج من هذا المأزق، وهو «اتخاذ خطوات أكثر جرأة، تشمل دعماً دولياً لضمان استقلالية التحقيقات، ووضع آلية فعّالة لتنفيذ مذكرات القبض».

وعلى نحو يبدو عملياً، فإن أمين المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا يقترح «حلاً قانونياً بتشكيل محكمة خاصة مختلطة يترأسها قاض ليبي تضم في هيئتها قضاة ليبيين ودوليين، على غرار المحكمة الدولية التي تم إنشاؤها للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005».