فكر وحياة الماركيز دو ساد في «رسائل من السجن»

خطابات غاضبة تكشف عن قمع السلطات الفرنسية له وتفضح ممارساتها

فكر وحياة الماركيز دو ساد في «رسائل من السجن»
TT

فكر وحياة الماركيز دو ساد في «رسائل من السجن»

فكر وحياة الماركيز دو ساد في «رسائل من السجن»

صدر مؤخراً عن دار الرافدين العراقية كتاب «رسائل من السجن... بين سادية الخيال وسادية الواقع»، للفيلسوف والكاتب الفرنسي دوناتيان ألفونس فرنسوا، الماركيز دو ساد، (1740 - ديسمبر (كانون الأول) 1814)، وهو الذي حظرت سلطات بلاده على مدى سنوات طويلة مؤلفاته؛ ومنها «الفلسفة في المخدع»، و«مصائب الفضيلة» بزعم دعوتها للإيروسية المشبعة بالعنف والقسوة. ولم يتوقف ما تعرض له دو ساد عند هذا الحد، لكنه قضى أيضاً سبعة وعشرين عاماً من عمره رهن التوقيف والاحتجاز، حيث وجدت جميع الأنظمة التي حكمت بلاده، في كتاباته، خطراً على المجتمع.
وفي «رسائل من السجن» الذي قدم نسخته العربية المترجم المصري لطفي السيد منصور، يدافع دو ساد عن نفسه، في مواجهة مضطهديه، ويعترف بأنه «فاسق»؛ وأنه تخيل في كتاباته كل شيء يمكن القيام به، لكنه لم يفعل كل ما تخيله، ويذكر أنه ليس مجرماً ولا قاتلاً، ولما وجد نفسه مجبراً على وضع اعتذاره جنباً إلى جنب الدفاع عن نفسه، قال، إن أولئك الذين يدينونه ظلماً هم مثله، كما أنهم لم يكونوا يوماً قادرين على موازنة عيوبهم بالأعمال الصالحة، وخلال سطور رسائل كثيرة بعثها لها، كال دو ساد لزوجته مدام دو ساد، الاتهامات وأطلق الصفات التي تحط من قدر عائلتها، مشيراً إلى أنه يكره أسرتها الشائنة، وسوف تتطابق حلقات انتقامه يوماً ما مع كل عوائدها الشرسة.
وتكشف الرسائل التي تزيد على 70 رسالة تتراوح بين التلغرافية والمحاورات الطويلة عن فكر وحياة ونفسية دو ساد، وفيها يبدو شخصية أخرى غير التي يعرفها القراء من خلال كتاباته الأدبية والفلسفية، فتارة يظهر ساخطاً على ابنه الأكبر بسبب جفائه، وتارة يشعر بالمسؤولية تجاه أبنائه، ويتمنى أن تربيهم جدتهم لأمهم أفضل مما رُبي هو، كما يظهر فيها بوصفه مفكراً لا يساوم على مبادئه من أجل أي شيء. حتى لو كانت الحرية...
وتساوت جميع السلطات القمعية التي كان دو ساد عرضة لها، في فرنسا على أسلوب واحد للتعامل، مع كتاباته وأفكاره، فقد رفضتها وتحفظت على ما جاء فيها، ولا فرق في ذلك بين النظام الملكي، وحكومة القناصل والنظام الإمبراطوري، والجمهوري، فقد قامت بوضعه تارة تحت الإقامة الجبرية والحبس في سجن الباستيل، وتارة عزلته في «مصحة شارنتون»، وهي مستشفى للأمراض العقلية، عاش فيها دو ساد مع المصابين بالجنون والصرع والأمراض العقلية الأخرى، ولما وجد نفسه في مواجهة يومية معهم؛ كون من بينهم فرقة مسرحية، سرعان ما قدمت عروضاً عامة، ومهرجاناً شبه احتفالي، هرع إليه معظم سكان باريس، وتلقى دعماً كبيراً من مدير المشفى، الذي كان يرى فيه مزايا كبيرة، فيما يتعلق بحالة النزلاء، لكن دو ساد، رغم كل هذا التشجيع وجد نفسه، ومحاولته الاستثنائية لابتكار نوع مفيد من العلاج للنزلاء، يصل لطريق مسدودة، بعد أن قررت السلطات منعه من الاستمرار، وأوقف نشاط الفرقة.
ولا يوجه دو ساد رسائله لشخصيات يعرفها فقط، مثل عمته «رئيسة دير سان بينوا»، وزوجته «رينيه بيلاجي دي مونتروي» ووالدتها، لكن أيضاً يبعث خطاباته لمستقبل غير محدد، يتمثل تارة في سجانيه، ويسميهم «السادة المديرين»، وتارة يوجه كلامه في الرسائل إلى جمهور لانهائي، وغير محدود، يقول «أنا أؤكد للكون كله».
ويصف دو ساد «حماته» في إحدى خطاباته، بـ«الرئيسة مونتروي»، و«العادلة والمنصفة» ثم يعود ويقول إنها سبب تعاسته الممتدة، بعد إصرارها على تزويجه من ابنتها الكبرى رغم أنه كان يتمنى الصغرى التي مال لها ومالت له، وقد راح بعد فترة شديدة من الغيرة تجاه زوجته، يركَّز غضبه الساخر على والدتها، متهِماً إياها بأنها السبب الوحيد لمصائبه كافة، وقد أسرّت له ذلك، وراحت تنكل به وتستغل أفكاره وكتاباته لمعاقبته كلما أرادت.
وتشكِّل، رسائل الماركيز إلى جوفريدي، وهو رجل أعمال وصديق طفولته معاً وموكله، الجزء الأكبر من مراسلاته، وفيها تظهر انفعالاته سواء مُعنَّفاً، مهدَّداً، مهاناً، ممدوحاً أو متوسلاً، ولا ينفصل كل ذلك عن تحولاته الفكرية. وبسبب العديد من المغامرات، يحاول جوفريدي، مع تقدُّم العمر، أن ينأى بنفسه عن موكله الرهيب. وهو بالطبع، ما لا يناسب ميل الماركيز.
وبين رسائل دو ساد هناك خطابات بعث بها إلى فينو، وهو كاتب العدل في بلدة شارنتون التي تقع ضمن ضواحي باريس، والذي أودع لديه وصيته، يطلب فيها عدم إصدار أي وثيقة تتعلق بالموافقة على زواج ابنه، وذلك حتى يكشف «المؤامرة والتهديدات التي تتم ممارستها عليَّه للحصول على موافقته، كما يدعوه للاحتفاظ بالمستندات كوديعة لديه».
وفي الرسائل التي يبعث بها دو ساد لزوجته يظهر غيوراً عليها، ويطلب منها عندما تأتي لزيارته في «الباستيل» أن ترتدي ملابس محتشمة، ولا تأتي بصحبة أحد رجال الشرطة، كما يقوم في بعضها بمجادلة خصومه مفنداً الجرائم التي ألصقوها به، ويطالبهم بوضعها في حجمها الحقيقي، ومعاقبة الآخرين الذين كانوا طرفاً فيها، وتسببوا فيما وصل إليه، وقد بدا ذلك واضحاً في رسالته إلى إميلي دي بيمار، التي صارت حماة نجله، ووقعت تحت تأثير سحره، حيث كانت تزوره في مصحة «شارنتون»، وصارت مفتونة بشخصيته الخارجة عن المألوف، وحاولت أن تهديه إلى الإيمان الديني والأخلاق الاجتماعية بجعله يقرأ كتاب «عبقرية المسيحية» تأليف شاتوبريان، وقد جاء رده ساخراً، وراح يسألها مستنكراً، لماذا يعظني الذين يضطهدونني بإله لا يقلِّدونه؟ كم من المرات يجب أن أشكو بمرارة، من مخاوف وهمية يتصورها البعض عنه ولا تستند سوى إلى افتراءات.
ويذكر دو ساد لـ دي بيمار، أن من يضطهدونه ويجعلونه يعاني لم يتمكَّنوا من إضفاء الشرعية على احتجازه الصارخ، فهم يعملون على إثارة الشكوك حوله لدى من لا يعرفونه بأنه ارتكب جرائم أخرى، وينشرون في حقه هو وعائلته كثيراً من الفضائح، وذلك كله بغض واضح يكمن في أنهم يسعون لإيقافه عن الكتابة وتحطيم قلمه.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)

