ليبيا.. ما بعد الصخيرات

التوقيع خطوة أولى في مسار شاق

ليبيا.. ما بعد الصخيرات
TT

ليبيا.. ما بعد الصخيرات

ليبيا.. ما بعد الصخيرات

رغم ظهور شكوك في الأجواء، فإن غالبية الأطراف المعنية بالوضع الليبي ما زالت تعرب صراحة عن سعادتها بما جرى السبت الماضي في بلدة الصخيرات المغربية من توقيع مبدئي على أول اتفاق من نوعه بين المتخاصمين في طرابلس وبنغازي وطبرق وغيرها من المدن الليبية. مدن تكتسي جدرانها بالدخان وآثار الحرب. يقول عيسى عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مع الحوار». إلا أنه يضع في نهاية الجملة كلمة «لكن» مثل العديد من القادة هنا.

* اليوم، وبعد نحو أربع سنوات من سقوط حكم العقيد الليبي السابق معمر القذافي، يمكن أن تتحسس رياح التفاؤل الحذر وهي تهب من ساحل البحر المتوسط، وتحمل البشرى لهذه الصحراء الغنية بالنفط، ومعها الثناء على ما بذله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، برناردينو ليون، من جهود. ليون دبلوماسي إسباني، أشرف بطول صبر على جمع الفرقاء الليبيين طيلة الشهور التسعة الماضية، إلى أن تنفس الصعداء وهو يشهد الأيدي توقع بالأحرف الأولى على الاتفاق. لكن، كما يقول هو نفسه، ما زال هناك الكثير مما يجب القيام به حتى ينعم الليبيون بالأمن والاستقرار.
على الجانب الآخر، أي على أرض الواقع حيث رائحة البارود وتكتكة الأسلحة، أصبح في الإمكان رؤية أرتال السيارات المموهة للمتطرفين وهي تتحرك بالأعلام السوداء لبسط النفوذ على منابع النفط. حين تنجو من بوابة للجماعات المتطرفة وتصل لمسؤول حكومي أو برلماني، وتسأله عن اتفاق الصخيرات، يشير بإصبعه إلى الدروب التي يتحرك فيها المتشددون الرافضون لأي حوار أو حل سياسي. يقول النائب إبراهيم عميش، رئيس لجنة العدل والمصالحة الوطنية في البرلمان، لـ«الشرق الأوسط»: «بينما نحن مشغولون بالحوارات يتوسع (داعش) على الأرض، ويلتف الآن للسيطرة على الهلال النفطي». ويضم هذا الهلال الجغرافي أكثر من 60 في المائة من نفط ليبيا.
وهذه من بين مجموعة عقبات وتحديات تواجه ليبيا. تدور تساؤلات حول من سينتصر ويؤمِّن بيع النفط ويوفر حاجات الناس التي بدأت تنفد، من غذاء وكهرباء ومياه. نجاح السياسيين والمتطرفين في هذه المعادلة سيحدد وضع ليبيا في مرحلة ما بعد الصخيرات. أو كما تسمع من عدة قادة يرابطون على جبهات المعارك: «التوقيع وحده ربما لن يكون كافيا للوصول إلى بر الأمان». في الحقيقة لا يبدو القلق من «داعش» وغيره من تنظيمات متشددة، لكن المشكلة أكبر من ذلك.
وهناك معضلة الموقف من قائد الجيش الفريق أول خليفة حفتر.. هل سيبقى أم سيخرج من المشهد كما يريد ممثلو الميليشيات المتطرفة الذين يرتدي بعضهم عباءة «مدينة مصراتة» وقوات «فجر ليبيا» و«المؤتمر الوطني المنتهية ولايته (البرلمان السابق)، كما يقول لـ«الشرق الأوسط» الدكتور صلاح الدين عبد الكريم، المستشار القانوني للجيش. فهؤلاء المتطرفون بميليشياتهم يتمركزون في طرابلس ولهم أنصار يحملون الأسلحة المتوسطة والثقيلة في مدن بنغازي ودرنة وسبها. ليس من الواضح كيف سيكون الحال عند تنفيذ الاتفاق على الأرض.
