المعارضة السورية «قلقة» من الاتفاق النووي.. والأسد يصفه بـ«نقطة التحول الكبرى»

غليون: اتفاق مصلحي دون مناقشة ملفات الشرق الأوسط وتدخل إيران فيها

المعارضة السورية «قلقة» من الاتفاق النووي.. والأسد يصفه بـ«نقطة التحول الكبرى»
TT

المعارضة السورية «قلقة» من الاتفاق النووي.. والأسد يصفه بـ«نقطة التحول الكبرى»

المعارضة السورية «قلقة» من الاتفاق النووي.. والأسد يصفه بـ«نقطة التحول الكبرى»

انعكس توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، قلقًا في صفوف المعارضة السورية من «مساومة أميركية على قضية الشعب السوري»، وإحباطا لدى معارضين آخرين، وسط ترقب لسلوك طهران السياسي مع المجتمع الدولي بعد توقيع الاتفاق، ومدى قدرة الغرب على «ممارسة ضغوط عليها لإجبارها على الكف عن دعم نظام» الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي مقابل الترقب، حسم النظام السوري، «انتصار إيران»، واصفًا الاتفاق بأنه «نقطة التحول الكبرى». وقال الأسد في برقيتي تهنئة أرسلهما إلى المرشد الأعلى علي خامنئي ونظيره الإيراني حسن روحاني: «التوقيع على هذا الاتفاق يعتبر منعطفا جوهريا في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتاريخ علاقاتها مع دول المنطقة والعالم».
وفي مقابل الاحتفالية الحكومية السورية، أعربت نائبة رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، نغم الغادري عن قلقها من الاتفاق، قائلة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن قلقون من أن يكون الاتفاق وُقع على حساب دمنا»، لكنها أكدت «أننا سنكمل ثورتنا، ولن نتوقف». وأشارت إلى أنه «إذا اتجهت الحكومة الأميركية للتطبيع مع النظام السوري، فإننا سنتوجه إلى الشعب الأميركي مباشرة عبر مؤسسات مثل الكونغرس، للحصول على دعم الشعب».
وينسحب القلق، إحباطا وخوفًا وترقبًا على معارضين سوريين آخرين. ورأى الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري المعارض برهان غليون، أن توقيع الاتفاقية دون مناقشة الشؤون الرئيسية بالشرق الأوسط والمشكلات المرتبطة بتدخل إيران، «هو لمصلحة الدول الغربية فقط، ويأتي على حساب دول المشرق العربي عمومًا، وسوريا بشكل خاص». وأضاف في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن لدول تحترم نفسها، وأقصد الدول الغربية، أن توقع اتفاقا مع نظام من هذا النوع، وتزيل عنه العقوبات الاقتصادية، في وقت يشارك فيه ويدعم عمليات الإبادة الجماعية في سوريا، كما يشارك في خطط تغيير ديموغرافي للسكان في سوريا»، مستدلاً بصور بثت عن مظاهرات شهدها الجامع الأموي يوم الجمعة الماضي بـ«يوم القدس»، ورفعت فيها أعلام إيران وحزب الله وفصائل شيعية مقاتلة في دمشق، عادّا أن ذلك «اعتداء موصوف على المذاهب والأقسام والتيارات الأخرى من الشعب السوري».
وقال غليون إن توقيع الاتفاق «يمثل ضربة كبيرة لكل قيم التضامن الإنساني ولكل مبادئ حقوق الإنسان التي يتغنى بها الغرب»، لافتًا إلى أن الأسد رحب بالاتفاق «على أمل أن تصله الأموال الإيرانية التي سيفرج عنها الغرب». لكنه قال إنه لا يمكن التماس انعكاسات الاتفاق على الأزمة السورية «قبل أن نرى تحرك الغرب، لتقدير ما إذا كان ثمن الاتفاق فتح فرص جديدة لطهران والأسد، أو الضغط على الإيرانيين لتغيير سياساتهم الإجرامية في سوريا والعراق واليمن، وفتح مجال للحلول السياسية».
أما الباحث السياسي وأستاذ العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيد في التوقيع أنه حرّر الأطراف من قيود كانت تعوق أي تحرك أميركي في الأزمة السورية»، موضحًا أن تركيا والأردن تقدمتا بطلب لإنشاء مناطق عازلة على الحدود السورية، وتم رفضها أو تأجيلها من قبل واشنطن «كي لا يزعج أي فعل المفاوضات على الاتفاق». وأشار إلى أن تجميد إنجازات المعارضة في الجنوب «واضح أنه كان بفعل فرملة أميركية، كي لا تؤثر التطورات السورية على المفاوضات»، لافتًا إلى أن التدخل «قد يذهب باتجاه مسار سلمي، أو مسار تصعيدي، ويمكن أن يتيح للحرس الثوري الإيراني التدخل، كما فعل الاتفاق على ملف الأسلحة الكيماوية السورية».
ورأى نادر أن الاتفاق «يضع قيودا أساسية في يدي طهران، ولم تحصل إيران إلا على رفع العقوبات المالية عنها حتى الآن، لكن كيفية الاستجابة، ستكون شيئًا آخر».
ويقول الباحث السياسي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة «باريس الجنوب» خطار أبو دياب، إن «المأساة السورية كانت رهينة الاندفاعة الإيرانية لتحقيق نقاط في الملف النووي»، مشيرًا إلى أن «نقاطا كثيرة مرتبطة بسوريا وقضايا إقليمية أخرى كانت مجمدة في الثلاجة، إلى حين تحقيق هذا الاتفاق». ورأى أبو دياب أن كل الجهد الإيراني المبذول للإيحاء بأن «الاتفاق هو مكافأة أو إضافة على التوسع الإقليمي الإيراني، سيثبت أنه رهان غير صحيح»، ذلك أن «حسابات الحقل ستختلف عن حسابات البيدر»، لافتًا إلى خطة «إعادة التأهيل الإيراني من قبل واشنطن التي ستفرض منطقيا انتقال الجمهورية الإسلامية من زمن ولاية الفقيه، إلى زمن الدولة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.