عجلت فرنسا في الإعراب عن سرورها بانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في الجولة الثانية من جلسة مجلس النواب، وعدّت أن وصوله إلى «قصر بعبدا» يأتي «في لحظة تاريخية وحاسمة بالنسبة إلى لبنان، هذا الانتخاب يضع حداً لسنتين من الشغور الرئاسي الذي أضعف لبنان. ويفتح صفحة جديدة للبنانيين، وينبغي أن يكون الانتخاب مصدر أمل لهم ولجميع شركاء لبنان وأصدقائه»، فيما أعلن «الإليزيه» أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور «لبنان قريبا جدا»، بعد اتصال هاتفي جمعه مع الرئيس عون وتمنّى فيه الرئيس الفرنسي «كل النجاح» لنظيره اللبناني.

وكانت وزارة الخارجية الفرنسية، قد قالت بعد دقائق قليلة من انتهاء العملية الانتخابية، في بيان قرأه كريستوف لوموان، الناطق باسمها، إن انتخاب الرئيس الجديد «مصدر تشجيع لفرنسا، التي عملت جاهدةً على إعادة تشغيل المؤسسات اللبنانية عبر التعبئة الكاملة للوزير جان نويل بارو، وبعثة المساعي الحميدة التي يقودها منذ يونيو (حزيران) 2023 الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية في لبنان، جان إيف لودريان، بالتعاون الوثيق، بالطبع، مع شركائنا في (اللجنة الخماسية)».