هناك أيضا مشكلة اقتراب الموعد القانوني لانتهاء أعمال البرلمان الحالي، في 21 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وهناك خياران بين التمديد له وإجراء انتخابات جديدة في ظروف صعبة وسط حالة الانفلات الأمني. السؤال الأهم: هل سيشارك ممثلو المؤتمر في اللقاء المقبل والحاسم في الصخيرات.. وهل ستشارك القبائل المحسوبة على نظام القذافي في آخر لحظة.. وما هي طريقة حل الخلافات بين المتحاورين بشأن بنود معلقة مثل صلاحيات المجلس الأعلى للدولة، وكيفية تسليم الأسلحة ودمج عناصر الميليشيات في المؤسسات الرسمية وفي الجيش والشرطة؟
يمكن أن تقول، مثل العديد من وجهاء القبائل، إن الحوار الذي بدأ أولا في مدينة غدامس في غرب البلاد في الخريف الماضي، برعاية ليون، كان يدور بالأساس بين شركاء ثورة فبراير (شباط) التي قضت على القذافي. هؤلاء الشركاء، وهم جماعة الإخوان ومعهم الجماعات المتطرفة من جانب، والتيار المدني من جانب آخر، تخاصموا وأحرقوا بالصواريخ مدنا ومطارات ومصافي للنفط، طوال العامين الماضيين.
أما القبائل الكبرى التي جرى اتهامها من «الثوار» بأنها كانت موالية للنظام السابق، فظلت بعيدة عن مجريات التفاوض، ومنها قيادات من «ورفلة» و«ورشفانة» و«ترهونة» و«المقارحة» و«القذاذفة»، وغيرها. يقول أحد قيادات قبيلة القذاذفة والذي يقيم في القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «ليون طلب في بداية الحوار أن نتصل به، لكن نحن قلنا له إن عليه هو أن يبادر بالاتصال أولا. المفترض أنه هو الذي يريدنا لإنجاح مهمته، لكنه لم يفعل».
على أي حال استمرت محاولات جمع فرقاء فبراير حول طاولة واحدة. مرة في ليبيا وأخرى في جنيف، وكذلك في الجزائر وأخيرا في الصخيرات. هذا كان أمرا صعبا. كانت معظم هذه الأطراف تخوِّن بعضها بعضا وتتهم بعضها بعضا. بكل بساطة، تتقاتل وتغزو المدن. كل جبهة تعذب من لديها من سجناء الجبهة الأخرى.
يقول أحد القادة العسكريين من الجيش الليبي الذي يقوده الجنرال خليفة حفتر، لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش لم يؤخذ رأيه في هذه الحوارات». ويضيف أن الجيش، مع ذلك «مستمر في الحرب على الإرهابيين». وهو يرى أن من بين هؤلاء «الإرهابيين» قوة «فجر ليبيا» التي يشارك ممثلون عنها في حوار ليون. هذه معضلة أخرى ستظهر ملامحها عمليا في المستقبل القريب.
الجيش كما هو معلوم يعاني من نقص في التسليح، مما أدى إلى صعوبة حسم معركته مع المتطرفين. يتهم هذا القائد العسكري وهو يتحدث من مقره في رئاسة الأركان جنوب طبرق، المجتمع الدولي والأمم المتحدة بوضع العراقيل أمام شراء الجيش لحاجته من الأسلحة والذخيرة.
الأمم المتحدة تجاهلت، كما يقول المستشار عبد الكريم، تقوية السلطة الشرعية ممثلة في البرلمان والجيش، وقامت في المقابل بالتركيز على الحوار وكأنها تريد إجبار الليبيين على الرضا بحكم الميليشيات المتشددة مرة أخرى.