هذا وذكرت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس ماكرون «أبلغ الرئيس عون بأنّ فرنسا ستواصل جهودها الرامية للتوصل سريعاً إلى تشكيل حكومة قادرة على جمع اللبنانيين وتلبية تطلعاتهم واحتياجاتهم وإجراء الإصلاحات اللازمة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار والاستقرار والأمن وسيادة لبنان».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً لسفراء بلده عبر العالم الاثنين الماضي... وقد لعب دوراً ميسِّراً ساهم في انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية (أ.ف.ب)

بيد أن الدور الفرنسي لم يتوقف عند بارو وبعثة لودريان؛ إذ إن الرئيس إيمانويل ماكرون أدى درواً خاصاً وفاعلاً عبر الاتصالات الكثيرة التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين، الذين دعا بعضهم إلى باريس، والبعض الآخر تواصل معه عبر الهاتف، حتى في الأيام الأخيرة. فضلاً عن ذلك، أجرى ماكرون مشاورات عدة مع الجانب الأميركي ومع أطراف عربية، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية، وكذلك مع مصر والأردن وقطر والإمارات. كذلك لعبت الخلية الدبلوماسية في «قصر الإليزيه» دوراً مهماً، ممثلة في مانويل بون، مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية، وآن كلير لو جاندر، مستشارته لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي.

باريس تدعو لتعجيل تشكيل حكومة داعمة للرئيس الجديد

لم تكتف باريس بالتهنئة؛ بل وجهت مجموعة من الرسائل؛ أولاها دعوة السلطات والسياسيين اللبنانيين إلى «الانخراط في إنهاض مستدام» للبنان الغارق منذ سنوات في أزمات متعددة الأشكال سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً، فضلاً عن إعادة إعمار ما تهدم بسبب الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» وما نتج عنها من دمار مخيف. والطريق إلى ذلك، يمر، وفق «الخارجية» الفرنسية، عبر «تشكيل حكومة قوية، وداعمة لرئيس الجمهورية، وقادرة على لمّ شمل اللبنانيين والاستجابة لتطلعاتهم واحتياجاتهم، وإجراء الإصلاحات اللازمة لانتعاش لبنان الاقتصادي واستقراره وأمنه وسيادته».

وسبق لفرنسا أن أسدت، مع دول رئيسية أخرى، هذه النصائح للبنان منذ سنوات كثيرة وقبل الشغور الرئاسي؛ لا بل إنها دعت منذ عام 2018 السلطات اللبنانية إلى القيام بإصلاحات سياسية (الحوكمة) واقتصادية يحتاجها لبنان، ويطالب بها المجتمع الدولي والمؤسسات المالية والاقتصادية الإقليمية والدولية؛ لمد يد العون والمساعدة للبنان. ويتعين التذكير بأن مؤتمر «سيدر» الذي دعت إليه فرنسا واستضافته في عام 2018، وعد بتقديم 11 مليار دولار للبنان قروضاً ومساعدات؛ شرط إتمام الإصلاحات، وهو الأمر الذي لم يحدث.

الرئيس اللبناني الجديد مستعرضاً الحرس الجمهوري لدى وصوله إلى قصر بعبدا الخميس (د.ب.أ)

دعم غير مشروط للبنان

ترى باريس أن انتخاب العماد عون يمكن أن يساهم في أمرين؛ الأول: الذهاب إلى استقرار لبنان من جهة؛ وثانياً، من جهة أخرى، «التنفيذ السليم، في المستقبل القريب، لوقف إطلاق النار» بين لبنان وإسرائيل بموجب الاتفاق المبرم في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي دفعت باريس إليه بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية.

بيد أن الرسالة الأخرى التي شددت عليها وزارة الخارجية الفرنسية عنوانها أن باريس «ملتزمة بحزم» بتحقيق هذا الأمر (احترام وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الدولي رقم «1701»)، وذلك «إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية و(قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان - يونيفيل)».

وزيرا خارجية فرنسا والولايات المتحدة يتحدثان للصحافة بمقر وزارة الخارجية الفرنسية الأربعاء (أ.ف.ب)

وبكلام قاطع، أرادت فرنسا أن تقول إنها إذا كان لها دور عبر مشاركتها في «اللجنة الخماسية» وفي دفع الطبقة السياسية اللبنانية إلى الوصول لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، إلا إنها لن تتخلى عن لبنان مستقبلاً. وجاء في بيان «الخارجية» أن فرنسا «وقفت إلى جانب لبنان والشعب اللبناني، وستواصل القيام بذلك، وهو الأمر الذي يعلم به رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد جوزيف عون».