منذ بداية وصول ليون لليبيا بدا أن هناك اندفاعا غربيا لإنجاز مسألة الحوار بأي ثمن، رغم غياب أطراف ليبية فاعلة على الأرض. وقامت العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية المحسوبة على هذا الاتجاه بتخصيص مساحات واسعة من وقتها للترويج للقاءات المبعوث الأممي، حتى بدا لقطاعات كثيرة في هذا البلد أن مجرد الوصول إلى مرحلة التوقيع يمكن أن تحل المشكلة الليبية.
هناك مثل في أوساط الليبيين يقول إنه كلما انعقد اجتماع من هذا النوع وقعت مشكلة كبيرة في البلاد. تردد هذا المثل أولا حين حاول المتطرفون في طربلس ومصراتة السيطرة على حقلي الفيل والشرارة في جنوب ليبيا.. وتردد أيضا وقت أن شنت قوات المتطرفين أنفسهم تحت اسم «قوات الشروق» هجوما داميا لاحتلال منابع النفط قرب بلدة النوفلية.. ثم تردد المثل نفسه أخيرا حين توسع «داعش» فجأة، منذ يوم السبت الماضي، في منطقة الهلال النفطي. وبطبيعة الحال، كما يقول أحد نواب البرلمان: «هذه مجرد مزحة عامة تعكس ما يشعر به الليبيون من مرارة وعدم ثقة في ما يجري بشأن دولتهم».
فور توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى في الصخيرات أعلنت الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني الترحيب به، وأصدرت بيانا قالت فيه إنه خطوة على بداية الطريق الصحيح لخروج ليبيا من أزمتها، ودعت جميع الأطراف لتغليب مصلحة الوطن، للوصول لاتفاق شامل يؤسس لحكومة وفاق وطني تقود الليبيين في معركتهم ضد الإرهاب. كما رحب بالاتفاق عدد من دول الجوار وسفراء دول غربية.
المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، بدر عبد العاطي، نقل في بيان رسمي ترحيب القاهرة بتوقيع الاتفاق ووجه التحية لـ«الموقف الإيجابي والشعور بالمسؤولية الذي تحلى به المشاركون في الحوار»، ولـ«الجهود الكبيرة» التي بذلتها بعثة الأمم المتحدة وعلى رأسها ليون للوصول إلى «هذه النتيجة الإيجابية». كما عبرت مصر عن «خالص تقديرها للمملكة المغربية الشقيقة على دورها في استضافة الأطراف الليبية المتحاورة». وأشار بيان عبد العاطي إلى «أهمية الدور الذي لعبته دول جوار ليبيا في توفير الظروف التي أدت إلى التوقيع على هذا الاتفاق».
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن الاتفاق يضع حلا سلميا للأزمة الليبية. وحضر مراسم التوقيع في حفل رسمي بالصخيرات سفراء ومبعوثون من دول كبرى، إضافة إلى شهود ليبيين من عدة مجالس محلية وأحزاب، بينما قاطعها المؤتمر الوطني واكتفى بإرسال رسالة إلى ليون أكد فيها على استمراره في الالتزام بمبدأ الحوار كأساس للحل، واستعداده للحضور في الجولة المقبلة لتقديم تعديلات يرى أنها جوهرية لإنجاح الحوار.
التوقيع في حد ذاته أشاع أجواء جديدة وبوادر انفراجة، وأوضح بحسب عدة أطراف متخاصمة أنه لا يمكن لفصيل واحد حل مشكلة ليبيا بمفرده. هذه لغة إيجابية لم تكن معتادة في خضم الصراع بالمدفعية والراجمات. كما وصف أحد المشاركين من مصراتة، وهو النائب فتحي باشاغا، توقيع المسودة بأنه إنجاز وطني يجدر الاحتفاء به، من أجل الوصول لاتفاق نهائي وتشكيل حكومة وفاق. بيد أن هناك من ينظر للصورة من زاوية مختلفة، ويخشى من تعقيدات الواقع عند الدخول في تفاصيل التنفيذ مستقبلا. يقول عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان: «نحن لسنا ضد أي اتفاق أو صلح من شأنه أن يمضي بليبيا إلى بر الأمان. ومع ذلك أعتقد أن التوقيع بالأحرف الأولى لا يعني التوقيع النهائي. البرلمان هو الذي سيقرر كيف ستسير الأمور».
يشير عبد المجيد هنا إلى مخاوف من أن تنفرد حكومة الوفاق المقترحة في مسودة الصخيرات بمصير الجيش. ويرى أن الكلمة النهائية في هذا الأمر لا بد أن تستمر في يد البرلمان.. «هناك ثوابت لدى البرلمان. أولا: منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة يكون للبرلمان ورئيسه. حتى لو تغير الوضع وأصبح رئيس الحكومة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، فلا بد أن يكون اختيار هذه الحكومة ورئيس الوزراء من المجلس المنتخب، وليس من أي جهة أخرى. البرلمان سيستمر كجهة وحيدة مخول لها منح الثقة للحكومة أو سحب الثقة منها».
وعما إذا كان يخشى من تأثير تنفيذ اتفاق الصخيرات على الجيش، يقول: «لا أحد يستطيع أن يصدر قرارات بإلغاء تكليف القائد العام للقوات المسلحة إلا البرلمان». مثل هذا الشعور بالخوف على مؤسسة الجيش من التفكك مجددا بعد أن جرت إعادة بنائها مطلع العام الماضي موجود لدى قادة آخرين في مجلس النواب والقوات المسلحة. ويتابع عبد المجيد قائلا: «أنا كمواطن ليبي أقول لك إنه على الجميع أن يفهم أن الجيش خط أحمر، وأمن ليبيا خط أحمر، وشرعية البرلمان خط أحمر. لن نتنازل عن البرلمان الشرعي المنتخب من الشعب، ولن نتنازل عن الجيش، ولا عن منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولن نعطي هذه السلطة للإرهابيين مرة أخرى، ولن نسمح مرة أخرى للإخوان ولأتباع الإخوان بالتلاعب بأمن ليبيا».
واعتاد خصوم القبائل المحسوبة على نظام القذافي وصفها بـ«الأزلام»، رغم أنها قبائل كبيرة ولها تأثير في مجريات الأمور. ويستشعر بعض زعماء هذه القبائل بأنه يوجد إصرار من جانب «الثوار» على أن تقتصر عملية الحوار على قادة «17 فبراير». لكن المستشار عبد المجيد يرى أن هذه أمور تجاوزها الزمن، ويأخذ على حوار الصخيرات عدم مشاركة القبائل الرئيسية فيه.. «كان يفترض أن تشارك هذه القبائل في حوار ليون. هذا إذا كانت تريد نجاح الحوار من دون استثناء». ويقول: «(17 فبراير) ليست قرآنا. نحن اليوم نريد أن نبني دولة قانون.. ولذلك المقاضاة تكون لمن أجرم في حق الشعب فقط، وليس معاقبة كل الليبيين».
النائب عميش يمثل مدينة بنغازي في البرلمان، ويرأس فيه لجنة العدل والمصالحة الوطنية، وينظر للتوقيع في الصخيرات بتشكك وهو يرصد التطورات في بلاده، ويقول إن «الموضوع برمته حتى الآن ينحصر في أنه لا يوجد حسن نية». ويضيف: «بينما نحن مشغولون بالحوارات والمصالحة الوطنية، يتوسع تنظيم داعش على الأرض.. لقد سيطر أخيرا على سرت وعلى القرضابية وعلى معسكرات كاملة، ويلتف الآن لابتلاع الهلال النفطي بأكمله بما فيه من موانئ لتصدير البترول. أنا أشكك في النوايا الدولية تجاه ليبيا».
من بين المخاوف التي يشعر بها النواب وجود اتجاه يتبناه قطاع من المتشددين في طرابلس، يتحدث عن انتهاء مدة عمل البرلمان في 21 أكتوبر المقبل. لكن عميش يقول إن «هذا الكلام غير صحيح، وفي الوقت نفسه لا تستطيع أن تقول إنه كلام غير شرعي، لأن الوضع يتطلب إنهاء بعض المهام، وهذه المهام تتعرض للإعاقة من البعض حتى داخل البرلمان نفسه»، وهو يشير في هذا الصدد إلى تشريعات ينبغي الانتهاء منها لحماية الدولة من أي احتمال لحدوث فراغ في السلطة. حول هذه النقطة يشدد المستشار عبد المجيد على أن البرلمان لن يسلم السلطة النيابية إلا لمجلس منتخب، ويضيف أن هذا يتطلب إجراء انتخابات، وهو أمر «صعب في ظل الأوضاع الأمنية المتردية في عموم ليبيا.. هل نسلم السلطة لـ(الإخوان) والمتطرفين و(داعش)؟».
من جانبه، يعتقد المستشار عبد الكريم أن مسودة الصخيرات ستعيد الميليشيات المسلحة التي يديرها المتطرفون لحكم البلاد بعد أن أسقط الليبيون ممثليها في انتخابات المؤتمر المنتهية ولايته، مشيرا إلى أن «الشعب التف حول الجيش بعد أن رأى الفوضى على يد هذه الميليشيات. ما أراه اليوم هو محاولة لإعادة حكم ليبيا للمتطرفين». رغم التشدد من بعض الأطراف سواء في الجبهة الغربية التي يهيمن عليها «الإخوان» وقادة الميليشيات، أو الجبهة الشرقية التي يوجد فيها البرلمان ويتركز فيها الجيش، فإن الحوار في حد ذاته أدى إلى فتح العديد من الثغرات من أجل البحث عن مخرج.
تقول مصادر على صلة بمفاوضات الصخيرات إنه سيجري وضع النقاط الخلافية في الاعتبار، بما فيها محاولة إدخال عناصر فاعلة أخرى مثل باقي القبائل وقادة من القوات المسلحة، ضمن مخرجات الاتفاق النهائي حتى يكون قابلا للتنفيذ، خاصة أن ليون نفسه أعلن أنه سيعقد اجتماعا آخر مع كل الأطراف قبل التوقيع النهائي، داعيا كل من لم يستطع الحضور في اجتماع الصخيرات الأخير للمشاركة لمواجهة التحديات التي تمر بها البلاد.

* الأطراف الليبية في الصخيرات.. وخارجها
* أهم الأطراف التي شاركت في التوقيع بالأحرف الأولى على مسودة اتفاق الصخيرات: «البرلمان» و«مجموعة من النواب المقاطعين لجلساته (أغلبهم من مصراتة)»، و«مجموعة المستقلين»، وغالبية «الأحزاب الليبية» وبعض من ممثلي «المجالس البلدية».
* المؤتمر الوطني المنتهية ولايته (البرلمان السابق) شارك في معظم جلسات الحوار لكنه لم يحضر توقيع مسودة الصخيرات، بسبب وجود خلافات بين أعضائه حول بعض البنود، وقال إنه سوف يتقدم في وقت لاحق بتعديلات يرى أنها لازمة من أجل إنجاح الاتفاق.
* انطلاق الحوار بقيادة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون منذ أواخر العام الماضي، تسببت في تغيير الكثير من المواقف التي كانت متشددة خاصة بين قادة الميليشيات العسكرية المحسوبة على مدينة مصراتة وفجر ليبيا، مما أدى إلى انسحاب بعض هذه الميليشيات من تحت عباءة القادة المتشددين، والانحياز لموقف المجلس البلدي لمصراتة الرافض للاقتتال والتطرف.
* يقوم عدد من نواب البرلمان الذي يعقد جلساته في طبرق بمحاولات للوساطة مع أطراف من مصراتة وأخرى قبلية وعسكرية لديها تحفظات على حوار الصخيرات، من أجل تغيير مواقفها، والتوصل لحلول وسط، والمشاركة في إنجاز الاتفاق النهائي. وجانب من هذه اللقاءات بدأ الترتيب له ليكون في القاهرة خلال عيد الفطر هذا الأسبوع.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.